العلامة المحدث المتقن نور الدين عتر رحمه الله تعالى في عيون تلاميذه
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ، اَلْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِيْنَ، وَصَلَّ الله وَسَلِّمْ وَبَارِكَ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ أَجْمَعِيْنَ، اَللَّهُمَّ اجْعَلْ جَمْعَنَا هَذَا جَمْعًا مَرْحُوْمًا، وَتَفَرُّقَـَنَا مِنْ بَعْدِهِ تَفَرُّقاً مَيْمُونًا مَعْصُوْمًا يارَبِّ الْعَالَمِيْنَ.
مقدمة وترحيب
الدكتور رحابي محمد:
أيها الإخوة الكرام: أهلاً وسهلاً ومرحباً بكم في لقاءٍ بعنوان العلامة المحدث المتقن نور الدين عتر رحمه الله تعالى في عيون تلاميذه، نحن اليوم نجلس بهذه الجلسة الطيبة المباركة مع بعض تلاميذه المحبين، تلاميذه الذين نَهلوا من علمه وفكره، وانتشروا في الآفاق معلمين مدرسين في جامعاتٍ وأكاديمياتٍ حول العالم، بدايةً أُرحب بكم جميعاً، وأُرحب بفضيلة الدكتور محمد عيد المنصور، أستاذ الحديث وعلومه في جامعة بلاد الشام، أهلاً وسهلاً بكم فضيلة الدكتور محمد عيد.
|
الدكتور محمد عيد المنصور:
بارك الله فيكم، وبهذا الجمع الطيب المبارك، ورحم الله شيخنا.
|
الدكتور رحابي محمد:
أرحب بفضيلة الدكتور رياض العيسى، عضو اللجنة العلمية في وزارة الأوقاف الكويتية، في مجلة الوعي في وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية في دولة الكويت، أهلاً وسهلاً بكم فضيلة الدكتور رياض.
|
الدكتور رياض العيسى:
الله يبارك فيكم جزاك الله كل خير.
|
الدكتور رحابي محمد:
كذلك نرحب بفضيلة الدكتور مرهف عبد الجبار السقا، أستاذ مشارك في التفسير وعلوم القرآن في الجامعات السعودية، حياكم الله دكتور مرهف.
|
الدكتور مرهف السقا:
مرحباً بكم وجزاكم الله خيراً ومرحباً بالإخوة الكرام، بارك الله بكم جميعاً.
|
الدكتور رحابي محمد:
كذلك معنا فضيلة الدكتور هشام عساني، أستاذ محاضر في جامعة طرابلس لبنان، أهلاً بكم فضيلة الدكتور هشام.
|
الدكتور هشام عساني:
أهلاً وسهلاً ومرحباً، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، حياكم الله جميعاً.
|
الدكتور رحابي محمد:
سنتناول في لقاء اليوم إن شاء الله بعض النقاط، لا يسعنا الوقت أن نستوفي كل الجوانب التي ينبغي أن نستوفيها في حق شيخنا وأستاذنا الأستاذ الدكتور نور الدين العتر رحمه الله ورفع الله مقامه، ولكن هي عبارةٌ عن ومضات، وقفات، إضاءات في حياته، التي نتعلَّم ونستلهم منها الكثير.
|
كان له رحمه الله الأثر الطيب الكبير ليس فقط في العلم، بل في الخُلُق، في السمت الحسن، في التربية، في القدوة الحسنة، كان رحمه الله له الأثر الكبير في طلابه في التربية، في صحبتهم له، في تعلمهم منه دروساً أكاديمية دروساً في التربية، دروساً في حب النبي صلى الله عليه وسلم، ممكن أن نبدأ إن شاء الله بعد هذه المقدمة السريعة عن العلامة المفسر، المحدث، الحافظ، الفقيه، الأديب، الشيخ نور الدين عتر رحمه الله، الذي إذا ذُكر اسمه نتذكر كيف غرس فينا حب سنَّة النبي صلى الله عليه وسلم، حِفظَ أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، كيف قَوَّى في طلابه ملكة البحث العلمي الأكاديمي، كيف غرس فيهم التحقيق العلمي الأكاديمي، نسأل الله تبارك وتعالى أن يبارك في علمائنا الأحياء، وأن يرحم من سبقنا إلى رحمته، حقيقةً نحن هنا نرثي ونجلس لنترحم ونذكر مآثر شيخنا، لكن في نفس الوقت نتذكر حديث النبي عليه الصلاة والسلام الذي رواه الإمام البخاري:
|
{ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ: سَمِعتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم يَقُول:" إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ لَا يَقْبِضُ الْعِلْمِ انْتِزاعًا يَنْتَزِعُهُ مِن الْعِبَادِ، وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاء حَتَّى إِذا لم يُبْقِ عَالِمًا اتَّخَذَ النَّاسُ رُؤَسَاءَ جُهَّالًا فَيُسْأَلُوا فأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا" }
(رواه البخاري)
جمع الشيخ عتر للعلم والتربية
دعوني أبدأ مباشرةً مع فضيلة الدكتور مرهف السقا، دكتورنا الحبيب الدكتور مرهف لو أردنا أن نتحدث عن الدكتور العتر رحمه الله في جمعه بين العلم والتربية، الشيخ العتر رحمه الله كان شيخاً ربانياً، وكان عالماً مُحَقِقاً، كيف لنا أن نسمع من فضيلة الدكتور مرهف شيئاً عن ميزات شخصية الشيخ نور الدين عتر رحمه الله؟
|
الدكتور مرهف السقا:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، الحديث عن شيخنا الدكتور رحمه الله تعالى، وجزاه الله عنا كل خير، حديثٌ سهلٌ صعب، سهلٌ؛ لأنه إذا كان من قبيل سرد الروايات أو القصص، أو سرد ما يوافق معه، لكنه صعبٌ؛ من حيث الإلمام بجوانب شخصيته رحمه الله تعالى، عندما أتكلم عن شيخنا رحمه الله أستذكر وصف محمد بن سعد في طبقاته، عندما وصف الحسن البصري رحمه الله تعالى، قال: رحمه الله كان جامعاً، عالماً، رفيعاً، رفيهاً، ثقةً، حجةً، مأموناً، عابداً، ناسكاً، كثير العلم، فصيحاً، جميلاً، وسيماً، وهذه الصفات قد وَفَّق الله تعالى فيها شيخنا إلى جمعها، ولا أكون مبالغاً إن قلت أنه فريدُ عصره في هذا الجمع، ويُدرك ذلك من صاحبه، ومن جلس بين يديه، ومن لازمه، ومن خدمه أيضاً.
|
كما يمكنني أن أقول: إنَّ ما كنا نسمعه من شيخنا رحمه الله تعالى، عندما قال لنا مرَّةً: كانوا لا يُطلقون اسم العالم إلا على من كان عاملاً بعلمه، ويتقي الله، فهو كان يتمثل بهذا القول بأبهى حُلله، ودائماً الجمع ما بين العلم والتربية هي صفات الكُمَّلِ من العلماء والمربين، وقد وَفَّق الله تعالى شيخنا لهذا الجمع بينهما، لما حواه من ميزاتٍ وخصائصٍ، كان سببها الأول والله أعلم هو إخلاصٌ لله سبحانه وتعالى.
|
يذكر أبو نعيم في الحلية، يقول حدثنا خَالِدِ ابْنِ صَفْوَانَ قَال: لَقِيتُ مَسْلَمَةَ بْنَ عَبْدِ المَلِكِ فَقَال: يَا خَالِد؛ أَخْبِرْني عَن حَسَنِ أَهْلِ الْبَصْرَة؟ يقصد الحسن البصري، قُلْتُ: أَصْلَحَكَ الله؛ أُخْبِرُكَ عَنهُ بِعِلْمٍ، أَنَا جَارُهُ إِلىَ جَنْبِه، وَجَلِيسُهُ في مَجْلِسِه، وَأَعْلَمُ مَنْ قِبَلِي بِهِ، أَشْبَهُ النَّاسِ سَرِيرَةً بِعَلاَنِيَة، وَأَشْبَهُهُ قَوْلاً بِفِعْل، إِنْ قَعَدَ عَلَى أَمْرٍ قَامَ بِهِ، وَإِنْ قَامَ عَلَى أَمْرٍ قَعَدَ عَلَيْه، وَإِن أَمَرَ بِأَمْرٍ كَانَ أَعْمَلَ النَّاسِ بِهِ، وَإِنْ نَهَى عَنْ شَيْءٍ كَانَ أَتْرَكَ النَّاسِ لَهُ، رَأَيْتُهُ مُسْتَغْنِيَاً عَنِ النَّاس، وَرَأَيْتُ النَّاسَ مُحْتَاجِينَ إِلَيْه؛ قَالَ مَسْلَمَةُ بْنُ عَبْدِ المَلِك: حَسْبُك، كَيْفَ يَضِلُّ قَوْمٌ هَذَا فِيهِمْ، فلذلك هذه الميزات التي جمعها الله تعالى في أئمة التابعين، جمعها الله تعالى في شيخنا الدكتور نور الدين عتر رحمه الله تعالى، وجزاه الله عنا كل خير، فهذه أهم ميزات شخصيته.
