آفاق تعليم الثقافة والحضارة الإسلامية في الغرب مع الشيخ الدكتور حاتم الحاج

  • 2020-12-01

آفاق تعليم الثقافة والحضارة الإسلامية في الغرب مع الشيخ الدكتور حاتم الحاج


مقدمة:
بسم الله الرحمن الرحيم؛ السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته، أيها الأخوة الكرام والأخوات الكريمات المتابعين والمتابعات، مرحباً بكم في برنامجكم أهل العلم والقرآن، وفي لقاءٍ طيبٍ مباركٍ مع فضيلة الشيخ الدكتور الطبيب حاتم الحاج، أهلاً وسهلاً ومرحباً بكم شيخنا الحبيب.

د. حاتم الحاج:
بارك الله يبارك بكم وأحسن إليكم فضيلة الدكتور رحابي، جزاكم الله خيراً على الاستضافة.

د. رحابي محمد:
حياكم الله سيدي؛ شكراً لكم وبارك الله بكم؛ لقاؤنا اليوم ما أهمية وآفاق تعلم وتعليم الثقافة والحضارة الإسلامية؟ هناك أسئلةٌ كثيرةٌ ومحاور كثيرةٌ ربما نتناولها اليوم مع فضيلة الشيخ، أحبُّ أن أنادي الشيخ الطبيب الدكتور حاتم الحاج، في ذلك ربما مَلحظٌ طيبٌ نطبقه من القرآن الكريم:

وَمِنْهُم مَّن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (201)
[ سورة البقرة ]

ولعل الشيخ الطبيب الدكتور حاتم، ذو الجناحين إن شاء الله؛ جناح الدنيا وجناح الآخرة في بناءِ وازدهارِ الحياة.
أيها الإخوة هناك أسئلةٌ منها أين تكمن أهمية تعليم وإبراز جمال وروعة الثقافة والحضارة الإسلامية في الغرب عموماً، وفي أمريكا بشكل خاص لأجل التعايش، لأجل بناء الحضارات؟ أين تكمن أهمية التركيز أو في الأحرى ما أهمية التركيز على الأقليات المسلمة؟ ما هي فرص تعلُّم وتعليم الثقافة والحضارة الإسلامية للراغبين بذلك؟ ما هو الفرق بين التعليم في بلاد المشرق والمتاح حالياً في أمريكا وفي الغرب بشكلٍ عام؟ ثم ما أبرز التحديات التي تواجه التعليم وتقديم الثقافة والحضارة الإسلامية في أمريكا والغرب؟ وما هي الفرص المتاحة؟ وأسئلةٌ أخرى إن شاء الله هي محاور لقائنا اليوم مع فضيلة الشيخ الطبيب حاتم الحاج دكتوراه في الفقه المقارن من جامعة الجِنان، وعميد كلية الدراسات الإسلامية بجامعة مِشكاة، عضو لجنة الفتوى الدائمة في أمجا، وهو أيضاً طبيب أطفالٍ متخصص، حاصلٌ على زمالة الأكاديمية الأميركية لطب الأطفال، مرحباً بكم مرة ثانية فضيلة الدكتور حاتم.

د. حاتم الحاج:
بارك الله بكم، وأحسن إليكم فضيلة الدكتور.

د. رحابي محمد:
طيب؛ نبدأ مباشرةً سيدي في المحور الأول في لقائنا، أين تكمن أهمية تعليم وإبراز جمال وروعة الثقافة والحضارة الإسلامية، والتعليم الإسلامي بشكلٍ عام في الغرب عموماً وفي أمريكا بشكلٍ خاص؟

أهمية إبراز الحضارة والثقافة الإسلامية:
د. حاتم الحاج:
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ بالنسبة للتعليم الإسلامي وأيضاً البلاغي يعني للناس من حولنا هذه لا شك هي أمورٌ من صميم أولوياتنا، كجاليات مسلمة في الغرب، ربما بعض الناس لا يستحسن كلمة الجاليات، فنقول أقليات مسلمة في الغرب، لأنها ليست فقط جالية إنما أقليةٌ مستقرةٌ هنا، بعض المسلمين هنا أصولهم تعود إلى بعض الهنود من السكان الأصليين الذين نسميهم نحن الهنود الحمر، لكن من السكان الأصليين من أهل هذه البلاد دخلوا في الإسلام، وهناك عددٌ كبيرٌ من الأفارقة الأمريكيين دخلوا في الإسلام، فهؤلاء الحقيقة لا يسوغ تسميتهم بالجالية لكنهم أقلية دينية، فالأقليات الدينية عليها لا شك مسؤولياتٌ كبيرة، أهم أولويات هذه الأقليات الدينية الحفاظ على دينهم وعلى هويتهم الدينية، مع الاندماج في مجتمعهم والإفادة والإستِفادة، كل ذلك لا شك أمرٌ مطلوب، ولكن في نفس الوقت تحتاج هذه الأقليات الدينية في كل أنحاء العالم، إلى الحفاظ على هويتها الدينية وأيضاً تحتاج إلى التعريف بدينها، تعريف المحيط الأوسع أو المجتمع الأكبر بدينها وإطلاع هؤلاء على محاسن دينها، ولا شكَّ أن ديننا يعني فيه من الجمال و المحاسن ما تَفنى أعمارنا في التعريف به، من هنا تأتي أهمية العلم، أهمية العلم من أجل أن نستَضِيء بنور العلم ونُضيء للآخرين بهذا النور:

أَوَمَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا ۚ كَذَٰلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (122)
[ سورة الأنعام]

