الغربة مفهومها وأنواعها مع الدكتور بلال نور الدين

  • 2020-10-03

الغربة مفهومها وأنواعها مع الدكتور بلال نور الدين


مقدمة
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته، أيها الإخوة الكرام: أهلاً وسهلاً بكم في لقاءٍ جديدٍ ومتجدد مع أهل العلم والقرآن، ولقاؤنا اليوم مع فضيلة الدكتور بلال نور الدين، أهلاً وسهلاً ومرحباً بكم فضيلة الدكتور بلال.

الدكتور بلال نور الدين:
حياكم الله دكتور رحابي وبارك الله بكم ونفع بكم وأعلى قدركم إن شاء الله.

د. رحابي محمد:
أهلاً وسهلاً بكم، وجزاكم الله خيراً للاستضافة، وبارك الله فيكم، وزاد الله علماً نفعاً، برنامج أهل العلم والقرآن يلقي الضوء على أهم المحطات في مسيرة أهل العلم والقرآن، الحافلة بالوسطية، والاعتدال، وتعزيز قيم السلام، والتعايش الإنساني في المجتمعات.

مقدمة تعريفية بالدكتور بلال نور الدين
اليوم نحن في ضيافة الدكتور بلال نور الدين، الدكتور والأخ الحبيب، والصديق العزيز الذي نعتزُّ به، ونفخر به ما شاء الله، علماً وفضلاً وأدباً وخُلقاً، الدكتور بلال دكتوراه في الفقه المقارن، مؤلف كتب وأبحاث، ومُعِد ومقدم برامج تلفزيونية، وهو أيضاً المشرف العام على الأعمال العلمية لفضيلة أستاذنا الدكتور محمد راتب النابلسي، الدكتور بلال بصراحة في هذا البرنامج أريد دائماً أن أسلط الضوء، وأن ألقي الضوء على أهل العلم، وأهل الفضل الذين لهم نشاطٌ في المجتمع، ولهم تأثيرٌ طيبٌ إيجابي في المجتمع الإنساني، فنريد من أصحابنا وأصدقائنا في صفحات الفيس، وعلى وسائل التواصل الاجتماعي أن يتعرَّفوا على المزيد، وأن يقتربوا أكثر من هؤلاء العلماء، هؤلاء الدعاة، دعاة الخير، دعاة المحبة، دعاة الإنسانية، الذين لهم الفضل، ونرجو الله تعالى أن يُعليَ قدرهم في الدنيا والآخرة.
الدكتور بلال ما شاء الله يحمل الإجازة في اللغة العربية من كلية الآداب والعلوم الإنسانية من جامعة دمشق، ويحمل كذلك الإجازة العالية في الدراسات الإسلامية من جامعة الأزهر في القاهرة، ويحمل شهادة الماجستير في الفقه المقارن بتقدير جيد جداً من جامعة أم درمان الإسلامية في السودان، وهي أيضاً جامعتي التي تخرجت منها، كذلك حاز الدكتور بلال ما شاء الله على شهادة الدكتوراه في الشريعة الإسلامية بتقدير ممتاز من جامعة أم درمان الإسلامية، الدكتور بلال له أعمالٌ علمية، وله أعمالٌ إداريةٌ كثيرة، وما شاء الله مسيرته حافلةٌ في خدمة العلم، وفي خدمة طلاب العلم، فهو مدير ثانوية النابلسي الشرعية بدمشق منذ 2006 إلى عام 2012.
هو المشرف العلمي والمسؤول عن قسم الفتاوى في موقع الدكتور محمد راتب النابلسي، وكذلك هو المشرف العام على الأعمال العلمية للدكتور راتب النابلسي، إذا أردتم أن تروا الدكتور راتب النابلسي، فانظروا إلى الشيخ بلال نور الدين، فهو النسخة الثانية طبق الأصل ليس تقليداً، نسخةٌ أصلية من الشيخ راتب النابلسي، ونسأل الله تعالى أن يبارك بحياة الشيخ راتب النابلسي، ويبارك بحياة الشيخ الدكتور بلال، الدكتور بلال ما شاء الله دَرَّسَ مادة الإعجاز العلمي في الكتاب والسنَّة في معهد الشام العالي بدمشق في كلية الشريعة وأصول الدين، وكذلك اللغة العربية والدراسات الإسلامية أعواماً عديدة، دّرَّسَ أيضاً مادة التفسير، وعلوم القرآن، والقواعد الفقهية، واللغة العربية في المعهد المتوسط للعلوم الشرعية، واللغة العربية بدمشق، كذلك هو خطيبٌ ما شاء الله ومدرس ديني في مساجد دمشق، ومساجد عمان.
بالنسبة للدكتور بلال يتميز بأنه شخصيةٌ إعلامية أيضاً، يُعِدُّ ويقدم برامج تلفزيونية حوارية، له أكثر من تسعة أو عشرة برامج إذاعية وتلفزيونية، منها مع الدكتور راتب النابلسي، ومنها مع غيره، ومنها قدمها الدكتور بلال بنفسه، برامج مفيدةٌ، وراقية، ومفيدة لكل إنسان، يُنصَح بمتابعة هذه البرامج، له بحوثٌ ودراسات، قَدَّم الدكتور بلال أكثر من ثلاثة عشرة بحثاً، وألَّفَ كتباً منها مطبوعة، ومنها ما زالت تحت الطباعة، نسأل الله تعالى أن يبارك في همته، وفي عافيته حتى نرى الكثير والكثير إن شاء الله من إنتاجه العلمي، وإنتاجه الفكري بإذن الله تعالى.
اليوم حوارنا يا دكتور بلال الله يبارك فيك عن الغربة، ونحن مغتربون أنا مغترب في أمريكا، وكثيرٌ من أهلنا وأصدقائنا اغتربوا في هذه الأرض، لكن مفهوم الغربة وخصوصاً عندما نرى حديث النبي صلى الله عليه وسلم، الذي يرويه الإمام مسلم، وابن ماجة، وأحمد، وغيرهم:

{ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بَدَأَ الإِسْلامُ غَرِيبًا، وَسَيَعُودُ كَمَا بَدَأَ غَرِيبًا، فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ }

(رواه مسلم وابن ماجة وأحمد)

لو بدأنا بحديثنا مباشرةً، ما هي الغربة؟ ما مفهوم الغربة؟ وما أنواع الغربة التي يمكن أن نستلهمها من الحديث النبوي الشريف، أو من غيره من الأحاديث التي ذكرت قضية الغربة أو الاغتراب؟ تفضل دكتور بلال حياكم الله.