|
الدكتور رحابي محمد:
كما نعلم دكتور مرهف جزاك الله خيراً، كان الدكتور نور الدين عتر مشرفاً على فضيلتك في رسالة الماجستير والدكتوراه، فما شاء الله أنت ذو حظٍ عظيم، نسأل الله تعالى أن يبارك فيك وأن ينفع بك، كان من يشرف عليه الدكتور عتر في إحدى مراحله العلمية يكون ذو حِظْوَة، فأنت ما شاء الله في الماجستير، وفي الدكتوراه.
|
دعوني انتقل إلى فضيلة الدكتور محمد عيد المنصور أستاذ الحديث الشريف وعلومه في جامعة بلاد الشام، والدكتور محمد عيد نحن نغبطه غبطةً كبيرةً؛ لأنه صّحِبَ الدكتور عتر فترةً من الزمن، ربما أكثر من أي شخص من الموجودين هنا في هذا اللقاء، فنسأل الله تعالى أن يُبارك في الدكتور محمد عيد، وأن يجعله امتداداً لأستاذنا الدكتور نور الدين عتر رحمه الله تعالى.
|
المنهج العلمي الذي تميز به الدكتور عتر
دكتور محمد عيد المنهج العلمي الذي تميز به الدكتور عتر رحمه الله في التحقيق، في التأليف، في كتابة البحوث، في كتابة المؤلفات، كتاباته كلها تميَّزت بدقةٍ عالية، برصانةٍ علمية، ومكنةٍ شديدة، كيف الدكتور عيد ينظر إلى هذه المسألة، ويُحدثنا عن أهم تلك المؤلفات.
|
الدكتور محمد عيد المنصور:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، ورحم الله شيخنا الجليل، الذي كان أحد أعمدة العلم، وحراس الشريعة، والدين، والسنَّة النبوية في بلاد الشام.
|
شيخنا له مميزاتٌ كثيرة، وله مؤلفاتٌ كبيرة، يمتاز شيخنا بالطريقة الأكاديمية المبتكرة في تَأْليِفَاتهِ، وفي التحقيق الذي كان يقوم به أيضاً، فشيخنا في يفاعة العمر، ولم يتجاوز السادسة والعشرين من عمره، نال شهادة الدكتوراه عام 1964 من الأزهر بتقدير امتياز مع الشرف، في رسالته التي عنوانها الإمام الترمذي والموزانة بين جامعه والصحيحين، وهذه الرسالة التي مضى عليها الآن إلى ما يقرُب من ستين سنة، مازالت هي المصدر الأكثر فائدةً والأكثر تحقيقاً في هذه المسألة، مع أن هذه الرسالة تجاوز عمرها الستين سنة، وكان الشيخ قد ألفها وهو في السادسة والعشرين سنة، بعد أن تخرج شيخنا ذهب إلى المدينة المنورة، ودرس في الجامعة الإسلامية فيها عام 1965 - 1966 وبداية 1967، وهناك ألَّف أيضاً كتابه المبتكر الذي لم يُسبق إليه كتاب منهج النقد في علوم الحديث، هذه العلوم مرت بتحولاتٍ ومنعطفات، المنعطف الأول في ترتيب علوم الحديث على يد الخطيب البغدادي، ثم كان التحول أو المنعطف الثاني على يد الإمام الحافظ بن الصلاح، ثم جاء الإمام الحافظ بن حجر فقام بترتيب علوم الحديث بطريقة السبر والتقسيم، وكانت طريقة مبتكرة، وكان المنعطف والتحول الرابع عند شيخنا العلامة المحدث المتقن الأستاذ الدكتور نور الدين رحمه الله تعالى في كتابه منهج النقد، فهذا الكتاب يُعدُّ ابتكاراً في الطريقة التي رَتب بها شيخنا علوم الحديث.
|
لشيخنا كتبٌ كثيرة: أصول الجرح والتعديل، كتاب الصلوات الخاصة، هدي النبي عليه الصلاة والسلام في الصلوات الخاصة، وله كتاب في ظلال الأحاديث، ولمحات في أصول العلل، وقد تجاوزت كتب شيخنا الستين كتاباً، وما أعلمه أن معظم الجامعات الإسلامية في شرق العالم وغربه تعتمد على الكثير من كتب الشيخ في التدريس، سواءٌ في كتاب منهج النقد، وأصول الجرح والتعديل، ثم كتاب إعلام الأنام الذي شرح فيه شيخنا بلوغ المرام للحافظ بن حجر العسقلاني رحمه الله تعالى.
|
الدكتور رحابي محمد:
ما شاء الله جزاك الله خير، شكراً يا دكتور محمد على هذه الكلمات والوصف لأهم المؤلفات التي تركها لنا الدكتور نور الدين عتر.
|
تعامل الدكتور عتر مع طلابه وتحفيزه لهم
دعوني أسأل الدكتور رياض العيسى، وهو عضو اللجنة العلمية في وزارة الأوقاف في الكويت، الدكتور رياض هناك جانبٌ واضحٌ جداً في حياة الدكتور عتر رحمه الله، في قضية تحفيزه، ومحبته، وتشجيعه لطلابه، وطلاب العلم بشكلٍ عام، في قضية إكرامه لهم، وفي قضية الرفق بهم، كيف تصف هذه الصفات في شخص الدكتور عتر رحمه الله؟
|
الدكتور رياض العيسى:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلَّى الله على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أشكر الدكتور رحابي محمد، وإخواني المحاضرين، وإخواني المشاهدين على هذا اللقاء الثري.
|
لا شك أن الله تعالى جعل لشيخنا الدكتور نور الدين عتر من اسمه نصيباً، فهو كان نوراً لنفسه، ونوراً لطلاب العلم، وكان نوراً للناس، نوراً لنفسه بعبادته، وتقواه، وزهده، وكان نوراً لطلاب العلم في كتبه ومحاضراته، ونوراً للناس وذلك بأسلوبه، ومعاملته الطيبة، لكن لا بد أن نقف عند مواقف لا يعلمها كثيرٌ من الناس عن الدكتور نور الدين عتر، فلا بد من ذكرها، هذه المواقف لها الأثر العلمي للطلاب، والأثر التربوي، والأثر الإنساني، أما الأثر التربوي والتخفيزي لتشجيع الطلاب على طلب العلم، والمداومة على ذلك.
|
أذكر هذا الموقف الجميل والنبيل، في السنة الأولى، السنة التمهيدية في الماجستير في نهاية سنة 1999 حينما سجل الطلاب في مرحلة الماجستير، وكان بعضهم لا يرغب في دراسة قسم الحديث وعلومه، لأنهم يُحبذون أو يحبون قسم الفقه وأصوله، لكن إدارة الدراسات العليا رفضت قبول الطلاب إلا في قسم الحديث وعلومه، في أول محاضرةٍ للدكتور نور الدين عتر رحمه الله تعالى، حينما وجد بعض الطلاب قد جِيءَ بِهِمْ مُكرهين، فماذا فعل الدكتور نور الدين عتر؟ وكان عدد الطلاب والطالبات ما يقارب ثمانية عشر طالباً وطالبة، حدثنا وأذكرُ هذه الكلمة، قال: أنتم ثمانية عشر طالباً وطالبة، وكل واحدٍ منكم يعادل مليونَ شخصٍ من السوريين، ونحن نستغرب كيف لكل شخصٍ أن يعادل مليوناً من السوريين؟ قال: عدد السوريين الآن كم يعادل؟ فقلنا ثمانية عشر مليوناً، عدد السوريين آنذاك، فقال: كل شخصٍ منكم يعادل مليون إنسانٍ من السوريين، الله سبحانه وتعالى اختارك أنت من هؤلاء المليون حتى تكون خادماً لحديث النبي صلى الله عليه وسلم، أنتم أيها الطلاب والطالبات ثمانية عشر طالباً وطالبة، اختاركم من عدد السوريين الثمانية عشر مليون، لماذا؟ حتى يُكرمكم الله تعالى بأن تكونوا من خدمة حديث النبي صلى الله عليه وسلم، لاحظوا أنا العبد الفقير استشعرت، واستشعر كل واحدٍ منا أننا في نعمةٍ من الله تعالى، فهذا هو الحافز الأول.