فهذه هو حياة القلوب ونور القلوب هذا العلم؛ فطبعاً يُفيدنا في تقويم علاقتنا مع ربنا، وفي معاملة خلقه المعاملة الحسنة التي تنبغي لهم والتي تجِبُ على كل مسلم، وكذلك في تبليغ الناس بمحاسِن هذا الدين وما فيه من جمال، والأمر الآخر هو الثقافة والحضارة الإسلامية، ولا شك أن تقديم الحضارة الإسلامية، بعض الناس ينظرون إلى الأديان على أساس مصدرها، وعلى أساس الكتب المقدسة وكذا.. وبعض الناس ينظرون إلى الأديان نظرةً سيسيولوجية، أو نظرةً اجتماعية من حيث ممارسة الناس لها، ولا شك لا بأس بالأمرين، وطبعاً نحن نعرف أن ديننا منزًلٌ من السماء ولكن أيضاً هناك نمارسه، وهناك الواقع البشري لهذه الجماعات الإنسانية على مدى أربعة عشر قرناً من الزمان التي دخلت في الإسلام ومارسته، ولا شكَّ أن ممارستها فيها شيءٌ من الاختلاف، طبعاً هناك أمورٌ وعواملٌ مشتركةٌ بين جميع المسلمين مصدرها من الإسلام، ولكن الإسلام في نفس الوقت سمح بنوعٍ من الاختلاف الذي يُمليه اختلاف الثقافات وكذا.. والتنوع الثقافي والإثني لهذه الجماعات البشرية، وتعريف الناس بالثقافات الإسلامية يعني ممكن يقال الثقافة، والثقافة باعتبار مصدرها الإسلام والوحي، وباعتبار تنوعِها أيضاً مع تنوع الجماعات البشرية الممارسة لهذا الدين، وهذا أيضاً من أولوياتنا ومن مسؤولياتنا تجاه مواطنينا الذين نعيش في وسطهم أن نُعرِّفَهم بالمسلمين، وبحضاراتهم، بتاريخهم، وبواقعهم أيضاً، نطلعهم على ذلك، ونُجيبُ على أسئلتهم.

د. رحابي محمد:
بارك الله بك؛ نعم إذاً أهمية العلم وأهمية تعليم وإبراز جمال الثقافات الإسلامية، والثقافة الإسلامية من الأهمية بمكان؛ أولاً كما ذكرتم فضيلتكم لتقويم العلاقة بيننا وبين ربنا سبحانه وتعالى، ثانياً لتقديم هذا الدين الجميل وتقديم النبي صلى الله عليه وسلم بجمال أخلاقه وجمال دعوته وجمال قيمّه الحضارية النبوية العالية للناس ليعرفوه، فعلى الأقل إذا لم يؤمنوا به على الأقل لا يحاربوه، لا ينصبوا له ولأتباعه العداء، فإذاً هذه مسؤولية كما تفضلتم علينا كمسلمين أن نقوِّي علاقتنا بربنا وأن نتعلم أكثر وأكثر، دكتور حاتم المقصود نحن علينا هذه المسؤولية، من تقصد نحن؟ يعني طلبة العلم في الغرب؟ المسؤولون في المراكز الثقافية الإسلامية؟ أم عموماً أيُّ مسلمٍ ومسلمةٍ عليه مسؤولية تقديم وإبراز الهوية الجميلة للمسلم وللدين الإسلامي.

دور المسلمين في إظهار جمال الدين الإسلامي:
د. حاتم الحاج:
والله حقيقةً أعتمد على تفسير:

وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ(104)
[ سورة آل عمران]

هل المقصود هنا من التبعيض أو من الجنس؟ أنا أعتقد هنا أن كلاهما مسؤول؛ ويمكن أن نقول أن هناك مسؤوليةً عامةً على آحاد المسلمين، وهناك مسؤوليةٌ خاصةٌ على أهل العلم منهم. المسؤولية العامة على آحاد المسلمين أن يُظهروا جمال هذا الدين وجمال هذه الحضارة الإسلامية عن طريق سمتهم ومعاملتهم للناس، وأيضاً ربما يكون بعض هؤلاء.. لأن الحقيقة يعني التقسيم الجامد إلى عالمٍ وعامي الحقيقة هو مُجانب للصواب، لأن ما بين العالِم والعامي درجاتٌ كثيرةٌ جداً، فليس كل العامة سواء، وليس كل العلماء سواء، وهناك في مرحلةٍ من المراحل ينتقل الإنسان من عاميٍّ إلى عالم، والإنسان لا يبيت بالليل عامياً ثم يصبح عالماً بشيءٍ خارقٍ للعادة! فهناك درجات، لاشك أن هناك شيئاً في الإسلام اسمه عامي وعالم، لكن هناك درجات، وأن هؤلاء العوام منهم أناسٌ مثقفون جداً، مطلعون جداً على دينهم، فعليهم مسؤوليةٌ أكبر، بحسب اطلاعهم وبحسب معرفتهم، لكن الحد الأدنى لكل المسلمين أن يُظهروا للناس جمال هذا الإسلام، عن طريق حسن معاملاتهم، حسن أخلاقهم، سمتهم الحسن فهذا الواجب على كل الناس، أما قادة المسلمين والمسؤولين عن الجالية، سيّما في القلب من هؤلاء أهل العلم، هؤلاء عليهم مسؤوليةٌ أكبر بكثيرٍ جداً تجاه بقية المسلمين، وتجاه غير المسلمين أيضاً.

د. رحابي محمد:
بارك الله بكم؛ دكتور حاتم حضرتك ما شاء الله متخصصٌ في الدراسات الإسلامية في الفقه المقارن، وبتقدير ممتاز، شهادتك في الدكتوراه من جامعة الجِنان من لبنان، ثم أو قبل ذلك ماجستير في التخصص في الفقه وأصوله، من الجامعة الأمريكية المفتوحة وبتقدير ممتاز، تحمل البورد الأمريكي في طب الأطفال بكالوريوس طب وجراحة من كلية الطب في جامعة الإسكندرية.
الآن السؤال من خلال خبرتك ما شاء الله؛ وإطلاعك بين العلم الديني والدنيوي، بين الطب وبين الفقه، كيف يرى الدكتور حاتم فرص تعلُّم وتعليم هذه الثقافة والحضارة الإسلامية لمن يرغب بذلك؟ ثم ما هو الفرق بين التعليم في بلاد المشرق وبين المتاح حالياً في الغرب عموماً وفي أمريكا.

