مقومات الإتقان في أداء وإقراء القرآن مع فضيلة الشيخ محمود عكاوي

  • 2021-01-02

مقومات الإتقان في أداء وإقراء القرآن مع فضيلة الشيخ محمود عكاوي


مقدمة :
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم؛ بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلَّى الله وسلم وبارك على حبيبنا محمد رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ اللهم اجعل القرآن العظيم ربيع قلوبنا ونور صدورنا وجلاء همومنا وأحزاننا، اللهم علِّمنا مِنه ما جَهِلنا، وذكِّرنا منه ما نُسِّينا، وارزقنا تلاوته والعمل بآياته آناء الليل وأطراف النهار، أهلاً ومرحباً بكم أيها الإخوة والأخوات الكرام الكريمات في لقائنا ولقائكم الطيب المبارك في برنامجكم أهل العلم والقرآن، واليوم لقائنا مع فضيلة الشيخ محمود أحمد عكاوي حفظه الله تعالى ونفع به.
الشيخ محمود شيخ قرّاء بيروت؛ وعُضو المجلس العالمي لشيوخ الإقراء في مكَّة المكرمة، وهو أيضاً مُحكّمٌ دوليٌّ في مسابقات القرآن الكريم العالمية، بعض الأسئلة التي نطرحها اليوم على فضيلة الشيخ وعنوان لقائنا اليوم مقومات الإتقان في أداء وإقراء القرآن الكريم، كيف يتحقق الإتقان في تلاوة القرآن؟ ما هي مُؤهلات المُقرئ؟ وما هي آداب القارئ؟ وحتى أيضاً ما هي مُؤهلات القارئ الذي يُريد أن يقرأ القرآن ويُجاز به؟ متى يصبح القارئ مُقرأً؟ ماذا عن تجويد الحروف ومعرفة الوقوف؟ وأسئلةٌ كثيرةٌ أُخرى مهمة نتناولها في لقائنا اليوم، أهلاً وسهلاً بكم شيخنا الحبيب شيخ محمود.

الشيخ محمود:
حياكم الله دكتور رحابي وبارك الله بعمركم وصحتكم، وأمدّكم بالعافية وجعلكم إن شاء الله ربي مفاتيح للخير.

د. رحابي محمد:
آمين اللهم آمين؛ شكراً جزيلاً لهذا اللقاء، ولهذه الفرصة الطيبة؛ نسعَدُ بصحبتكم شيخنا الحبيب لو نبدأ مباشرةً، النبي صلى الله عليه وسلم يقول :

{ الماهِرُ بالقرآنِ مع السفرَةِ الكرامِ البرَرَةِ ، والذي يقرؤُهُ ويتَعْتَعُ فيهِ وهو عليه شاقٌّ لَهُ أجرانِ }

[رواه مسلم]

شيخنا الحبيب؛ كيف ومتى يتحقق إتقان القرآن الكريم؟

مراحل إتقان القرآن الكريم:
الشيخ محمود:
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه وبعد؛ فحيّا الله الدكتور رحابي، والإخوة والأخوات الذين يشاهدون هذا اللقاء الطيب الذي يتجلَّى بالكلام عن كتاب الله عز وجل، قبل البدء دكتور رحابي لا بدَّ أن أستفتِح كلامي بأمرٍ مهمٍّ جداً، كلُّ من أراد أن يتعلم القرآن، وأن يتلوَ القرآن، وأن يُهذِب ألفاظه بالقرآن، عليه أن يُفكِّر بأمرين اثنين؛ الأمر الأول علاقتي مع القرآن الروحية، ثم علاقتي مع القرآن اللِّسانية؛ كثيرٌ ممن يتعلَّم القرآن الكريم مباشرةً يذهب إلى تحسين الألفاظ، وإتقان الصِّفات، وتجويد الحروف، وينسى المعنى الآخر، يعني قد يتغافَلُ عنه، ينسى المعنى الآخر أي المعنى الروحاني الذي من أجله أُنزل القرآن، لا أشتغل فقط في التضخيم، والترقيق، والاستعلاء، والإطباق ثم بعد ذلك أنسى الأمر المهم الذي يقول الله سبحانه وتعالى فيه:

إِنَّ هَٰذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا (9)
[ سورة الإسراء]

ويقول سبحانه وتعالى:

إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِٱلذِّكْرِ لَمَّا جَآءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ (41) لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ (42)
[ سورة فصلت]

أولاً عليَّ أن أتعلَّق بالقرآن تعلُّقاً روحانياً، تعلُّقاً قلبياً، عليَّ أن أعرف أن القرآن فيه من الأخلاق ما لا يوجد في غيره من الكُتب، الوفاء والمحبة والعطاء والإخلاص والصدق والتضحية والبذل والدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحَسنة، بعد ذلك أنتقل إلى تجويد الحروف وإتقان ذلك، حينما يقول صلى الله عليه وسلم :

{ الماهِرُ بالقرآنِ مع السفرَةِ الكرامِ البرَرَةِ ، والذي يقرؤُهُ ويتَعْتَعُ فيهِ وهو عليه شاقٌّ لَهُ أجرانِ }

[رواه مسلم]

هذا حق؛ والذي يتقن القرآن فهو مع السفرة الكرام البررة، وكيف نتقن القرآن؟ تتقن القرآن بهذين الأمرين الاثنين، أولاً الجانب القلبي والجانب اللساني، فالماهر بالقرآن الكريم حينما يريد أن يتلوَ كتاب الله عز وجل عليه أن يضع بين عينيه هذين الأمرين، وبعد ذلك يستقبل أيَّامه بتحسين الألفاظ والإتقان، وترتيب الحروف، وترتيب الأزمنة، وترتيب المخارج، ومعرفة المخارج، ومعرفة الصفات، بهذا يستطيع أن يترقى شيئاً فشيئاً، كُل إنسانٍ حينما يريد أن يتعلم القرآن لا بدَّ أنه يتَعْتَعُ فيه بداية الأمر، إن لم يكون يتتعتع فيه إنما يقرأه قراءةً سريعةً دون تجويد، وبدون إتقان.
إذاً كلُّ إنسانٍ يريد أن يكون مع السفَرة الكِرام البررة، أن يكون ماهراً بالقرآن الكريم لا بدَّ أن يُتقن هذين الأمرين، أولاً فيما يتعلق بالقرآن قلبياً، والإخلاص في حُب القرآن، والأمر الثاني بعد ذلك أن يُجوِّد الحروف تجويداً كما وَرَدَ عن النبي عليه الصلاة والسلام.

د. رحابي محمد :
نعم بارك الله فيكم شيخنا؛ الله يحفظكم ويُسعد قلبكم إن شاء الله ودائماً ويُسعدنا بصحبتكم.

الشيخ محمود:
وإياكم إن شاء الله والمستمعين.

د. رحابي محمد:
الإمام الشاطِبي رحمه الله يقول:
وَإِنَّ كِتَابَ اللهِ أَوْثَقُ شَافِــــــــــــعٍ وَأَغْنَى غَنَاءٍ وَاهِباً مُتَفَضِّلَا وَخَيْرُ جَلِيسٍ لاَ يُمَلُّ حَدِيثُـــــــــهُ وَتَرْدَادُهُ يَزْدَادُ فِيهِ تَجَمُّـــــــلاً وَحَيْثُ الْفَتى يَرْتَاعُ فِي ظُلُمَاتِهِ مِنَ اْلقَبرِ يَلْقَاهُ سَناً مُتَهَلِّلاً
{ الإمام الشاطِبي رحمه الله }
شيخنا الحبيب شيخ محمود وأنتم ما شاء الله أهل القرآن الكريم جُبتم الآفاق في مسابقات القرآن الكريم العالمية المحليّة والدوليّة في التحكيم، وفي الخبرة الكبيرة في تحكيم مسابقات القرآن الكريم، ما هي مؤهلات المُقرئ برأيك؟ وما هي آداب القارئ؟ لمّا نأتي إلى هذا السؤال كيف يُجيب لنا الشيخ محمود عن مُؤهلات مَن يُقرئ القرآن الكريم، ويُجيز الإخوة والأخوات في كتاب الله سبحانه وتعالى؟