من هو الغريب؟
الدكتور بلال نور الدين:
جزاكم الله خيراً، وشكراً على هذا التقديم اللطيف، وأسأل الله أن أكون عند حُسنِ ظنك، وحُسنِ ظن الإخوة المتابعين، سيدي الكريم موضوعنا الغربة، والغريب هو شخصٌ ليس من أهل الدار، ونحن في الدنيا كلنا غرباء، قبل غربة آخر الزمن، نحن كلنا غرباء:

{ عَنْ ابْن عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِمَنْكِبِي، وَقَالَ: "كُنْ فِي الدُّنْيَا كَأَنَّك غَرِيبٌ أَوْ عَابِرُ سَبِيلٍ" }

(رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ)

أخي الدكتور رحابي الغريب كما قالوا: إذا دخل بلدةً لم ينافس أهلها، ولا يَجزَع أن يُرى على خلاف عادته في الملبوس، ولا يكون متدابراً معهم، ما معنى ذلك؟
نحن أيها الأحباب: هذه الدنيا ليست دارنا، نحن مخلوقون فيها مرحلياً، دارنا هي الآخرة، فنعيش في الدنيا غرباء، كلنا غرباء عن هذه الدار، ضيوفٌ سنمضي عاجلاً أو أجلاً، دارنا هناك، هذا أبو الدرداء رضي الله عنه كما تعلمون لما قيل له: أين متاعكم؟ قال: لنا دارٌ هناك نرسل إليها صالح متاعنا، قالوا: أين داركم؟ قال: في الآخرة.
لا يعني أبداً أن الإنسان عندما يكون غريباً في الدار الدنيا أنه يُهملها، أو لا يعمل فيها، لكنه يعمل فيها ولا يعمل لها، يملكها ولا تملكه، يجعلها في يده، ولا يجعلها في قلبه، لذلك :

{ النبي صلى الله عليه وسلم قال: اللَّهُمَّ لاَ تَجْعَلِ الدُّنْيَا أَكْبَرَ هَمِّنَا }

(رواه الترمذي)

الدنيا همٌّ من الهموم، كلنا نحمل همَّ الدنيا، همَّ معاشنا، وهمَّ أولادنا، وهمَّ دراستنا، وهمَّ رزقنا، هي همٌّ من الهموم، لكنها ليست الهمَّ الأكبر، وإنما همُّنا الأكبر هو الآخرة:

{ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: سَمِعْتُ نَبِيَّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: مَنْ جَعَلَ الْهُمُومَ هَمًّا وَاحِدًا هَمَّ الْمَعَادِ كَفَاهُ اللَّهُ هَمَّ دُنْيَاهُ وَمَنْ تَشَعَّبَتْ بِهِ الْهُمُومُ فِي أَحْوَالِ الدُّنْيَا لَمْ يُبَالِ اللَّهُ فِي أَىِّ أَوْدِيَتِهِ هَلَكَ ‏"‏ }

(رواه ابن ماجه)


تعريف الغربة
فلذلك الغربة مفهومها مبدئياً قبل أن ندخل في غربة آخر الزمن، أننا كلنا في الدنيا غرباء، نعيش غربةً، فنحن مذ نزلنا من بطون أمهاتنا استدبرنا الدنيا، واستقبلنا الآخرة، مذ نزلنا من بطون أمهاتنا أصبحت الدنيا وراءنا، والآخرة أمامنا، فأصبحنا في غربة، هذا المفهوم ليس مفهوماً مُيئِّساً، ولا مقنِّطاً، ولا مفهوماً لترك العمل، إنما هو مفهومٌ لمزيدٍ من العمل، فالغريب يحاول أن يَستعجل بالأعمال الصالحة لأنه سيغادر، والغريب يحاول أن يَعمُرَ هذه الدار بالخيرات لأنه سيغادر.
أُضيف أخي الدكتور رحابي معنى للغريب أنا استشعرتُه سبحان الله وأنا أُحضِّر موضوع الغربة، الغريب في الدنيا (كُنْ فِي الدُّنْيَا كَأَنَّك غَرِيبٌ) يَلفِت نظره كل شيء، أنت الآن لو كنت في دمشق، وتعرف معالمها، وأماكنها، فإذا قُدتَ سيارتك فيها فإنك لا تلتفت إلى شيء، لا يُهمك شيء، فأنت تعرف كل المكان، لكن لما تغادر إلى مدينةٍ أخرى تدخلها أول مرَّة، فيَلفِتُ نظرك كلُّ شيء، والمؤمن في الدنيا لا يَمرُّ على آيات الله مروراً سريعاً لا يَلتفِتُ لها، هذا أيضاً من مفهوم الغربة، فهو عندما ينظر إلى الطائر يطير بجناحيه في السماء، ليس شيئاً عادياً بالنسبة له:

وَكَأَيِّن مِّنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ
(سورة يوسف: الآية 105)


من معاني الغربة
لكن الغريب ينتبه إلى آيات الله، لأنه في هذه الدنيا يشعر بالغربة، فكل شيءٍ يلفت نظره، فيستدل من خلق الله على الله، كل شيءٍ في الكون ليس شيئاً عادياً بالنسبة له، كل شيءٍ يحتاج إلى تَفكُّرٍ وتأمل، هذا أيضاً من معاني الغربة.
من معاني الغربة ومفهومها، غربة الدنيا،
(كُنْ فِي الدُّنْيَا كَأَنَّك غَرِيبٌ)
قال: إذا دخل بلدةً لم ينافس أهلها، الغريب لا ينافس أهل المكان يعمل لكنه لا ينافس الناس، طبعاً نقصد هنا بالمنافسة المنافسة المذمومة، وليست المحمودة، كالتنافس في فِعلِ الخيرات، وإنما التنافس المذموم في الدنيا، بحيث يلهيه التكاثر لأنه غريب، قال: لا يَجزَعُ أن يُرى على خلاف عادته في الملبوس، هذا من اللطائف، يعني أن أحدنا في بلده أو إذا كان الناس يعرفونه يتأنق في ملبسه إذا نزل إلى الشارع، فإذا كان في مدينةٍ سيعيش فيها يومين لا يهتم بلباسه كثيراً، مفهوم ذلك أن المؤمن:

{ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ عُقْبَةَ بْنِ عَمْرٍو الْأَنْصَارِيِّ الْبَدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم "إنَّ مِمَّا أَدْرَكَ النَّاسُ مِنْ كَلَامِ النُّبُوَّةِ الْأُولَى: إذَا لَمْ تَسْتَحِ فَاصْنَعْ مَا شِئْت }

(رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ)

بالمعنى الآخر بالمعنى الإيجابي، إذا كان فعلك وفق الشرع فلا تلتفِت إلى أحد، ما دُمت مطبقاً لشرع الله، ما دام فعلك لا يُستحيى منه فافعل، ولا تخف في الله لَوْمَةَ لآئِم، هذا أيضاً من مفهوم الغربة، أيضاً ولا يكون متدابراً معهم، الغريب لا يتدابر مع الآخرين، لا يتخاصم معهم، لأن الدنيا زائلة، فهو يُريد أن يكسب وِدهم ومحبتهم، هذا حال الضيف، نحن كلنا مبدئياً في غربةٍ مذ ولدنا، بحيث استدبرنا دنيانا واستقبلنا آخرتنا، فيجب أن نعمل لما استقبلناه لا لما استدبرناه، فالدنيا أصبحت وراءنا ونحن فيها غرباء، ووطننا ليس هنا، وإنما وطننا الآخرة، نسأل الله عزَّ وجلّ أن يجعل وطننا جنته التي وعد بها عباده المتقين.