الفرق بين التعليم في بلاد المشرق والمتاح في الغرب:
د. حاتم الحاج:
طبعاً لا شك أن هناك فرصاً؛ الحمد لله ربنا عز وجل يسَّرَ هذه الوسائل والتقنيات، وقرَّبت المسافات بين الناس وجعلت لقاءً كهذا ممكناً رغم أن المسافة بيني وبينك تقريباً ساعتين بالطائرة، وأكثر من عشرين ساعة بالسيارة، يعني الحمد لله هناك فرص، وهناك فروقٌ طبعاً بين التعليم في الشرق والتعليم في الغرب، نحن هنا عندنا الجالية المسلمة في أمريكا تعداد المسلمين في أمريكا ما بين ستة إلى ثمانية ملايين، الإحصاءات تختلف.. ونحن لنا إحصاءاتنا الخاصة بنا ربما لا تكون علمية جداً، لكن لنا توقعات أننا حوالي ستة إلى ثمانية ملايين، والإحصاءات الرسمية تقول أننا حوالي ثلاثة ملايين، وبعض الإحصاءات المتفائلة تقول نحن عشرة ملايين أو أكثر من ذلك، لكن لا شك فيه شيءٌ من المبالغة.
لو قلنا من ثلاثة إلى ستة ملايين عدد المسلمين هنا في أمركيا متفرقون في قارةٍ كاملة، فلا شك أن أهل العلم فيهم أيضاً متفرقون في أصقاع هذه القارة الكبيرة، ومن ثم يصعب أن تجد في مدينةٍ واحدةٍ عالماً متخصصاً في كل فرعٍ من العلوم الإسلامية، يعني ليس كدمشق مثلاً أو غيرها من البلاد المسلمين، أو حتى في بلاد أخرى دون دمشق في المكانة، لكن في أي بلدٍ هنا، في دالاس، ودالاس الحقيقة عامرةٌ بمن فيها من المسلمين، وفيها من أهل العلم كثير، لكن صعبٌ جداً أن تجد عالماً متخصصاً في كل فرعٍ من فروع العلم، حتى يتتلمذ عليه ويتلقى عنه طالب العلم، ولذلك نحتاج إلى أن نوفِّرَ لطالب العلم إما جامعاتٍ ينتقل إليها ويدرس فيها وهناك بعض المحاولات في هذا الإطار، هناك كلية الزيتونة وهناك كليات أخرى في أماكن مختلفة في أمريكا، أو أن ننقل له العلم عن طريق التقنيات الحديثة.
وأنا دائما أقول للطلبة أننا لا نحتاج أن نقارن بين الأفضل، بالنسبة لبعض الناس إذا كنا نتكلم عن الأفضل بإطلاق لا شك أن نقول التعليم المباشر والجلوس بين يدي الشيخ ربما يكون أفضل، هل هذا متيسرٌ لكثيرٍ من الناس؟ لا، ولذلك نحتاج إلى أن نوفِّرَ الخيار الثاني، أو ثاني أفضل الخيارات نوفِّرُه للناس عن طريق التعليم عن بُعد، باستخدام وسائل التقنية الحديثة التي مَنَّ الله عز وجل بها علينا، مع ذلك نحن بحاجةٍ أيضاً إلى أن نربط الشباب بأهل العلم في مدنهم وفي أحيائهم، لأن التلقي المباشر عن واحدٍ من أهل العلم إذا تيسَّر لهم أن يكون قريباً منهم رجلٌ من أهل العلم، يتعلم الإنسان منه سمته، وهدّيه، وطريقته في التعامل في الكلام، في الحركة، في المشي، في الجلوس، هنا هذه الأمور تحتاج إلى تعلُّم، وأن يتعلم منه أيضاً خشيته، مراقبته، وهذه الأمور يمكن للإنسان أن يستفيد بها وتنتقل من القلب إلى القلب، لا من اللسان إلى العقل، ولا من العقل إلى العقل، ربما تنتقل من القلب إلى القلب، ربما لا نتمكن عن طريق التقنيات الحديثة من هذا الجانب التربوي، لأن عندنا نحن في مصر مثلاً نسمي وزارة التعليم، وزارة التربية والتعليم، فهذا الجانب التربوي المهم ينبغي أن نركز عليه، نعطي ما نستطيع عن طريق هذه التقنيات الحديثة والباقي نشجع طلابنا أنهم يستفيدوا من العلماء في مساجدهم، أو في أحيائهم، أو في مدنهم، في الشرق طبعاً الأمور مختلفةٌ لأنه يوجد فرصٌ أكثر للتعليم المباشر، ووفرةٌ في العلماء في الشرق، أو في كثير جداً من مدن الشرق أكثر مما هو موجودٌ عندنا، فنحن نحتاج أن نعوض ذلك.