المؤهلات التي يجب أن يتحلى بها قارئ القرآن الكريم:
الشيخ محمود:
المؤهلات العلمية التي ينبغي أن يتمسَّك ويتحلَّى بها قارئ القرآن، أولاً أن يُجيد تلاوة القرآن الكريم إجادةً متقنةً من حيث معرفة الحروف والوقوف، أو ترتيل الحروف ومعرفة الوقوف، هذا الأمر الأول المطلوب بغض النظر الآن عن المسابقات، الأمر الأول ترتيل الحروف ومعرفة الوقوف هذا الأمر الأول، حينما يلحظ القارئ هذا الأمر ينتقل بعد ذلك إلى مرحلةٍ ثانيةٍ وهو أن يبدأ بحفظ كتاب الله عز وجل على شيخٍ متقنٍ، حاذقٍ، فاضلٍ، مُخلصٍ، صادقٍ يتعلَّم منه القرآن الكريم، لأن طالب العلم حينما يُريد أن يدخل على الشيخ ويريد أن يتعلم فكان يتصدَّق قبل أن يدخل على شيخه لكي لا تذهب بركة علم شيخه منه، فهذا أمرٌ مهمٌ جداً.
أن يختار الشيخ الحاذِق كما ورد عن سيدنا زيد بن ثابت: فمكثتُ نصف شهرٍ حتى حَذِقتُه، يعني حتى تعلمته، حتى أتقنته، فلا بدَّ من هذا الأمر، أن نبحث عن شيخٍ متقنٍ حاذقٍ، يعرف كيف يُؤهِّلُه لمرحلةٍ معينةٍ، فحينما يصل إلى مرحلةٍ معينةٍ من حفظ كتاب الله تعالى غيباً ويعرض على الشيخ، والأمر المهم في ذلك أن يسمع من لفظ الشيخ لا أن يقتصِرَ على عَرضِ القرآن الكريم على الشيخ، لا بدَّ أن يسمع من لفظِ الشيخ كما كان القُراء رحمهم الله يعرِضُون على شيوخهم ويسمعون مِنْ شيوخهم، لِمَ؟ لأن السماع من الشيخ يُعطي للطالب حلاوة فيجعل الشيخ يشاركه هذا الأمر ويُؤهِّلُه لهذا الأمر.
وأذكر أمراً حينما كنت أقرأ على شيخي الشيخ عمر ريحان عليه رحمة الله أكون مِنْ أوَّلِ الحاضرين للقراءة عليه، فحينما يأتي الشيخ فيُقدِّم عليَّ اثنين، فأنا أقول في نفسي لِمَ يفعل هكذا الشيخ؟ لِمَ يفعل معي هكذا؟ فيقول لي اجلس هناك وخُذ بعض الطلاب واسمع منهم التلاوة، فكان هذا تأهيلاً معنويَّاً وتدريباً على السماع، لذلك لا بدَّ أن يُؤهِّل الشيخ طالب القرآن الكريم إلى مصفاةٍ جديدةٍ في أُذنه، لذلك يقول الإمام الخاقاني رحمه الله: ليس كلُّ من يتلو القرآن يُقيمه وليس كلُّ من يُقريه مُقري، هذا أمرٌ مهمٌ جداً، فاختر مَنْ يُؤهِّلك إلى مصافِّ أهل القرآن الذين هم أهل القرآن وخاصته، هذه هي المؤهلات، التلاوة الصحيحة، الحفظ المُتقن، بعد ذلك معرفة الوقوف، ومعرفة كيف ابتدئ؟ وكيف أقف؟ وكيف أُحاكي القرآن الكريم؟ ليس فقط أن أسرُدَ الحروف، فهذه المؤهلات التي حينما نكون في المسابقات الدولية نستمع إلى الطلبة، من الطلاب من يقرأ يُبكيك وهو يقرأ! كأن القرآن يتنزَّلُ الآن، ليس فقط قراءة عبارة تمطيط الحرف وأخذ الوقت الكبير لكي نسمع القرآن الكريم، فهناك الناس تضيع دائماً، يعني حتى عندما نكون في لجان التحكيم ونستمع إلى طالبٍ يسرُد القرآن سرداً بلا توقفٍ، ويعرف الوقف، والابتداء والأحكام، والإبطال، كم تُسرُّ اللجنة في هذا، أما عندما يأتي طالبٌ آخر يقرأ رويداً رويداً لأن الشيخ لم يؤهله هنا، أو هو لم يتدرَّب بنفسه على القراءة في المسابقات أو في الصَّلوات التي يؤمُّ الناس بها إلا رويداً رويداً، فهناك أمورٌ كثيرةٌ لا بدَّ لمَن يريد أن يتأهل لتلاوة القرآن الكريم أن يكون قد أحاط بها كلَّها بإذن الله تعالى.

