التجويد وإتقان الأداء القرآني مع الدكتور رعد الروسان

  • 2020-09-29

التجويد وإتقان الأداء القرآني مع الدكتور رعد الروسان

السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته، بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله وصلى الله وسلم وبارك على حبيبنا رسول الله، وعلى آله وصحبه أجمعين، أهلاً وسهلاً ومرحباً بكم إخواني وأخواني المتابعين، وأهلاً وسهلاً بفضيلة الدكتور: رعد الروسان، في لقاءٍ متجددٍ مع أهل العلم والقرآن، في برنامجٍ يلقي الضوء على أهم المحطات في مسيرة هؤلاء العلماء الأفاضل، أهل العلم والقرآن، ومسيرتهم الحافلة، وسيرتهم العاطرة، وما قدموه من خيرٍ وعطاءٍ في تعزيز قيم السلام، والتعايش الإنساني في المجتمع، وخدمة القرآن الكريم، وخدمة الإنسانية بشكل عام، أهلاً وسهلاً ومرحباً بكم مرةً ثانية، وأود أن نرحب بالدكتور رعد الروسان مرةً ثانية، في برنامجنا اليوم بعنوان التجويد وإتقان الأداء القرآني، شكراً يا دكتور رعد لهذا الوقت الذي سنقضيه معك إن شاء الله.
الدكتور رعد: جزاك الله خير دكتور رحابي، بارك الله فيك وشكراً لكم على الاستضافة وحسن الظن.

سيرة حياة الدكتور رعد الروسان:
الدكتور رحابي:
اسمحوا لي إخواني وأخواتي، أن أقدم فضيلة للدكتور رعد، قبل أن ندخل بمحاور لقائنا في هذا اليوم المبارك.
الدكتور رعد الروسان يحمل شهادة الدكتوراه في الدراسات الإسلامية، واليوم سنتناول أيضاً في بحثنا أو في لقاءنا عنوان أُطروحته في الدكتوراه (نحو تفسيرٍ منهجيٍّ لفهم وحفظ القرآن الكريم للناطقين بغير اللغة العربية) سيكون أحد محاور الحديث إن شاء الله تعالى، الدكتور رعد يحمل البكالوريوس من الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة، وله خبرةٌ طيّبةٌ مباركةٌ في ختمة القرآن الكريم، هو مدير ومؤسس معهد التجويد في مدينة هيوستن في ولاية تكساس الأمريكية، هو إمام وخطيب في عدة مساجد ومراكز إسلامية في أمريكا، الدكتور رعد قدّم العديد من الدورات العلمية الشرعية، ودورات في التجويد، ودورات في المقامات الصوتية في الأردن وفي أمريكا كذلك، الدكتور رعد ما شاء الله حاصل على عدة إجازات وأسانيد في القرآن الكريم، من عدة مشايخ: فضيلة الشيخ الدكتور وليد المنيسي في أمريكا، وفضيلة الشيخ خالد الزُعبي في الأردن، وفضيلة الشيخ محمد سيد لاشين في المدينة المنورة، وعدة مشايخ آخرين، نسأل الله أن يبارك في حياة علمائنا جميعاً وأن يُكرِمنا بحسن الانتفاع منهم.
مما يتميز به الدكتور رعد الروسان: أنه حصل على المركز الأول في القرآن الكريم، لمدة خمسة أعوام، في المسابقة الهاشمية، في المملكة الأردنية الهاشمية، عام ألف وتسعمئة وتسعون، وكذلك حصل على المركز الأول في مسابقة المقامات الصوتية.
لا يسعنا إلا أن نرحب بك فضيلة الدكتور رعد وأهلاً وسهلاً ومرحباً بكم.

الدكتور رعد:
أكرمك الله يا دكتور رحابي، وبارك الله فيكم وجزاكم الله خيراً على هذا البرنامج حقيقة الطيّب بتقديمه، وعنوانه، ومضمونه، جزاكم الله خيراً.

