دور الأئمة في تجديد الدين مع الدكتور محمد الساعي

  • 2020-09-20

دور الأئمة في تجديد الدين مع الدكتور محمد الساعي

السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته: أيها الإخوة الكرام والأعزاء والمتابعون أهلاً وسهلاً بكم جميعاً في لقاءٍ يتجدد مع فضيلة الأستاذ الدكتور: محمد نعيم الساعي، وبلقاءٍ طيبٍ مباركٍ، بعنوان: دور الأئمة في تجديد الدين وإحياء وظائف الأنبياء، أهلاً وسهلاً ومرحباً بكم فضيلة الأستاذ الدكتور محمد نعيم الساعي، الدكتور محمد الساعي: أهلاً بكم.

الدكتور رحابي محمد
حياك الله سيدي، قبل أن نبدأ في الحديث وندخل إلى البحر الزاخر والممتلئ باللآلِئ والفوائد إن شاء الله ، ندخل في تعريفٍ بسيطٍ عن سيدنا فضيلة الشيخ الدكتور محمد نعيم الساعي.

سيرة حياة الدكتور محمد نعيم الساعي
فضيلة الأستاذ الدكتور محمد نعيم الساعي ولد في مدينة اللاذقية في سوريا عام 1955، نشأ وتربى في دمشق موطن قرابته لأمه، وعاصر وسمع وانتفع بالبقية الباقية من علمائها وصالحيها وزهادها، أنا شخصياً أفتخر أن الدكتور الساعي له قرابةٌ في مدينتي في إدلب، نرجو الله تعالى لنا بذلك قربةً وبركةً إن شاء الله.
الدكتور الساعي كان له تأثُّرٌ كبيرٌ في مدرسة مسجد زيد بن ثابت الأنصاري، وأستاذها العلامة المربي الكبير الشيخ عبد الكريم الرفاعي، الدكتور الساعي عضو مجمع فقهاء الشريعة في أمريكا، وهو أستاذ الفقه وأصوله وفلسفة التشريع في الجامعات الغربية والعربية، الأستاذ الدكتور الساعي عميد دراسات العليا، ورئيس لجنة الدكتوراه، وعضو مجلس الأمناء، ورئيس لجنة الترقيات، وعضو مجلس الترقيات في كلية التربية، وقسم الدراسات الإسلامية في جامعة السلطان في سلطنة عمان، الأستاذ الدكتور الساعي مشرفٌ على العديد من الرسائل الجامعية في الفقه الإسلامي وعلومه، متخصصٌ في الفقه الجنائي وفي فقه المعاملات المالية، وفي فقه الأحوال الشخصية، عمل الأستاذ الدكتور الساعي مستشاراً فقهياً للعديد من المراكز والمؤسسات الإسلامية، وهو أحدُ علماء المهجر المعتبرين، والفقهاء المعدودين وهو واحدٌ من العلماء الموسوعيين الجامعيين؛ الجامعين أيضاً بين أصول القرآن والفقه والأحاديث وباقي العلوم الإسلامية.
يتميَّز الأستاذ الدكتور الساعي بأنه متقنٌ للغة الأنكليزية، فهو ما شاء الله مبدعٌ وبارعٌ في كِلا اللغتين العربية والإنجليزية، له العديد من البرامج المتلفزة في الفقه الإسلامي والتشريع أيضاً باللغة الإنجليزية ومن أهمها (Islamic Law Today - Philosophy of Islamic Law).
الدكتور الساعي له قصبُ السبقِ في الدعوة إلى تجديد الإسلام، في مواجهة دعاة التحديث العابثين بأصول الإسلام ومعانيه الكبرى، من خلال مؤلفاته ورسائله ومحاضراته، وهو أيضاً صاحب كتاب الخطاب الديني بين تحديث الدخلاء وتجديد العلماء، ربما لا يتسع المقام الآن لذكر المؤلفات والأبحاث التي كتبها الأستاذ الدكتور الساعي، ولكن يمكن أن نذكر منها بعضاً من ما كتب: موسوعة مسائل الجمهور في الفقه الإسلامي، القانون في عقائد ومذاهب الفِرق الإسلامية، اتحاف المحبين بترتيب رياض الصالحين، فقه السنن، كما ذكرنا الخطاب الديني بين تحديث الدخلاء وتجديد العلماء، كتبٌ وأبحاثٌ كثيرة، منكِرو السنة في ميزان العقل والشرع، الدعوة الإسلامية في الغرب وخطر الانحراف عن منهج النبوة، الجامع في القواعد والضوابط والمقاصد الفقهية، الشخصية النبوية بين واقعية النصوص ومثالية المفسرين، التسلية الربانية لهموم النفس المحمدية، وغير ذلك، وله أيضاً إصدارات ستصدر قريباً إن شاء الله، ويكتب الله له الخير والنفع لأهل الأرض جميعاً إن شاء الله تعالى.
أستاذنا الدكتور محمد الساعي نبدأ على بركة الله إن شاء الله في المحور الأول من اللقاء في دور الأئمة في تجديد الدين وإحياء وظائف الأنبياء، ونشكركم مرَّة ثانية على قبولكم الدعوة باسم المجلس الإسلامي الأعلى للشؤون الإسلامية في أمريكا.

الدكتور محمد الساعي:
أحسن الله إليك، بارك الله تعالى بكم، بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه، اللهم ياربنا لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك ولعظيم سلطانك، سبحانك لا نحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك، اللهم إنَّا نحمدك حَمْداً يُوَافِي نِعَمَكَ ويدفع نقمك وَيُكافِئُ مَزِيدَكَ، اللهم علِّمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا من لدنك علماً برحمتك يا أرحم الراحمين، واجعل أعمالنا وأقوالنا وأمنياتنا كلها خالصةً لوجهك الكريم برحمتك يا أرحم الراحمين، واجعل جمعنا هذا جمعاً مرحوماً واجعل تفرقنا من بعده تفرقاً معصوماً، ولا تجعل فينا ولا منا شقياً ولا مقهوراً ولا محروماً إنك أنت أرحم الراحمين، اللهم آمين.
وأما بعد؛ أولاً أشكر حبيبنا الغالي الدكتور رحابي على هذه التقدمة وهذا بحسن ظنه طبعاً، والذي ذكره مكتوبٌ مسطورٌ، لكن أستطيع أن أقول لست منه في شيءٍ، هو كله منسوبٌ لمولانا سبحانه وتعالى، وإن شئت لأقسمت وقلت والله لا كتبت، ولا صنَّفت، ولا عملت، ولا فعلت، وإنما هو منه سبحانه وتعالى، والذي أشتهيه لمثل حالي وحال أحبتي الكرام أن نكون جميعاً إن شاء الله كما كان المصطفى صلى الله عليه وسلم، نتبرأ من حولنا وقوتنا إلى حوله وقوته عزَّ وجلّ ونستعين به سبحانه وتعالى، ونسأل الله تعالى أن يرحمنا برحمته، وأن يكتب لنا ولكم العفو والعافية والسلامة وحسن الختام، وأن يستعملنا عزَّ وجلّ في طاعته وفيما يرضيه عزَّ وجلّ آمين، اللهم آمين.

التجديد في الدين عمل الأمة كلها
أحبتي الكرام أنا أتحدث إليكم اليوم حديث الوالد لأولاده لمن كان دون سني، وحديث الأخ لإخوانه لمن كان مثل سني، وحديث المحبِّ لأحبته، لن أتكلف لكم موضوعاً، أو أتصنع لكم قضيةً، سأتكلم لكم بما يجيش في صدري، وبما قد تعشش في ذهني وفكري وخاطري طيلة العقود الماضية، نحن وإياكم إن شاء الله تعالى على صعيدٍ واحدٍ وفي خندقٍ واحدٍ في خدمة هذا الدين، وخدمة هذا الإسلام العظيم، وكلنا في رحاب التجديد لهذا الدين، التجديد لهذا الدين كما تعلمون أحبتي الكرام ليس منحصراً في رجلٍ واحدٍ، كما كان الأمر في الأزمنة القديمة، لمَّا كانوا يتحدثون عن حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي رواه عددٌ من أئمة الحديث أبو داود والبيهقي والحاكم وغيرهم، وصححه جمعٌ من أئمة الحديث، وهذا الحديث المروي عن أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه مرفوعاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم:

{ إِنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ لِهَذِهِ الأُمَّةِ عَلَى رَأْسِ كُلِّ مِائَةِ سَنَةٍ مَنْ يُجَدِّدُ لَهَا دِينَهَا }

(رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ)

هذا التجديد كان يعدّه الأوائل الأقدمون أنه كان منحصراً في فلانٍ بعينه، في إمامٍ بعينه مثلاً، وكل صاحب مذهبٍ ينشد لمذهبه، نحن نقول للناس في هذا الزمان أن التجديد لا يصح أن ينحصر في فردٍ من الأفراد، ولا في طائفةٍ معينةٍ، وإنما يجب أن يكون هذا التجديد عمل الأمة كلها، الأمة الإسلامية كلها بمثقفيها، وأهل العلم فيها، بمحدثيها، وقرائها، وفقهائها، بمهندسيها، وأطبائها، كلٌّ في حقله كلٌّ في ميدانه، بذكرانها، وإناثها، بشبابها، وشيبها، كلهم معنيون بتجديد هذا الدين، وإذا كان التجديد معناه كما ذكرنا في بعض ما كتبناه، أو بعض ما أكرمنا ربنا بكتابته عزَّ وجلّ أنه استعادةٌ للفهم والعمل، أن نستعيد فهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لهذا الدين، وأن نستعيد مع هذا الفهم بقدر المستطاع بعض عملهم العتيد، الذي لن يسبقهم أحدٌ مهما تطورت الأزمنة وتكررت الدهور، لن يسبقهم أحدٌ في عملهم لما كان لهم من الحظوة الربانية، والسعادة الصمدانية، لأنهم كانوا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في العهد الأول عندما اشتدت الأمورُ، واحلولكت الظلماتُ، فكانوا بِقَدَرِ مولانا سبحانه وتعالى، وفضل رحمته رداءً لهذا الدين، وسنداً وعضداً لرسول الله صلى الله عليه وسلم:

{ لَوْ أَنْفَقَ أَحَدُكُمْ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا بَلَغَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلاَ نَصِيفَهُ }

(صحيح ابن ماجه)

وأنا أذكِّر نفسي وإياكم أحبتي الكرام من التجديد لهذا الدين أن نجدد بعض معاني التجديد، ومنها أن نجدد حبنا ‏وإكرامنا وتفخيمنا لصحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وخاصةً أولئك العشرة، وخاصةً وعلى أشد الخصوص الأربعة الخلفاء السادة الحنفاء أبي بكرٍ وعمر وعثمان وعلي، ونفخِّم أمر من كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ذُكْراناً وَإِنَاثاً، أن نفخِّم أمر أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن رأيتم أحداً من الناس مهما تطاولت عمامته، أو طالت لحيته، أو اتسعت عباءته، يطعن في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، يطعن في جملتهم أو في وحدانهم، فاتهموه وأزيحوه أصلاً من قائمة من هم مصادر للمعلومة الإسلامية هكذا رأساً وأصلاً إن شاء الله تعالى.

الوظيفة ترسيخ أصول الدين
فنحن يا أحبتنا الكرام كلنا إن شاء الله تعالى نسعد بأن نكون من المجددين لهذا الدين إن شاء الله تعالى، نريد أن نستعيد فهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لهذا الدين، بما يتعلق باعتقاد ديننا وتشريعه وسلوكه، هذه أمورٌ ثلاثة تشكل عماد هذا الدين، ديننا الإسلامي: اعتقادٌ وتشريعٌ وسلوك، والسلوك ينقسم إلى قسمين: سلوك مع الحق أي مع الخالق سبحانه وتعالى، وسلوك مع الخلق، وكل هذه لها أوصولٌ في الإسلام في ديننا، فمن تجديد هذا الدين أن نستعيد ترسيخها للأصول، أن نثبِّت معالم أصول ديننا اعتقاداً وتشريعاً وسلوكاً، إذا رأينا أحداً يعبث بهذه الأصول، أو يتلاعب بهذه المعالم، أن نأخذ على يديه، وأن نقول للناس حذارِ حذارِ أن تعبثوا بأصول ديننا، أو تتلاعبوا بمعالم إسلامنا، فهذه دائرةٌ حمراءٌ، لا يمكن لأحدٍ أن يدخل فيها ولا يتلعب فيها أو يعبث فيها، لأنها عماد ديننا وهيكل إسلامنا إن شاء الله تعالى.