|
الحافز الثاني: بشكل مختصر دكتور رحابي، جرت العادة في الجامعة أنه حينما يأتي وقت الصلاة، يعتاد الأساتذة والطلاب أن يصلون الفريضة فقط، في صلاة العصر، وصلاة المغرب، وصلاة العشاء، لقِصَرِ وقت الاستراحة، وهم معذورون لأن وقت الاستراحة كان ثلث ساعةٍ تقريباً.
|
ومع ذلك الدكتور نور الدين عتر، ومع كبر سنه، ومرضه، كان لا يكتفي فقط بصلاة الفريضة، إنما يطلب من الطلاب أن نصلي الراتبة القبلية، ثم نصلي الفريضة، ثم نصلي الراتبة البعدية، وأذكر مرَّةً موقفاً في كلية الشريعة، مرَّةً في مكتبه عندما كنت في زيارةٍ له، جاء وقت صلاة الظهر، وصلينا، وكانت محاضرته على شوك البدء، دخل وقت الظهر صلينا على استعجال، صلى السنَّة القبلية، ثم صلى صلاة الظهر، ثم صلى البعدية، والتفت إليَّ، وقال لي: يا شيخ رياض أنا هنا في الجامعة صليت السنَّة القبلية، وصليت السنَّة البعدية ركعتان فقط، لأنني في الجامعة، ولا يوجد عندي وقت، ولو كنت في البيت أو المسجد، لصليت الراتبة القبلية أربعاً، وصليت الراتبة البعدية أربعاً، وهذا أعطاني حافزاً، فالشيخ مع كبر سنه كان يداوم حتى في الجامعة، الطالب يُعذر بعدم متابعة النوافل، للتعب ولضيق الوقت، ومع ذلك كان لا يستغني عن أداء الرواتب والسنن حتى في الجامعة، والحمد لله رب العالمين.
|
الدكتور رحابي محمد:
جزاك الله خير، أحسنت، أحسنت، بارك الله فيك يا دكتور رياض، بارك الله فيك.
|
دعونا نسأل الدكتور هشام عن قضيةٍ ربما يسأل عنها الكثير من الناس، في هذه الأوقات عند موت العالِم، نحن نعلم أن الموت هو سنَّة الحياة، وأن الموت كأسٌ لا بد لكل واحدٍ أن يشربه، وأن يذوقه، لكن لماذا تأخذ قضية موت العالِم حيزاً كبيراً، وضجةً كبيرةً في صفوف طلاب العلم؟ كما وصف النبي عليه الصلاة والسلام:
|
{ وَمَوْتُ الْعَالِمِ مُصِيبَةٌ لَا تُجْبَرُ، وَثُلْمَةٌ لَا تُسَدُّ، وَهُوَ نَجْمٌ طُمِسَ، مَوْتُ قَبِيلَةٍ أَيْسَرُ مِنْ مَوْتِ عَالِمٍ }
(رواه الطبراني)
موت العالم ثُلْمَةً عظيمةً فِي الْإِسْلَامِ
الدكتور هشام عساني:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، وعلى آله وأصحابه أجمعين، السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته، وشكراً لكم دكتور رحابي على هذا اللقاء الطيب، وشكراً للإخوة المشاركين، وحياكم الله وبياكم، الحديث عن دكتورنا وأستاذنا الدكتور نور الدين عتر رحمه الله تعالى حديثٌ طويلٌ وذو شجون، ومعلومٌ لديكم أن الموت مصيبةٌ وأيُّ مصيبة، ولا يختلف اثنان في أن الموت مصيبة، لأن الله سبحانه وتعالى قد سماه بذلك في كتابه الكريم يقول الله سبحانه وتعالى:
|
فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ
(سورة المائدة: الآية 106)
ويقول الله سبحانه وتعالى:
|
وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ
(سورة البقرة: الآية 155-156-157)
فإذا كان الموت بحد ذاته مصيبةً، فهو في حق طالب العلم، أو العالم الرباني، أو الأستاذ، أو المعلم، تكون مصيبةً أعظم وأكبر، وقد بيَّن النبي صلى الله عليه وسلم أن الإنسان إذا مات انقطع عمله إلا من ثلاث، يقول النبي عليه الصلاة والسلام:
|
{ عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ: صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ }
(أخرجه مسلم)
ولا نتألى على الله سبحانه وتعالى إن ذكرنا أن أستاذنا الدكتور نور الدين عتر رحمه الله تعالى قد أكرمه الله عزَّ وجلَّ بهذه الخصال الثلاث: عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ، أَوْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، فكم من صدقاتٍ جاريةٍ كانت للدكتور نور الدين عتر رحمه الله تعالى؟ وأولاده أولادٌ بررة، صالحون، طلاب علم، ولا نزكي على الله أحداً، والدكتور رحمه الله تعالى علمه واسع، وقد انتشر في أرجاء الدنيا كلها، وطلابه وتَلَامِذَتَه هم ثمرةٌ من هذه الثمرات، فلا نتألى على الله سبحانه وتعالى إن قلنا أن الدكتور رحمه الله تعالى قد أكرمه الله عزَّ وجلَّ بهذه الخصال الثلاثة، فالموت مصيبةٌ، وهو في حق العالم مصيبةٌ أكبر، وإذا مات عالمٌ أو طالب علمٍ، ولا سيما إن كان عالماً ربانياً، عالماً مخلصاً، عالماً معلماً، صادقاً، مُطبِّقاً لما يُعلمه أو تعلمه، تكون المصيبة أعظم، وهي ثُلْمَة فِي الْإِسْلَامِ، ومعلومٌ لديكم أن العلم لا يُنتزع من الناس انتزاعاً، وإنما ينتزع بقبضِ العلماء، كما صح ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما أخرجه البخاري:
|
{ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ: سَمِعتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم يَقُول: إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ لَا يَقْبِضُ الْعِلْمِ انْتِزاعًا يَنْتَزِعُهُ مِن الْعِبَادِ، وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاء حَتَّى إِذا لم يُبْقِ عَالِمًا اتَّخَذَ النَّاسُ رُؤَسَاءَ جُهَّالًا فَيُسْأَلُوا فأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا }
(رواه البخاري)
فلذلك كان موت العالم ثُلْمَةً عظيمةً فِي الْإِسْلَامِ، لأنه كان رحمه الله تعالى يسدُّ ثغرةً كبيرةً في الإسلام، وبموته بقيت هذه الثغرة فارغةً، فنسأل الله عزَّ وجلَّ أن تُملأ هذه الثغرة بطلابه.
|
الدكتور رحابي محمد:
بارك الله فيك، آمين، آمين يارب، جزاك الله خيراً يا دكتور هشام.
|
الحقيقة كنا نتحدث قبل قليل، أنا والدكتور مرهف وبعض إخواننا أيضاً، وفي صفحات الفيس والإخوة في الواتس آب ومواقع التواصل، أنه لماذا هذا الفخر الشديد بالدكتور عتر؟ لماذا نُزيِّن أنفسنا برِثَائِهِ؟ لماذا نتنافس في نشر الرِثاء على صفحاتنا؟ لماذا ننتسب إلى الدكتور عتر؟ الحقيقة أنا تذكرت أمراً، لما أكرمني الله بالقراءة عند الدكتور محمد طه سكر رحمه الله، وكان معروفاً بالضبط والإتقان، كنا نتضايق أحياناً، أو بعض الناس يتذمرون من شدة هذا الضبط والإتقان، لكن لا أحد يدرك هذه الثمرات، حتى ينال أو يحصل على الإجازة القرآنية بالسند المتصل، فيكون رأساً في هذا الباب، في التلاوة، في إتقان الأداء القرآني، وغير ذلك، مثلاً تخرجت من جامع أبو النور جامع الشيخ أحمد كفتارو تعلمت منه الحكمة، تعلمت منه الخير، انتسب إلى ذلك، أنجحُ في الحياة، الآن نحن مع الدكتور عتر رحمه الله، تعلمنا منه كثيراً من الأشياء الأكاديمية نفتخر بها، وحقٌ لنا أن نفتخر بذلك.