الدكتور رحابي:
الله يحفظكم ويسلمكم إن شاء الله، إذا أردنا اليوم في الحديث عن بعض المحاور، ممكن نستهلّ حديثنا في حديثٍ عن النبي عليه الصلاة والسلام، الذي ذكره في فضل من يعملون بالقرآن الكريم، نحن حديثنا سيكون مُنصَباً على التجويد، وحسن الأداء، وإتقان الأداء القرآني، ولكن دائماً نُذَكِر أنفسنا، ونُذَكِر الأخوة المستمعين، بأنّ بعد العلم والأداء العمل بالقرآن الكريم، وحديثٌ جميل رواه الإمام مسلم وأحمد رضي الله عنه، عن النبي عليه الصلاة والسلام، عن النواس بن سمعان قال: سمعت النبي عليه الصلاة والسلام يقول:

{ يُؤْتَى بالقُرْآنِ يَومَ القِيامَةِ وأَهْلِهِ الَّذِينَ كانُوا يَعْمَلُونَ به تَقْدُمُهُ سُورَةُ البَقَرَةِ، وآلُ عِمْرانَ، وضَرَبَ لهما رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ ثَلاثَةَ أمْثالٍ ما نَسِيتُهُنَّ بَعْدُ، قالَ: كَأنَّهُما غَمامَتانِ، أوْ ظُلَّتانِ سَوْداوانِ بيْنَهُما شَرْقٌ، أوْ كَأنَّهُما حِزْقانِ مِن طَيْرٍ صَوافَّ، تُحاجَّانِ عن صاحِبِهِما }

(صحيح مسلم)

نسأل الله تعالى أن يجعلنا من أهل القرآن الكريم، والذين يعملون به.
فضيلة الدكتور رعد، أطروحة الدكتوراه التي قدمتها حضرتك، لعلّنا نبدأ بها في لقاءنا اليوم، نحو تفسيرٍ منهجيٍّ لفهم وحفظ القرآن الكريم للناطقين بغير اللغة العربية، تفضل دكتور رعد حدثنا عن هذا العنوان الممتع، وماذا يمكن أن نستمع لفضيلتك في الشأن.

الدكتور رعد:
الله يجزيكم الخير، ويبارك فيكم دكتور رحابي، بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن ولاه، كما بدأت الشكر لكم موصولٌ على هذه الجهود الطيبة، وحقيقةً وبدون مبالغةٍ يا دكتور رحابي، حضرتك من أكثر الأئمة جهداً في هذه المدينة، دائماً كلّما فتحت الفيسبوك وجدت الدكتور رحابي، إما أنه مباشر، أو يسجل أمراً سواء مع الأولاد، أو مع غيرهم، فبارك الله فيكم جميعاً، وبارك الله في جهودكم إن شاء الله.