التصدي المستمر لمن ينكر بعض أصول هذا الدين
لقد سمعتم وسمعنا، ورأيتم ورأينا، وشاهدتم وشاهدنا كيف جَهِدَ أعداء الإسلام لأنهم يئسوا أن يقتلعوا جذور هذا الدين فقالوا: لا أفضل من أن نختلق أو نستصنع أو أن نفبرك لهم نجوماً نصنعهم على أيدينا، ونضعهم دعاةً للإسلام تحت أعيننا، وأن يكونوا علماءً لهذا الدين، فمن خلالهم وعبر دخيلتهم ونحلتهم الباطلة، لهم أن يشوهوا هذا الدين، أو أن يستأصلوا بعض أصوله أو بعض معالمه، لن أذكر أسماءً، أنتم تعلمون وأنتم تشاهدون الشحارير والكيالون والعدانين والبراهيم معرفون عندكم إن شاء الله تعالى، لكن هذا شيء لا ينتهي، ونحن هذا شيء ألفناه وعلمناه.
جلسنا مرَّةً مع أحد هؤلاء الناس الذين أنكروا السنَّة من أصلها، وكنا نقول سبحان الله هذا رجلٌ كان يعتبر ابناً باراً لأحد الشيوخ المسؤولين، لن أذكر اسم هذا الشيخ المشهور لأنه كان شيخاً فاضلاً رحمة الله عليه، لكن هذا شيءٌ يحدث، أن الفرع يخرج عن أصله كما حدث لابن سيدنا نوح، لا نستغرب هذا، حاول هذا أن يستأصل السنَّة كلها، وأن ينكرها، وأن يُسند علمه إلى الشيخ سعيد رمضان االبوطي، رحم الله تعالى علماءنا كلهم، نحن نترحم على كل الذين ماتوا بغض النظر عن بعض مآخذنا على بعض ما كتبوا وألَّفوا، وكيف كانت لهم مواقف، ونحن نقول: هؤلاء الناس مزروعون زراعةً في بلادنا، مصنوعون صناعةً على أعين الشيطان، ونحن وأنتم إن شاء الله تعالى لن نترك هؤلاء الناس أن يعبثوا بديننا، سنقوم لهم إن شاء الله تعالى، سنصحح وسوف نزيُّف ما زيَّفوه، وسوف نصحح الآن ما غلَّطوه وضعَّفوه، حتى يبقى هذا الدين ثابتاً راسخاً نقياً واضحاً إن شاء الله تعالى، أنا وكل الأئمة الأحباب.
أحب لأئمتنا الأحباب إن شاء الله تعالى أن يكونوا على رأس قافلة المجددين إن شاء الله تعالى، أن يجددوا هذا الدين بأصوله بمعالمه بمظاهره بمناراته بشعائره، وكلما علموا أن هذا الأمر هو أصلٌ في ديننا أن يشدوا ويَعَضَّوا عَلَيْه بِالنَّوَاجِذِ إن شاء الله تعالى، قرآننا، سنّة نبينا صلى الله عليه وسلم، أسرتنا المسلمة، حجاب نسائنا، القراءات والأحرف القرآنية، لمن أراد أن يعبث بها ويتهم الصحابة الكرام رضوان الله تعالى عليهم وأرضاهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، كلما وجدنا بعض هؤلاء الناس يزيِّفون أو يعبثون قمنا لهم إن شاء الله تعالى، ورددنا محنته عليه حتى يرتد إلى نفسه وينكصَ عَلى عَقِبَيْهِ خسراناً إن شاء الله تعالى.

الدكتور رحابي محمد
الله يفتح عليكم يا سيدي، ويبارك فيكم، وينفع بكم ما شاء الله، سيدي إذاً نختصر هذا القول بأن التجديد والتحديث أو إذا أردنا أن نجدد تجديداً مقبولاً إسلامياً، يرضاه الله ويرضاه النبي صلى الله عليه وسلم، ويكون بالفعل تحت مسمى التجديد الذي يخدم الإسلام هناك عندنا ضوابط: أن يكون منضبطاً في العقيدة والشريعة والسلوك، ثلاث ضوابط للتجديد: اعتقاد وتشريع وسلوك، ثم ذكرتم فضيلتكم أن الأئمة يجددون أولاً بتجديد حبهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم، بتجديد حبهم وتعظيمهم وإجلالهم للسادة الكرام أصحابه رضي الله عنهم أجمعين، وأمران آخران لا بد عند التجديد من وضعهما وسط العين : القرآن والسنَّة حذواً بحذوٍ، هل إذا سمحتم لنا سيدي الحديث فضيلة الدكتور نعيم الساعي أن ننتقل إلى محورٍ آخرٍ، المحور الثاني إن شاء الله.

الدكتور محمد الساعي:
قبل أن أنتقل إلى المحور الثاني.

من لا يستطيع أن يؤمَّ نفسه لا يصحُّ أن يؤمَّ غيره
أُذكِّر نفسي وأحبتي الأئمة الكرام، وأحبُّ لكم يا أحبتي أن تكونوا على وراثة الأنبياء إن شاء الله تعالى بشخصيتكم كونكم أئمةً، وقد ذكرت عبارةً قد لا تجدونها مكتوبةً في الكتب وقلت: من لا يستطيع أن يؤمَّ نفسه لا يصحُّ أن يؤمَّ غيره، أن يكون كلٌّ منكم إماماً لنفسه أولاً حتى يستطيع أن يؤمَّ غيره من الناس، أجد أئمةً أجد علماءً، أجد فقهاءً، أجد محدثين، وأنا أستحي أن أقول هذا الكلام أجد حتى قراءً لكتاب الله تعالى، نفوسهم تؤمُّهم، ولا يؤمُّهم كتاب ربهم سبحانه وتعالى، ولا يؤمُّهم حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنتم إن شاء الله تعالى تؤمُّون أنفسكم، أنتم توزعونها وزعاً وأنتم تأمروها كما أمر الله سبحانه وتعالى، فإذا استطاع الإمام قبل أن يؤمَّ الناس أن يؤمَّ نفسه لهدايتها، لحظها، لسعادتها، لرضوان ربها سبحانه وتعالى، فهو جديرٌ إن شاء الله تعالى أن يؤمَّ الناس بعد ذلك إن شاء الله تعالى، هذا ملخصٌ للتربية النفسية والروحية والقلبية للإمام قبل أن يؤمَّ الناس، وأنتم جديرون بهذا إن شاء الله تعالى وكلكم جديرون بهذا إن شاء الله عزَّ وجلَّ والله تعالى وضعكم في هذا المقام حتى تكونوا أئمةً للناس كما قال ربنا سبحانه وتعالى:

رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا
(سورة الفرقان: الآية 74)

فأنت إمامٌ لنفسك حبيبي الغالي وأنت إمامٌ لأهلك لزوجك ولولدك، ثم تكون أنت على الطبيعة، ومن غير كلفةٍ تكون إماماً لغيرك إن شاء الله تعالى، وسوف نأتي ونتكلم عن بعض وظائف الأنبياء حتى نعرج على هذه المسألة بعين الخصوص إن شاء الله تعالى، ونسأل الله تعالى أن نكون على هذا النحو وأنتم جديرون بهذا بإذن الله تعالى.

الدكتور: رحابي محمد
الله يبارك فيكم، أستاذنا كوني إمام وإخواني أئمة، كإمام الناس يأتون إليَّ للاستشارات، للأسئلة، للفتاوى، فأنا إلى من أهرع؟ من يكون إمامي؟ من هو أستاذي وشيخي وأنا في بلاد الغربة؟ تركنا بلادنا والآن نحن الأئمة فمن هو المرجع لي في بلاد الغربة؟ ماذا تنصح الأئمة، لمن يذهبون لمن يرجعون؟

الدكتور محمد الساعي:
سيأتيك إن شاء الله خبر ذلك يعني يقيناً بعد قليل إن شاء الله تعالى، بإذن الله تعالى، نتحدث الآن إن شاء الله تعالى عن موضوع المرجعية العلمية والدينية في هذه المسألة لأنها؛ أحسن الله إليك، من مهمات المسائل في الحقيقة سأتحدث عنها بعد قليل إن شاء الله تعالى، فإذا أذنت لي أن أنتقل الآن إلى موضوع وظائف الأنبياء، ونقول إن شاء الله تعالى بعد الاستعانة بالله عزَّوجلّ.

وظيفة المؤمن الكبرى دعوة الخلق إلى الحق بالحق
أنا أريد للإمام في مسجده أن يتصوَّر أنه حاضرٌ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، أحبتي وأعزائي لو كان لي من الشرف العظيم أن أمسح أحذيتكم كونكم ممثلين لرسول الله صلى الله عليه وسلم وموقعين عن جنابه صلى الله عليه وسلم، لكان أمراً عظيماً، وكان شرفاً كبيراً، أنت تخيّل حبيبي الإمام أنك الآن قد استخلفك النبي صلى الله عليه وسلم، مرِضَ النبي صلى الله عليه وسلم فأنت استُخلفت حتى تكون في مقامه، إماماً تؤمُّ الناس تعلمهم تفقههم تدلُّهم، وظيفتك الكبرى كما كانت هي وظيفة الأنبياء، أنك تدعو الخلق إلى الحق بالحق، إلى نجاة أنفسهم وأهليهم وذرياتهم في الدنيا والآخرة، دعوتك هي دعوة الحق هي دعوة الإسلام، الوظيفة الكبرى للأنبياء كانت أن يُنجوا الناس من ظلمات الكفر إلى نور الهداية، من شقاوة هذه الدنيا إلى سعادة الأنس بالله سبحانه وتعالى وشريعته عزَّ وجلَّ، فهذه أعظم وظيفةٍ لك في هذه الدنيا أن تكون أنت علامةً بارزةً، وأن تكون هدايةً ناصعةً للخلق أجمعين، حتى تدلَّهم على أسباب نجاتهم في هذا الدنيا، وأسباب نجاتهم في الآخرة، وأسباب سعادتهم في هذا الدنيا، وأسباب سعادتهم في الآخرة، ولن تكون لهم أسبابٌ للسعادة والنجاة إلا بهذا الدين، وإلا بهذه الشريعة إن شاء الله تعالى، فأنت دالٌّ للناس أجمعين على هذا الخير.
لكن وأنت تدعو الناس إلى هذه الهداية، وأن تدعو الناس إلى هذا الحق، ولأسباب سعادتهم ونجاتهم حذارِ حذارِ أن تدعوهم دعوةً فيها مجاملة أو فيها مداهنة أو فيها تنقصٌ لا سمح الله تعالى لهذا الدين، فلتكن دعوتك دعوةً واضحةً جلية، لا خفاء فيها ولا غموض دعوةً نقيةً جليةً لا غبَش فيها، أن تكون دعوةً كاملةً متكاملةً، لا نقص فيها ولا عيب إن شاء الله تعالى، وأنا قلت مرَّةً للناس إياكم أيها الدعاة إياكم أيها الأئمة أن تزعموا للناس، أو تعتقدوا في أنفسكم أن ديننا يحتاج إلى عمليات تجميل، والله نحن نحتاج إلى أن نُجمِّل أنفسنا، أما ديننا الإسلامي كما هو كما أنزله ربنا سبحانه وتعالى إذا قُدِّم الآن كما أمر ربنا سبحانه وتعالى بالحكمة والموعظة الحسنة، لا بد أن يصل إلى الناس جميلاً طيباً لطيفاً، فديننا لا يحتاج إلى عمليات تجميل ديننا كما هو جميلٌ لأنه كما في الحديث الصحيح:

{ إِنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَال }

(صحيح مسلم)