د. رحابي محمد:
الله يفتح عليكم ويبارك فيكم يا شيخ محمود، ويحفظك ويرعاك إن شاء الله، كما أخبرتني يا شيخ محمود ما شاء الله قبل أيام والآن ذكرتَ مرةً ثانيةً شيخك الشيخ عمر ريحان قد أجازك بالقراءات العشر المتواترة بالسند المتصل بالشاطبيَّة والدُرة والتي تُسمّى والمعروفة بالعشر الصُغرى، فالشيخ عمر ريحان رحمه الله كان في جامع الدلامية في الشام، كما أيضاً أفخُر وأشرُف أنني أنا وأنت أيضاً مشتركون في القراءة على الشيخ محمد طه سكر رحمه الله وجزاه عنا خير الجزاء.

الشيخ محمود:
قرأت عليه فقط جزء عمّ لكي لا يُتوهَّم أنني قرأت كامل القرآن.

د. رحابي محمد:
نعم، الذي يقرأ عند الشيخ سكر ويصل إلى سورة النصر أو الكوثر يكون قد حقق إنجازاً عظيماً رحمه الله وجزاه عنا خير الجزاء.
الشيخ محمود مُجازٌ بالعلوم الشرعية والعربية من فضيلة الشيخ العلامة الشيخ عمر الصباغ رحمه الله وجزاه الله عنا خيراً، وهو أيضاً أكرمني الله بصُحبته وبالعمل معه أيضاً، وذهبنا مع بعض إلى العُمرة الشريفة، وكُنا في مسابقات القرآن في الشام يكون هو أيضاً في لجان التحكيم، أكرمنا الله بخدمته وبصحبته.

الشيخ محمود:
رجلٌ لا يخاف في الله لومة لائم.

د. رحابي محمد:
نعم رحمة الله عليه؛ الشيخ محمود عكاوي أجازه فضيلة الشيخ العالم العامل الورِع الشيخ الحكيم عبد اللطيف عبد الله رحمه الله تعالى وأسكنه فسيح جناته، وهو العالِم، وهو المُقرئ، وصاحب السَّند العالي وهو شيخ المشايخ في مصر جزاه الله خير الجزاء .
شيخ محمود مع هذه الإجازات ما شاء الله؛ وهذا العِلم المُبارك بين الشاميين وبين المصريين، واللبنانيين، أيضاً لكَ مشايخٌ وعلماءٌ أفاضلٌ من لبنان، كيف يُجيب الشيخ ويرى إلى قضيِّة تجويد الحروف ومعرفة الوقوف؟ ما هي أهمية معرفة الموقوف لِمَن يُقرئ القرآن، و لِمَن يَقرأ القرآن الكريم؟ مدى هذه الأهمية نقول للطالب القارئ قِفْ هنا، لا تبتدئ بهذا الابتداء، لا تقف على هذا الوَقف، لماذا هذا الأهمية التي يرعاها والتي ذكرها الإمام علي رضي الله عنه لما سُئل عن قول الله تعالى:

أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا (4)
[ سورة المزمل]

قال: هي تجويد الحروف ومعرفة الوقوف، لماذا معرفة الوقوف قضيةٌ هامةٌ في التلاوة؟

أهمية معرفة الوقوف لقارئ ومُقرئ القرآن الكريم:
الشيخ محمود:
نعم؛ حينما سُئلَت أمُ سلمة رضي الله عنها زَوجُ النبي صلى الله عليه وسلم عن قراءته، فقالت كان يقطعُها، وقرأت:

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (1) الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2) الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (3)
[سورة الفاتحة]

وحينما سُئل أنس رضي الله عنه، عن قراءة النبي صلى الله عليه وسلم قال: كان يمُدُّها مداً وقرأ بسم الله الرحمن الرحيم فأخذ يمُدُّ بسم الله والرحمن والرحيم، معرفة الوقوف أمرٌ مهمٌ جداً، فلذلك نحن في هذا العصر سُهِّلَت كلُّ وسائل التي تخدِم كتاب الله عز وجل فيما يتعلق بعلم الضبط، وعلم الوقف، والابتداء أُلّفت له الكتبٌ الكثيرة كالوقف والإبتداء لأبي عمر الداني، والوقف والإبتداء للأشموني، كذلك السجاوندي عنده علل الوقوف، فأُلفت كُتبٌ ومازالت إلى الآن أُطروحات في الماجستير والدكتوراه تُعنى بهذا الفن، وكذلك خُصص له مبحثٌ خاصٌ معرفة الوقف ومعرفة الابتداء، لأن معرفة الوقف ومعرفة الابتداء يُعينُ على فهم الآيات، يعينُ على ترتيب الأوجه، أي الآيات، حينما أقرأ الآيات القرآنية أعرف أين أٌقف وأين أصِل إن لم يكن هناك تعلُّقٌ بالآية التي قبلها، أو تعلُّقٌ بالآية التي بعدها، أو انتهاء الكلام، ولذلك عندما قال ابن الجَزري رحمه الله تعالى: وبعد تجويدك للحروف لا بدَّ من معرفة الوقوف، كما يقول ابن الجَزري في طيِّبته رحمه الله تعالى الآن استحضر البيت إن شاء الله تعالى فيما يتعلَّقُ بالوقف فأمرٌ مهمٌ جداً، فلذلك خصَّصَ له كذلك العلماء منظوماتٍ في معرفة الوقوف والابتداء، واختلفوا في ذلك كثيراً.
أنا كيف أضبط الوقف والابتداء إذا أردت أن أقرأ؟ طالبٌ يريد أن يقرأ في البيت، أُمٌّ، مُعلمةٌ، أبٌ يريد أن يقرأ القرآن في البيت، لم يُكرمه الله عز وجل أو لم يستطيع أن يقرأ على شيخٍ فماذا يفعل؟ هنا جاء عُلماء الضَّبط رحمهم الله تعالى وعلماء الوقف والابتداء حددوا لنا بعض الحروف التي تُكتب في القرآن الكريم كـ: صلى، قاف، قلى، ج، لام، فما يصحُّ عليه الوقف أقف، وما لا يصحُّ عليه الوقف لا أقف وهكذا..
فأنا لا بد من معرفة هذا العلم، وقبل الوقف والابتداء دكتور رحابي لابد من أمر مُهمٍّ وهو كما قُلنا إتقان مخارِج الحروف هذا أمٌر مهم، من لا يُحسِن إتقان مخارج الحروف والصِّفات لا يُحسن أن يقف ويبتدئ بالقرآن الكريم هذا أمرٌ مهم، ولذلك وضَعتُ من خلال تعليمي للقرآن الكريم، مبادئ عشرةٌ مهمَّةٌ جداً جداً جداً لِمَن أراد أن يتعلم القرآن الكريم ويعرف معرفة الوقوف، أو يتعلم معرفة الابتداء والوقوف سأطرحُها بشكلٍ سريعٍ ولذلك دائماً أذكرها لطلابي في بداية الإقراء.

د. رحابي محمد:
خذ وقتك شيخنا أنا وأنت عندنا الظهر، أنت في شيكاغو وأنا الآن في تكساس، لكن إخواننا في باقي البلدان عندهم الآن مساءً يجلسون معنا حتى مطلِع الفجر، ونحن نجلس حتى مطلِع العشاء.