نحو تفسيرٍ منهجيٍّ لفهم وحفظ القرآن الكريم للناطقين بغير اللغة العربية
أطروحة رسالة الدكتوراه جاءت من بعد حاجةٍ وجدتها في سنواتٍ كثيرة، من خلال تدريسي وإعطائي الدورات العلمية، وإقرائي أو تدريسي على بعض الأخوة المنتفعين و الأخوات، سبحان الله عندما كنت في فلوريدا بدأ هذا الأمر، وكنت دائماً أُحاول أن أجد بديلاً، أو بعض المراجع تساعدهم، تفسيرٌ معينٌ مُبسّط يساعدهم على فهم المعاني، ولا يخفاك طبعاً هنا أكثر المنتفعين باللغة الإنجليزية، طبعاً المتكلمين باللغة العربية ليس عندهم مشكلةٌ في ذلك، لكن المتكلمين باللغة الإنجليزية يصعب عليهم، الأمر المتاح لهم هي الترجمات الموجودة، والترجمات الموجودة لا تُعطي حقاً تلك المعاني الرائعة، والعميقة، والقوية، الموجودة في التفاسير المختلفة الأخرى سواء المطوّلة أو المختصرة، وعليه فما وجدت بحدود جهدي المتواضع منهجيّةً علميّةً تساعد هؤلاء لفهم القرآن الكريم والتفسير، طبعاً الترجمات موجودة، وموجود ترجمة بعض التفاسير مثل ابن كثير، على سبيل المثال، ولكن هذا تفسير مطوّل، وتفسير القرطبي، فيصعب على عامة الناس وحتى على طلبة العلم وعلى حفظة القرآن الكريم أن يرجعوا لهذا التفسير.
سبحان الله دائماً مشايخنا وعلمائنا، كانوا يقولون: من أراد أن يحفظ القرآن فليركز على الحفظ، ومن أراد أن يزيد على ذلك تفسيراً فتفسيراً مختصراً حتى لا تُشغل الذهن بكثرة المعاني؛ لأنّ أنت الآن التركيز لابد أن ينصب على الحفظ والمراجعة، فالشاهد سبحان الله جاءت النيّة في دراسة هذا الموضوع، واستشرت شيخي حفظه الله الأستاذ الدكتور أحمد شكري حول هذا الموضوع أن يُجعل رسالة، ولا يخفاكم دكتور رحابي دائماً الرسائل الجامعية والأطروحات لابد أن تكون الأطروحة أو الرسالة في أمرٍ جديد، بمعنى مسألة جديدة حتى يستفيد منها طلبة العلم وغيرهم، فسبحان الله أشرق وجهه، وقال: سبحان الله هذه فكرةٌ جديدة ولم تُطرح من قبل فعليك بها.
سبحان الله بدأت بدراسة مجموعة من التفاسير المعاصرة والمختصرة حتى أجد هل هناك جهد قد سبقني بهذه الفكرة؟ والحمد لله ما وجدت من هذه التفاسير من ركّز على هذه القضية؛ لأنّ هذه القضية تنبع من حاجةٍ معينة، ولابد من منهجٍ علميٍ معين حتى توضع، وأغلب هؤلاء مفسرين كلّهم من بلاد المشرق ليسوا من هنا، ووجدت تفسيراً اسمه: التفسير المنهجي من عشر مجلدات وضِع لإفادة المدارس، خاصةً المدارس القرآنية، ولكن أيضاً هذا أقربها للفكرة التي أردت أن أبدأ بها، ولكن هذا التفسير تناول الموضوع من حيث المعاني، ومن حيث التفسير، ولكن لم يتعرّض لقضية الحفظ، فالفكرة كانت في أُطروحة الدكتوراه هي تقديم كتابٍ يساعد غير الناطقين باللغة العربية لفهم القرآن الكريم، وهذا يعني أن يكون هناك تفسير، ولكن تفسير مختصر وبضوابط معينة، ثمّ يساعدهم على الحفظ، وهذا يُركز على الآيات، وتوزيع الآيات، وتقسيم الآيات، لا يخفاك دكتور رحابي الكثير من حفظة القرآن عندما يتعاملون مع القرآن وخاصة إذا كانوا من صغار السن لا يستطيعون أن يحفظوا كلَّ الآية.

إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ(6)
(سورة البقرة)

صعبٌ بالنسبة لهم، أنا عندما بدأت بالحفظ كنت أقف وأكمل (أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ)، فالمقصود: عندما تضع منهجيّةً علميّةً للطلبة أين يقفون، ومن أين يبدأون، مع الانتفاع طبعاً بعلامات الوقف والابتداء في المصحف، ولكن عندنا بعض الآيات حتى تصل إلى علامة وقف فيها شيء من الطول، فأيضاً الرسالة تناولت هذا الموضوع كيف نقسم الآيات إلى أقسامٍ معينة بناءً على المعنى، وفي بعض الأحيان أنت تُتِم، وفي بعض الأحيان لابد أن ترجِع حتى يكمُل المعنى، وأسأل الله عز وجل أن يوفقنا، هذه الرسالة الحمد لله بعدما انتهيت منها الآن يأتي دور الثمرة وهو التفسير، عمل هذا التفسير ليس بالأمر السهل، حتى قلت للدكتور أحمد حفظه الله: ما رأيك لو أنَّ جهة علميّة تتبنى هذه الفكرة؟ فقال: يا شيخ الجهات العلمية موجودة، ولكن هذه فكرتك، وأنت تعبت عليها، ووضعت من الجهد والوقت، فما أجمل أن يكون التفسير منك أنت، أن تبدأ أنت بهذا التفسير، والله عز وجل سيضع البركة بإذن الله تبارك وتعالى، ودعواتكم لنا إن شاء الله بالتوفيق والتيسير.

الدكتور رحابي:
نحن متشوقون جداً لرؤية هذا الكتاب، هل تمت طباعة الأطروحة يا دكتور رعد؟

الدكتور رعد:
لا، ما طُبِعَت بعد، هو الأصل أن تُطبَع من قِبَل الجامعة.