الإتقان في الشريعة الإسلامية
وما صدر عن ربنا سبحانه وتعالى من شرعٍ ولا فقهٍ ولا حكمٍ ولا كتابٍ، إلا كان جميلاً كما هو سبحانه وتعالى، فجمِّلوا أنفسكم بدعوة الناس إلى هذا الجمال، إلى جمال شريعتكم، فإذا دعوتم الناس إلى الحق بالحق، اذكروا لهم مقاصد هذه الشريعة، حسِّنوا لهم هذا الأمر في عيونهم بما هو موجودٌ في شريعتنا، إن شاء الله تعالى، من أجمل ما يُقدَّم للناس في هذا الزمان أن نتحدث عن مقاصد الشريعة، عن غاياتها الكبرى، عن أصولها ومعالمها وقواعدها حتى يعلم الناس أن هذا الدين هو دينٌ محكمٌ أحكمه ربنا، وأتقنه ربنا، ونقول للناس بأن الله خلق هذا الكون، وصنعه بإبداعٍ كما قال الحق عزَّ وجلَّ:

صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ
(سورة النمل: الآية 88)

فوالله الذي لا إله إلا هو إن شريعتنا هذه لهي متقنةٌ كما هو متقنٌ هذا الكون، وزيادة، لأن فيها حكم الله تعالى، لأن فيها قال الله تعالى وقال رسوله صلى الله عليه وسلم، وإنّا لنستدل على الله تعالى؛ لا أقول لكم بالنجوم ولا بالأقمار ولا بالأفلاك، نستدل على وجود ربنا ووحدانيته وبديع صنعه بهذه الشريعة الغراء إن شاء الله تعالى، ونسأل الله تعالى أن تكونوا على هذا النحو بإذن الله تعالى، أن تكونوا دعاةً إلى الحق بالحق ودعاةً إلى هذه الشريعة كاملةً غير منقوصة، جميلةً كما هي إن شاء الله تعالى لا نقصَ فيها ولا عيب إن شاء الله عزَّ وجلَّ، فهذه واحدة، من أعظم الوظائف أن تكونوا أنتم دعاة.

الدكتور رحابي محمد
ما شاء الله عليكم يا سيدي لا أريد أن أقاطعك، ولكن أنا أريد أن أقول لإخواننا الكرام أساتذة أئمة متابعين على الصفحات، ما شاء الله هم يتلقطون الدرر ويكتبونها سيدي: ديننا لا يحتاج إلى عمليات تجميل.. نحن نحتاج لها، من لا يؤم نفسه فلا يؤم غيره، التجديد استعادة الفهم وليس إضافة فهم.
الإخوة ما شاء متفاعلون، وهم معكم على الخط وأنا أطلب من الإخوة إن كان عندكم سؤال أو استفسار، أرجو أن تضعوا الأسئلة والتعليقات على الموقع إن شاء الله، وسوف نترك مكاناً ومساحةً للإجابات من فضيلة الأستاذ الدكتور بإذن الله تعالى بعد قليل، المعذرة على المقاطعة سيدي، هذه الوقفة الأولى إذاً، علينا أن نجمِّل أنفسنا بدعوة الناس إلى جمال الإسلام، وديننا جميل ومتقن لأنه من الله الذي أتقن وأحسن كل شيء، نعم سيدي.

الدكتور محمد الساعي:
أحسن الله إليك.

التفريق بين التحديث والتجديد
حتى نفرق ما بين التحديث والتجديد، التجديد كما قلنا استعادةٌ لأصول ديننا اعتقاداً وتشريعاً، وسلوكاً، فهماً وعملاً، أما الفهم فلا زيادة فيه ولا نقص، لا بد أن نستعيد الفهم كله كما هو، كما فهمه أصحاب النبي هذا الدين نستعيده هذا الفهم إن شاء الله تعالى، أما العمل فنحن أمةٌ نسأل الله لنا ولكم العافية، لا نستطيع أن نصل إلى ما وصل إليه أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام ورضوان الله تعالى عليهم من العمل، ولكن نجهد في أن نستعيد بعض أعمالهم إن شاء الله تعالى، التحديث هو إبطالٌ للأصول، هو عبثٌ في المعالم، هو تلاعبٌ بالأصول والقواعد، هذا الذي يفعله أعداء الإسلام أو الذي يفعله بعض الجهلة، إذا أردنا أن نحسن الظن ببعضهم أنه فعل هذا جهلاً، لكن أنا أقول لكم: هناك مؤسسات يُنفق عليها البلايين من الدولارات حتى تنتج نماذج تنخر في ديننا، وتعبث بإسلامنا، فأنتم وظيفتكم كما ذكرنا قبل قليل نسأل الله تعالى أن تكونوا حماةً لأصول الإسلام وقواعده وأصوله إن شاء الله تعالى.

الوظيفة الثانية استيثاق العلم
الوظيفة الثانية: إذا كان الإمام داعياً إلى الحق بالحق للخلق كلهم أجمعين فلا بد أن يبيِّن عن الله تعالى للناس، فكيف يكون البيان؟ إسلامنا فيه قرآنٌ، فيه سنَّةٌ، فيه فقهٌ، والفقه منقسم إلى قسمين: عباداتٌ ومعاملاتٌ، وفيه علومٌ كثيرةٌ، هناك نوازلٌ وهناك حوادثٌ، وقد اختلط الأمر على الناس في هذا الزمان مع كثرة هذه الوسائل التعليمية وكثرة أسباب فشوِّ المعلومة غير المنضبطة فكيف المرجع؟ نقول للناس نحن كضابطٍ للمعلومة التي يصح للناس أن يأخذوها وأن تكون لهم مرجعاً: لا تأخذوا دينكم هذا إلا عن من استوثقتم علمه واستوثقتم فهمه، لا بد أحبتي الكرام من هذين الأمرين معاً نستوثق العلم ونستوثق الفهم ثم العمل يكون بعد هذين.

الدكتور رحابي محمد
كيف ذلك سيدي والناس يرون الفضائيات والمشاهير كيف نستوثق من الفهم ومن العلم؟

الدكتور محمد الساعي:
أحسن الله إليك، أما استيثاقنا للعلم: فلا علم يكون موثوقاً إلا بإسنادٍ متصلٍ، فنأخذ علمنا عمن أخذوا علمهم عمن كانوا قبلهم، بالسلاسل الذهبية والأسانيد المرضية، حتى يصل إسنادهم علماً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا رأيت فلاناً من الناس يقول: قد علَّمت نفسي بنفسي، أو ثقَّفت نفسي بنفسي، أو تعلمت من خلال الكتب والمكتبات والمجلدات، أو عبر الانترنت مثلاً، أو الأقراص المدمجة، فقل لهذا أنت نسبك مطعونٌ فيه، وقد قلت مرَّةً أمام طلاب معاهد شرعية يعني كانوا بالآلاف وقتها قلت لهم: إذا رأيتم فلاناً ينسب نفسه للعلم، فقولوا له: انسب لنا نفسك من أنت؟ من أبوك في العلم؟ من أمك في العلم؟ لكلِّ فلان نسبٌ في لحمه وفي دمه، أنا ابن فلان، ابن فلان، ابن فلان، وأمي فلانة الفلانية، أنا من آل كذا، عشيرتي كذا، فإننا نقول: لفلان انسب لنا نفسك في العلم، من أبوك في العلم؟ عن من أخذت هذا العلم؟ فإن قال: أخذته عن الشيخ الفلاني والشيخ الفلاني أخذه عن فلان، عن فلان، عن فلان، حتى نصل إلى الأكابر من الأمة إلى تابع التابعين، ثم التابعين، ثم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولن تجد عالماً موثَّقاً في علمه، إلا وسنده يرجع إلى هؤلاء رضوان الله تعالى عليهم، سيرجع حتماً ويقيناً ولزوماً إلى التابعين، إلى أصحاب رسول الله، حتى يصل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فإذاً أول الأمر: علمٌ موُثَّقٌ بالأسانيد والسلاسل، لن نأخذ علمنا عن طريق البرامج، ولا عن طريق الانترنت، ولا عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي الفايبر، والواتس أب، وما إلى ذلك، لا بد أن نجلس في مجالس ونحضر الدروس مع الأحبة الكرام.

تحمُّل مشقّة طلب العلم
نحن لما كنا شباباً والله لا أنسى تلك الأيام كنا ننزل من المهاجرين إلى مسجد زيد بن ثابت الأنصاري مشياً على الأقدام قبل الفجر، ونجلس على الركب حتى نأخذ درساً في أصول الفقه، لن أنسى تلك الأيام، نجلس على الركب، ونمشي مشياً، ولا أنسى عندما قالوا لي أعطي درساً في المقدمة الحضرمية لجماعة من الشباب في داريا كان الوقت بعد العشاء ولا مواصلات، ولا حتى سيارة أو حافلة، كان عندي دراجة هوائية، كنت أركبها بعد العشاء والله الذي لا إله إلا هو، أركب عليها بعد العشاء وأُركِّبُ عليها الضوء المركب حتى إذا مشيت بالعجلة أنارت لي الطريق لكن ستكون هناك مشقة زائدة إذا وضعت هذا الضوء، فأمشي وأركب على الدراجة الهوائية من دمشق إلى داريا حتى أُعلِّم هؤلاء الناس، أنا أجلس على الركب، وهم يجلسون على الركب ثم نأخذ العلم معاً ثم نعود إلى دمشق مرَّةً ثانيةً، فيا أحبتي نأخذ العلم كما أخذه الأوائل إن شاء الله تعالى بالأسانيد والتلقي ونُجهد أنفسنا ونمتعُ النفس ونشرفها بأن يكون لها مشقةٌ في طلب هذا العلم إن شاء الله تعالى، فأولاً عِلمٌ موثوقٌ بالأسانيد والسلاسل.

العلم مع الفهم الصحيح
لكن هذا لا يكفي، لعلَّ فلانٌ قد أخذ العلم من فلان وعلان وأخذ شهاداتٍ جامعيةً مثلاً من المعاهد المعروفة من الكليات والجامعات المشهورة، لكنه أخذ مادةً ثم فُصل عن الفهم، أودع فيها فهمه المستقل، قال: أنا أخذت المادة العلمية؛ كالطبيب مثلاً يأخذ مادة الطب ثم يدخل فهمه السقيم في مادة الطب فلا سمح الله يخرِّب في معدة فلان ويجرِّح في قلب فلان وقد يقتل فلاناً يعني خطأً ولَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ، فنقول للناس: لا بد مع العلم من الفهم لأن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أخذوا علمهم وفهمهم بوقتٍ واحدٍ بآنٍ واحدٍ، لما كان بعضهم يفهم العلم فهماً خاطئاً، كان النبي من وظائفه أن يصحح له هذا الفهم مثلاً، تذكرون أنتم مثلاً أن فلانة؛ قال لمن هذا الحبل؟ قالوا لزينب ربطت حبلاً حتى تنشط وتقف على قدميها، قائمةً الليل، فقال: اقطعوا هذا الحبل، فهموا الدين فهماً خاطئاً، فصحح النبي هذا الفهم، لما جاءَ ثَلاثةُ رهْطِ، كما في الحديث الصحيح، يسْأَلُونَ عنْ عِبَادَةِ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم، أَمَّا أَنَا أَصُومُ الدَّهْرَ أَبَداً وَلا أُفْطِرُ، ماذا فعل النبي؟ صحح لهم فهمهم

{ عن أَنسٍ رضي اللَّه عنه قَالَ: جَاءَ ثَلَاثَةُ رَهْطٍ إلى بُيُوتِ أزْوَاجِ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، يَسْأَلُونَ عن عِبَادَةِ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَلَمَّا أُخْبِرُوا كَأنَّهُمْ تَقَالُّوهَا، فَقالوا: وأَيْنَ نَحْنُ مِنَ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ؟ قدْ غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ وما تَأَخَّرَ، قالَ أحَدُهُمْ: أمَّا أنَا فإنِّي أُصَلِّي اللَّيْلَ أبَدًا، وقالَ آخَرُ: أنَا أصُومُ الدَّهْرَ ولَا أُفْطِرُ، وقالَ آخَرُ: أنَا أعْتَزِلُ النِّسَاءَ فلا أتَزَوَّجُ أبَدًا، فَجَاءَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إليهِم، فَقالَ: أنْتُمُ الَّذِينَ قُلتُمْ كَذَا وكَذَا، أما واللَّهِ إنِّي لَأَخْشَاكُمْ لِلَّهِ وأَتْقَاكُمْ له، لَكِنِّي أصُومُ وأُفْطِرُ، وأُصَلِّي وأَرْقُدُ، وأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، فمَن رَغِبَ عن سُنَّتي فليسَ مِنِّي }

(متفقٌ عَلَيهِ)

أمَّا أنَا أصُومُ وأُفْطِرُ، وأُصَلِّي وأَرْقُدُ، وأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، فمَن رَغِبَ عن سُنَّتي، فهذا كان تصحيحاً لبعض فهم أصحاب رسول الله، فلما انقضى هذا الدين، وقضى ربنا سبحانه وتعالى قدره في أن يكمل هذا الدين، ثم توفي النبي صلى الله عليه وسلم، استقر في أذهان أصحاب رسول الله فهم هذا الدين راسخاً متيناً مستجمعاً أركانه وأصوله وقواعده، فأخذ التابعون علمهم وفهمهم عن علم وفهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.