د. رحابي محمد:
نعم نعوض ذلك كما ذكرتم، في وسائل الاتصال والتواصل الحديثة التي مَنَّ الله عز وجل بها علينا، نستثمرها استثمارا نافعاً طيباً حكيماً، فيعود بالخير والفائدة عل الجيل الجديد وعلى الناس عموماً، والصحبة والمجالسة للشيوخ وأهل العلم والتعلُّم من سمتهم، وهديّهم، وهذا الأمر طيب إن لم يتوفر شخصياً بالمجالسة والجثو على الركب، والتعلُّم والسعي والهجرة وطلب العلم والسفر والرحلة في طلب العلم، لعل الآن الرحلة في طلب العلم عن طريق التواصل الاجتماعي، عن طريق هذه الوسائل الالكترونية الحديثة.
دكتورنا الحبيب الشيخ حاتم لعلَّ برنامج أهل العلم والقرآن والله يعلم لمَا بدأت الفكرة قبل شهورٍ حقيقةً كانت هذه الفكرة أنه نوصِل أصدقاء الصفحة الذين أتشرف بصحبتهم على الفيسبوك لأوصلهم مع الأحبة من أهل العلم من المشايخ والعلماء أمثالكم الطيبين المباركين، ليتعرفوا عليهم وينهلوا منهم على حجم صفحتي المتواضعة وأصدقائي من أهل العلم من الأقرباء، من الأصدقاء، من الأرحام، فيعلمون أن له اتصالاً مع فضيلة الشيخ الدكتور حاتم، ويجلس معه دقائق يتحادثون بموضوعٍ معين، يستفيد منه رحابي أولاً ويفيد به الآخرين من خلال منصته من خلال صفحته على الفيس بوك، والناس ينشرون ويشاركون هذا الخير بصفحاتهم، فالأمر نعم فكرةٌ طيبة.
والأمر الآخر نذكره الآن للأخوة والأخوات أولياء الأمور الآباء والأمهات، ابحثوا لأبناكم وبناتكم واتصلوا بأهل العلم، الآن متاح، متاحٌ لكم عن طريق الواتس أب، عن طريق الفيس بوك، عن طريق منصاتٍ الكترونيةٍ كثيرة، ابحثوا وسجِّلوا أولادكم معهم، اجعلوهم ينضموا وينتسبوا لبرامجهم، المشايخ والعلماء كثيرٌ منهم والله نموذجٌ للحيوية والنشاط والجهد الكبير في العطاء بغير كللٍ ولا ملل، وأنت واحدٌ منهم فنتابع ما تقوم به ما شاء الله؛ من محاضراتٍ فقهية وتربوية وعلمية، تدعو الإنسان بالفعل ليُرقِّي علاقته بربه ومع الناس، لكم نشاطاتٌ كثيرة وبرامج، أدعو الأخوة جميعاً لزيارة صفحة الدكتور الشيخ حاتم على الفيس بوك والمتابعة للبرامج التي يقدمها.
دكتور حاتم يعني أكرمنا الله عز وجل بالإطلاع على بعض كتبكم، وأكرمني الله بهديتكم المباركة وكانت هي رسالة الدكتوراه، دكتور لكم أبحاثٌ كثيرةٌ وكتبٌ مطبوعة، مثل أثر تطور المعارف الطبية على تغير الفتوى والقضاء، أثر رفع الإثم عن بعض ما يعترض العاملين في القطاع الطبي، أحكام تطبيب الأطفال، والعمل في المجال الهندسي، كتبٌ وأبحاثٌ كثيرةٌ ما شاء الله ألَفتموها وكتبتم فيها في الطب وفي الفقه، الآن السؤال الذي ربما يقدِّمُ نفسه بين يدينا في هذا المحور، ما أبرز التحديات التي تواجه التعليم وتقديم الحضارة والثقافة؟ ما هي الفرص المتاحة لتذليل هذه الصعاب بقدر الإمكان؟ من خلال خبرتكم ما شاء الله في العمل والنشاط الكبير في تعزيز إبراز جمالية الإسلام والفقه والقرآن الكريم.

التحديات التي تواجه التعليم وتقديم الحضارة والثقافة الإسلامية:
د. حاتم الحاج:
نعم؛ التحديات لاشك أن هناك تحديات موجودة، التحديات الموجودة هي أن كثيراً من الناس مُنصرفون، ليس لديهم الهمَّة لتعلُّم العلوم الشرعية، يعني قبل أن نتحدث عن تحديات التعليم، من هو راغبٌ في التعليم؟ هناك تحدي وهو ضعف الهمة عند كثيرٍ من الناس، وهذا التحدي ينبغي الانتباه له لأنه في بعض الأوقات يَحوطُ العالِم نفسه ببعض طلبة العلم فيصبح عنده نوعٌ من الغيبوبة، لأنه أحاط نفسه بمجموعةٍ من طلبة العلم ويظن أن بقية المسلمين كمثل طلبته، وإذا خاطب بقية المسلمين كأنه يخاطب طلبته في أشخاصهم، والحقيقة هذا إشكالٌ كبير، فينبغي الانتباه إلى هؤلاء الناس الذين لا يحضرون دروس العلم، ولا يأتون إلى المساجد بصفةٍ دوريةٍ والوصول لهم وإفادتهم وتعليمهم ما يحتاجون، يعني تبسيط العلوم وتقريبها إلى هؤلاء الناس، وجعلها أيضاً مناسبةً لميولهم الفكرية، الإسلام نحن لا نقول أن نُغيِّرَ الإسلام حتى يُناسب أهواء الناس، جاء الإسلام ليخرج الناس من داعية الهوى إلى الاستسلام إلى الله عز وجل، لكن العَرْض لا شك خاطبوا الناس على قدر عقولهم:

{ ما أنْتَ بمُحَدِّثٍ قَوْمًا حَدِيثًا لا تَبْلُغُهُ عُقُولُهُمْ، إلَّا كانَ لِبَعْضِهِمْ فِتْنَةً }

[رواه مسلم]