الدكتور رحابي:
أريد أن أسألك سؤالاً آخر يا دكتور رعد، أهمية إتقان الأداء القرآني، تلاوة القرآن كما تلقيناه عن شيخونا بالسند المتصل، كما تلقيناه عن علمائنا، ما أهمية ذلك وضرورته؟

أهمية إتقان الأداء القرآني
الدكتور رعد:
والله يا شيخ سألت عن عظيم، أسأل الله العظيم أن يجعلنا من أهل القرآن الكريم، الذين هم أهله وخاصته، هذه من المواضيع المهمة، التي حقيقةً هي من واجبنا كأئمة، ومشايخ، وطلبة علم، أن نوجه العامة لذلك؛ لأنّ شريعتنا ركزت على هذا الموضوع بشكلٍ كبيرٍ جداً، لا يخفاكم حديث النبي صلى الله عليه وسلم:

{ خَيْرُكُمْ مَن تَعَلَّمَ القُرْآنَ وعَلَّمَه }

(صحيح البخاري)

ومن أجلِّ هذه العلوم: هي التعامل مع القرآن قراءةً، ولذلك النبي صلى الله عليه وسلم ركَّز على بعض النماذج؛ ليجعلها نوراً لنا، من بين صحابته الكرام، فقال نبينا صلى الله عليه وسلم مخاطباً صحابته الكرام:

{ مَن سرَّهُ أن يَقرأَ القرآنَ غضًّا كما أُنْزِلَ، فليَقرأهُ علَى قراءةِ ابنِ أمِّ عبدٍ }

(رواه الإمام أحمد)

فعبد الله بن مسعود كان متميزاً بقراءته، وفي الحديث الآخر الجميل، لمّا مرَّ النبي صلى الله عليه وسلم مع عائشة رضي الله عنها وأبو موسى يُرتّل القرآن في الليل، ولا يعرف أن النبي صلى الله عليه وسلم يسمع له، وقف وجعل يسمع لقراءة أبي موسى، ثمّ في الصباح قال لأبي موسى: لو رأيتني بالأمس فكنت أسمع لقراءتك، فقال أبو موسى: والله يا رسول الله لو علمت ذلك، لحبّرت لك القرآن تحبيراً، وهذا مثالٌ لنا، يُعلمنا النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا من تربيته العظيمة، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان دائماً يُجلّي هذه الأمثلة للصحابة الكرام، ولولا قدر القراءة الصحيحة، والأداء القرآني الصحيح لما فعل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك.
ثمّ هناك خلطٌ بين مسألتين، المسألة الأولى هو العلم التجويدي ثمّ الأداء القرآني، الأصل أن نجمع بين الاثنين، ولكن قد يركز بعض الناس على الأداء القرآني أكثر من التجويد، وهذا خلافاً للقواعد التي تعلمناها؛ بل إن التجويد هو أصل، ولذلك الله عز وجل قال في الكتاب:

أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا (4)
(سورة المزمل)

ذكر الترتيل ولم يذكر القراءة؛ لأنّ مُسمى الترتيل له بناءٌ آخر غير القراءة، أنت تقرأ إذا قال واقرأ القرآن قراءةً فكأنما تقرأ أي شيءٍ آخر، ولكن عندما جاء بمسمى الترتيل فزاد على مبناه، وزاد على معناه، أنَّه عندما تقرأ القرآن لابد أن تكون القراءة مبنيّة على قواعد معينة، وهذه القواعد أخذناها مسلسلةً من نبينا صلى الله عليه وسلم، وسبحان الله يا شيخ حفظ الله عز وجل القرآن مبناً ومعنى، فحضرتك قرأت على مشايخك، وأنا قرأت على مشايخي وهكذا، كلّنا قرأنا بنفس الطريقة ونفس الأسلوب، وهذا من حفظ الله تبارك وتعالى لكتابه الكريم، فأسأل الله عز وجل أن يجعلنا أهل القرآن.