الدكتور رحابي محمد
نعم سيدي جزاك الله خير، مرَّة ثانية أنا لا أريد المقاطعة لأن تدفق الخير والدرر نريد المزيد منها، إذا تسمح لي سيدي، إذا وجدنا من له إسنادٌ علميٌّ، ومعروف من أي مدرسة وسلوكه وأين تربى وأين درس، ونعلم أنه وصل إلى مرتبة من الفهم ربما مقبولة، ولكن فجأةً بدأ بالتغريد خارج السرب، وهو يقول أنا مسلم! أنا عندي هذا سندي وهذه مدرستي، كيف نستطيع أن نقول له: لا، هذا ليس من الفهم ليس من الدين الصحيح؟

المحافظة على روح التلمذة
الدكتور محمد الساعي:
من أوجب الواجبات في هذا الزمن، وخاصةً بالنسبة للأئمة والعلماء والفقهاء، أن تكون روح التلمذة موجودةً فيهم حتى يلقوا ربهم سبحانه وتعالى، إذا رأيت الرجل يستقلُّ بنفسه أو يزعم لنفسه أو يعتدُّ بنفسه أو يجعل لنفسه مناصباً معينةً في فهم هذا الدين وفقهه فيقول: أنا، وأنا، فاتهموه ودعوكم عن هذا الرجل.
لا يزال الرجل بخير ما دام يقول أنا به ومنه سبحانه وتعالى، نحن عباده عزَّ وجلَّ، نحن إذا فقهنا فعنه سبحانه وتعالى، وإذا تعلمنا فببركات وبفضل ربنا عزَّ وجلَّ، لا ننأى بأنفسنا عن التلمذة ويبقى الأستاذ البروفيسور العالم الجليل تلميذاً في نفسه هو قبل أن يكون عالماً وأستاذاً في نظر غيره، وهذه قضية في غاية الأهمية أحبابنا الكرام.
إياكم أن تكونوا في نفوسكم أساتذة، كونوا في نفوسكم تلاميذ حتى يأخذ عنكم طلابكم وتلاميذكم، وحتى يأخذ عنكم الآخرون إن شاء الله تعالى، أن تبقى روح التلمذة وأن نكون نحن تابعين مقتدين بمن كانوا قبلنا لأئمتنا الكرام، وفقهائنا العظام، وأن نتجمَّل وأن نتشرف بأن ننسب أنفسنا إليهم، نقول رحمة الله على فلان جزاه الله عنا كل خير، لولا فضل ربنا أن كنا من تلاميذ فلان وطلاب فلان لما عرفنا ولا تكلمنا ولا نزال نحن في هذه الدائرة وفي هذه الكينونة حتى نلقى الله سبحانه وتعالى، وكان من أبرز علامات تخلخل الميزان عند بعض هؤلاء الناس، أنهم استقلوا بأنفسهم وأنهم ادعوا لأنفسهم منصباً ليس لهم والله تعالى خلَّ بينهم وبين نفوسهم ولا حول ولا قوة إلا بالله.

بين صاحب الدعوة وصاحب الدعوى
يا أحبتنا الكرام من أهم وظائف الإمام في هذا الزمان أن يكون داعياً إلى الله سبحانه وتعالى لا داعياً لنفسه، وسأذكر لكم عبارةً كذلك ليست موجودةً في الكتب، الأنبياء كانوا كلهم عليهم وعلى نبينا الصلاة والسلام وعلى رأسهم وكان هو إمامهم صلى الله عليه وسلم، كان رسولنا صلى الله عليه وسلم ومعه الرسل والأنبياء كانوا أصحاب دعوةٍ ولم يكونوا أصحاب دعوى، كانوا أصحاب دعوةٍ ولم يكونوا أصحاب دعوى، وذكرت في بعض ما كتبته أخيراً قلت: وأما صاحب الدعوى فمشغولٌ بمَ ادعاه، صاحب الدعوى كالمحامي مثلاً، وصاحب الدعوى في المحاكم له دعوى معينة مشغولٌ بهذه الدعوى لا بد أن ينافح عنها وأن يدلل عليها وأن يثبتها وأن يأتي بالبينات والدلائل،فصاحب الدعوى مشغولٌ بما ادعاه، وصاحب الدعوة مشغولٌ بمن دعاه، إذا دعوت أنت أيها الإمام إلى ربك فأنت مشغولٌ به سبحانه وتعالى لست مشغولٌ بغيره أبداً، إياك أن تنشغل عنه عزَّ وجلَّ.
يا أحبتنا الكرام: ما وجدنا والله ألذَّ ولا أجمل ولا أحلى ولا أطيب ولا أروع ولا أشرف من أن تكون مشغولاً به عزَّ وجلَّ، إياك أن تنشغل عنه سبحانه وتعالى، قد تكون من العلماء والفقهاء وقد يعظِّمك الناس، انسَ هذا كله أنا لست شيئاً، أنا لست أنا، لست بذاك.
وذكرنا الحديث الصحيح: عندما يأتي الناس إلى سيدنا إبراهيم الخليل يوم القيامة يستشفعون بأبينا أبي الأنبياء إبراهيم، فماذا قال لهم؟ عندما قالوا له: أنت خَلِيلُ اللهِ، يقول لهم: كُنْتُ خَلِيلًا مِن وراءَ وراءَ، لا إله إلا الله، إبراهيم الخليل في هذا الموقف يوم القيامة وهو أبو الأنبياء ولقد ذكره ربنا في كتابه سبحانه وتعالى، يقول للناس وللخلق أجمعين يوم القيامة إنما كُنْتُ خَلِيلًا مِن وراءَ وراءَ، فمن نحن يا أحبتي؟ من نحن حتى نفعل لأنفسنا المناصب، نعم حبيبكم أخوكم ذكرَ في ترجمة الفقه كذا وكذا، والله أنا أسمعه وأُثني عليه والله، أسمعه وأشكره، لكن لا أنسب شيئاً من هذا لنفسي أبداً، يا أحبابنا الكرام نحن في هذه الدنيا مستخدمون، لأشرف المهمات أن نكون خداماً لهذا الدين وخداماً لهذه الشريعة أن نكون متشرِّفين بالدعوة إليه سبحانه وتعالى، فكونوا دعاةً إلى الله تعالى، لا تكونوا دعاةً لأنفسكم إن شاء الله تعالى، وإذا كنتم على هذا الحال نوَّر الله سبحانه بصيرتكم ونوَّر وجوهكم وألقى محبته في قلوب العباد حتى يأخذوا عنكم إن شاء الله وبإذن الله تعالى.
فعلى هذا النحو نسير إن شاء الله تعالى نأخذ علماً موثَّقاً وفهماً موثَّقاً وبعد علمٍ موثقٍ وفهمٍ موثقٍ نضمُّ لهذا العلم ولهذا الفهم عملاً مخلصاً لله تعالى، ونجعل هذا العلم وهذا الفهمَ الموثقَ وهذه الأعمال المخلصَ في حاضرة أم الإسلام كلها، أن نكون نحن قد وظفنا علمنا الموثقَ وفهمنا الموثقَ وعملنا المخلص إن شاء الله تعالى لخدمة هذه الأمة ثم نقول بعد هذا : اللهم هذا العمل وهذا الجهد ومنك القبول إن أخطأنا فمن هذا الجيب ومن هذا العيب، ردوا العيب لأنفسكم ولا تستحيوا أن يقول لكم الناس أخطأتم، بل استمتعوا أن يقول الناس يا فلان يا أحبتنا قد قلنا في خطبة كذا وكذا فأخطأنا، نحن قد أخطأنا وقلنا كذا وكذا، نسينا كذا، استمتعوا بأن تنسبوا لأنفسكم التقصير وأن تقولوا للناس كما في الحديث الصحيح:

{ قال رسول الله صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: يَا أَيُّها النَّاس تُوبُوا إِلى اللَّهِ واسْتغْفرُوهُ فإِني أَتوبُ في اليَوْمِ مائة مَرَّة }

(رواه مسلم)

هذا حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم .

الدكتور رحابي محمد:
جزاك الله خير، نريد الوظيفة الثالثة لكن قبل أن نذهب إلى الوظيفة الثالثة أستاذنا الدكتور الساعي، الأنبياء كانوا أصحاب دعوةٍ إلى الله وليسوا أصحاب دعوى، فلذلك الإمام يجب أن لا يكون صاحب دعوى إلى نفسه، وبالتالي هذه تقودنا أيضاً إلى التفريق والتمييز بين أصحاب التجديد الحقيقيين وأصحاب التجديد المزيفين، أو الذين يدَّعون أشياء، أصحاب دعوى الذين يشتغلون بدعواهم ولا ينشغلون بالله سبحانه وتعالى، ونحن الآن أمام ثلاثة أمورٍ كوظيفة حتى نستطيع أن نرتقي إلى وظيفة الأنبياء وأعمالهم والقبول عند الله إن شاء الله، العلم الموثوق والفهم الموثَّق ثم العمل، يعني وإن كان هناك تعقيب أو تعليق على ما نسمعه من هذه الدرر، الدكتور الساعي يقدم لنا فكراً وعقلاً ممزوجاً بالقلب وبالروح وبالتزكية.
سوف نذهب إلى الوظيفة الثالثة ولكن كيف يمكن للإمام أن يحافظ على هذا التوازن؟ أن يبقى متوازناً بين عقله وفكره وبين أيضاً موضوع تزكية النفس، نفسه أولاً ثم نفوس الآخرين، لا نُغرِق الناس في مسائل الفتاوى والخلافات ويجوز ولا يجوز، ثم نقفل جانباً آخراً؛ جانب الخشية والخوف والتدبر والتفكر والمراقبة لله سبحانه وتعالى.

الدكتور محمد الساعي:
الله يبارك فيك حبيبنا الكريم؛ نحن إذا ذكّرنا أنفسنا دائماً بفقرنا وعجزنا وضعفنا، وإذا ذكَّرنا أنفسنا بإكرام المولى لنا سبحانه وتعالى أن يستعملنا عزَّ وجلَّ على ضعفنا وتقصيرنا وتفريطنا، نستحي من الله سبحانه وتعالى، نستحي أن نزعم زعماً، أو ندَّعي دعوى، نقول: هذا منه سبحانه وتعالى، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعا بما علمتنا وزدنا من لدنك؛ أحبتنا الكرام العلم اللدنِّي كان قديماً معروفاً في قصة الخضر.