د. رحابي محمد:
آمين، آمين، أحسنت يا دكتور بلال، الله يبارك فيك، إذاً مفهوم الغربة إذا استطعنا أن نُلخِّص كلام الدكتور بلال بشكل سريع، (كُنْ فِي الدُّنْيَا كَأَنَّك غَرِيبٌ أَوْ عَابِرُ سَبِيلٍ)، الغريب لا ينافس أهل الدنيا، الغريب لا يكون متدابراً معهم، هذه الكلمة جداً جميلة ولطيفة، أن يعلم الإنسان أنه في حال استئناس مع الناس، في حال تصالح مع الناس، في حال تعايش مع الناس، لا يتدابر معهم لا يتنافس معهم، لا يُقيم مشاحنات، أو بغضاء، أو يخطط لعداوات، أو لإساءات، هذا مفهوم الغريب، يا غريب كن أديب، فالغريب يكون متأدباً مع المكان الذي يكون فيه، لأنه على سفر، لأن هذا ليس موطنه.
وكما تفضل الدكتور بلال هذه الدنيا ليست دارنا، إنما الدار الآخرة هي الدار التي تنتظر المؤمن، فهو يحاول أن يَعمُرَ هذه الدار المؤقتة، لأنه في غربةٍ، يَعمُرُها بالخيرات، لأنه سيغادر قريباً، المؤمن كما ذكر الدكتور بلال لا يَمرُّ على آيات الله سريعاً، بدون تَفَكُّر، ولا تدبر، وإنما يَمرُّ على كل آيةٍ ويتعرف على الله من خلق الله سبحانه وتعالى، بارك الله فيك يا دكتور بلال، لو أردنا أن نذهب إلى قضية (طُوبَى لِلْغُرَبَاءِ)يعني نسمع هذا الحديث (طُوبَى لِلْغُرَبَاءِ)، هذه البشارة من النبي عليه الصلاة والسلام للغرباء، ماهي صفات هؤلاء الغرباء نسأل الله تعالى أن نتحقق بهم؟ صفات الغرباء الذين ينبغي أن يتحلوا ببعض الصفات، والمؤهلات لينالوا شرف الدعوة النبوية (طُوبَى لِلْغُرَبَاءِ).

غربة الدين
الدكتور بلال نور الدين:
جزاكم الله خيراً، هذا ما نريد الدخول إليه الآن وهو غربة الدين، الغربة الأولى مشتركون بها جميعاً، كلنا غرباء المحسن والمسيء، المؤمن وغير المؤمن، كلنا غرباءٌ في الدنيا وسنغادرها، لكن الآن نأتي إلى مفهومٍ جديدٍ في الغربة، وهو الذي تفضلت به جزاك الله خيراً، النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (طُوبَى لِلْغُرَبَاءِ)، طُوبَى: هو اسم على وزن فُعلى، مذكره أَفعَل، أطيب طُوبى، وقِيلَ كما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم في الأحاديث:

{ وَعَن أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنِ النَّبِيِّ قَال: إِنَّ في الْجنَّةِ لَشَجرَة يسِيرُ الراكب الجواد المضمر السريع ماِئَةَ سَنَةٍ مَا يَقْطَعُهَا، وَرَوَياهُ في الصَّحِيحَيْنِ أَيْضًا مِن روَايَةِ أَبِي هُريْرَةَ قالَ: يَسِير الرَّاكِب في ظِلِّهَا ماِئَةَ سَنَة مَا يَقْطَعُهَا }

(مُتَّفَقٌ عَلَيهِ)

طوبى شجرة في الجنة يَسيرُ الراكب، أو الماشي في ظِلِّها مئة عام، هي شجرةٌ من ثمار الجنان، كيف نتحقق من (طُوبَى لِلْغُرَبَاءِ)؟

1- الغرباء هم اَلَّذِينَ يَصْلُحُونَ إِذَا فَسَدَ اَلنَّاسُ
الحقيقة ورد في السنَّة لهؤلاء الغرباء خمسة أوصاف، في أحاديث متفرقة، وكلها في الصحيح:

{ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: بَدَأَ الإِسْلاَمُ غَرِيباً، وَسَيَعُودُ كَمَا بَدَأَ غَرِيباً، فَطُوبى لِلْغُرَبَاءِ، في رواية أخرى قِيلَ: وَمَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: اَلَّذِينَ يَصْلُحُونَ إِذَا فَسَدَ اَلنَّاسُ }

(رواه مسلم)

وفرقٌ كبير بين أن تكون صالحاً، وأن تكون مُصلحاً، قال تعالى:

وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَىٰ بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ)
(سورة هود: الآية 117)

أي يُصلِحون، لا يكتفون بصلاحه، وإنما ينطلقون إلى إصلاح المجتمع من حولهم، من خلال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، الكلمة الطيبة، الكلمة الحانية، اللمسة الدافئة، يُصلحون، فمتى يُصلحُ هؤلاء الغرباء؟ في أيامٍ كأيامنا هذه، لأنه فَسدَ كثيرٌ من الناس، المجتمع اليوم الحالة المادية طاغيةٌ فيه، انتشر فيه الفساد بشكلٍ أو بآخر، سواءً الفساد المالي أو الفساد الاجتماعي، فأصبح هناك فساد، فسادٌ في الشهوة وفسادٌ في الشبهة، فساد الشبهة يدخل إلى العقول، وفساد الشهوة يدخل إلى القلوب، فاليوم الغريب في آخر الزمن هو شخصٌ يقوم بالإصلاح، يحاول أن يصلح:

مَعْذِرَةً إِلَىٰ رَبِّكُمْ
(سورة الأعراف: الآية 164)

يُبرئُ ذمته أمام الله، قد ينجح وقد لا ينجح حيناً آخر، ولكن يكفيه شرف المحاولة، يكفيه أن يموت على الطريق، يكفيه أنه ليس مفسداً، ولا داعياً إلى الإفساد، فهو يُصلح إذا فَسدَ الناس، فهو غريبٌ عنهم يشعر بالغربة، يشعر بأنه غريب، الناس كلها تُفسِد، وهو يحاول أن يُصلح، هذا الوصف الأول لنتحقق من (طُوبَى لِلْغُرَبَاءِ).