فمخاطبة الناس على قدر عقولها، والقدر هنا ليس في الكم فقط ولكن في الكيف، لأن العقول نفسها فيها اختلافاتٌ مع اختلاف الثقافات وأيضاً الاختلافات الشخصية بين الناس، فتقريب هذه العلوم، تبسيط وتسهيل العلوم وتقريبها هذا تحدٍّ كبيرٌ جداً ويحتاج إلى جهود، لأن التيسير والتقريب، والتلخيص، يحتاج إلى علماءٍ راسخين، كَتَبَ بعضهم إلى بعض رسالةً فقال لم يكن لدي وقت للاختصار فأطلت، بعض الناس يظن أن الإطالة تدل دائماً على سعة علم، ليس بالضرورة، في بعض الأوقات يكون التفصيل نعم دالاً على سعة علم، ولكن الاختصار يحتاج إلى جهدٍ كبيرٍ جداً، ويحتاج إلى رسوخٍ في العلم حتى توصل المعلومة المطلوبة للناس بالطريقة والصيغة التي تحتملها عقولهم والتي تنشرح إليها صدورهم، فهذا الجزء تحدٍّ كبيرٌ جداً، وربما يكون هناك تحدٍّ أكبر، ثم بعد ذلك عندنا تعليم الراغبين في العلم، وهؤلاء المسألة بالنسبة لهم أيسرُ بكثير، لأن عندنا علماء هنا في أمريكا جاؤوا من بلاد المسلمين أو ممن نشأوا في أمريكا وتعلموا العلوم الإسلامية، والحمد لله عندنا عدد من هؤلاء ومن وهؤلاء، فهؤلاء العلماء نريد أن نستثمرهم الآن ونريد أن ننفع بهم الراغبين في طلب العلم، فعندنا حلقات المساجد وعندنا الكليات القارَّة التي يرحل إليها الناس، وعندنا أيضاً هذه التقنيات الحديثة، ممكن أن يكون هناك برامج جامعية عن طريق هذه التقنيات الحديثة أو كورسات أو غيره.. فهذه كلها وسائلٌ لتيسير وصول العلم إلى هؤلاء، ولكن لا ينبغي أن نتغافل عن الفريق الأول والأعظم من المسلمين فمسؤولياتنا تجاههم مسؤوليةٌ كبيرة.

د. رحابي محمد:
نعم؛ بارك الله بكم دكتور حاتم؛ إذاً لعلّي أُلخص ما تفضلتم به أنه المطلوب من أهل العلم والدعاة بشكل عام، الاختصار والتبسيط في العلوم بحيث لا يملُّ طالب العلم، ويأخذ المعلومة بسيطةً وسهلةً ومختصرة، وبإمكان الناس أن يلتحقوا بحلقات المساجد والحمد لله متوفرةٌ وميسرةٌ ومتاحةٌ ومسموحٌ بها الحمد لله، لا تضييق ولا حجر على هذه الأنشطة التي تساعد في بناء شخصية الإنسان علمياً، ودينياً، واجتماعياً، والجامعات متوفرةٌ بكثرة، الجامعات أونلاين ولا نتكلم عن اعتمادياتها من وزارة التعليم، ولكن نتكلم وجودها أصبح حقيقةً، أونلاين تدّرس مناهج معتبرةً موازيةً لمناهج الجامعات الإسلامية العليا المعروفة في العالم كله، غير ذلك القائمين على الجامعات أونلاين أُناسٌ على درجةٍ عاليةٍ جداً من التأهيل العلمي والأكاديمي والسمعة الطيبة الحسنة، هناك التقنيات الحديثة كما تفضلتم بها الاستفادة منها أمرٌ مطلوبٌ جداً.
دكتور حاتم الله يحفظك؛ برأيك ما هي آفاق التعاون الآن بين المؤسسات التعليمية، المؤسسات الدعوية، المؤسسات الثقافية، الإسلامية المختلفة المنتشرة في الغرب بشكلٍ عام؟ برأيك كيف يمكن أن يتعاون القائمون عليها؟ أو هذه المؤسسات تتضافر جهودها لتقديم الخير، وتقديم هذه الثقافة التي نتحدث عنها، تقديم هذا الخير والنفع للناس، للملايين من المسلمين الذين هم عطشى إلى هذا الخير وهذا العطاء، برأيك ما هي آفاق التعاون بين هذه المؤسسات التعليمية؟

آفاق التعاون بين المؤسسات التعليمية:
د. حاتم الحاج:
والله هناك آفاقٌ كثيرةٌ للتعاون؛ هناك تبادلُ الخبرات والخبراء، تبادل المدرسين، أيضاً يمكن أن تكون بعض المساقات لا تُدرّس في جامعاتٍ معينةٍ فيُرشد الطلاب إلى ٍتحصيلها من جامعةٍ أخرى، طالبٌ مثلاً يريد أن يدرس المذهب الحنفي لا المذهب الحنبلي فيُقال له والله هذه الجامعة يدرِّسُون فيها المذهب الحنفي وتلك الجامعة يدرِّسُون فيها المذهب الحنبلي، وربما تكون هناك آفاقٌ أوسع للتعاون في المقررات لأن هناك حاجةً إلى تطوير المقررات، لا شك نحن نريد أن نربط الناس بالتراث لكن نريد أيضاً أن تكون أقدامهم ثابتةً في الوضع الذين يعيشون فيهم مع ربطهم بالتراث، فهذا يحتاج إلى نوعٍ من التطوير في المقررات، فربما تتعاون هذه الجامعات الإسلامية على تطوير المقررات في بعض العلوم الإسلامية.
وهناك أيضاً مساحةٌ واسعةٌ للتعاون في قضية ما يسمونها بالاعتراف، وهذه القضية تكلمنا فيها من قبل، لو أن الجماعات الإسلامية أو المعاهد العلمية الإسلامية التي تُقدِّم درجات علمية أنشأت هيئةً للاعتراف فيما بينها فربما هذا يوفر عليها الحقيقة جهداً كبيراً جداً في الحصول على اعترافات من الهيئات الأُخرى، لا يُغني عن الحصول على الاعترافات من الهيئات الأخرى لكن في نفس الوقت تكون له أهميةٌ موازيةٌ لتلك الأهمية وهي الاعتراف من الهيئات الأخرى المعروفة في أمريكا، طبعاً هذا له فوائدٌ وذاك له فوائدُ أُخرى، قضية تثبيت المعايير مثلاً، إذا اتّفقت الجامعات الإسلامية على أن يكون هناك بالنسبة لكليات الطب مثلاً هنا في أمريكا، بعد أن يتخرج الإنسان من كليات الطب ومهما حصل عليه من درجاتٍ أو تقديرات، فهناك امتحان موحَّدٌ لجميع خريجي كلية الطب فإذا اتّفقت الجامعات الإسلامية هنا على امتحانٍ موحدٍ لجميع خريجي الجامعات الإسلامية هنا للتأكد من وصولهم إلى الدرجة العلمية التي تُؤهلهم بعد ذلك أن يكونوا أئمة مساجد، ويكونوا دُعاة، ويكونوا مُدرسين، وتعطي نوعاً من الاطمئنان عند الناس بعد ذلك في الجاليات المختلفة، في التجمعات الإسلامية المختلفة بأن الطلاب فعلاً حصلوا على تلك الدرجة العلمية، والمجال واسعٌ للتعاون.