العلم اللدنيُّ موافقٌ لما تأصَّل وتقعَّد من علوم شريعتنا وديننا
لكن نحن نقول للناس: أن العلم الظاهر الموصول المسند حاكمٌ على ما يُدّعى من علم لدنّي في بحر هذا الزمان يعني بعد زمان الأنبياء، فالعلم الظاهرُ المؤصَّلُ المقعَّد حاكمٌ على ما يُدَّعى من علم لدنّي إذا خالف العلم اللدنّي هذا ما تأصل وتقعَّد في إسلامنا وفي ديننا، لكن الله تعالى يفتح على عباده عزَّ وجلَّ في بعض الأحايين لبعض الناس من علمٍ لدنّيٍ موافقٍ لما تأصَّل وتقعَّد من علوم شريعتنا وديننا إن شاء الله تعالى، لكن كيف يكون الأمر على هذا النحو؟ إن كنت أنت معه سبحانه وتعالى كما في الحديث الصحيح القدسي:

{ كُنْتُ سمعهُ الَّذي يسْمعُ بِهِ، وبَصره الَّذِي يُبصِرُ بِهِ، ويدَهُ الَّتي يَبْطِش بِهَا، ورِجلَهُ الَّتِي يمْشِي بِهَا، وَإِنْ سأَلنِي أَعْطيْتَه }

(رواه البخاري)

فإن كنت أنت معه وبه ومنه بالصدق والحق والإخلاص، ينعمُ الله تعالى عليك بأن تكون أنت ولياً له سبحانه وتعالى، الولاية الحقيقية أن تتولى أنت ربك سبحانه وتعالى بحالك كله ظاهراً وباطناً، أن تتهم نفسك دائماً بالتقصير والتفريط أن تكون في نفسك يا حبيبي الإمام أن تكون في نفسك حقيراً حتى تكون عنده عظيماً سبحانه وتعالى، وقل دائماً يا رب أعوذ بك أن أكون في نفسي عظيماً وعندك حقيراً، اللهم اجعلني عندك عظيماً يا رب العالمين، واجعلني في نفسي حقيراً حتى أعرف قدر نفسي، حتى أهرع إليك، وحتى ألجأ إليك، وحتى أطرق بابك بمطارق الذلة والعبودية والافتقار إليك سبحانه وتعالى، هكذا كان المصطفى هكذا كان الأنبياء كلهم عليهم وعلى نبينا الصلاة والسلام.

الوظيفة الثالثة وضعُ الدنيا وتحقيرها
أحبتي الكرام: لا أدري ماذا أقول لكم، لكن سأتكلم عن الوظيفة الثالثة: إن كنتم دعاةً إلى الحق بالحق للخلق كلهم أجمعين دعوةً كاملةً غير منقوصة، جليةً واضحةً لا غرور فيها ولا كدر ولا غبَش، إن كنتم مُبينين بعلمٍ موثَّقٍ وإخلاصٍ بالعمل، لن تصيروا إلى أن تفعلوا هذا إلا إذا كنتم قد وظَّفتم أنفسكم كما وظَّف الأنبياء أنفسهم لوضع هذه الدنيا وتحقيرها، كان من أعظم وظائف الأنبياء أن يضعوا الدنيا في نصابها، أن يضعوا الدنيا في موضعها الصحيح، وانتبهوا يا أحبتي الكرام وضعُ الدنيا وتحقيرها ليس معناه أن نترك الدنيا، ليس معناه أن نترك أسبابها، ولا أسباب تحصيل العلوِّ فيها، ولا المراكز والمراتب فيها وليس معناه أن نترك التصنيع وأن نضع الابتكار والتعلم والاختراع وما شابه ذلك، وأن نترك النهضة لأمتنا، أبداً.
بل معنى هذا الكلام أن نضع الدنيا في موازين الآخرة، كيف تكون الدنيا في ميزان الآخرة؟ هذا موضعها، هذا نصابها، هذا قدرها، هكذا فعل المصطفى صلى الله عليه وسلم، فكان من وظيفته صلى الله عليه وسلم، وظيفة الأنبياء كلهم، أن يضعوا الدنيا في موضعها الصحيح حتى لا يرغب فيها أحدٌ على حساب الآخرة المعظمة المفخمة في كلام الأنبياء والرسل عليهم وعلى نبينا الصلاة والسلام، كيف تدعو الناس إلى آخرتهم؟ أنت تفخِّم أمر الآخرة؛ والدنيا عندك عظيمة وأول ما تضع الدنيا تضعها في نفسك، الناس تقرأ عيونك، الناس تقرأ قدر هذ الدنيا في عينيك، وتشمُّ والله الذي لا إله إلا هو، تحقير هذه الدنيا بأنفاسك يقولون هذا الإمام ليس له شغلٌ في دنياه، ليس لنا سبيلٌ عليه وهذا الإمام لا حول ولا قوة إلا بالله كما حدث في بعض بلادنا هذا صيدنا السهل، عيونه تقول: محبٌّ للدنيا، أنفاسه تقول: عاشقٌ للدنيا، هاتوه، اصطادوه، استعملوه، فإن كنت أنت إن شاء الله تعالى ممن وضعت الدنيا في نفسك أولاً وفي قلبك أولاً فصار موضوعك كما أخبر الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم:

{ قَالَ رَسُول اللَّه ﷺ: لَوْ كَانَت الدُّنْيَا تَعْدِلُ عِنْدَ اللَّه جَنَاحَ بَعُوضَةٍ مَا سَقَى كَافِرًا مِنْها شَرْبَةَ مَاءٍ }

(رواه الترمذي)

{ قالَ رسولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: أَلاَ إِنَّ الدُّنْيَا مَلْعُونَةٌ، مَلعون مَا فِيهَا، إِلاَّ ذِكْرَ اللَّه تَعَالَى، ومَا وَالاَه وَعالماً وَمُتَعلِّماً }

(رواه الترمذي)

أنت وضعت في نفسك وفي قلبك ثم قلت للناس، يا أيها الناس الدنيا هذا موضعها هذا قدرها خذوا منها بقدر أسباب نهضتكم في دينكم وبقدر ما يعمِّر آخرتك إن شاء الله تعالى وأن تكونوا

خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ
(سورة آل عمران: الآية 110)

إن شاء الله تعالى، كونوا علماءً، كونوا أطباءً، كونوا مهندسين، كونوا فيزيائيين وكيميائيين، كونوا بناةً، كونوا متحضرين، كونوا صناعيين، لكن إياكم أن تذلكم هذه الدنيا، قدرها بالنسبة للآخرة كأنها تحت الهامش بأميال.

الدكتور رحابي محمد:
الله يبارك فيكم، كلام جميل جداً، لكن الآن على صعيدين صعيد الإمام نفسه كيف يوازن بين الزهد في الدنيا وبين ما يجب أن يقوم به تجاه نفسه وأسرته وأولاده وتعليمهم، تربيتهم، إيوائهم في منزل ومسكن ومركبة وكذا وكذا، كيف يوازن بين هذه المتطلبات الدنيوية اللازمة ولا يبقى متأخراً عن الناس، ثم إذا جاءه عرضٌ في عملٍ معينٍ في الجامعة أو في مسجد لا يناقش مثلاً أهل المسجد أو إدارة المسجد في قضية المكافأة الشهرية أو الراتب إذا صح التعبير، وإلا إذا رضي كما تعلم سيدي يعني المساجد وإدارتها يحسدون الإمام على النفس الذي يتنفسه، فلذلك إذا خجل سوف يظلم يعني لا أقول نفسه وإنما زوجته وأولاده، وربما لا يستطيع أن يعينهم في التدريس العالي، وهذه المسألة حساسةٌ ودقيقةٌ جداً ومحرجةٌ للأئمة بصراحة، يُدعا إلى محاضرةٍ، إلى خطبةٍ، يقود السيارة ساعة ونصف أو ساعتين يقضي يوم كامل في تعزيةٍ أو في زواجٍ، وجزاك الله خيراً شيخنا، أحسنتم، هذه جزاك الله خير لا تملأ لي الوقود للسيارة، كيف نستطيع أن نوفق بين هذه الأمور؟

الدكتور محمد الساعي:
أحسن الله إليك، وبارك فيك حبيبنا الغالي.

المعنى الحقيقي للزهد
أحبتنا الكرام قد تسمعون مني عجباً بعد قليل، إذا عُرضت عليكم وظائفٌ فأعلوا سعركم، وأغلوا ثمن بضاعتكم، إذا عرضت عليكم الوظائف بالأموال ورواتبها أعلوا وأغلوا، وقولوا بضاعتنا غالية لا تكافئوا الدنيا بما فيها، نحن فقط نريد أن نرمز إلى تفخيم بضاعتنا بهذه الأسعار الغالية وهذه الرواتب المفخَّمة، الزهد ليس معناه أن تأخذ قليلاً ولا أن تكتنز قليلاً ولا أن تكسب قليلاً ولا أن يكون عندك بيتٌ متواضعٌ أو لباسٌ متواضعٌ، الزهد معناه أن تكون أنت في نفسك زاهداً بما تملكه، أن يكون الذي تملكه بين يديك تُذهبه تُنفقه وتجعله يميناً وشمالاً كما أمر المصطفى صلى الله عليه وسلم قال:

{ إنَّ الأكْثَرِينَ هُمُ الأقَلُّونَ يَومَ القِيامَةِ، إلَّا مَن قالَ هَكَذا وهَكَذا وهَكَذا }

(صحيح البخاري)

فالأغنياء زاهدون، قد تجد فلاناً في قصره زاهداً، قد تجد فلاناً يعيش في قصرٍ وهو زاهدٌ، وفلاناً يعيش في قبرٍ ومشرأبٌ عنقه لهذه الدنيا، فليس الزهد عن اضطرار بل الزهد عن اختيار، كان هكذا زهد النبي صلى الله عليه وسلم، زَهِد فيما كان مختاراً فيه صلى الله عليه وسلم، نعم لا بأس عليك أن تأخذ من الدنيا إن شاء الله تعالى وحظوظها وتجعلها بيديك وتتصرف فيها كما يحب المولى سبحانه وتعالى، وازهد أنت في نفسك وفي حال نفسك وإياك أن تبخل على أهلك وأولادك، أنفق على أهلك، ووسِّع عليهم وسع الله عليك وأنت في خاصِّ نفسك ترضى بالقليل القليل، قد تأكل القليل وقد تركب القليل ولكن إياك أن تبخل على أهلك، وسِّع على أهلك وازهد في نفسك، كما أقول الآن الزهد في اليدين لأنه كان إنعكاساً عن ما كان زهداً في القلب هكذا، النفس زاهدةٌ والقلب زاهدٌ، وأين المحك يا أحبتنا الكرام؟ إذا عرضت عليكم الدنيا وقالوا لكم: إما الدنيا وإما الدين؟ تقول: الدين، إما الدنيا وإما الآخرة؟ الآخرة، الآخرة فاخرةٌ، هذا علامة الزهد الحقيقي.

الدكتور رحابي محمد:
ما شاء الله جزاك الله خيراً، سأرسم بسمة على وجهك إذا سمحت لي سيدي في هذه القصة الطريفة لكن حصلت بشكلٍ واقعي، أحد إخواننا المشايخ وهو موجود حالياً حي يرزق أسأل الله له التوفيق والنجاح، في أحد البلدان مكث في المدينة أو الجالية التي معهم فترة من الزمن ثم قرر أن يتزوج كان أعزباً فقرر أن يتزوج وكان عنده غرفة ملحقة في المسجد فأخبر أهل المسجد بأنني إن شاء الله سوف أذهب إلى مشروع الزواج وكذا، قالوا له: خيراً إن شاء الله، هل يمكن أن تبنوا لي غرفة ثانية يعني حتى أخطب وأتزوج؟ فأحد الشياب قال له: شيخٌ وتتزوج!، وأيضاً أحد المشايخ ركب سيارة فالناس تقول له شيخٌ وتركب سيارة! يعني بهذه المواصفات، ما اعتدنا أن نرى شيخ يركب سيارة يعني لازم أن تكون دائماً في آخر الركب، ونعتاد أن نعطيك الهدية والصدقة في العيد أو في رمضان للأسف، ولكن العزّة التي تدعو إليها سيدي الحبيب هذه بضاعتنا غالية كلمة جميلة جداً وراقية وعالية لكن كن زاهداً في نفسك وكن أيضاً زاهداً زهداً اختيارياً وليس زهداً اضطرارياً، كما كان النبي عليه الصلاة والسلام كان زاهداً اختيارياً، وهناك كتاب لأحد الإخوة الكرام الدكتور عبد الفتاح السمان كتب كتاباً : النبي صلى الله عليه وسلم كان ثرياً منفقاً ولم يكن فقيراً معدوماً.