2- الغرباء هم الَّذِينَ يُصْلِحُونَ مَا أَفْسَدَ النَّاسُ مِنْ بَعْدِي مِنْ سُنَّتِي
ورد في السنَّة، لكن فيه إضافة جميلة جداً :

{ قال اَلنَّبِيِّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ الدِّينَ بَدَأَ غَرِيبًا، وَيَرْجِعُ غَرِيبًا، فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ، الَّذِينَ يُصْلِحُونَ مَا أَفْسَدَ النَّاسُ مِنْ بَعْدِي مِنْ سُنَّتِي }

(أخرجه الترمذي)

هذا معنى جديد، الآن هنا إصلاحٌ محدد، إصلاحٌ في الدين، هل الدين يحتاج إلى إصلاح؟ هل السنَّة تحتاج إلى إصلاح؟ هنا موطن الشاهد:

{ كانَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ يقولُ: اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لي دِينِي الذي هو عِصْمَةُ أَمْرِي، وَأَصْلِحْ لي دُنْيَايَ الَّتي فِيهَا معاشِي، وَأَصْلِحْ لي آخِرَتي الَّتي فِيهَا معادِي، وَاجْعَلِ الحَيَاةَ زِيَادَةً لي في كُلِّ خَيْرٍ، وَاجْعَلِ المَوْتَ رَاحَةً لي مِن كُلِّ شَرٍّ }

(صحيح مسلم)

الدين لا يحتاج إلى إصلاح فهو وحي السماء، لكن نحن يحتاج إلى إصلاح، عندما نَفهم الدين أنه عباداتٌ شعائريةٌ فقط، وليس له علاقةٌ بالتعاملِ مع الناس، فديننا يحتاج إلى إصلاح، عندما نفهم الدين أو التجديد في الدين على أنه هدمٌ لثوابت الدين، فنحتاج إلى إصلاح، عندما نأخذ بعض ديننا ونترك بعضه كما وُصِفَ:

أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ)
(سورة البقرة: الآية 85)

أيضاً ديننا يحتاج إلى إصلاح، لأننا لم نأخذه كُلٌ متكاملاً، يبدأ من علاقاتنا البسيطة إلى علاقاتنا الكبرى، فلما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (الَّذِينَ يُصْلِحُونَ مَا أَفْسَدَ النَّاسُ مِنْ بَعْدِي مِنْ سُنَّتِي)، فاليوم عندما ترى من الناس من يتدينون تديناً ظاهرياً شكلياً، لاعلاقة له بالسلوك، فأنت هنا عندما تُصلح فأنت غريب، لأن كثيراً من الناس قد فهموا اليوم الدين فهماً على غير ما أنزله الله، فأنت الآن مهمتك أن تُصلح، عندما ترى من فَهِمَ الدين على أنه تدميرٌ وقتلٌ وسفكٌ للدماء، فمُهِمَّتك أن تُصلح، وعندما ترى من فَهِمَ الدين على أنه دينٌ فيه شعائر: حجٌ، وصلاةٌ، وصيامٌ، وزكاةٌ، لكنه ينتهك حرمات الله، ويُعامل الناس بسوء، فينبغي أن تُصلح ما أفسده الناس، فهذا معنى جديدٌ للغربة وهو إصلاح ما أفسد الناس من سنَّة رسول الله، أي من طريقته التي كان عليها، كيف عامل الناس؟ كيف عامل الصحابة الكرام؟ كيف عامل زوجاته؟ كيف عامل الآخرين؟ كيف تعامل مع الحيوان؟ كيف تعامل مع الجماد؟ هذه سنَّته صلى الله عليه وسلم، فينبغي أن نُصلح ما أفسده الناس بعده من سنَّته، ومن طريقته، هذا الوصف الثاني.

3- الغرباء هم النُّزَّاعُ مِنَ الْقَبَائِلِ
في الأحاديث الشريفة للغريب:

{ عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال عليه الصلاة والسلام: إِنَّ الإِسْلامَ بَدَأَ غَرِيبًا وَسَيَعُودُ غَرِيبًا فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ، قَالَ: قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَنِ الْغُرَبَاءُ؟ قَالَ: النُّزَّاعُ مِنَ الْقَبَائِلِ }

(رواه ابن ماجة)

هنا معنى جديد ما معنى(النُّزَّاعُ مِنَ الْقَبَائِلِ)؟ يعني الرجل والرجلان، هذا يعطيك دافعاً، اليوم لا تقل أنا وحدي، ما دمت على حقٍ فأنت الجماعة، ولا تَغترَّ بكثرة الهالكين، فالقلة ممدوحةٌ في كتاب الله:

وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ
(سورة سبأ: الآية 13)

ثُلَّةٌ مِّنَ الْأَوَّلِينَ * وَقَلِيلٌ مِّنَ الْآخِرِينَ
(سورة الواقعة: الآية 13-14)

وَقَلِيلٌ مَّا هُمْ
(سورة ص: الآية 24)

أما الأكثرية:

وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ
(سورة الأعراف: الآية 17)

وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ
(سورة يونس: الآية 55)

فأنت لو كنت وحدك، أو معك أخٌ في الله، أو اثنان، أو ثلاثة، فأنت الجماعة ما دمت على الحق، فهذا معنى (النُّزَّاعُ مِنَ الْقَبَائِلِ) لو كنت رجلاً أو رجلين، النبي صلى الله عليه وسلم يقول في الصحيح: يأتي النبي صلى الله عليه وسلم ومعهُ الرَّجُلُ والرَّجُلانِ، فأنت كن مع الحق مهما كان قليلاً، فهو الكثير، هذا معنى (النُّزَّاعُ مِنَ الْقَبَائِلِ) هي صفة ثالثة للغرباء.

الغرباء هم قَوْمٌ صَالِحُونَ قَلِيلٌ فِي نَاسِ سَوْءٍ كَثِيرٍ، مَنْ يَعْصِيهِمْ أَكْثَرُ مِمَّنْ يُطِيعُهُمْ
الصفة الرابعة تشبه الثالثة:

{ عن عبد الله بن عمروٍ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: طُوبَى لِلْغُرَبَاءِ، قُلْنَا: وَمَا الْغُرَبَاءُ؟ قَالَ: قَوْمٌ صَالِحُونَ قَلِيلٌ فِي نَاسِ سَوْءٍ كَثِيرٍ، مَنْ يَعْصِيهِمْ أَكْثَرُ مِمَّنْ يُطِيعُهُمْ }

(رواه الإمام أحمد)

لكن أضاف هنا معنى جديد (قَالَ: مَنْ يَعْصِيهِمْ أَكْثَرُ مِمَّنْ يُطِيعُهُمْ)، وهذا معنى جميل جداً، وهو الذي ذكرته قبل قليل، بأننا عندما نُصلح، وعندما نأمر الناس بالمعروف، وننهاهم عن المنكر بحكمةٍ وبمعروف، عندما نفعل ذلك لو عصانا ألفٌ وأطاعنا واحدٌ فنحن رابحون، لو عصانا ألفٌ نقصد هنا عصانا أنه لم يَلتفِت للنصح بهذا المعنى، لو لم يَلتفِت للنصح سِوَى رجلٍ واحدٍ:

{ لَأَنْ يَهْدِيَ اللَّهُ بكَ رَجُلًا واحِدًا، خَيْرٌ لكَ مِن أنْ يَكونَ لكَ حُمْرُ النَّعَمِ }

(صحيح البخاري)

فأيضاً هذا معنى محفز، بأنك لو وجدت معصيةً من الناس تتكلم ولا تجد قبولاً إلا عند القليل، تابع في الإصلاح، تابع في مسيرتك، وإياك أن تتوقف عن الإصلاح.