د. رحابي محمد:
كلام طيب جداً، ونرجو الله تعالى أن يتحقق ذلك قريباً، وإن شاء الله أخاك رحابي بصحبتك وخدمتك إلى أن تتضافر بالفعل هذه الجهود، ونحن في أمريكا الجامعات التي أُطلقت وأُسست وأُنشئت القائمون عليها ما شاء الله أهل علمٍ وخيرٍ ولا نُزكي على الله أحد، لكن يتعاونون إن شاء الله، فحضرتك ذكرت بعض النقاط المهمة في قضية التعاون بين هذه المؤسسات التعليمية ومراكز الخير والنور والإشعاع ممكن عن طريق تبادل الخبرات، تبادل المدرسين.
وهذه أنا أذكرها هنا وأشكر كل الأخوة المشايخ الكرام الذين أحياناً بتواضعهم يتصلون مثلاً برحابي نريدك أن تكون مشرفاً على الماجستير والدكتوراه معنا في الجامعة، أنا أشعر بفخرٍ أولاً وسعادةٍ وسرورٍ بالغ، وبنفس الوقت أشعر أن هذا الدكتور رئيس الجامعة هنا أو هناك، ينظر إلى الإخوة معه في بعض الجامعات الأُخرى أنهم فريقٌ واحد، أنهم يتعاونون في خدمة طلاب العلم، بالمقابل أيضاً أفعل هذا الأمر مع الإخوة الكرام، مع المشايخ الكرام، أيضاً نرسل لهم طالب للإشراف أو للمناقشة في الماجستير والدكتوراه، فالناس وطلبة العلم يتعلَّمون بهذا الحال، بهذا التواضع من أهل العلم، أننا لسنا في تنافسٍ سلبيٍّ وإنما تعاون، وتعاونٌ طيبٌ ورسائلٌ إيجابيةٌ لطلاب العلم، حضرتك ذكرت مساقات الدراسة وتبادلها، والجامعة تدرِّسَ مساقاتٍ وهنا مساقاتٌ أُخرى وهنا مذهبٌ مُعّين ومذهبٌ آخر فجميل أن نتبادل وأن نستفيد، تطوير المُقررات أيضاً في بعض العلوم، أهم شيءٍ ما ذكرته فضيلتك الاعتراف الداخلي بين هذه الجامعات، نحن متعاونون ومتفقون على أن خريجي أحد هذه الجامعات شهادته معترفٌ بها، ومعادلةٌ داخلياً، ويوقع على هذه الشراكة وهذا التعاون رؤساء الجامعات، الطالب يشعر أنه معترفٌ به على الأقل عند أربع أو خمس جامعات، على الأقل يشعر أن دراسته لم تذهب سدىً، فقط هي أونلاين ومعترفٌ بها فقط عند جامعته، لكن نحن كأُسرةٍ واحدةٍ همُنا واحد، ومعاناتنا واحدة، وكلنا ننتظر إن شاء الله ذات يومٍ التعديل من وزارة التعليم العالي، ربما يكون قريباً أو بعيداً، لكن هذا الأمر بالنسبة لنا لا يهم كثيراً بقدر ما أننا نعطي العلم، والشهادة لا تُباع بيعاً، الشهادة تُعطى لمن يستحقها، كما تفضلتم تثبيت المعايير والاختبارات والأبحاث الأكاديمية ضمن معايير البحث العلمي والتنسيق، هذا أمرٌ طيب؛ ولعل هذه فرصةٌ طيبةٌ أن نتكلم ونتحدث في هذا الموضوع ونتابع فيما بعد إلى أن تتحقق بالفعل لأن الساحة كبيرةٌ وتتسع للجميع، وملايين الطلاب يتطلعون إلينا ويرغبون بالدراسة، ويرغبون بالمتابعة.
لا أُخفيك دكتور حاتم عندنا برنامجٌ اسمه الدراسات العليا في إتقان الأداء القرآني في الجامعة الأمريكية للعلوم الإسلامية، تحت كلية الدراسات الإسلامية، بفضل الله إقبالٌ طيبٌ وجميلٌ جداً على هذا القِسم من أهل القرآن المُجازين، يعني أردنا أن نضع كما أن هناك إجازةً مشيخيّةً بالسند المتصل، أردنا أن نضيف لهذه الإجازة المشيخيّة النبوية، نضيف لها إجازة أو شهادة أكاديمية عُليا، فيجمع هذا الأخ إجازة قرآنية مع شهادة أكاديمية تُفيده في حياته الاجتماعية والوظيفية، حتى وإن لم تكن معتبرةً عند وزارة التعليم العالي الأمريكي أو غيرها من وزارات التعليم لا يهم، ولكن المهم أن الإنسان أخذ إجازةً ضمن مساقٍ ومعايير، واختبارات، ودراسة مقررات، ولجنة، وهناك بحثٌ في الماجستير، وبحثٌ الدكتوراه في الأداء القرآني، التجويد النظري والعملي روايةً ودراية، يعني فتحت لنا باباً طيباً لأذكر لك ما جديدنا في هذا المجال جزاك الله خيراً.
دكتور حاتم؛ كلمة طيبة من حضرتك، نصيحة للعاملين في المؤسسات التعليمية، كيف يعززون بناء جسور التعاون والتعايش والتواصل بين المسلمين وبين غير المسلمين؟ كوننا نعيش، هذا بلدنا نعيش به، نستنشق هواءه ونأكل من طعامه نعيش مع ناسه، نخالط أصدقائنا مسلمين وغير المسلمين أصبحنا جزءاً من هذا البلد، النصيحة من حضرتك، ولك الخبرة، ولك الخِلطة في المجتمع الأمريكي، ما هي النصيحة لأهل العلم ولطلاب العلم، للمشايخ، للدعاة للعاملين في المراكز الإسلامية، والمراكز الثقافية الإسلامية؟