بعض المشاركات من الإخوة المتابعين
طيب سيدي الحبيب الآن إذا تسمح لي قبل أن نختم بالمحاور، عندنا بعض الإخوة الكرام والسادة المتابعين بعض الأسئلة يمكن أن نعود إليها بعد أن نختم المحاور كلها إذا أمرتم، الله يبارك فيكم يا سيدي.
الآن عندنا سؤال نبدأ من عند الأخ أبو محمد الأزهري يشكركم ويقول: أعانكم الله ووفقكم لما فيه خير البلاد والعباد، والدعاء لكم بأن يحفظكم الله، الدكتور عبد الفتاح السمان معنا هنا أيضاً، يحفظكم الله ويدعو لكم، اللهم أمدَّ لنا في أعمار علمائنا آمين يا رب العالمين، وأنتم سيدي أمثالكم قليلٌ وقلةٌ وأسأل الله أن يبارك فيكم وأن يحفظكم ويمدَّ في عمركم ويبارك بأعمالكم، السيد الفاضل حسان الشامي وهو ابن الشيخ نافع الشامي من مدينة إدلب كان أبوه علامةً وهو أستاذٌ فاضلٌ، الدكتور عبد الفتاح السمان يعيد تغريد ما سمع من فضيلتكم أيضاً: من لا يؤم نفسه فلا يؤم غيره، الآن عندنا تعليق من أحد الأساتذة الكرام الشيخ الأستاذ محمد الحبش، الأخ الفاضل مدرِّس تربية إسلامية يقول: "لا نبالي بمن يخاصموننا في الله فنحن موقنون بربنا الواحد وثابتون على احترام الوحي واتباع أنبيائه وإن كانت هزائم الآباء قد عطلت شريعته وأهانت عقيدته فذلك عرضٌ زائلٌ، وسنعود سيرتنا الأولى ما بقي فينا نفسٌ يتردد ولن توجد في المصحف آيةٌ ميتة أو حكمٌ مجمد"، كلام جميل، الشيخ عبد الفتاح السمان: "ديننا لا يحتاج إلى عمليات تجميل نحن نحتاجها"، والله يا سيدي هذه الكلمة التي ذكرتها هذه المحاضرة سأفرِّغُها تفريغاً كاملاً إن شاء الله إذا أذِنت لي، وهذه العبارات كلها والله تستحق أن توضع كما يقال في إطار: "استدل على الله بعظيم شرعه"، إعادةً لما تفضلتم به، "التحديث اتقانٌ للتجديد"
سؤال من أحد الأئمة، الإمام فيصل الأحمد: مرحباً يا أهل الشام في أمريكا هناك نزاعٌ بين طلاب العلم، وحتى بعض الدعاة حول موضوع التعامل مع الحكومات ما هو المنهج السليم في نظركم يرحمكم الله؟

الدكتور محمد الساعي:
نحن يجب أن نكمل بعض وظائف الأنبياء التي نحب للأئمة أن يحيوها لكن الوقت لا يتسع لذكر سائر الوظائف أو ذكر بعض ما بقي من أهمها.

الوظيفة الرابعة قول الحلق
ولكن من هذه الوظائف قول الحق، نريد للإمام أن يكون قول الحقِ في نَفْسه أعظمَ وأكثر ضرورةٍ من نَفَسِه، أن ينشأ وأن يُنشِئَ ويُنشِّئَ من يسمعه، ومن يتربى معه أن الحق لا يفارقه وأن الحق أحب إلى قلبه من النفس التي بين جنبيه لأن الحق هو ديننا، لأن الحق هو ربنا، ولأن الحق هو نبينا صلى الله عليه وسلم، لأن الحق هو فقهنا بأصوله وقواعده وتفاريعه، ديننا هو الحق، فينبغي للعالِم والإمام أن ينشأَ الناسُ وقد رأوا فيه حب الحق وإلف الحق كما قال ربنا سبحانه وتعالى:

وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ
(سورة العصر: الآية 1-2-3)

أمتنا الإسلامية أنشأها النبي صلى الله عليه وسلم بفضل الله تعالى عزَّ وجلَّ ورضوانه، أنشأها على الحق، فكان الصحب الكرام أمةَ حقٍ، ساروا بالحق وعلى الحق ودعوا الناس إلى الحق، وما أفِلت شموس هذا الإسلام إلا عندما مات هذا الحق، وعندما بدأت قناديله تنطفئ شيئاً فشيئاً، يجب أن نُعلِم الناس أننا نقول الحق كما نقول عن أسمائنا كما ننسب أنفسنا إلى أمهاتنا وآبائنا لا نستحي من هذا لا نجامل ولا نداهن ولا نطلب في قولنا الحق دنيا ولا أثارةً من حدودها وشهواتها، نقول الحق حتى نرضي الحق سبحانه وتعالى، لكن هذا الأمر يحتاج إلى تربية، يحتاج إلى تنشئة، يحتاج إلى إعداد، حتى ينشأ ولدك، حتى ينشأ الناس معك على حب الحق وإلف الحق.
في بلادنا ولَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ؛ نحن لم ننشأ هكذا، بل والله نشأنا وأنا أقول متأسفاً آسفاً حزيناً أننا نُشِّئنا على كتمان الحق، نُشِّئنا على أن نتواصى بكتمان الحق، يا فلان لا تقل كذا، إياك أن تقول كذا، الجدران لها آذان، لعل فلاناً يسمعك، كذا، وكذا، فنحن نشأنا على غير هذا المنهاج، حتى نعود لمنهاج ربنا سبحانه وتعالى، وحتى نعود لهدي رسولنا صلى الله عليه وسلم نحتاج إلى وقتٍ من الزمان، لكن يجب أن يكون هذا في خطتنا في برنامجنا، أن ننشأ نحن وأن نُنشئ الناس معنا وحولنا على حب الحق، حتى إذا جاء اليوم إذا قال العالم للإمام والحاكم في أي بلدٍ من البلدان مثلاً: يا نجم الدين ألم يبوِّئك الله تعالى ملك مصر ثم تبيح الخمور، هكذا، يقول بهذه العبارة هذه الجملة كأنه يخاطب ولداً من أولاده مثلاً، أو صاحباً من أصحابه يقول: يا نجم الدين ليس يا سيادة يا فخامة يا جلالة، أو قل مثلاً يا سيادة الرئيس ألم يبوِّئك الله تعالى ملك العراق، سوريا، ليبيا، لبنان، كذا إلخ.. أفغانستان الهند أو المغرب ثم أنت تبيح الخمور، أين هذه الخمور؟ نعم في موضع كذا وكذا وهناك حانة تبيع الخمور.
كما فعل عز الدين عبد السلام، عز الدين عبد السلام كان عبارةً عما يسمى ثمرةً من ثمار أمةٍ قد نشأت ونشَّأها علماؤها على الحق وقبول الحق فلما ترك مصر ترك الناس مصر، أدرِك يا فلان أن تحموا بلداً لا ناس فيه، فخرج، كيف خرج عز الدين عبد السلام؟ على حمارين اثنين كما تعرفون في هذه القصة، لكن نريد أن نصل إلى هذا القدر إن شاء الله تعالى، أننا إذا قلنا للحاكم لا نبتغي بذلك مصلحةً ولا منصباً، ليس عندنا شيءٌ فوق الطاولة أو تحت الطاولة، نحن كما خلقنا ربنا سبحانه وتعالى نحن هكذا بالحق، وبالحق نقوم إن شاء الله تعالى، لكن نحتاج إلى أن نربي أنفسنا على هذا وننشئ أولادنا وأمتنا وأتباعنا ومن اقتدى بنا على قول الحق إن شاء الله تعالى.

الدكتور رحابي محمد:
نعم سيدي أحسن الله إليكم وزادكم الله علماً وفضلاً ونفعاً، سيدي الحبيب سؤالٌ من أحد الإخوة الكرام: ما نصيحتكم للأئمة الذين ينكرون على غيرهم في مسائل الخلاف والفروع، ويتصلَّبون في رأيهم على أنه الصواب، وكأن ذلك نصوص قرآنية أو نبوية ومخالفيهم كلهم على الباطل، هل من الحكمة نقل الخلاف الفقهي إلى عامة الناس عبر المنابر، تاركين ما هو أهم من ذلك؟

الدكتور محمد الساعي:
أحسن الله إليك.

الفقه الإسلامي يشمل ما اتُفق عليه والمختلف فيه
أحبابنا الكرام إذا قرأنا مقدمة موسوعة مسائل الجمهور كان من بين مقاصد هذه الموسوعة أن ننشر بين الناس أقوال الفقهاء ومذاهب الأئمة العلماء حتى يعلم الناس أن هناك أقوالاً قد اتفق الناس عليها أي الفقهاء والأئمة، وأن هناك أقوالاً قد ذهب أكثرهم إلى القول بها، كما أن هناك أقوالاً شاذةً وضعيفةً، لكن الأقوال المجمع عليها والأقوال التي قال بها أكثر العلماء، والأقوال الشاذة كلها تكون ما يسمى الفقه الإسلامي، الفقه الإسلامي بنضارته ورونقه وجماله وكماله ودلاله واتساعه وشموله يشمل هذا كله، ليشمل ما اتفق عليه والمختلف فيه، ولولا المختلف فيه لما كان فقهاً جميلاً الله تعالى بحكمته عزَّ وجلّ العالية، الله سبحانه وتعالى بمقاصده السامية جعل فقهنا ينقسم إلى قسمين : فقهاً متفقاً عليه وفقهاً مختلفاً فيه، حتى يتسع الفقه المختلف فيه للأزمنة القادمة وللأوبئة المعاصرة، ولغيرها من الأزمان حتى يتسع مذهب فلان لمختلف الحوادث في المستقبل والأيام والأزمنة، حتى لا يقف إسلامنا جامداً دون ما ينزل بالناس من النوازل المعاصرة طباً وفقهاً وسياسةً واجتماعاً وسلوكاً.
ففقهنا الإسلامي جماله دلاله كماله بالمتفق عليه والمختلف فيه، حتى الأقوال الشاذة الضعيفة لها استعمالاتها، لها وظائفها، في بعض الأحايين لا تجد قولاً يسعف الناس إلا قولاً شاذاً إلا قولاً ضعيفاً، فتقول للناس لا حرج إن شاء الله تعالى لم أجد لكم فسحةً إلا فقط في قول الإمام الفلاني خذوا به والله المستعان وعفا الله عنا وعنكم.

اختيار الأصلح لدين ودنيا الناس
الشيء الثاني: أنت إذا كنت إماماً للناس أنت موسعٌ عليك أن تختار للناس من أقوال الأئمة ما هو الأصلح لدينهم ودنياهم، اختر لهم من أقوال الأئمة لحالهم لحاضرهم لواقعهم لمسألتهم، فرقٌ بين الفتية الخاصة والفتية العامة، بين الفقه العام والفقه الخاص، بين الفقه الممنهج الذي يُدرَّس في الكليات والمعاهد وبين الفقه الذي يعطى للناس حتى يكون عملاً وسلوكاً، أعطوا الناس وعلموهم الآن ما هو أصلحُ لدينهم ودنياهم من أقوال أئمتنا رحمهم الله تعالى وجزاهم عنا كل خير، فإذاً الفقه موسعٌ فيه باتفاقٍ واختلافٍ، قد أقولُ للناس قولاً أنا لا آخذ به، قد أُفتيهم بقولٍ أنا لا أعتقده، لأنه هو الأنسب والأصلح لحالهم، قد أكون أنا متبعاً والله في بعض الأحايين، في بعض المراكز مثلاً وبعض المدن آخذ بقولٍ أنا لا أقول به أنا أقول لهم أنا معكم فيما اتفقتم على الأخذ به أنا معكم إن شاء الله تعالى، حتى تجتمع كلمتكم على هذا القول المخالف لما نحن نعتقده ونقول به، فنوسِّع على الناس إن شاء الله تعالى والضابط في هذا الكلام أن يصحَّ القول المنسوب للإمام وأن يكون هذا الأصلح لدين الناس ودنياهم إن شاء الله.