الغرباء هم اَلْفَرَّارُونَ بِدِينِهِمْ
الصفة الخامسة في الغرباء كما في الأحاديث:

{ إِنَّ أَحَبَّ شَيْءٍ إِلَى اَللَّهِ اَلْغُرَبَاءُ، قَالَ: اَلْفَرَّارُونَ بِدِينِهِمْ، يَبْعَثُهُمْ اَللَّهُ مَعَ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ عَلَيْهِ اَلسَّلَامُ }

(رَوَاهُ أَحْمَدُ)

وهذا حديث روي موقوفاً ومرفوعاً، (قَالَ: اَلْفَرَّارُونَ بِدِينِهِمْ)، يعني أنت أحياناً قد توجد في مكانٍ تتكالب عليك الشهوات أو الشبهات فتّفِرُّ بدينك، وهنا معنى مهمٌ جداً هؤلاء أصحاب الكهف، قال:

فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنشُرْ لَكُمْ رَبُّكُم مِّن رَّحْمَتِهِ
(سورة الكهف: الآية 16)

الكهف اليوم هو المسجد، لو كنت في بلدٍ ربما لا تجد فيها كثيراً مما يعينك على الخير، لكن لك مسجدك ولك بيتك، هذان كهفان تأوي إليهما، يأوي الإنسان إلى كهف البيت، وإلى كهف المسجد، فينشر الله له من رحمته، فالغرباء يَفِرُّون بدينهم، عندما يجدون مكاناً تُثار فيه الفتن، وتُثار فيه الشهوات، وتُثار فيه الشبهات، ولا يجد قوةً في نفسه على القيام بما أمر الله، والانتهاء عما نهى الله، يَفِرُّ بدينه لا يَفِرُّ هروباً، وإنما يَفِرُّ نجاةً ليتابع مسيرته في الإصلاح، هؤلاء (اَلْفَرَّارُونَ بِدِينِهِمْ)، فهذا المعنى مهم جداً، النبي صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ قال:

{ سُئِلَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ عَنِ الهِجْرَةِ، فَقالَ: لا هِجْرَةَ بَعْدَ الفَتْحِ، وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ، وإذَا اسْتُنْفِرْتُمْ فَانْفِرُوا }

(صحيح مسلم)

الهجرة انتهت بعد الفتح، لا معنى لأن يُهاجر الإنسان من مكة إلى المدينة، وقد فَتحَ الله على نبيه مكة، لكن ما معنى المهاجر؟ قال:

{ المُسْلِمُ مَن سَلِمَ المُسْلِمُونَ مِن لِسَانِهِ ويَدِهِ، والمُهَاجِرُ مَن هَجَرَ ما نَهَى اللَّهُ عنْه }

(صحيح البخاري)

قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا
(سورة النساء: الآية 97)

فممكن أن ينتقل الإنسان دائماً ويَفِرَّ بدينه من مكانٍ فيه معصية إلى مكانٍ فيه طاعة، ولو كان ضمن البلد الذي يعيش فيه، هذه خمس صفات أُجملها مرَّة أخيرة، أو تُجملها أنت جزاك الله خيراً.

د. رحابي محمد:
ما شاء الله، بارك الله فيك يا دكتور، فتحَ الله عليك، ما شاء الله، مفهوم غربة الدنيا فهمناها، أننا كلنا غرباء في هذه الدنيا، أتينا غرباء، ونرحل عن الدنيا عما قريب، فنشترك جميعاً في هذه الغربة، غربة الدنيا، وعلينا أن نُصلح وعلينا أن نُجهِّزَ ونُحضِّرَ أنفسنا للآخرة، وأن نُبادر في الخيرات، وأن لا نَتدابَر مع الآخرين ولا ننافسهم، هذه غربة الدنيا، أما غربة الدين، الدكتور بلال اليوم أبدع كعادته، في إبداعه وتميُّزه، فتح الله عليه، في تقديم الجميل والجديد في فهم نصوص الحديث الشريف فهماً صحيحاً جميلاً.