|
تميُّز الدكتور عتر في مؤلفاته وتحقيقاته
أعود إلى الدكتور محمد عيد المنصور، الله يحفظك يا دكتور عيد، لنتحدث عن الشيء الذي يميز الدكتور عتر في مؤلفاته، في تحقيقاته، كثيرٌ من المؤلفين، آلاف المؤلفين، آلاف الباحثين، آلاف الكتاب، لكن ما الذي يميز الشيخ عتر في تأليفه وتحقيقه حتى جعل من طلابه يفخر بأنه درس كتاباً للدكتور عتر؟ يفخر بأنه قرأ كتاباً مع الدكتور عتر، أو أنه درَّس كتاباً للدكتور نور الدين عتر.
|
الدكتور محمد عيد المنصور:
مما يتميز به شيخنا حتى انتشرت كتبه هذا الانتشار الأسلوب الأكاديمي المبتكر في مؤلفاته، والدقة العلمية في تحقيقاته.
|
أستطيع أن أقول: إن الكتب التي حققها الشيخ تمتاز باختياره للكتاب الموثوق، أن يكون مؤلفه من كبار الأئمة العلماء، كالحافظ بن حجر العسقلاني، الإمام ابن الصلاح، الإمام النووي رحمه الله تعالى، ويُحقق هذا الكتاب فوائداً لا يُستغنى عنها، وهو أصلٌ فيها، أضف إلى ذلك عُلو القيمة العلمية للنسخ الخطية التي يعتمدها الشيخ، فهو لا يعتمد نسخاً خطيةً متأخرة، إنما يحرص على النسخ المُتقنة، فعندما حقق كتاب ابن الصلاح اعتمد على نسخ تلامذته، التي عليها خط الإمام ابن الصلاح رحمه الله تعالى، وتصحيحاته، أيضاً تشتهر الكتب التي حققها شيخنا بأن المقدمات التي يقوم بتقديم هذه الكتب عليها، مقدماته وافيةٌ بالدراسة للكتاب، والمؤلف، والكتاب المحقق، ودراسة النسخ الخطية، وتعريفها.
|
يمتاز أيضاً بمنهج التحقيق والتعليق العلمي المميز بالدقة والتحصيل العلمي، شيخنا يُحيط عمله العلمي للنص المحقق من جميع جوانبه، من ناحية التخريج، والتوثيق، وشرح الغوامض، وإكمال الفوائد المهمة، وتحقيق القضايا الشائكة، وحل إشكالات المشكلة في بعض الأحيان، ولا أعرف نسخاً أتقن من النسخ التي حققها الشيخ في مقدمة ابن الصلاح، أو إرشاد طلاب الحقائق، أو شرح علل الترمذي، أو نخبة الفِكَر، ما زالت هذه النسخ هي النسخ الأصلية الأهم والأكثر فائدةً، وانتفاعاً من قِبل طلبة العلم في الشرق وفي الغرب، ثم يختم عمله هذا بتوفية وافية للفهارس المتقنة والمحكمة التي يصنعها للكتب، لعل هذا ما يُميز الكتب التي قام شيخنا رحمه الله تعالى بتحقيقها في يفاعة العمر، واكتمل هذا العمل ببعض الإضافات التي كان يضيفها لاحقاً، لا سيما في كتابه الأخير الرحلة في طلب الحديث، الذي قام بإعادة تحقيقه على نسخٍ خطيةٍ نفيسةٍ وزائدة، وتعليقات يسيرة، لعل هذه النسخة ترى النور الآن بعد وفاة شيخنا إن شاء الله سبحانه وتعالى.
|
الدكتور رحابي محمد:
بارك الله فيك يا دكتور محمد عيد.
|
دكتورنا الحبيب الشيخ مرهف، معروفٌ عن الدكتور العتر رحمه الله، في زحمة البحث الأكاديمي والتحقيق العلمي، ربما يكون تركيز الإنسان أكثر على الأشياء التي يكون فيها تحقيق، وأشياء أكاديمية، لكن مع الدكتور عتر، عندما نجلس معه كنا نلحظ محبته للنبي صلى الله عليه وسلم، وينعكس ذلك دموعاً تَتَلأْلأُ، تنزل دموعٌ كَاللَّآلِئِ على وَجنَتَيهِ، كما كتب أحد الإخوة الكرام الشيخ عبد الجواد حمام، قال: تجد في درسه وصحبته أُنساً من بقية من بقي من أهل الصلاح والصدق كما نحسبه، قلَّ ما تجد هذا الأنس عند غيره، كثيراً ما تسبقه عيناه عند ذكر النبي صلى الله عليه وسلم، وذكر الصحابة الكرام، حقيقةً هذا أمرٌ كان يؤثر بنا، وهو يعيش حياته كلها مع الحديث الشريف، لكن مع كل مرَّة يذكر: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، تجد عيناه اغرورقت بالدموع، بقلبٍ رقيق، بنفسٍ محببة، لا يملك من حوله إلا أن يذوب في معنى الحب والمحبة الصادقة، كما ذكر الأخ عبد الجواد حمام.
|
محبة الدكتور عتر لرسول الله صلى الله عليه وسلم
الآن يحدثنا الدكتور مرهف عن المحبة، والتعلق برسول الله صلى الله عليه وسلم عند الدكتور العتر رحمه الله.
|
الدكتور محمد عيد المنصور:
رحم الله تعالى شيخنا الدكتور نور الدين، حقيقةً من يُجالسه يتشرَّب من خلال النظر إلى وجهه رحمه الله، ومن خلال مجالسته محبة النبي صلى الله عليه وسلم، محبته رضي الله عنه للنبي عليه الصلاة والسلام لا بد أن تُؤثر بجالسه، فمن يجالسه ولو فترة قليلة لا يستطيع أن يخرج إلا بزخمٍ من الإيمان، والحب، وزيادة التعرف على النبي عليه الصلاة والسلام، وأنتم ذكرتم هذا الأمر أن عيناه تذرفان، تسبقه دمعته عندما يتكلم عن النبي عليه الصلاة والسلام، ومن هذه المواقف مرَّةً في دروس مرحلة الماجستير، كان يفسر لنا قوله تعالى:
|
فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا
(سورة البقرة: الآية 144)
عندما ذكر هذه الآية رحمه الله تعالى ذكر حديث أمنا عائشة، أو كلام أمنا عائشة رضي الله عنها
|
{ ما أُرَى رَبَّكَ إلَّا يُسَارِعُ في هَوَاكَ }
(رواه البخاري)
وبعدها ما استطاع إن يكتم عَبرته رضي الله عنه، فهذا الحال صراحةً أثر فينا جميعاً، لكن محبته للنبي صلى الله عليه وسلم لم تكن فقط حالاً، وكلاماً، وذكر للنبي عليه الصلاة والسلام، وإنما كان تمثُّلاً بالنبي صلى الله عليه وسلم، والتمسك بسنَّته، فكان رحمه الله تعالى يقول لنا دائماً: ما ينبغي لعاقلٍ أن يترك سنَّة النبي صلى الله عليه وسلم، كيف تُحب النبي، وتعقل عظمة النبي عليه الصلاة والسلام، وتترك سنَّة النبي صلى الله عليه وسلم؟ كانت المحبة تتمثل بالتزامه بسنَّة النبي عليه الصلاة والسلام، ذكر أخونا الدكتور رياض جزاه الله خيراً، أنه في كلية الشريعة صلى لما ركعتين بركعتين سنَّة الظهر القبلية والبعدية، وكان عذره أنه مشغول.
|
أذكر موقفاً من المواقف الشبيهة، ولكنها بصراحة إلى الآن تُؤثر بي، بعد إحدى جلسات المراجعات في مرحلة الدكتوراه أذن الظهر، وانتهينا عند صلاة الظهر، فذهبنا إلى المسجد، وكان الإمام قد بدأ، كنا مسبوقين، فدخلنا مع الإمام وصلينا الظهر، بعد صلاة الظهر، كنت أرقبُ شيخنا رحمه الله تعالى، فوجدته قام فصلى ركعتين، ثم قام فصلى ركعتين، ثم قام فصلى ركعتين، ثم قام فصلى ركعتين، ثم قام فصلى ركعتين، يعني عشر ركعات، فأنا حسبتها أنها قضاء، أنه صلى سنَّة الظهر البعدية ركعتين بركعتين، وهذا الأفضل في حال السنَّة، ثم قضى السنَّة القبلية ركعتين بركعتين، ثم قضى تحية المسجد، فهذا الالتزام بسنَّة النبي عليه الصلاة والسلام نادراً ما تجده عند الناس.
|
التزامه مثلاً بصلاة الجماعة، هذا الالتزام تَأَسِّياً بالنبي عليه الصلاة والسلام، يعني ربما عند أذان الظهر أو العصر من يكون جالس عنده وكأنه لا يعرفه، كما هو حال النبي صلى الله عليه وسلم.