الدكتور رحابي محمد:
ما شاء الله بارك الله فيكم سيدي الحبيب، عندنا الآن سؤال من أحد الإخوة الكرام شيخنا الفاضل: نحن في أمريكا مع الأسف لا نعمل شيئاً للدعوة لديننا بشكلٍ جماعي، فهل من نصيحة للأئمة هنا في أمريكا علماً بأننا مستضعفون في هذه البلاد حتى من الناحية الإعلامية، نعم سيدي تفضل؛

الدكتور محمد الساعي:
طبعاً لا شك يجب أن نقرَّ أن هناك أسباب كثيرة جداً تكون مضعفةً لتسويق ديننا.

أسباب الضعف الإعلامي في تسويق الإسلام
من هذه الأسباب ضعفنا نحن، نحن ضعفاء عندما لا يعتدُّ الناس بدينهم، عندما يتشكك الرجل في صلاح الإسلام في هذا الزمان، فهذا الضعف يقرأه الناس فيكون مضعفاً لتسويق هذا الدين، لكن من هذه الأسباب التسويق، الإعلام، نحن ضعفاء في الإعلام، ما عندنا إعلامٌ يوازي أضعف وسائل الإعلام المعادية لهذا الدين، ولَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ؛ لكن لا أقل أن نكون دعاةً كما أقول في بعض المناحي في بعض الوظائف أن نكون دعاةً بأحوالنا نحتاج إلى سمعةٍ حسنةٍ، نحتاج إلى أن ندعوا الناس بحالنا لا بمقالنا، ومن أعظم هذه الأسباب أن نجتمع نحن في مؤتمراتٍ، في ندواتٍ، في محاضراتٍ، في مهرجاناتٍ جماعية مثلاً، تسوِّق لهذا الدين إن شاء الله تعالى بشيءٍ من الضبط والربط والترتيب والإدارة والمنهجية، حتى يعلم الناس أن هناك ضوضاء أن هناك ضجيجاً يسمى إسلاماً في هذه البلاد.
وعلى الهامش لما كان بعض الإخوة الأحباب ينفرون من قضية تعدد المساجد في أمريكا، نقول لهم: لا تنفروا من هذا لكن عددوا مساجدكم على منهاجٍ موحدٍ وعلى حبٍ وعلى ودٍ وعلى رابطةٍ موثقةٍ، حتى يعلم الناس أن مساجدنا في كل مكان وأن مآذننا في كل مكان، أول ما فعله الرسول عندما كان يفتح البلاد في تلك الأزمنة القديمة إنشاء المساجد وإعمارها وأن تعلوا المآذن والقباب والأهلة وبعد ذلك في أيام الدولة العثمانية حتى يعلم الناس أن إسلامنا حاضرٌ وأن ديننا موجود إن شاء الله تعالى.

الدكتور رحابي محمد:
الله يبارك فيكم، من الشيخ عبد الفتاح السمان مرَّة ثانية، الزهد اختيارٌ لا اضطرار، سيدي لك سلام خاص لشيخنا أبو مصعب من أبو الخير محمد نشواتي، تقبل الله منكم صالح الأعمال، فضيلة الشيخ حافظ موسى يدعو لكم أيضاً، سؤال مفصلي من الأخ الفاضل الدكتور عبد الفتاح السمان يقول: سؤال مفصلي سيدي يعتمد الحداثيون على العقل، لكن القرآن والسنة لا تثبته البته ولقد غالى المعتزلة في العقل حتى قتلوا منكريه فهل العقل الذي يذكرونه هو الهوى؟

الدكتور محمد الساعي:
نحن سبحان الله تحدينا إن صحت هذه العبارة بالعربية، قلنا نحن نضع أمامكم فضل هذه الدعوة ندَّعي ونحن صادقون في دعوانا.

خضوع العقول لأصول الدين
نحن ندَّعي أن إسلامنا في اعتقاده وتشريعه وسلوكه، من حيث الأصول، من حيث جملة الفروع ليس فيه شيءٌ يناقض العقول، بل إن العقول خاضعةٌ لأصول ديننا اعتقاداً وتشريعاً وسلوكاً، وأنه ليس هناك من آيةٍ في كتاب الله سبحانه وتعالى، فإن كان مما يكون فهمها على ما يسمى الأصوليين الآن بالدِلالة القطعية على معناها، أنها تخالف عقلاً أو تخالف ناموساً خلقه ربنا سبحانه وتعالى، والسبب في هذا أن العقول مصنوعةٌ من قِبل ربنا سبحانه وتعالى وأن النواميس الكونية كذلك مخلوقٌ من ربنا سبحانه وتعالى، وأن هذا الشرع وهذا الدين بأصوله كتاباً وسنَّةً واعتقاداً وسلوكاً كله كذلك من عند ربنا سبحانه وتعالى، فكيف يناقض ذلك ذاك إن كان الكلُّ مصدره من عند مولانا سبحانه وتعالى.
نحن تحدينا هذا وقلنا نحن نتحداكم وأتينا بأمثلةٍ من هذا القبيل، ثم ذكرنا مسألة المعجزات في ديينا وقلنا أن المعجزات كلها من قبيل خوارق العادات، وخوارق العادات معناها أن يخرق ربنا بعض نواميس التي خلقها الله سبحانه وتعالى لبعض عباده عزَّ وجلّ إكراماً وتكرمةً، وقد تُخرق بعض هذه النواميس لغير الباري عزَّ وجلَّ، فتكون استدراجاً منه سبحانه وتعالى، لكن خرق هذا القانون يعني أن الله تعالى قد صلحت قدرته عزَّ وجلَّ على خلق الناموس الفلاني، وخرق ما شاء بما شاء وقت ما يشاء سبحانه وتعالى.
أما إذا بحثت الآن في أصول كتابٍ وأصول سنَّة رسولنا صلى الله عليه وسلم فيما يتعلق بمعاملاتنا وعبادتنا زواجاً طلاقاً ووفاءً ونذوراً وحرباً وسلماً وصلاةً وصياماً كل هذه أصول، العقول لا أقول أنها لا تناقضها، العقول تقول لها معذرةً ليس عندي أصلاً وجهٌ أن أقف حتى أقول لكِ عندي بعض الشيء في نفسي، بل العقول تقول: مرحباً مرحباً بفرع ربنا، مرحباً مرحباً بناموس ربنا سبحانه وتعالى، مرحباً مرحباً بما جاء من قبل نبينا صلى الله عليه وسلم وبالتبليغ وبالتنصيص وبالأمثلة ولما ذكرنا حديث النبي صلى الله عليه وسلم الصحيح:

{ ما رَأَيْتُ مِن نَاقِصَاتِ عَقْلٍ ودِينٍ أذْهَبَ لِلُبِّ الرَّجُلِ الحَازِمِ مِن إحْدَاكُنَّ }

(صحيح البخاري)

هذا الحديث الصحيح فسرناه بكتابنا القانون تفسيراً مما يدل على نصاعة وجمال هذا الدين إن شاء الله تعالى وأنه معجزةٌ وأنه سبقٌ علميٌّ وفكريٌّ واجتماعيٌّ إن شاء الله تعالى.

الدكتور رحابي محمد:
بارك الله فيك سيدي؛ نذكر الإخوة المتابعين الكرام أن هناك إن شاء الله سيكون اللقاء القادم مع فضيلة الدكتور زغلول النجار تحت عنوان الإعجاز العلمي وأثره في الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى.
هناك رسالة لكم سيدي من سراج منير هو أستاذٌ فاضلٌ مدير مدرسة ومدرِّس يقول: ما شاء الله فهمٌ عميقٌ للمقاصد والمصالح وفقه الخلاف طيب الله أنفاسكم سيدي، عندنا سؤال آخر من الأخ محمود هل تؤيدون يا فضيلة الشيخ الاجتهاد الفردي أم الجماعي في القضايا الفقهية والمستحدثة في مجتمعاتنا؟ ومتى يكون الاجتهاد الفردي مقبولاً؟

باب الاجتهاد لا يُسد
الدكتور محمد الساعي:
طبعاً نحن نقول في دعوى أن باب الاجتهاد قد سُدَّ وأُغلِق هي دعوى ليس لها نصيب، من حيث الأدلة والبراهين، بل نحن عندما قرأنا كتب فقهائنا الأقدمين إلى زماننا هذا، كتبهم مملؤةٌ بالفتاوى التي واكبت عصرهم والتي والفت أقضيتهم في زمانهم، كتب الفتاوى على المذاهب الفقهية فتاوى الشافعية والحنابلة والمالكية وغيرهم، حتى من كان يزعم أنه كان مجتهداً مستقلاً له فتاواه كذلك، فالفتاوى لم تنقطع أبداً ولا تنقطع بإذن الله تعالى، فالاجتهاد بابه لا يُسد، اجتهاداً فردياً من الإمام الفلاني من فقهٍ فلاني قد استملك واستجمع باب الاجتهاد في النازلة الفلانية والقضية الفلانية، فهذا مشروعٌ، بل هو مأجورٌ عليه إن شاء الله تعالى إذا كانت هذه الأسباب قد اجتمعت فيه في نازلةٍ معينةٍ أو في قضية معينة وقد أصبح مجهزاً مُهَيَّئًا، لهذا الاجتهاد إن شاء الله تعالى، نحن نحب الاجتهاد الجماعي ونشد على أصحاب هذه المجامع الفقهية.
لكن نقول حذارِ حذارِ أن تكون هذه المجامع الفكرية مجامع مسيئةً، أن تكون هذه المجامع مجامع تلوي أعناق الفقه حتى تخدم أغراضاً معينةً، بل يجب أن تكون مجامع نزيهةً، أن تكون مجامع فقهيةً صرفةً لخدمة هذا الفقه الإسلامي إن شاء الله تعالى، ونحن نقول للناس: نعم الاجتهاد الجماعي خير من الاجتهاد الفردي، لكن لا بأس من الاجتهاد الفردي إذا كان صاحبه معروفاً بين الأئمة الفقهاء المعاصرين بفقهه العتيد، أنه قد استجمع أصول وقواعد الفقه المقارن مثلاً، وأنه قد استجمع أسباب الاجتهاد من علوم القرآن والسنَّة واللغة والأصول والقواعد بالمصطلح الحديث، هذا الإنسان إذا كان بهذا القدر من العلم لا بأس من اجتهاده، واجتهاده مأجورٌ أخطأ أم أصاب، ثم نقول للناس في القضايا الاجتهادية التي تقبل الخلاف خطأ فلان وصحة اجتهاد فلان هو خطأٌ نسبيٌّ وتوفيقٌ نسبيٌّ، فيقال أخطأ بالنسبة لما قلته أنا وأصاب مثل ما قال غيره من الناس، وأما تأكيد خطأ فلان، فهذا ليس إلينا في القضايا الاجتهادية التي تقبل خلافاً إن شاء الله.

الدكتور رحابي محمد:
الله يبارك فيكم ويحفظكم إن شاء الله؛ عندنا دعاء لكم من الإخوة والأخوات أسماء رحابي هبة رحابي بارك الله فيكم جزاكم الله خيراً، الآن عندنا سؤال سيدي من أحد الإخوة الأخ محمد عمر أتاسي كيف نربط بين عدم كتمان كلمة الحق؛ الحيطان لها أذان وبين الحكمة في التبليغ، وهو انتظار الوقت المناسب لتقديم النصيحة؟

الدكتور محمد الساعي:
أحسنت الله يرضى عليك ويفتح عليك، نقول للناس يا أحبتنا الكرام؛ ماذا بعد قول الحق أمام سلطانٍ جائرٍ؟ شهادةٌ إن شاء الله تعالى غالباً .