الدكتور رحابي:
لو أردنا أن نوجه كلمةً في مسؤولية الآباء والأمهات اتجاه أبنائهم في تعليمهم القرآن الكريم ليس أخلاقاً، وإنما تعليم تلاوة القرآن الكريم، لا شك موضوع الفهم والعمل هي قضيةٌ في المرتبة الأولى، ولكن كيف توجه كلمةً للآباء والأمهات لرعاية أبنائهم، وتعليمهم القرآن الكريم، وتلاوته، وإتقان الأداء، ربما في أوروبا وفي أمريكا بشكل خاص، وجود اللغة العربية واللغة الإنجليزية، كيف نوازن بين هذه وتلك؟

مسؤولية الآباء والأمهات اتجاه أبنائهم في تعليمهم القرآن الكريم
الدكتور رعد:
والله يا دكتور رحابي جزاك الله خير، سؤال جداً مهم ومحور جداً مهم نناقش مع بعضنا سبحان الله القضية، إذا كان الآباء يريدون أن يوصلوا أبنائهم إلى الجنة وإلى المنزلة الرفيعة فهو القرآن الكريم، انظر إلى حديث النبي صلى الله عليه وسلم عندما يقول:

{ الماهِرُ بالقرآنِ مع السفرَةِ الكرامِ البرَرَةِ }

(متفقٌ عَلَيْهِ)

تخيل أن ابنك وهو يقرأ القرآن بالطريقة الصحيحة، والإتقان، والضبط؛ بمعنى المهارة، الماهر في القرآن، مع أن هناك روايةٌ أخرى الحافظ للقرآن، ولكن النبي هنا في هذه الرواية أراد أن يدقق على مسألة مهمة جداً وهي قضية المهارة، أن تبذل الجهد للوصول إلى مرحلة الإتقان والضبط في قراءة القرآن الكريم، طبعاً وهنا أن عندما أقول: في إتقان وضبط القرآن الكريم، هذا يشمل التجويد، ويشمل الأداء (الصوت)؛ لأنّنا عندما نجمع كل النصوص نفهم هذه المسألة:

{ ليسَ مِنَّا مَن لَمْ يَتَغَنَّ بالقُرْآنِ }

(صحيح البخاري)

إذاً قضية أن تُحسّن صوتك بالقرآن الكريم هذا مطلبٌ من المطالب، ثمّ بعد ذلك الإتقان وضبط القراءة، جعلها النبي صلى الله عليه وسلم هي بمنزلة الملائكة:

{ الماهِرُ بالقرآنِ مع السفرَةِ الكرامِ البرَرَةِ }

(متفقٌ عَلَيْهِ)

فلا شك أن كل الآباء، أنا كأبٍ وأنت كأبٍ نحب أن نوصل أبناءنا، وأن نجعلهم في تلك المنزلة الرفيعة والعظيمة، ولكن لأولئك الآباء الذين عندهم شيء، ينظرون إلى أبنائهم يقولون ابني لا يتحدث اللغة العربية، وبعض الناس الذين لا يتكلمون اللغة العربية، أو حتى ممن يتكلمون اللغة العربية ولكن قراءته ضعيفة، النبي صلى الله عليه وسلم لم ينساهم، فقال:

{ والذي يقرؤُهُ ويتَعْتَعُ فيهِ وهو عليه شاقٌّ لَهُ أجرانِ }

(صحيح البخاري)

انظروا إلى رحمة النبي صلى الله عليه وسلم بجميع الأطياف متقنهم وغير متقنهم، طبعاً أجر القراءة وأجر المحاولة، ولكن المقصود هنا أن الوصول إلى تلك المرحلة لا شك يحتاج إلى هِمّة، هِمّة من الابن، وهِمّة من الآباء، وهِمّة الآباء أن يحرصوا دائماً على التوجيه السديد والسليم لأبنائهم بالحُسنى، والكلمة الطيبة، وبالهدايا وغير ذلك، والله يا شيخنا هناك من النماذج الرائعة والطيّبة، في هذا البلد التي في بعض الأحيان ما جدتها حتى في الأردن.

الدكتور رحابي:
نذهب من مسؤولية الآباء والأمهات تجاه أبنائهم في تعليمهم القرآن الكريم، نذهب إلى المحور الأخير في لقائنا، نماذج عديدة ومتميزة نجدها هنا في أمريكا وبلاد الغرب في مراكز تحفيظ القرآن الكريم، هذا يُبشر أن كتاب الله محفوظٌ وأن الآية الكريمة متحققة :

إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (9)
(سورة الحجر)

فبعض المراكز ومنها مركزكم تصلح أن تكون قدوةً في هذا المجال، حدثنا عن هذه التجربة يا دكتور رعد.