أذكر أيضاً في أحد جلسات شرح صحيح البخاري في الجامع الظبيان، وأغلب زملائنا حضروه، عندما ذكر وصف القبة التي بُنيت فوق قبر النبي عليه الصلاة والسلام، أو روضة النبي عليه الصلاة والسلام، كان يصفها ووجهه يتلون اجلالاً وتعظيماً للنبي صلى الله عليه وسلم، فهذه الحال بصراحة إلى الآن عندما نستذكر هذه المواقف من صدق المحبة ما زالت تؤثر بنا، فكل المواقف التي سيذكرها إخواني، وكل المواقف التي ستُذكر، إنما هي من باب التأسي بالنبي صلى الله عليه وسلم.
|
الدكتور رحابي محمد:
صلى الله عليه وسلم، جزاك الله خيراً يا دكتور مرهف.
|
مفهوم القدوة في شخصية الدكتور عتر
عودة إلى الدكتور رياض، القدوة التي نتعلمها من مشايخنا وأساتذتنا، نجدها في الدكتور عتر أثرت في طلابه بشكلٍ كبير، ولعل كثيراً من الصفات التي يلحظها طلابه في شخصية الدكتور عتر، أيضاً الأخ الدكتور رياض يجد ويلمس أشياءً كثيرةً في هذا الباب، لعلك تذكر لنا موقفاً من هذه المواقف.
|
الدكتور رياض العيسى:
من شيوخ الدكتور نور الدين عتر رحمه الله تعالى في الحديث وعلومه وعلوم القرآن، الدكتور محمد محمد أبو شهبة علامة مصر، فيُذكر من وفاء الشيخ نور الدين عتر، أنَّ شيخه الدكتور محمد محمد أبو شهبة حينما ألَّف كتابه الوسيط في علوم صالح الحديث نقل حديثاً موضوعاً، وانتشر هذا الكتاب، فلمَّا ألَّف شيخنا الدكتور نور الدين عتر كتابه منهج النقل في علوم الحديث، اطلع عليه الشيخ الدكتور محمد محمد أبو شهبة، ورأى أن هذا الحديث موضوع، فذكر الدكتور محمد محمد أبو شهبة في الطبعة الجديدة أنَّ هذا الحديث موضوع، وقال: لا أكتمك أيها القارئ أني في شكٍ من أمر هذه القصة، إلى أن ذكر وقال: ثم اطلعت على كتاب الشيخ نور الدين عتر، قال: قرأت كتاب منهج النقد، ووجدت مؤلفه الفاضل نقل عن الامام الذهبي أنَّ هذه القصة مكذوبة، فالشيخ نقل في هذا الكتاب عدة مواضعٍ عن كتاب شيخنا الدكتور نور الدين عتر، ومن الملاحظ أن الشيخ يستفيد من تلميذه، هذا الموقف أثّر في الدكتور نور الدين عتر لمّا أراد أن يطبع كتاب منهج النقد، عرضه على شيخه الدكتور محمد أبو شهبة، وطلب منه أن يضع له مقدمة، فهذا الموقف يُظهر فضل الرجلين، الشيخ الدكتور محمد محمد أبو شهبة واعترافه لتلميذه بالفضل والعلم، وأنه لم يمنعه كونه تلميذاً له أن يعود فيذكر أنه صاحب التعقيب في هذه المسألة، وكذلك نستفيد من هذا الحدث في فضل الشيخ الدكتور نور الدين عتر في الوفاء بشيخه، أنه طلب من شيخه أن يقدم له في الطبعة الثانية من كتاب منهج النقد في علوم الحديث، وفعلاً كتب الدكتور محمد محمد أبو شهبة مقدمة ماتعة يُبين مناقب الكتاب، ويُبين مناقب الكاتب.
|
الدكتور رحابي محمد:
شكراً يا دكتور رياض الله يحفظك ويسلمك.
|
دكتور هشام وجدنا في الأيام الفائتة بعد وفاة الشيخ عتر رحمه الله، المؤسسات الرسمية، والمراكز الإسلامية، والجامعات الإسلامية، مجمع الشيخ أحمد كفتارو رحمه الله، المجمع الذي درّس فيها الدكتور عتر في جميع كلياته ومعاهده منذ الثمانينيات، وأيضاً سجل ابنه أخونا يحيى في هذا المجمع، المجمع بكلياته، بمعاهده، المؤسسات، وزارة الأوقاف، حتى الأزهر نعى الشيخ العتر على صفحته الرسمية، وبطريقةٍ سبحان الله تعطي انطباعاً للناس والمتابعين أيُّ شخصية هذه التي فقدت، هذه الشخصية التي جعلت الناس في شرق الأرض وغربها، طلاب العلم في شرق الأرض وغربها ينعونه، يؤكد الأزهر أنّ الشيخ نور الدين عتر كان صاحب مسيرةٍ عامرةٍ، ومدرسةٍ فريدة في علوم الحديث تحقيقاً، وتأليفاً، وتدريساً، كان ترتيبه الأول على دفعته في جامعة الأزهر، وكان موضع نظر أساتذته الأجلاء من شيوخ الأزهر، وعلمائه، وطلابه، وسخر نفسه لخدمة الحديث الشريف وعلومه، وأثرى المكتبة العلمية بأكثر من خمسين مؤلفاً، ثم قالوا: الأزهر ينعى المحدِّث الشامي نور الدين عتر رحمه الله، كيف يحدثنا الدكتور هشام بدقائق عن هذا الأمر؟
|
أسباب الانتشار الواسع لخبر وفاء الدكتور عتر
الدكتور هشام عساني:
سبحان الله، رَحِمَ الله الدكتور نور الدين عتر، لقد نعى الشيخ رحمه الله تعالى الكثير الكثير من المجامع العلمية، والمؤسسات الدينية، والجامعات الإسلامية، والتجمعات العلمائية، وكبار العلماء، والدعاة إلى الله سبحانه وتعالى في العالم الإسلامي، وقد ضجَّت مواقع التواصل الاجتماعي في نعي الشيخ رحمه الله تعالى، وذكر خبر وفاته، وسبب هذا الانتشار الواسع لنعي الشيخ رحمه الله تعالى يعود إلى أسباب كثيرة، لعل أهمها في نظري ثلاثة:
|
السبب الأول: هو القبول الذي وُضِعَ للشيخ رحمه الله تعالى في الأرض، والذي سببه الإخلاص لله سبحانه وتعالى، فالشيخ رحمه الله تعالى كان مخلصاً لله سبحانه وتعالى، ولن أُزكي على الله أحداً، فلذلك كان له القبول في الأرض، وهذا ما يدل عليه حديثا النبي صلى الله عليه وسلم، الذي أخرجه البخاري :
|
{ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ اللَّهَ إِذَا أَحَبَّ عَبْدًا دَعَا جِبْرِيلَ فَقَالَ: إِنِّي أُحِبُّ فُلَانًا فَأَحِبَّهُ، قَالَ: فَيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ، ثُمَّ يُنَادِي فِي السَّمَاءِ فَيَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلَانًا فَأَحِبُّوهُ، فَيُحِبُّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ، قَالَ: ثُمَّ يُوضَعُ لَهُ الْقَبُولُ فِي الْأَرْضِ }
(أخرجه البخاري)
فهذا هو السبب الأول في انتشار خبر وفاة شيخنا نور الدين عتر رحمه الله تعالى، الإخلاص والقبول الذي وُضِعَ له في الأرض.
|
ولعل السبب الثاني: هو ما ذكره الإخوة من شدة التزام الدكتور رحمه الله تعالى بسنَّة النبي صلى الله عليه وسلم، وشدة محبته للنبي صلى الله عليه وسلم، فهو أفنى حياته كلها في الدفاع عن حديث النبي صلى الله عليه وسلم، وفي تعليم حديث النبي صلى الله عليه وسلم، وفي شرح حديث النبي صلى الله عليه وسلم، كان ملازماً لسنَّة النبي صلى الله عليه وسلم التزام الإنسان لظله، فهذا هو السبب الثاني في انتشار خبر وفاة الشيخ رحمه الله تعالى.