ملخص لصفات الغرباء
اليوم دكتور بلال قدَّم لنا خمسة صفاتٍ للغرباء الذين ذكرهم النبي صلى الله عليه وسلم في حديثه الشريف (طُوبَى لِلْغُرَبَاءِ)، والدكتور بلال جمع روايات هذا الحديث، ثم استخلص منها تلك الصفات الراقية العظيمة، التي إن شاء الله نتحقق بها:
1- (اَلَّذِينَ يَصْلُحُونَ إِذَا فَسَدَ اَلنَّاسُ): فالإنسان دائماً يحاول الإصلاح، والدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، يشعر أنه غريبٌ في مجتمعٍ، في أسرةٍ، في بيئةٍ، ولكن عليه أن يصلح قدرَ ما يستطيع، فهذا مما تناله بشارة النبي.
2- (الَّذِينَ يُصْلِحُونَ مَا أَفْسَدَ النَّاسُ مِنْ بَعْدِي مِنْ سُنَّتِي): فإصلاح الدين، إصلاح المفاهيم الخاطئة في العلاقات البسيطة والعلاقات الكبرى، تصحيح مفاهيم سائدة في المجتمع، تصحيح مفاهيم سائدة خاطئة عن النبي عليه الصلاة والسلام، خاطئة عن تصوُّر عن بعض الآيات، أو عن بعض الأشياء، لكن هذه يا دكتور بلال تحتاج إلى طلب العلم (الَّذِينَ يُصْلِحُونَ مَا أَفْسَدَ النَّاسُ مِنْ بَعْدِي مِنْ سُنَّتِي)، فعلى المسلم أن يدرس سنَّة النبي صلى الله عليه وسلم، حتى يكون على بصيرة، يدعو الله تعالى على بصيرة.
3- (النُّزَّاعُ مِنَ الْقَبَائِلِ): فالقلة ممدوحةٌ في القرآن الكريم (وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ)، فإذا كنت واحداً وكنت على الحق، فأنت الكثير، وأنت الجماعة، والله عزَّ وجلَّ يُؤَيِّدك ،وَيَنْصُرَكَ، ويساندك، ولا تَغترَّ بكثرة السالكين في طريق الباطل.
4- (قَوْمٌ صَالِحُونَ قَلِيلٌ فِي نَاسِ سَوْءٍ كَثِيرٍ، مَنْ يَعْصِيهِمْ أَكْثَرُ مِمَّنْ يُطِيعُهُمْ): فهذه أيضاً مما يُمكن أن تندرج تحت هذا المفهوم، مفهوم الصلاح حتى لو كنت قليلاً مع قلةٍ قليلة من الناس يؤيدونك ويساعدونك على الحق، ولكنكم في بيئةٍ كبيرةٍ من الفساد، فلا حرج أنت مع الحق.
5- (اَلْفَرَّارُونَ بِدِينِهِمْ): وهذا ما ينطبق على شباب أهل الكهف (فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنشُرْ لَكُمْ رَبُّكُم مِّن رَّحْمَتِهِ) وكهفنا هذه الأيام كما ذكر الدكتور بلال كهفنا هو بيت الله سبحانه وتعالى، المسجد، ولعلك تسمح لي يا دكتور بلال أن أضيف ربما شيئاً هنا مع المسجد، أيضاً وجود المعلم، المربي، والمزكي، الشيخ، العالم الحقيقي، الذي نأوي إليه فيُصحح لنا مفاهيمنا، نأوي إليه فيُصلح ما فَسدَ من فهمنا لسنَّة نبينا صلى الله عليه وسلم، يُساندنا في الحق، و الحديث الذي ذكرته يا دكتور بلال مناسبٌ جداً (المُهَاجِرُ مَن هَجَرَ ما نَهَى اللَّهُ عنْه).
إذاً جزاك الله خير على هذا المفهوم لصفات الغرباء، ونرجو الله تعالى أن نتحقق بها، وكل السامعين إن شاء الله، لو تسمح لي يا دكتور بلال أن ندخل إلى قضية غربة الوطن، غربة الوطن تُعطي ربما مفاهيم جديد للإنسان، ما هي فكرة الدكتور بلال في قضية الغربة عن الوطن؟ ثم لعل نختم في منزلة الوطن في الإسلام.

غربة الأوطان
الدكتور بلال نور الدين:
جزاك الله خير دكتور، حتى انتقل إلى المفهوم الأخير في الغربة، وهو غربة الأوطان، وهو مفهومٌ نعاني منه جميعاً، نسأل الله السلامة والفرج، ونسأل الله عزَّ وجلَّ أن يُعيد كلَّ مغتربٍ إلى وطنه، لكن لو سمحت لي دكتور رحابي أنا أحب أن أنتقل وأن أجعل توطئةً لكلامي بقصيدةٍ تربينا عليها جميعاً، كنا في الشام نسمعها، أنشودة أبو الجود الشهيرة منذر سرميني حفظه الله، التي كتبها سليم عبد القادر، وأنشدها أبو الجود، وحفظناها جميعاً، يوم كان يقول:
غرباء ونحن سِـرُّ الوجـــود ورفيف الشذى وأهلُ البُنـود غرباء ونحن رمز الصُمـود وجُنودُ الهُدى وحق الجنــود غرباء ولـيـس بـِدعـاً فـهـــذا قـدر الحُـرِّ في بـلادِ العـبـيـــد غرباء والكون يهتز شـوقــاً لِـرُآنــا فـي كـل فجـر جديــــــــد غرباء وقـد ملـكـنـا زمـانــــــــاً ونشرنا في كــــلِّ أرض ورود غرباء وقـد رشـفـنا عُهُــــوداً في ظِلال القرآن تاج الخلـود نحـن قـومٌ إذا شدونا نشـيداً يمـلأ الزهـرُ مُـقفِراتِ البيــــــــــد
{ سليم عبد القادر }
هذه القصيدة توطِئةٌ للحديث عن الحنين، وغربة الأوطان، لأن هذه القصيدة تُذكرنا في شبابنا، وأظنُّ أن كل متابعٍ الآن من أعمارنا سمع هذه القصيدة يوماً، وتَغنَّى بها في المعاهد الشرعية في دمشق العامرة، وحلب الطيبة، وجميع مدن سوريا، نسأل الله عزَّ وجلَّ أن يفرج عن أهلها فرجاً عاجلاً إن شاء الله.
حبيبنا الدكتور رحابي، كان الأصمعي يقول: سمعت أعرابياً يقول: إذا أردت أن تعرف الرجُل، فانْظُر كيف تَحننهُ إلى أوطانه، وتَشَوُّقه إلى إخوانه، وبُكاؤه على مَا مَضَى مِنْ زَمَانِهِ.
وكان يقول أيضاً، قالت الهند: هذا مثلٌ هندي، ثَلاثُ خِصَالٍ في ثَلاثَةِ أَصْنَافٍ:
1- الإِبِلُ تَحِنُّ إلى أَوْطَانِهَا، وَإِنْ كَانَ عَهْدُهَا بِهَا بَعِيدَاً.
2- والطَّيْرُ يَحِنُّ إلى وَكْرِهِ، وَإِنْ كَانَ مَوْضِعُهُ مُجْدِبَاً.
3- والإِنْسَانُ يَحِنُّ إلى وَطَنِهِ، وَإِنْ كَانَ غَيْرُهُ أَكْثَرَ نَفْعَاً.
مهما وجد الإنسان في بلد الغربة، يبقى حنينه لأول منزلٍ، وهذا الأمر أثبته القرآن الكريم يوم قال تعالى:

وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِن دِيَارِكُم مَّا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِّنْهُمْ
(سورة النساء: الآية 66)


للوطن محبةٌ إيمانية ومحبةٌ فطرية
الإنسان لا يريد أن يخرج من وطنه، هذه حاجةٌ في النفس سبحان الله، الوطن فيه محبةٌ إيمانيةٌ إضافة إلى محبة الفطرة، فمن يشتاق إلى مكة يشتاق إلى وطنه، ويشتاق إلى رؤية مكة إيمانياً، ومن يشتاق إلى القدس يشتاق أيضاً دينياً، وعاطفياً، وفطرياً، وأُضيف: ومن يشتاق إلى الشام يشتاق شوقَ فطرةٍ وشوق إيمانٍ، لأن الشام في آخر الزمان وصيةُ النبي صلى الله عليه وسلم العدنان، قد يسمعني بعض الإخوة الذين يعانون في الشام ما يعانون، من الخدمات وغير ذلك، فيقولون: تحِنُّ إلى الشام ونحن غرباء فيها بسبب ما نعانيه؟ أقول سبحان الله كما قال أهل الهند: وَإِنْ كَانَ مَوْضِعُهُ مُجْدِبَاً، الحنين لا يَنقضي مهما يكن، ولو كان في وطنٍ آخر أنفعَ له، لكن تبقى هذه غربة، النبي صلى الله عليه وسلم كما قال في عقوبة الزاني قال:

{ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَزَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عنهما: أَنَّ رَجُلًا مِنَ الْأَعْرَابِ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنْشُدُكَ بِاللَّهِ إِلَّا قَضَيْتَ لِي بِكِتَابِ اللَّهِ، فَقَالَ الْآخَرُ -وَهُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ- نَعَمْ، فَاقْضِ بَيْنَنَا بِكِتَابِ اللَّهِ، وَأْذَنْ لِي، فَقَالَ: قُلْ، قَالَ: إنَّ ابْنِي كَانَ عَسِيفًا عَلَى هَذَا فَزَنَى بِامْرَأَتِهِ، وَإِنِّي أُخْبِرْتُ أَنَّ عَلَى ابْنِي الرَّجْمَ، فَافْتَدَيْتُ مِنْهُ بِمِئَةِ شَاةٍ وَوَلِيدَةٍ، فَسَأَلْتُ أَهْلَ الْعِلْمِ فَأَخْبَرُونِي: أَنَّمَا عَلَى ابْنِيْ جَلْدُ مِئَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ، وَأَنَّ عَلَى امْرَأَةِ هَذَا الرَّجْمَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَأَقْضِيَنَّ بَيْنَكُمَا بِكِتَابِ اللَّهِ: الْوَلِيدَةُ وَالْغَنَمُ رَدٌّ عَلَيْكَ، وَعَلَى ابْنِكَ جَلْدُ مِئَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ، وَاغْدُ يَا أُنَيْسُ إِلَى امْرَأَةِ هَذَا، فَإِنِ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا }

(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ)

تغريب سنة، طبعاً هذا الحكم له تفسيرٌ شرعيٌ فقهيٌ لسنا بصدده، لكن جُعِلَ التغريب عن الوطن سنةً، جُعِلَ عقوبةً، تغريب سنة، أن يصبح مغترباً عن وطنه سنة، لكن هنا ملمحٌ مهم جداً أريد أن أقوله: النبي صلى الله عليه وسلم كان يحب مكة، ولما خرج منها صلى الله عليه وسلم وقف، وقال :

{ عَنْ عبداللَّهِ بْنِ عَدِيِّ ابْنِ الْحَمْرَاءِ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ ﷺ يَقُولُ وَهُوَ وَاقِفٌ بِالْحَزْوَرَةِ فِي سُوقِ مَكَّةَ: وَاَللَّهِ إنَّكِ لَخَيْرُ أَرْضِ اللَّهِ، وَأَحَبُّ أَرْضِ اللَّهِ إلَى اللَّهِ، وَلَوْلَا أَنِّي أُخْرِجْتُ مِنْكِ مَا خَرَجْتُ }

(رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ)

هو يُحب وطنه كما نُحب أوطاننا، لكن لما وَصلَ إلى المدينة الآن يريد أن يبني أمةً، لم يجلس ويكتفي بالحنين، والوقوف على الأطلال، وإنما بدأ بالعمل.

الحنين للوطن لا يعني التوقف عن العمل والوقوف على الأطلال
وأنا أحييك دكتور رحابي أنت الآن مغترب، لكن لم تجلس في بيتك، وإنما بدأت بالعمل في دعوة الناس إلى الله عزَّ وجلَّ، فالمؤمن كالغيث أينما وَقعَ نَفعَ، في أي مكان، فالحنين لا يُلغي العمل، الحنين ليس وقوفاً على الأطلال، ولكنه يبقى في القلب، فهنا أذكر أن عائشة رضي الله عنها قالت: لما قَدِمَ رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وُعِكَ أبو بَكْرٍ وبِلال، فَكانَ أبو بَكْرٍ إذا أخَذَتْهُ الحُمَّى يقولُ:
كُلُّ امْرِئٍ مُصَبَّحٌ في أهْلِـــــــــهِ والمَوْتُ أدْنَى مِن شِراكِ نَعْلِـهِ
{ أبو بَكْرٍ رضي الله عنه }
أما بلال فكان يقول إذا أقْلَعَ عنْه الحُمَّى:
أَلا لَيْتَ شِعْرِي هلْ أبِيتَنَّ لَيْلَةً بوادٍ وحَوْلِي إذْخِرٌ وجَلِيــــــــــــلُ وَهلْ أرِدَنْ يَوْمًا مِياهَ مَجَنَّــــــــةٍ وهلْ يَبْدُوَنْ لي شامَةٌ وطَفِيلُ
{ بلال رضي الله عنه }
يَحنُّ إلى مكة، فلما بَلغَ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم ماذا قال؟ بلغته عائشة بما يقولون، قال: (اللَّهُمَّ حَبِّبْ إلَيْنا المَدِينَةَ كَحُبِّنا مَكَّةَ، أوْ أشَدَّ، وبارِكْ لنا في صاعِها، ومُدِّها، وصَحِّحْها لنا)، اجعلها صحيحة معافاة، (وانْقُلْ حُمَّاها فاجْعَلْها بالجُحْفَةِ)، فالنبي صلى الله عليه وسلم هنا يُعلمنا الإيجابية، أنت هاجرت، اغتربت، تشعر بالحنين وهذا شعورٌ مشروع، شَعَرهُ النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته من قبلك، وشَعَرهُ الصالحون، وكل من هاجر وترك دياره واغترب، كلنا نحن إلى أوطاننا، وإلى مراتع الصبا، وإلى أهلنا، وإلى بيتنا القديم، وإلى الشجرة التي كنا نجلس تحتها، وإلى المسجد الذي تعلمنا في حلقاته، وإلى المعهد الذي درسنا فيه، وإلى الجامعة التي جلسنا على مقاعدها، كلنا نَحنُّ، لكن هل نوقف عن العمل ونندب الحظ العاثر؟ ليس هذا من شأن المؤمن، فالنبي صلى الله عليه وسلم بكى لفراق مكة ثم قال: (اللَّهُمَّ حَبِّبْ إلَيْنا المَدِينَةَ كَحُبِّنا مَكَّةَ أوْ أشَدَّ) فالإنسان عندما يَستوطِن مكاناً، يجعله وطناً له بالعمل، ويجعله وطناً له بالدعوة إلى الله، ويجعله وطناً له بالمحبة، وبنشر الخير بين الناس،ُ فيصبح وطناً ثانياً له، فلا يقف على الأطلال يَحِنُّ ويعمل، يَحِنُّ إلى الماضي ويعمل للمستقبل، وكلنا في غربةٍ سواءً كنا في ديارنا أو خارج ديارنا، لأننا سنلقى الله عزَّ وجلَّ، وهذه الدنيا دار ممرٍ لا دار مقر، وينبغي أن نتزود من ممرنا لمقرنا.