نماذج ناجحة ومتميزة في تحفيظ القرآن الكريم في أمريكا والغرب
الدكتور رعد:
والله دكتور رحابي كما تفضلت حضرتك، أن هذه من البشارات التي يُبشرنا الله عز وجل بها، أن هذا الدين محفوظٌ بحفظٍ إلهي، واستخدم الله عز وجل عباده المؤمنين الصادقين لحفظ هذا الدين العظيم، والدين يُحفَظ بطريق حفظ مصادره، فالقرآن الكريم محفوظٌ كما هو محفوظٌ في السطور فهو محفوظٌ في الصدور، وسبحان الله من البشارات الجميلة الطيبة أن نجد أطفالاً وأولادً بعمر الورود يحفظون كتاب الله عز وجل، وإذا تكلمت معه قد لا يفهم ماذا تقول، ولكن إذا جاء القرآن تجده ما شاء الله متقناً ضابطاً منطلقاً.
ووجدنا من خلال التجربة أنّ هؤلاء الأطفال أو الأولاد، الذين يحفظون كتاب الله عز وجل، أو يحفظون جزءً منه، يُؤثر عليهم إيجابياً في تحصيلهم الدراسي، في أخلاقياتهم وفي غير ذلك، القرآن نور، والله عز وجل إذا وُضِع هذا النور في قلب طفلٍ، أو كبيرٍ أو صغير، ذكرٍ أو أنثى، لاشك أنّ حياته تتغير كاملاً.

الدكتور رحابي:
كلمةٌ مهمةٌ لتأثير القرآن الكريم على الأطفال، أعتقد أن هناك نقطةً مهمةً نقف عندها قليلاً، الأمهات المربين المعلمين في بلاد نحتاج فيها إلى رعاية الأبناء وتحصينهم وحمايتهم من حبائل الشيطان، لعل القرآن الكريم يكون السبب الأقوى والوحيد لحماية قلوب هؤلاء الأطفال، لحماية قلوبهم، إيمانهم، أخلاقهم، فقضية أن نبذل بعض الجهد في تعليمهم القرآن الكريم وتلاوته وإتقانه؛ لأنه أمام مُعترك من الحياة متلاطمة الأمواج تتجاذبه الشبهات والأباطيل يمنةً ويسرى، ومختلطٌ في مجتمعٍ منفتحٍ جداً، فإذا لم يكن عنده من النور والحصانة الكافية، في قلبه، وفي عقله، وفي إيمانه، فربما يضعف، فلذلك القرآن له تأثيرٌ كبيرٌ على الأطفال، فإخواني وأخواتي الآباء والأمهات، سواء كنتم في بلاد الغرب أو في بلاد الشرق، في أمريكا أو غيرها، القرآن الكريم حِصنٌ حصين لكم ولأبنائكم، وسيكون لكم الأجر والخير إذا علّمتم أبناءكم كل حرف حسنة والحسنة بعشرة أمثالها، ليس فقط لأولادكم بل أيضاً لمن علّمهم، لمن حفّزهم، لمن أوصلهم إلى المدرسة، لذلك الآن نذهب إلى النقطة التي كنت تتفضل بها دكتور رعد.