|
أما السبب الثالث بنظري: فهو كثرة تلامذة الشيخ، الشيخ عَلَّمَ أجيالاً، وتلامذته الآن أصبحوا مدرسين في شتى بقاع الأرض، فكثرة تلاميذ الشيخ، وكثرة الناس الذين انتفعوا بعلم الشيخ سواءٌ بالتلقي عنه، أو بحضور محاضراتٍ له، أو مناقشاتٍ علمية ماجستير ودكتوراه، أو بقراءة كتبه، أو غير ذلك، فتلامذته كثرٌ جداً، وانتشروا في أصقاع الدنيا كلها، فهذا أدى إلى سعة انتشار خبر وفاة الشيخ رحمه الله تعالى.
|
الدكتور رحابي محمد:
جزاك الله خير يا دكتور هشام، وبارك الله بك، والبركة في حياتك وحياة إخواننا جميعاً إن شاء الله.
|
تشجيع الدكتور عتر لطلابه
قبل أن أذهب إلى الدكتور عيد، هناك سؤالٌ عن الشيخ رحمه الله عن وفائه، عن تشجيعه لطلابه، أود أن أقدم أيضاً لهذه الفقرة: موضوع تشجيع الطلاب، لما كنت أزوره رحمه الله في حلب في موضوع المراجعة لرسالة الماجستير، والتصحيح والتصويب، رحمه الله كان في آخر لقاءٍ معي قبل مناقشة الماجستير، وكان في لجنة المناقشة أيضاً الدكتور البقاعي أطال الله في عمره وحفظه إن شاء الله ونفع به، في بيت الشيخ عتر في حلب، طبعاً الشيخ عتر له هيبةٌ شديدة جداً، مع وقارٍ شديد، لكن سبحان الله تواضعه شديد، هذا التواضع لا أستطيع أن أرقى إلى هذا التواضع وألمسه، لأن هيبة الشيخ كانت أقوى بالنسبة لي أنا شخصياً، فكنت أجلس عنده وكان يقدم لي الحلوى، الشاي، الضيافة، اخجل، فببسمة لطيفة يعني لا عليك، لا عليك
|
{ إِنَّمَا أَنَا ابْنُ امْرَأَةٍ كَانَتْ تَأْكُلُ الْقَدِيدَ }
(صحيح ابن ماجه)
اجلس لا عليك، اهدأ قليلاً، أنت زميلنا، يحترم طلابه.
|
في أخر لقاء معه في الجلسة هذه قبل المناقشة، وأعطاني الاعتماد للطباعة وتقديمها للمناقشة، قدم لي ظرفاً بداخله مبلغ ٌماليٌ كبيرٌ في ذلك الوقت، أنا تفاجأت مفاجأةً شديدة، فالأصل أن الطالب يُكرم أستاذه، يُهدي أستاذه، يُوقِّر أستاذه، يفي أستاذه بعض الشيء، لكن مع الشيخ العتر الموضوع على العكس تماماً، ليس معي فقط وإنما بعد خبر وفاة الشيخ سمعت كثيراً من القصص مثل قصتي، أن الشيخ كان يُكرِم طلابه، يعني ربما يشعر بأحوالهم المادية، أن عنده طباعة ماجستير، عنده تكاليف مناقشة، فيعطيه هذا المبلغ ليتقوَّى به، ويستعين به على المناقشة والطباعة، ويعطيه دعماً معنوياً كبيراً، ودعماً مادياً بأنك أنت إنسانٌ عملت وتستحق هدية، الدكتور محمد عيد حدثنا عن هذا الجانب لبعض الشيء، لأنك أنت ما شاء الله أقرب الناس على قلب الشيخ وصحبته، تفضل يا سيدي مع الشكر الجزيل.
|
الدكتور محمد عيد المنصور:
أنا سعيد بوجودي مع حضراتكم، وبالقامات العلمية العالية، أذكر أنَّ كنا شباباً متقاربين عند الشيخ في السن، فكان لكل واحدٍ منا مكانةٌ عنده، وكان يحبنا كأولاده، ولا يشعر طالباً من الطلاب أنه بعيدٌ عن قلبه، بهذا التعامل الأبوي، حقيقةً ينبغي على من يتكلم عن صفات شيخه أن لا يُلبسه ثوباً فَضْفَاضاً، فلابس الثوب الفضفاض لا يملأ العين إعجاباً، بل ينبغي عليه أن يتمسك بجدار الإنصاف ليصفه وصفاً دون أن يمدحه مدحاً، وأنا في شيخنا رحمة الله عليه أستطيع أن أقول وأنا أصفه وصفاً لا أمدحه مدحاً، أنه كان متفنناً في العلم، مُتبحِّراً فيه، واسع الأفياء، فسيح الإطلاع، أمضى شطري عمره قراءةً، وتعلماً، وتعليماً، وبحثاً، وتحقيقاً، إن جئته من بوابة الحديث كان المحدث وكتبه تشهد على ذلك، إن دارسته الفقه على مذاهبه الأربعة وجدته كأنه قد تخصص في كل مذهبٍ من هذه المذاهب، وقرأ كتبه المعتمدة، وتستطيع أن تقول الكلام نفسه في اللغة العربية وبلاغتها، التي شهد أدباء العربية ببلاغته، كأستاذنا الدكتور مازن المبارك، الذي أثنى مطولاً على الفصاحة، والبلاغة، والأسلوب البياني الموجود عند أستاذنا الدكتور نور الدين عتر رحمه الله تعالى، وكذلك في التفسير، والعقيدة.
|
زهد الدكتور عتر وعبادته وأذكاره
أيضاً لا أستطيع أن أقول أن عِلمَه كان أكثر من زهده وعبادته وأذكاره، فقد صحبته وكنت حريصاً على أن أُحضر له كرسياً حتى يصلي عليه، ولو كانت صلاة السنَّة، فيأبى الشيخ بإصرارٍ ويقول: مازال في العزم بقية، يصلي مدةً مُتثاقلاً على جسده الذي ربما تكاثرت عليه الأمراض، ويقوم من الركعة الأولى إلى الثانية بشق الأنفس، ربما يُنهي الإمام الفاتحة والشيخ يحاول ويُدافع الأرض وهو يريد أن يقوم إلى الركعة الثانية، وأستطيع القول أيضاً أن سريرته كانت تشبه علانيته، لا يتأخر فعله عن قوله، أستطيع أن أقتبس من كلام الشيخ مرهف أن الشيخ كان سنَّةً نبويةً تتحرك أمامنا بخلقه، والتزامه، وأدبه، ورقته، وابتسامته، ومحافظته على كل شيءٍ فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم.
|
أيضاً كانت دمعاته أسرع شيءٍ يلبيه من جسده، كان تُهروِلُ على عجلٍ مع كل ذكرٍ للنبي عليه الصلاة والسلام، وذكر للمحديثن، قرأنا عليه كتابه الذي رصفه بإتقانٍ: حب النبي صلى الله عليه وسلم من الإيمان، فمازال يبكي الشيخ بكاء المحب، وما برِحَ يتأثر ويبكي حتى أنهينا الكتاب، ونحن نُشرف على حالته لكثرة ما تأثر واحمرَّ وجهه وبكى.
|
وفاء الدكتور عتر لشيوخه
صفات شيخنا وأخلاقه كثيرة، لا شك أن مما يميز الشيخ الوفاء لشيوخه، لا أذكر محاضرةً أو جلسةَ خاصةَ مع شيخنا إلا وذكر شيخه الشيخ عبد الله سراج الدين، وذكر فضله، وذكر علمه، وأنه في هذا العمر وأنا أتكلم الآن وشيخنا فوق الستين أو السبعين كان يستشير شيخه في مسائله العلمية، والدعوية، وغير ذلك، فيقول: أستأذن شيخنا الشيخ عبد الله، أخذت في هذه المسألة رأي شيخنا الشيخ عبد الله سراج الدين، وكثيرٌ من العلماء ما عرفنا أسماءهم، بل ما حفظناها إلا لكثرة ما يرددهم شيخنا في محاضراته، الدكتور محمد محمد أبو شهبة، الدكتور محمد محمد السماحي، الدكتور والشيخ محمد عبد الله الجزار، الشيخ عبد الوهاب البحيري، الشيخ عبد الوهاب عبد اللطيف، الشيخ مصطفى مجاهد، كثيرةٌ هي الأسماء التي ما حفظناها إلا من لسان شيخنا، لكثرة ما يذكرهم في المحاضرات، وهذا من وفائه لشيوخه.