كيفية التعاون والتعايش بين المسلمين وغير المسلمين في الغرب:
د. حاتم الحاج:
والله كما ذكرتُ لكم عموماً التأدب بآداب الإسلام مع الناس كلهم:

وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِّنكُمْ وَأَنتُم مُّعْرِضُونَ (83)
[ سورة البقرة]

قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَىٰ إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ ۖ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا (110)
[ سورة الكهف]

العمل الصالح مع كل الناس، والقول الحسن مع كل الناس وهذا ما علّمنا إياه ديننا، وهذا جانبٌ مهمٌ جداً، ولكن بالنسبة لمسؤولية أهل العلم، فمسؤولية أهل العلم التعريف بتعاليم الإسلام بالنسبة للآخر، بالنسبة لمعاملة الآخر، بالنسبة لمعاملة غير المسلم، فتعريف الإسلام مهمٌ جداً لأهل العلم أن ينظروا في تراثنا، وأن ينتخبوا من تراثنا ما هو أصحُّ وأصلح، لأن في تراثنا هناك اختلافاتٌ بين أهل العلم هناك قِراءاتٌ مختلفةٌ للوحي وقِراءاتٌ مختلفةٌ للقرآن والسُنة، فيُختار ما هو أصَحُّ وأصْلَح، ومهم جداً للعالم ولطالب العلم أن لا يقولوا على الله إلا الحق:

وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا (36)
[ سورة الإسراء]

وربنا عز وجل أيضاً يقول:

قُلْ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ (69)
[ سورة يونس]

فمسألة التفهُّم، والتبصُّر، والتعليل، والاستدلال، في مرحلةٍ من مراحل التكوين العلمي الإنسان يبدأ بالتلقي، وبعد ذلك التفهُّم والتبصُّر، ثم معرفة المقاصد ومعرفة العلل، ثم يبدأ بالتعليم بعد ذلك، والدعوة بعد ذلك، الحقيقة حرق المراحل والقفز من مرحلةٍ إلى مرحلة دون هذا التدرج يؤدي إلى إشكالات، فيجب الحذر من ذلك، وينبغي أيضاً لأهل العلم أن يتواصلوا فيما بينهم، الحقيقة يوجد نوعٌ من الإشكال بالنسبة لعلاقة المسلمين بغيرهم، وبالنسبة لصورة الإسلام عند هذا الآخر في أماكن كثيرة، ونحن لا ينبغي أن نكون في غيبوبة، نحن نعرف الواقع حولنا سواءً في أمريكا في أوربا في الهند في الصين أو في غيرها من البلاد، هناك جزءٌ من هذه المسؤولية يقع على الآخر، ويقع على ظلم الآخر أو جهل الآخر وعدم إرادته للتعلُّم، وعدم إرادته للتنّور، ولكن جزءٌ أيضاً يقع علينا، يقع علينا جزءٌ من حيث الممارسة ومن حيث الدعوة، فنحن ينبغي أن يكون فهمُنا للدين صحيحاً حتى نستطيع أن ننقله للناس نقلاً صحيحاً، فهذا الجزء الذي يقع علينا.