تأثير القرآن الكريم على الأطفال
الدكتور رعد:
هذا المشروع مشروعٌ متكامل، وإذا رأيت طالباً قد حفظ كتاب الله عز وجل، فاعلم أنّ وراءه مجموعةً متكاملةً من الناس، يبدأ نجاحه من والديه بعد توفيق الله عز وجل طبعاً أولاً وآخراً، ولكن لو لم يجد هذا الولد والدين يشجعانه على حفظ كتاب الله عز وجل، ويهيئان له الوقت المناسب، والجو المناسب سواءً في البيت أو المسجد، أخذه إلى المسجد، إرجاعه وهكذا، لما استطاع أن يحفظ كتاب الله عز وجل.
وسأذكر الآن بعض القضايا، قد يتعجب منها إخواننا وأخواتنا في بلاد المشرق عن النماذج الطيبة الموجودة عندنا، وقد يكون بعضها موجوداً هناك.
هنا في هذه البلاد عندنا تحديات، ولكن بعد توفيق الله عز وجل وجهد المساجد، والأئمة، والآباء الحريصين على تهيئة كل ما هو مفيدٌ لأبنائهم، نجحنا نجاحاً بفضل الله عز وجل كبيراً جداً في كثير من المناطق، وأنا أذكر بعض هذه النماذج كبشرى لكلِّ الناس بإذن الله تبارك وتعالى، الطالب هنا في بعض المدارس الإسلامية عندنا مدارس تسمى مدارس التحفيظ، هذه المدارس تعطي المواد كاملةً الرياضيات، والعلوم، والانجليزي، إلى غير ذلك، إضافةً على ذلك اللغة العربية بشكلٍ مكثف، وإضافةً على ذلك القرآن الكريم بشكلٍ مكثف، القرآن يصل وقته إلى ثلاث أربع ساعات، الولد لا ينتهي إلا تقريباً الساعة الخامسة أو السادسة مساءً حتى يخرج من المدرسة، انظر سبحان الله إلى الجهد والوقت، وهو طفل نتكلم نحن عن أطفال، ولكن ما شاء الله بعد سنواتٍ وإذا بهذا الولد أو بهذه الفتاة قد حفظوا كتاب الله تبارك وتعالى.
وأنا أضرب مثال على نفسي، ابنتي الصغير أسأل الله أن يحفظ أبناءنا وبناتنا، عمرها خمس سنوات، ولكن والله يا شيخ أجمل لحظة عندي عندما تُمسِك المصحف، خمس سنوات وتستطيع أن تقرأ لوحدها من المصحف، وأنا والله ما علّمتها شيئاً، كل شيءٍ هي تعلمته في المدرسة، الحمد لله في معهدها يوجد تجويد، هذه ذات النماذج الموجودة في كثيرٍ من المدارس، الموجودة عندنا في هيوستن، لكن الشاهد عندما تضع وقتاً كافياً لتعليم الولد، الأحرف، الأحكام، مثلاً القواعد الموجودة، كالقاعدة النورانية، نور البيان، إلى غيرهم من القواعد المفيدة ما شاء الله، ثمّ بعد ذلك تبدأ بتحفيظ الولد، الآن ابنتي ما شاء الله قرُبت على إنهاء جزء عمَّ، ولكن الحفظ حفظ، أنت تعلم فتجلس مع الولد وتُحفظه، هذه سعادة كبيرة لاشك، ولكن سعادتي الأكبر عندما تُمسِك المصحف وتقرأ من المصحف، ووضعت أنا برنامجاً لابنتي، كل يوم تقرأ صفحةً من المصحف، وهي خمس سنوات وأخاطبها على قدر فهمها، أقول لها: إذا حفظتٍ هذا القدر سترسمين كذا وكذا، فتتشجع؛ لأنّها تُحبّ الرسم، فتجلس وتقرأ ببطء، وأنا أجلس وانا مستمتع؛ لأنّه الآن وهي بهذا القدر تقرأ ببطء، ثمّ تتقوى بعد ذلك.
لأنّه يا شيخ من أهم الأمور، ومن أهم الواجبات التي أراها عندنا خاصةً في هذا البلد، أن نصل أبناءنا بالقرآن الكريم، ولو قراءةً؛ أنا أذكر عندما كنت في الأردن، ونحن في المدرسة حفظنا بعض الأجزاء في المدرسة، ولكن بمجرد ما انتهى العام تبخر ما حفظناه، فقضية أن نصل أبناءنا بقراءة القرآن الكريم، وعندما نقرأ القرآن الكريم، نقرأه بالطريقة التي ينبغي علينا أن نقرأ بها القرآن الكريم، بالتجويد، وأحكام التجويد، وأن نُحسّن أصواتنا ما استطعنا إلى ذلك سبيل، لاشك أن هذا مطلبٌ كبير، والحمد لله هناك أمثلةٌ كثيرةٌ عندنا في مدينتنا هذه، أختم بهذه البشارة للمتابعين والمتابعات بفضل الله تبارك وتعالى، من يَأُم التراويح في كثير من مساجد هيوستن من حفظة كتاب الله عز وجل من الأعمار تتراوح تقريباً ثماني سنوات إلى خمسة عشر سنة.