الوقت المناسب لقول الحق
إذا قال فلان من الناس كلمة حقٍّ لسلطان جائر ثم أمر بقتله فمات فنقول: مات فلانٌ في سبيل قول الحق، نرجو الله أن يكون قد مات شهيداً، لكن على هذا القائل الذي قال قول الحق أن يقول في نفسه وفي قلبه وفي عقله وفي منهاجه أنه لا يقول الحق حتى يُقتل، إنما يقول الحق حتى يرضي ربه أولاً وحتى ينفع أمته بعد ذلك، أنه يقول الحق حتى يرضي ربه عزَّ وجلَّ وحتى ينفع أمته فإن كان قول الحق قد يضر أمته فعليه أن ينتظر ويتريث حتى يكون الوقت مناسباً لقول هذا الحق، نحن إذا أردنا أن نموت يا أحبتي الكرام يجب أن نموت لخدمة هذه الأمة لخدمة هذا الدين، لإرضاء ربنا عزَّ وجلّ أولاً ثم حتى ننفع إسلامنا وديننا وحتى ننفع أمتنا بهذه الميتة، لا أن يقول للناس مات فلاناً شهيداً مات فلانٌ قائلاً للحق، هذا أمرٌ لا يكون في اعتبار وحساب العقلاء البلغاء الفصحاء الحصفاء الآخذين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
نحن حياتنا كلها: وَجَّهْتُ وَجْهي لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَوَاتِ وَالأرْضَ حَنِيفًا، وَما أَنَا مِنَ المُشْرِكِينَ، إنَّ صَلَاتِي، وَنُسُكِي، وَمَحْيَايَ، وَمَمَاتي لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ، كل هذا لله عزَّ وجلَّ لكن في نطاق خدمة هذا الدين وخدمة هذه الأمة، فانظر أيها الإمام أيها القائل الحق، إن كان قولك الحق يخدم أمتك قل بغلبة الظن، واستشر جماعة المسلمين وجماعة المؤمنين فليكن لك مجلس شورى تستشيرهم لا تكون قولتك الحقَّ على انفرادٍ وعن اعتزالٍ وعن اعتدادٍ، فلتكن في حاضنة الجماعة المسلمة إن شاء الله تعالى حتى يكون قولك الحق نافعاً إن شاء الله تعالى.

الدكتور رحابي محمد:
أكرمكم الله سيدي، الله يفتح عليك، أنا لا أريد أن أطيل عليكم والله أنا أمام نبع فيَّاض وبحر مليء بالدرر، الله يحفظكم، الآن الأستاذ محمد الدرستاني يقول: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته جزاكم الله خيراً، ألا تظنون أن ضعف الإعلام الإسلامي يعود سببه إلى فرقة المسلمين وجهل وشح أثريائهم؟ كيف نعالج ذلك الجهل ونزيل حواجز الفرقة، وإقناع الأثرياء بضرورة الاستثمار في مجال الإعلام؟

الدكتور محمد الساعي:
الإعلاميون أصحاب الأموال مهنتهم التجارة والتكسُّب، فإن رأوا كسباً في إعلامهم سوقوا لدينهم، مهما كان هذا الدين، أن يكون هذا الدين محرَّصاً، أن يكون متلاعباً فيه لا يهم، التسويق هو الأصل.

جذب الإعلام بهدف التسويق للدين الإسلامي
مثلاً قلت في بعض المحاضرات أنني أتهم القناة الفلانية من دون أن نسميها طبعاً أقول أتهم القناة الفلانية، مع أن ظاهرها أنها قناة تذيع برامج إسلامية لكن أساسها ليس أن تخدم هذا الدين، ليس أساس هذه القناة أن تخدم إسلامنا، وإنما أن تسوق لنفسها وأن تجتذب جماهيراً حتى يكون لها المكسب المادي كذا وكذا، نحن إذا فخَّمنا بضاعتنا، وأوجدنا لبضاعتنا جمهوراً، هذا أساس الإعلام الآن، ما يسمى الآن بالمتابعين، الجمهور (The audience)، إن فخَّمنا بضاعتنا وأوجدنا لهذه البضاعة جمهوراً عريضاً الآن لا بد أن يأتي إلينا أصحاب هذه القنوات يقولون لنا تعالوا تعالوا نسوِّق لدينكم نسوِّق لبضاعتكم، أما إذا كانت بضاعتنا في أنفسنا ليست بضاعةً فاخرةً، بل هي بضاعة قد زهدنا نحن فيها، ما أوجدنا لبضاعتنا سوقاً ولا جمهوراً عريضاً للبضاعة الفاخرة، فلن يُقبل علينا هؤلاء الناس.
لكن أقول لك هناك حلٌ آخرٌ: أن يجتمع أصحاب الأموال المسلمة، أنا أقول للناس نحن ننفق الملايين من الدولارات كل سنةٍ في مشاريعٍ تمضي ومن ثم تذبل وتزول، أما المشاريع الدائمة الثابتة التي قد تأتي بالثمار بعد عقود هذه لم نفكر نحن فيها، قد فعلها غيرنا من أعداء الإسلام، ما يسمى بالمنهاج طويل المدى الخطة الخمسينية مثلاً، ستأتي ثمارها وستأتي كلها بعد خمسين عاماً، ما المانع من هذا؟ نحن الآن نُعِدُّ أولادنا من الآن من هذه اللحظة، أنا أعدُّ أبنائي، أنت تعدُّ أبناءك إن شاء الله تعالى حتى يكون أبناؤنا أو أبناء أبنائنا أو أحفاد أبنائنا جنداً للخليفة الذين سوف يملأُ الأرض قسطاً وعدلاً.

الدكتور رحابي محمد:
ما شاء الله عليكم الله يبارك فيكم دكتور، الأخ أيمن أيهم الأحمد: بارك الله فيكم، الأخت ريما الجواني: الله يجزيكم الخير، ما شاء الله بارك الله فيكم وبعلمكم، محمد عمر أتاسي: يشكركم بالرد على سؤاله جزاكم الله خيراً، الأخت دعاء رحابي: بارك الله فيكم.
سيدي الحبيب أنا سعيد جداً بلقائكم وأرجو الله تعالى أن يكرمنا بلقائكم إن شاء الله وجهاً لوجه، ممكن أن أشير لهذا الأمر للإخوة المتابعين أيضاً، أنني تشرفت الآن في مسجد في هيوستن قدمت إليه فلما قدمت قالوا لي: أنت قد سبقك إلى هذا المسجد فضيلة الأستاذ الدكتور نعيم الساعي، أنا أسمع عنه وباسمه الكبير لكن لم يحصل لي شرف الجلوس أمامه للتعلم والتتلمذ بين يديه، فهذا شرفٌ كبيرٌ لي سيدي، ذكركم الطيب في المسجد وفي الجالية، فكركم النير، حرصكم الشديد، حكمتكم، فهمكم لمقاصد الشريعة، احترامكم للناس، محبة الناس لكم هذه لها أثر طيب كثيراً والله يكرمني في السير على خطاكم، وحفظكم الله سيدي، يوجد عندنا سؤال من الأخت ندى: السلام عليكم ورحمة الله جزاكم الله خيراً، هل يجوز للإمام في هذه البلاد أن يقوم بترقيع الفتوى الواحدة بما يرى المصلحة، ولا أقصد هنا التلفيق بين المذاهب ولكن أقصد ترقيع الفتوى الواحدة من المذاهب بما فيه التيسير والمصلحة للجالية المسلمة في هذه البلاد.

ضوابط الفتوى الشرعية
الدكتور محمد الساعي:
نحن نقول للناس: الوجب على الفقيه أو على الإمام أن يأخذ بقول الفقهاء ما صحة نسبته إليهم، وإن أراد أن يجمع بين قول مذهبين أو غيرهما أن لا يقع بما يسمى بالتلفيق، حتى لا يكون قوله هذا باطلاً عن الكل، فإذا أفتى الناس بما يصلح لحالهم ونازلتهم وواقعهم بما لا يكون باطلاً عند كلهم فلا بأس بهذا، أما إذا أفتى الناس بفتوى لو أعدناها إلى أصول مذاهب هؤلاء الفقهاء وقواعدهم وأصولهم لوجدناها فتوى باطلة، لا يقوم بها أحدٌ من هؤلاء الأئمة فهذه فتوى باطلة لا يجوز الفتية بها ولا فيها، بل يكون هذا الإمام مرقعاً كما قالت الأخت الفاضلة، حسناً يعني ذكرت تلك العبارة نعم هو ترقعٌ وهو تشويهٌ وهو عبثٌ ولَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ؛ فالضابط في هذا أن تكون هذه الفتوى إذا أعدناها إلى أصول المذاهب أن تكون فتوى مقبولةً عند واحدٍ على الأقل من هؤلاء الفقهاء حسب قواعدهم وأصول مذهبهم إن شاء الله تعالى، أما إذا وجدناها لا تصلح ولا تكون موالفةً لواحد من هذه المذاهب، فهي فتوى باطلة لا يجوز الفتية فيها ولا القول فيها.

الدكتور رحابي محمد:
الله يجزيكم الخير، ما شاء الله جواب جميل وحكيم بارك الله فيكم ونفع الله بكم، سيدي الحبيب في ختام هذا اللقاء لا يسعني إلا أن أتوجه لكم باسم المجلس الإسلامي للشؤون الإسلامية في أمريكا، المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية بأمريكا الشمالية أتوجه لكم باسم هذا المجلس وباسم الإخوة القائمين عليه وخصوصاً الأخ الفاضل الدكتور إسماعيل الشيخ، وفريق العمل معه، وأشكرهم أيضاً أن أكرموني بأن أكون بخدمتكم في هذا اللقاء، وجزاك الله خير وتشرفنا بكم وتشرفت بكم صفحتنا على الفيسبوك، والإخوة المتابعون يدعون لك جميعاً بالخير والتوفيق ونرجو الله تعالى أن يجمعنا بكم قريباً إن شاء الله وأن نراكم بأحسن حال وأن يزيدكم علماً وفضلاً ونوراً وحكمةً، نفعنا الله بكم سيدي، كلمة أخيرة سيدي ثم نختم بدعاء إن شاء الله من فضيلتكم.

الدكتور محمد الساعي:
أنا فقط أطلب منكم الدعاء إن شاء الله تعالى، يعني أنا طلبي في النهاية ممن سمعنا أن يدعو لنا في ظهر الغيب وأن يديم الدعاء لنا، نحن ما عندنا شيء ندّعيه بين يديه سبحانه وتعالى يوم القيامة، إلا أن نقول: لعل واحداً من أحباب المولى عزَّ وجلَّ من عباده الصالحين أو الصالحات قد دعا لنا في ظهر الغيب، نرجو من غير كلفةٍ ولا مشقةٍ إذا خطرنا في بال أحد أحبابنا أن يدعو لنا في ظهر الغيب فهذا كنزاً ثميناً وهذا رجاؤنا وهذا ما نتمناه إن شاء الله تعالى، وسامحونا إذا أطلنا عليكم أو إذا أدخلنا عليكم الملل والسَّآمة بثقيل حديثنا أنتم خير من يستمع، شكراً لاستماعكم، جزاكم الله كل خير، وشكراً للقائمين على مجلسكم وعلى هذه البرامج الطيبة أقول لهم تحياتي وشكري الجزيل ونسأل الله تعالى أن يجمعنا وإياكم هكذا على الخير والبركات دائماً وأن يجعلنا دائماً في رحاب خدمة هذ الإسلام وهذا الدين وأن يُنهضَ الإسلام بكم إن شاء الله تعالى وأن تكونوا مجددين لهذا الإسلام وأن تكونوا من أهل الإحياء لهذا الدين إن شاء الله تعالى ونستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه.

الدكتور رحابي محمد:
آمين، سامحوني سيدي أنا ربما أكون أثقلت عليكم، أنا رحابي بشكل شخصي أخشى أن أكون قد أثقلت عليكم بالأسئلة.

الدكتور محمد الساعي:
بارك الله بكم، ما عندنا شيء ونحن ما يأتينا ننقله إليكم إن شاء الله تعالى، الله يبارك فيكم.

الدكتور رحابي محمد:
الله يبارك فيكم يا سيدي جزاكم الله خيراً وأحسن الله إليكم ونسأل الله تعالى أن يكرمنا وإياكم بالتوفيق والسداد إن شاء الله، ويجمعنا دائماً على الخير والتقوى، شكراً إخواننا المتابعين الكرام، والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.