|
تواضع الدكتور عتر
من صفاته التي تميزه أيضاً تواضعه، نذكر الدكتور رحابي عندما كان يُحاضر علينا يوم الاثنين، فيجلس الساعات الطوال على كرسيٍ خشبيٍ، والشيخ في عمرٍ كبير، فكنا نأتيه أحياناً بشيء يضعه تحته، فيقول: هل أتيتم بمثلها لباقي الطلاب؟ فنقول: لا، فيقول: لا أُميِّزُ نفسي عنكم، فالشيخ كان في غاية التواضع، يُعاملنا كأبنائه، وكما ذكرت دكتور رحابي كان يقول: أصبحنا الآن زملاء، ويأبى أن نُقبِّل يده، مما يميز أيضاً الشيخ بعده عن الشهرة، والتصدُّر، وحب الواجهات، وهذه الأشياء التي ربما يتراكض البعض إلى هذه المناصب، وهذه الأشياء، وكان الشيخ من أزهد الناس في هذه الأشياء.
|
شغل الشيخ وقته كله في العلم، والعبادة، والأذكار، ومتابعة الطلبة، لا سيما في حثِّهم على الإبداع، والتفوق، وإكمالهم في الدراسات العليا، لا يقبل أبحاثاً مكررة، لا يقبل أبحاثاً ذات صفحاتٍ قليلة لا يقتنع بها، يردها على صاحبها حتى يزيدها إتقاناً ودراسةً وأبحاثاً وغير ذلك.
الشيخ يعني له صفاتٌ كثيرة، كان في رده مع المخالف مهذب العبارة، عف العبارة، يذكر المسألة ويرد عليها، ولا أذكر أننا قرأنا في أحد كتبه اسماً لمخالفٍ له، إنما يردُّ على الفكرة، ولا يرد على الشخصيات، يحمله على ذلك أمانات العلم.
|
الدكتور رحابي محمد:
في هذا الصدد، أذكر أن الدكتور بالفعل كان يُشجع طلابه وتلاميذه على التفرغ لطلب العلم، ولا يذهب إلى مشروع الزواج قبل الماجستير وقبل الدكتوراه، سبحان الله في الماجستير بعد التمهيدي كنت قد ذهبت إلى الدكتور العتر رحمه الله، قلت له: الآن أنا في مشروع زواج، فقال لي: الآن عليك بهذه الآية الكريمة:
|
رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا
(سورة الفرقان: الآية 74)
فقال لي: باللهجة الحلبية المحببة: كرر من سورة الفرقان (رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا)، فكان له موقفٌ تربويٌ وتعليمي.
|
دكتور مرهف حدثنا عن موضوع استثمار المواقف التربوية مع الإخلاص، مع الصدق، مع المحبة عند الدكتور العتر، تفضل يا دكتور مرهف.
|
مواقف تروية تعليمية في حياة الدكتور عتر
الدكتور مرهف السقا:
الله يبارك فيكم، جزاكم الله خيراً، صراحةً أريد أن أعلق على أمرين مهمين، الأمر الأول: سأتكلم عن موقف من مواقف التربية، ولكن لا بد أن أتكلم عن أن شيخنا رحمه الله تعالى كان ذو همةٍ عاليةٍ، وصاحب نهضةٍ علمية، وهذا من الأمور المخفية عن شيخنا، طبعاً إخلاصه في محبة الله، ومحبة النبي، ونشر سنَّة النبي صلى الله عليه وسلم، وإخلاصه في رفع سوية هذه الأمة يجعله لا يفتر عن خدمة هذا الدين، ولا عن نشر العلم، ولا عن بذل أي جهدٍ كان، واستثمار أي وقتٍ ممكن لتوصيل الفائدة للأخرين، والنهضة بهم طبعاً، ينهض بطلابه من خلال التدقيق عليهم، ومن خلال التشديد عليهم، أيضاً كان شديداً في هذا الموضوع، وكلنا يعلم هذا الأمر عن شيخنا أنه كان شديداً، فكان شديداً في التحقيق من أجل أن ينهض بهمتهم، ويعلمهم التحقيق العلمي.
|
كان يسافر أحياناً من بلدٍ إلى بلد من أجل أن يلتقي عالماً، أو شيخاً، أو مجموعةً من طلاب العلم فيُفيد في هذا اللقاء، أيضاً كان لديه في بيته في حلب معهدٌ في بيته، داخل بيته، كان له معهدٌ علمي يُدرس فيه الأكاديميين من علماء حلب، من مشايخ حلب، وبعض الأكاديميين يكونون مثلاً في تخصصات أخرى يعني أساتذة في الطب، أساتذة في الهندسة، كان يرسم لهم منهجاً علمياً، يُدرِّسُ لهم كتباً بأسلوب المراحل، على طريقة المراحل، هذا كان في بيته، عندما يذهب إلى حلب دروسه في البيت، دروسه في الجامعة التي كانت بجانبه في حي الإذاعة، عندما يأتي إلى دمشق دروسه في جامع الظبيان، دروسه في جامع الشماسية، دروسه في معهد الفتح، دروسه في مجمع أبو النور، دروسه في الدراسات العليا، لا تجد عنده ثغرةً في الوقت إلا ويستثمرها في العلم.
|
على سبيل المثال هذا موقفٌ تعليمي، وموقفٌ يدلنا على نهضته، أظن أنه أحد المحطات النهضوية في تاريخ سوريا التي مرَّت بها، الشيخ بدر الدين الحسني رحمه الله تعالى خليفته في هذا الموضوع الدكتور نور الدين عتر، صراحةً يعني لا أرى بديلاً ولا أرى مثيلاً للشيخ بدر الدين الحسني في موضوع الالتزام بالسنَّة، ومحبة النبي صلى الله عليه وسلم، ونشر الحديث النبوي، وتربية الطلاب، والتلاميذ، والتحقيق العلمي لا أرى مثيلاً له إلا شيخنا الدكتور نور الدين عتر.
|
مرَّةً زارنا وشرفنا في مدينة حماة لمناسبةٍ معينة، وصل من دمشق إلى حماه عند صلاة المغرب تقريباً، صلى المغرب وتهيأ للمناسبة التي ستكون بعد صلاة العشاء، هو أتى من سفرٍ، حضر المناسبة وتكلم فيها وأبدع رحمه الله تعالى، بعد انتهاء المناسبة تقريباً بعد منتصف الليل أصر على الذهاب إلى حلب، لأنه كان على موعد عند الفجر أو بعد الفجر، والسفر إلى حلب تقريباً ساعتين يعني سيصل قبيل الفجر، لكن مع ذلك مع تعبه، أصررت أن أرافقه في سفره إلى حلب، فقال لي: ائتِ بما كتبته في رسالة الدكتوراه، ونقرأه على الطريق، صراحةً الطريق كله كان قراءةً ومدارسة، ساعتين ونصف بعد سفره من دمشق، وبعد جلوسه في حماه، وسفره إلى حلب كانت مدارسة، حتى صحح لي بعض المعلومات، وأيضاً أبدى رأيه في مسألةٍ هو تكلم فيها.
|
من نهضته اهتمامه بشؤون الأمة، لاحظوا بعض المؤلفات التي ذكرها أخونا الدكتور رياض، وأخونا الدكتور محمد عيد، مثلاً فكر المسلم وتحديات الألفية الثالثة، ما يتعلق بالمرأة، ما يتعلق بقضايا أخرى مختلفة، هذا يدل على أنه كان مُحيطاً بما يدور في العالم من القضايا والأفكار، وما يَلزم لنهضة الأمة في سبيل ذلك، فيؤلف في هذا الشأن.
|
الدكتور رحابي محمد:
بارك الله فيك يا دكتور، الوقت ضاق علينا، والحديث لا يتسع لذكر مآثر الدكتور عتر، يستحق منا لقاءاتٍ ولقاءات، الشيخ العتر في عيون محبيه وتلامذته له شأنٌ كبير، وفيوضات من تلامذته على ألسنتهم المحبة وقلوبهم الصافية,
|
قصيدةٌ في رِثاء الدكتور عتر رحمه الله
الدكتور هشام وهو رجلٌ أديب، شاعر، الدكتور هشام عساني قلمه سيال في كتابة الشعر، كتب قصيدةً رأيناها قبل أيام في رِثاء الشيخ العتر رحمه الله، لو يتكرم علينا ببعض الأبيات من هذه القصيدة، ثم نختم بعد ذلك إن شاء الله تعالى.