د. رحابي محمد:
فَتحَ الله عليك، ما شاء الله يا دكتور بلال، ينبغي أن نتزود إلى دار قرارنا، الله يفتح عليك، ويمكن أن نأخذ أسئلة الإخوة المتابعين، هناك بعض الأسئلة وبعض التعليقات، ممكن أن تُسجلوا أسئلتكم وتعليقاتكم، والآن نعطي إن شاء الله مساحةَ لهذه الأسئلة، ونجيب عنها بشكلٍ مقتضب، وباقي من وقتنا عشر دقائق لنهاية البرنامج، ليس عند الغرباء يأس، فإذا تغربت عن وطنك، فهناك عملٌ آخر، وعملٌ جديد ينتظرك في بيئةٍ جديدة، والنبي عليه الصلاة والسلام تغرَّب عن وطنه، فبدأ مرحلةً جديدةً في خدمة الإسلام، وفي خدمة الدين، ويَسَّرَ الله له ذلك حتى نشر الخير والسلام والرحمة في أرجاء العالمين، وهكذا كان أصحابه الكرام رضي الله عنهم يتغرَّبون عن أوطانهم، ولكن في قلبهم، وفي عقلهم الله سبحانه وتعالى، في قلبهم وفي وجدانهم رسالة الإسلام، نحن نتعلَّم من أساتذتنا، من مشايخنا من الدعاة، الذين تغرَّبوا، ويزداد عملهم، ونشاطهم في خدمة المجتمع، وفي خدمة الدين، والدكتور بلال واحدٌ منهم، لك أنشطةٌ ما شاء الله مباركة، وجهودٌ كبيرةٌ واضحة، الدكتور بلال أكبر مني بسنة، أنا مواليد 1978، الشيخ بلال مواليد 1977 أكبر مني علماً، وقدراً، وعمراً، أسأل الله تعالى أن يُبارك في همتك، وفي صحتك إن شاء الله.
الدكتور بلال له نشاطٌ طيبٌ واضحٌ وكبيرٌ ومباركٌ إن شاء الله، وقدوةٌ ومثالٌ رائع لكل مغترب، أن يكون فاعلاً في المجتمع الذي يحلُّ فيه، كما كان عليه الصلاة والسلام لما هاجر من مكة إلى المدينة المنورة، لم ييأس، بل بدأ في في خدمة دينه، وفي خدمة مجتمعه.

بعض مشاركات المتابعين
يوجد عندنا بعض الأسئلة يا دكتور بلال بشكل سريع نمرُّ عليهم، الأخت إيمان دوارة تقول: بارك الله فيكم أهل العلم والنور أختكم خادمةٌ لكتاب الله، هل لنا أجرٌ أكثر في الغربة لأننا نتحمَّل الغربة، وهَمَّ الدعوة؟ هذه الأخت إيمان دوارة أيضاً كتبت سؤال للدكتور بلال: هل الدعوة لله تحدها بلد أو مكان؟ تقول الأخت إيمان: الحمد لله هاجرنا من بلدنا، وأثمرنا بالغربة، ونشرنا الدعوة إلى الله، أسأل الله تعالى أن يبارك فيكي أختي إيمان، تقول أيضاً: الغربة غربة الوحدة بالدين، والأحوال القلبية، وهناك تعليقات طيبة جزاها الله خيراً، لكن سؤالها تقول: هل الغربة والدعوة إلى الله تحدها بلدٌ أو يحدها مكان؟
أهلاً وسهلاً ومرحباً بالجميع بارك الله فيكم، وأحسن الله إليكم، مفهوم الغربة غربة الوطن، والغربة عن البلد الذي عاش فيه الإنسان شرب من مائه، وأكل من طعامه، واستنشق هَوَاءَهُ، الغربة عن هذا الوطن تجعل الإنسان دائماً يَحِنُّ إليه مهما ابتعد عنه، ومهما وجد من أماكنٍ أخرى في بلاد الله الشاسعة، يبقى عنده الحنين إلى بلده الذي أكرمه الله عزَّ وجلَّ بالترعرع في ربوعه، على أي حالٍ نحن ننتظر إن شاء الله الدكتور بلال حتى يعود إلينا إن شاء الله بعد إصلاح النت، ولعل المشكلة التقنية قد تم إصلاحها إن شاء الله.
أشكر الجميع على حسن المتابعة والمشاركات، والمعذرة على الخلل الفني في الصوت، لعلنا نستدركه في المرَّة القادمة إن شاء الله، جزاكم الله خيراً، وشكراً لكم لحسن المتابعة، وللمشاركات بارك الله فيكم، وأحسَن الله إليكم، الإخوة المتابعين يطالبون بلقاءٍ آخر حتى نستكمل، أو نجد موضوعاً آخر نناقشه ويكون الصوت أوضح إن شاء الله.

الدكتور بلال نور الدين:
جزاكم الله خيراً دكتور، وأحسن إليكم، ونفع بكم، وبارك بكم، هذه فرصةٌ طيبةٌ أني التقيتك، والتقيت عن طريقك الإخوة الكرام الذين تابعونا، وأعتذر عن هذه المشكلة، أنا أصبح الصوت عندي ضعيف تمنيت أن أسمع الكلمات الأخيرة، لكن أعلم أنك تشكرني في الختام، وأنا أشكرك أيضاً، وجزاك الله خيراً، وجزى الله الإخوة المتابعين، وإن شاء الله الأسئلة يمكن أن أجيب عليهم إن شاء الله، أنا وأنت نتناوب عليهم في التعليقات بإذن الله.

خاتمة وتوديع
د. رحابي محمد:
طيب يا دكتور بلال، لا يسعني في نهاية هذا اللقاء المبارك إلا أن أشكر فضيلة الدكتور بلال نور الدين، دكتوراه في الفقه المقارن، ومؤلف كتبٍ وأبحاث، ومعد ومقدم برامج تلفزيونية وإذاعية، وهو المشرف العام على الأعمال العلمية للدكتور محمد راتب النابلسي، شكراً جزيلاً لك يا دكتور بلال لهذه الضيافة، كنا في ضيافتك نسأل الله تعالى أن يكرمك كما أكرمتنا، وشكراً لهذا الوقت الطيب، ولعل يكتب الله لنا لقاءً آخر إن شاء الله، وتكون إن شاء الله مشكلة الصوت قد حُلًّت بإذن الله تعالى، شكراً جزيلاً لك مرَّةً ثانية، إلى اللقاء، وأحسن الله إليكم جميعاً، والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.