الدكتور رحابي:
نعم صحيح وجدنا ذلك في رمضان الفائت، ورمضان الذي قبله، والذي قبله، نجد شباباً في مقتبل العمر ثلاثة عشر عاماً، خمسة عشر عاماً، سبعة عشر عاماً يحفظون القرآن ويتلونه تلاوةً طيبة، ونسأل الله تعالى أن يبارك فيهم ويحفظهم وينفع بهم، وأن يجزي خيراً آبائهم وأمهاتهم وشيخوهم؛ لأنّ في المناسبة والله لا أنسى الفضل الكبير لأستاذي وشيخي الأستاذ أبو اسماعيل دلال، والأستاذ عمار المسكين، الذين علّمونا تجويد القرآن، وأحكام التلاوة، لمّا كنا في الصف الخامس، والسادس، والسابع، من عمر عشر سنوات إلى عمر ثلاثة عشرة سنة، ثمّ أهلونا لأن نذهب إلى القراءة عند شيوخ الإقراء في الشام، منهم الشيخ محمد طه سكر رحمه الله، وشيخ قرّاء بلاد الشام الشيخ كريم الراجح حفظه الله وبارك في حياته وفي حياة كل علمائنا العاملين.
عندي بعض التعليقات هنا يدعون لنا وللبرنامج، ومنهم الأستاذ صبحي طه وضع تعليق عن المصحف، اسمه مصحف التجويد للمعلم والمتعلم بالتجويد العملي، فلعلّنا نجد فرصةً إن شاء الله ونطّلع عليه، ونطلب أيضاً من الإخوة الاطلاع عليه، مصحف التجويد هذا الملوّن، وله أيضاً خدماتٌ جيدة مفيدة لمتعلمي القرآن الكريم، شكراً يا أستاذ صبحي، وشكراً لجميع المتابعين، الذين أثروا هذا اللقاء بمتابعتهم، وملاحظاتهم، وتعليقاتهم.
يا دكتور رعد الحديث ممتع عن القرآن الكريم لا يَملّ سماعه، لا يَملّ اللقاء على مائدة القرآن الكريم، والنبي عليه الصلاة والسلام، كما في صحيح البخاري:

{ مَثَلُ الْمُؤْمِنِ الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ كَمَثَلِ الأُتْرُجَّةِ؛ رِيحُهَا طَيِّبٌ وَطَعْمُهَا طَيِّبٌ, وَمَثَلُ الْمُؤْمِنِ الَّذِي لَا يَقْرَأُ الْقُرْآنَ؛ كَمَثَلِ التَّمْرَةِ لَا رِيحَ لَهَا وَطَعْمُهَا حُلْوٌ }

(صحيح البخاري)

نسأل الله تعالى أن يجعلنا ممن يقرأون ويعملون القرآن الكريم، وأن ينفع بكم، وأن يجعل معهدكم معهداً عالمياً متميزاً منتجاً للخير، ناشراً لتعاليم وقيم القرآن الكريم، ناشراً للخير، للسلام للرحمة، للقيم النبوية، للقيم السماوية، نسأل الله تعالى أن يبارك بك وفي جهودك الطيبة في خدمة كتاب الله سبحانه وتعالى.
آخر دعوانا، الحمد لله رب العالمين، لا يسعنا إلا أن نشكرك مرةً ثانية على هذا اللقاء الطيب وهذه التجربة الطيبة، ونأمُل أن نقرأ أيضاً أطروحتك في الدكتوراه لعنوانها المثير والمتميز.

الدكتور رعد:
أكرمك الله يا دكتور، بارك الله فيكم، والشكر موصولٌ لكم على جهودكم المتميزة، وأنا لا أقول ذلك مجاملةً ولكن جهدك مشكور، ومن يتابع الدكتور رحابي يتعلم منه الكثير، جزاك الله خيراً، وبارك الله بك إن شاء الله.

خاتمة وتوديع
الدكتور رحابي:
أكرمكم الله يا سيدي، وتحياتي لكم، وإلى لقاءٍ آخر بإذن الله تعالى، شكراً إخواني وأخواني وبارك الله فيكم، وجزاكم الله خيراً، أحسن الله إليكم، اللهم اجعلنا من أهل القرآن الذين هم أهلك وخاصتك، واجعل القرآن الكريم شفيعاً لنا، وحجةً لنا يا رب العالمين، علّمنا منه ما جهلنا، ذكرنا منه ما نسينا، وارزقنا تلاوته، والعمل به آناء الليل وأطراف النهار، واجعله شفيعاً لنا يوم القيامة، شكراً دكتور رعد، شكراً للإخوة والأخوات، والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.