د. رحابي محمد:
أحسنتم يا دكتور؛ ذكرتني بقصة لا تغيب عن بالي من شيخي الذي تعلمت منه الحكمة، وتعلمت منه فهم الدين، كان يقول يا ابني والله لا أحد يرى جمال الإسلام إلا ويقبله، لكن كما ذكرت فضيلتك فَهمُنا للدين بشكل صحيح يُعيننا على نقله بشكلٍ صحيح، أما إذا فهمناه بشكلٍ خاطئ لن يقبله الناس منا، ثم نستنكر عليهم لماذا لا يقبلون منا الدين؟ لماذا لا يقبلون الإسلام؟ بسبب المعاملة التي أعاملهم بها، بسبب ربما السلوك الذي أسلكه، الطريقة التي أُخاطب بها، الطريقة التي عندي فيها ردود فعل، هذا أمرٌ بالفعل يُنكر على الناس أن يقبلوا مني، ثم أقول الناس عندهم مشكلةٌ لا يقبلون الإسلام! لا هم لا يقبلونك أنت، الإسلام جميل، كان يقول الشيخ رحمه الله: الإسلام وردة جميلة فواحة العبير والأريج، كان يقول أحياناً ملكة جمال العالم هل يختلف على جمالها أحد؟ الإسلام أجمل من أي جميل، يقبله كل منصفٍ وكل عاقل.
في مرةٍ من المرات يا دكتور حاتم كنا مع الشيخ رحمه الله، كان مفتي سوريا الشيخ أحمد كفتارو رحمه الله تعالى، جلسنا عنده وعنده وفدٌ ألماني أذكر تماماً، وفدٌ من أحد الكنائس وطلاب إنجيل وكذا.. جلسوا يستمعون إليه، وذهب الوفد ثم جاء دورنا وكنا طلاب دراساتٍ عليا جلسنا معه، دخلنا نُكمل المجلس معه، فعرّفناه على أنفسنا كنا خمسة عشر طالباً وطالبةً في الدراسات العليا في كلية أصول الدين أم درمان، قال لقد أخذتم درسكم، هذا هو درسكم هل سمعتم ما قلت لهم، قلنا له ماذا، قال: سألوني عن العدالة في الإسلام، فقلت لهم إن العدالة في الإسلام تُطبق من أعلى درجات الهرم، وهو النبي عليه الصلاة والسلام الذي طبَّقها على نفسه وعلى أهل بيته، ويوماً ما وقف بين الناس وقال لو أن فاطمة بنت محمدٍ أخطأت لعاقبتها، ووقف قال: هذا الكلام صحيح، قلنا نعم قال: ولكن اللفظ غير ليس هكذا! لكن أمام هؤلاء الناس يجب أن تتخيَّر الألفاظ كما تفضلت فضيلتك، تخيُّر الصالح والأصلح لو أنه قال كلمة سرقت لاستهجنوها، كيف بنت محمد، بنت رسول، بنت نبيٍّ وتسرق! أمر لا يحصل، وقطعت يدها هذه قطع كيف نبيٌّ ويقطع! هذا أمرٌ غير معقول! أما أحضرت لهم أن السرقة هي عبارةٌ عن خطأ بما يفهمونه، والقطع هو عبارةٌ عن عقوبة فقلت لهم عقوبة بدل كلمة القطع، فقال عند ذلك خذوا الدرس، باستخدام الحكمة ماذا تقولون؟ وكيف تقولون؟ ومتى تقولون؟ ولِمَن تقولون؟
أحياناً بالفعل هناك حديثٌ ربما إذا استبدلته بحديثٍ آخر يخدم الفكرة، ويعطي النفع والفائدة أكثر من استخدامك لحديثٍ آخر مع هذا الشخص بالذات، أو مع هذه مجموعة من الناس حسب عقولهم لا تستوعب، ربما آيةٌ كريمةٌ ربما هناك آيةٌ أخرى تُفيدك في الموضوع وتؤدي الغرض، فنصيحتك فضيلة الدكتور حاتم أن أهل العلم عليهم أن يتخيَّروا وأن يدرسوا ويتدرَّجوا في الفهم، والتبصُر، والتعقُل، ومعرفة المقاصد، والعلل، ثم التعليم بعد ذلك، فالتدرج وعدم القفز من مرحلةٍ إلى مرحلةٍ أُخرى، توقِعُ الإنسان في مثل هذا الذي دخل وقال عليكم بالسكّينة والكُفَة والفأر! فلأنه ما قرأ، وما تبصّر، وما فهم، أفتى بغير علمٍ فَضلَّ وأَضَلَّ، نعم سيدي؛ والله نحن مستمتعين في الحديث معك يا دكتور حاتم، وجزاك الله خيراً وأحسن الله إليك في هذا اللقاء الطيب، وهذه الإضاءات الطيبة في أهمية وآفاق تعلُّم وتعليم الدين الإسلامي، والتعاليم الإسلامية، والثقافة الإسلامية، والحضارة الإسلامية للناس، أولاً كمسلمين نتعلَّمها، ثم نُعلِّمُها للآخرين، ما يسعني في هذا الختام الطيب معكم إلا أن أشكركم جزيل الشكر على تواضعكم وبيانكم الطيب، وحكمتكم؛ أسأل الله تعالى أن يزيدكم علماً وحكمةً وخيراً وفضلاً وينفع بكم العباد والبلاد، كلمةٌ أخيرة دكتور حاتم للأخوة و الأصدقاء في الصفحة، صفحة الفيس وعلى صفحتكم إن شاء الله؛ لأنهم سوف يتابعون ذلك على الصفحة عندكم، نعم سيدي.

الخاتمة:
د. حاتم الحاج:
والله قد اختصرت فالحمد لله أجملت كل ما ذكرناه في اللحظات الأخيرة التي ذكرتها، ولا يوجد حاجة للإسهاب بعد هذا الإختصار والإجمال الكامل ربما يكون مُخلاً، فجزاك الله خيراً على ما ذكرت، وأرجو أن تغفر لي تقصيري، وتستغفر لي، ويستغفر لي من يسمعنا إن شاء الله من المشاهدين لبرنامجكم، ونسأل الله عز وجل أن يغفر لنا جميعاً، وأن يتولانا جميعاً برحمته، وأن يجمعنا مع نبينا صلى الله عليه وسلم على الحوض.

د. رحابي محمد
جزاكم الله خيراً؛ دكتور حاتم، أحسن الله إليكم، بالنسبة للشيخ الطيب حاتم الحاج، نموذجٌ حسنٌ وقدوةٌ طيبةٌ لكل شاب مسلم، ولكل مسلمٍ أن يكون على هذا الخط، وهذا الخير الكبير في تعليم، وفي تقديم الإسلام بصورته الجميلة السمحة، أسال الله تعالى أن يُبارك فيكم؛ جزاكم الله خيراً إخوانا وأخواتنا المتابعين والمتابعات في هذه الصفحة، وشكراً لتعليقاتكم ومشاركاتكم، وإن شاء الله تعالى لقاءاتٌ قادمةٌ مع الدكتور حاتم، وأهل العلم أيضاً من أهل العلم والقرآن، نسأل الله تعالى أن يجمعنا دائماً على مائدة القرآن الكريم، وأن يجعلنا من أهل القرآن الكريم الذين هم أهل الله وخاصته، وأن يجمعنا كما جمعنا في الدنيا على ما يُحب ويرضاه أن يجمعنا في الآخرة على حوض نبينا وفي فردوسه الأعلى إن شاء الله تعالى تحياتي لكم، وجزاكم الله خيراً شكراً دكتور حاتم والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.

د. حاتم الحاج:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.