|
الدكتور هشام عساني:
كثيرٌ من العلماء، والشعراء، والأدباء قد رثى الدكتور عتر، فالشيخ محمد أبو الهدى اليعقوبي رثاه في قصيدة مطلعها:
|
ملأت الكون من ذكراك عطــــراً
وحـزت بسنَّة المـختـار فخــــــراً
ختمت حديث خير الخلق حتى
علـوت به على الأقـران قــــدراً
عـلوت محــدِّثـاً وبرزت حبـــــــــــراً
فـقـيـهـاً فـائـضـاً بـراً وبـحــــــــــراً
فـأنـت إمـام هـذا الـعـلـم حـقــــــــــاً
ومـرجـع أهـلـه قـطـراً فقطـــــــراً
{ الشيخ محمد أبو الهدى اليعقوبي }
وكذلك الدكتور وائل جحا أيضاً رثاه في قصيدة يقول فيها:
|
ونور الدين إن يـرحـل عـن الـدنـيا فقد أبقـى
كنوزاً من خزائنه كما الألماس الأنقـــى
فكم من علمه نهلت جموع الناس كي ترقى
جزاه الله فردوساً فيها خير الورى يبقى
{ الدكتور وائل جحا }
وقلت في رثائه رحمه الله تعالى:
|
سألت الله تكراراً نزول الغيث مــــــــدراراً
على قبرٍ حوى نوراً وعلماً فاض أنــــواراً
أيا شيخاً عرفـنـاه لـذكـر الله مـكـثــــــــاراً
تقياً صالحاً ورعاً بهدي المصطفى سارا
محباً صادقاً فطناً كريم النفس مختاراً
حـيـاة الشيـخ أفـنـاها بنـشر العلم أطـــواراً
فكم ألَّفت من كتبٍ وكم حققت أسفـاراً
وكم دقـقـت في عَـلَـمٍ وكـم نَقَّحْتَ أخبـــــاراً
وكم علَّمت أجيالاً وكم خرَّجت أخيــــاراً
وقد ضجت بك الدنيا وقال الناس أشعاراً
فـيـا ربـاه فارحمه، فـيـا ربـاه فارحمــــــه
فـيـا ربـاه فارحـمـه فـأنـت الله غــفــــــــــــــــاراً
ودار الخلد نرجوها له أنعِم بهــــــا داراً
وبارك في تلاميذٍ غدوا في الأرض أقمـاراً
{ }
الدكتور رحابي محمد:
الله، الله، ما شاء الله، جزاك الله خيراً، وأحسن الله إليك يا دكتور هشام.
|
الحديث طبعاً يطول، ربما نجتمع مرَّة ثانية في لقاءٍ عن الدكتور العتر رحمه الله، الدكتور عتر أحببناه لما درسنا في كلية الدارسات العليا في كلية أصول الدين في مجمع الشيخ أحمد كفتارو في الماجستير في الدكتوراه، ضاق الوقت الآن لأن نذكر كل شيء، ربما إن شاء الله يكرمنا بلقاءٍ آخر بإذن الله تعالى، هل هناك من لديه مداخلةٌ سريعة؟ قبل أن نختم بدعاء من فضيلة الدكتور محمد عيد المنصور أهلاً وسهلاً.
|
الدكتور رياض العيسى:
لشيخنا الدكتور نور الدين عتر أسلوبٌ في الدعوة، ولهذا الأسلوب خطَّت يد شيخنا رحمه الله تعالى، وألَّف كتاباً في علم الدعوة، وسماه (الدعوة والداعية إلى الإسلام)، وقد طُبِعَ هذا الكتاب حديثاً يعني منذ ثماني سنوات، وأنصح إخواني المشاهدين، وطلاب العلم بشرائه وقرائته، فالشيخ داعية سبحان الله بأسلوبه، وحتى بكتابته، فأنصح إخواني بقراءة هذا الكتاب ليستفيد منه كل قارئٍ في دعوته إلى الله تعالى.
|
الدكتور رحابي محمد:
بارك الله بك يا دكتور رياض، الله يحفظك ويسلمك إن شاء الله تعالى.
|
الدعاء
يا دكتور محمد عيد نرغب بأن نختم بالدعاء منك إن شاء الله.
|
الدكتور محمد عيد المنصور:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين، اللهم يا أرحم الراحمين، يا أكرم الأكرمين إنا تكلمنا في بعض ما نعلمه عن شيخنا، وأنت أعرف به، اللهم فأنزله في منازل الأبرار في منازل المقربين عندك، اللهم أغدِق عليه من رحماتك، اللهم اجزه عنا وعن طلاب العلم خير ما جزيت شيخاً عن طلابه، اللهم أكرم وفادته عليك، فإنه أكرم وفادتنا، اللهم أحسن نُزُله، اللهم وسِّع مُدخله، اللهم اجعل قبره روضةً من رياض الجنة، اللهم يا أرحم الراحمين عّمِّم النفع بكتبه وبطلابه وبمنهجه، اللهم إننا نُشهدك بأنه عاملنا كأبٍ رحيمٍ شفوقٍ بنا، وكمعلمٍ حكيمٍ ناصحٍ، اللهم فارفع مقامه عندك في عليين، واجمعه مع الإمام البخاري، والإمام مسلم، والترمذي، والنووي، والحافظ بن الحجر في عليين، اللهم يا أكرم الأكرمين ضعف له الأجر، واجعله شفيع لنا يوم القيامة، اللهم إنه قد نزل بساحة جودك وكرمك، فارفق به يا أكرم الأكرمين، اللهم اجعلنا ممن نسير على دربه، وعلى منهجه حتى نحشر معه يوم القيامة محبةً، وسلوكاً، وأداءً يا أرحم الراحمين، اللهم بارك بهذا الجمع المبارك، بهؤلاء الطلبة وعمِّم نفعهم، اللهم اجعلهم أقماراً مشرقةً في ليلنا الحالك، واجعل جميع ما ننال من حسناتٍ في أعمالنا العلمية، والكتابية، والمحاضرات في صحيفة شيخنا، وارفع مقامه عندك في عليين، واجمعه مع خاله الشيخ عبد الله سراج الدين في جنات النعيم إنك أقرب مسؤول، وصلى الله على نبينا محمدٍ قمر المدينة، وعلى آله وأصحابه أجمعين، والحمد لله رب العالمين.
|
الدكتور رحابي محمد:
الحمد لله رب العالمين، جزاك الله خيراً وأحسن الله إليك وبارك الله بك يا دكتور محمد عيد.
|
خاتمة وتوديع
إخواني الكرام المتابعين هذا اللقاء على صفحات الفيس شكراً للمتابعة، شكراً للتعليقات، شكراً للدعاء، لا يسعني في نهاية هذا اللقاء إلا أن أتوجه بالشكر الجزيل لفضيلة الدكتور محمد عيد المنصور أستاذ الحديث الشريف وعلومه في جامعة بلاد الشام، الشكر أيضاً موصولٌ إلى فضيلة الدكتور مرهف عبد الجبار السقا الأستاذ المشارك في التفسير وعلوم القرآن في الجامعات السعودية، فضيلة الدكتور رياض العيسى عضو اللجنة العلمية في مجلة الوعي في وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية في الكويت، فضيلة الدكتور هشام عساني الأستاذ المحاضر في جامعة طرابلس لبنان، وأخوكم رحابي عميد كلية الدراسات الإسلامية في الجامعة الأمريكية للعلوم الإنسانية في أمريكا، أسأل الله تعالى أن يجمعنا على الحب، وعلى الخير، والمودة، وعلى ما يرضي الله سبحانه وتعالى، وأن يجمعنا بشيخنا العتر، وشيوخنا، ومن أحبنا، ومن أحببناه، وكل من علمنا، وكل من له حقٌ علينا، وأن يجزيه عنا خير الجزاء، وأن يبارك في حياة من بقي من علمائنا ومشايخنا، وأن ينفعنا بهم، وأن يُكرمنا بصحبتهم، والانتفاع بهم، وأن يعيننا على تأدية حقهم، والوفاء معهم في حياتهم وبعد مماتهم، جزاكم الله خيراً جميعاً، أحسن الله إليكم.
|
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
|