المبادئ العشرة لتحسين تلاوة القرآن الكريم :
الشيخ محمود:
1- أولاً الإصغاء إلى تلاوتي، حينما أقرأ لا بُد أن أسمع تلاوتي، لِم أسمع تلاوتي؟ لأنني إذا كُنت أقرأ على شيخٍ فالشيخ سوف يقوم بتصحيح الأداء، فأُريد أن أنتبه إلى الخطأ الذي وقعت فيه وإلى التصحيح الذي خرج من الشيخ، وهنا أُميِّزُ الشيخ الذي يُتقن عن الشيخ الذي يُحبُّ القرآن الكريم ويريد أن يُعلّم القرآن الكريم، هذا أمرٌ مُهمٌ جداً.
2- الأمر الثاني معرفة حجم الشفتين، هذا أمرٌ مهم، معرفة حجم الشفتين حالَ القراءة، يعني حينما أتكلم الآن معك حجم الشفتين لا يكون هناك لَوكٌ للحرف، لا يكون هناك تمطيطٌ للشفتين في اتساعِهما أو في الزيادة في الكلام، إنما أتكلَّم على راحتي هذا أمرٌ مهمٌ معرفة حجم الشفتين.
3- الأمر الثالث معرفة حروف الهِجاء ثمانية وعشرين حرفاً مع اختلاف العِلم، منهم من قال تسعة وعشرين حرفاً.
4- معرفة حركات الإعراب وهذا سهلٌ كالفتح، والضم، والكسر.
5- تقسيم المخارج، معرفة كلُّ حرفٍ أين مخرَجُه، أين مخرج كلُّ حرفٍ، مخرج الجوف، مخرج الحلق، مخرج اللسان، مخرج الشفتين، مخرج الخيشوم.
هذه الوسائل العشرة في جلسةٍ أو جلستين بفضل الله تعالى يجد قارئ القرآن الكريم أن هناك اختلافاً كبيراً في أدائه، ولكن لا بدَّ أولاً من التنبيه على هذه الأمور.
6- الأمر السادس معرفة الحروف المرقَّقة والحروف المفخّمة، مثلاً كثيرٌ منا يقول (خُصّ ضَغْطٍ قِظْ) هذه الحروف المفخمة، فما معنى خُصّ ضَغْطٍ قِظْ؟ أم فقط هذه فقط حروف مفخمة! الخصُّ معناه المنزل من قصَب، والضغط هو الضيق، وقِظ هو من قاظ بالمكان إذا حلَّ بِه.
يقول أهل أرباب القلوب: أيِقنَع من الدنيا بمنزلٍ مِنْ قصِبٍ في وقت ظهيرةٍ، لتنال القُربى من الله عز وجل في تلاوتك للقرآن الكريم، كذلك نعرف مثلاً يقول أهل العِلم باقي الحروف هي الحروف المرقَّقة كيف؟ لذلك يقول أحد العلماء: (ثبُتَ عزُّ مَن يجود حرفه سَلْ إذا شكا) هذه الحروف المرققة، فلذلك جموعها ثبت عزُّ قارئ القرآن الذي يُتقن إتقان الحروف، وإن سقطت مقدمة أسنانه، فمن سقطت مُقدمة أسنانه شكا خروج الحروف، هذه معانٍ لطائف، مثلاً (أَجِدْ قَطٍ بَكَتْ) قد قال لك العلماء أَجِدْ قَطٍ بَكَتْ، الإمام المُلا علي القاري رحمه الله في شرح الجَزرية ذَكَر هذه النُّكَت الطيِّبة في الحروف قال: كان رجلٌ يمرُّ أمام منزلٍ فسمِعَ إمرأةً تبكي فقال أَجِدْ قَطٍ بَكَتْ فجعلوها حروف التشديد.
7- الأمر السابع تطبيق حركات الإعراب مع ضبط الشفتين مع جميع الحروف، أعطيك مثالاً على ذلك: حينما نقول أَ هناك من يقول آ هنا استمع، لا أقول آ إنما أقول أ، بَ لا أقول بَ، بسم الله الرحمن الرحيم كثير من يقرأ هكذا، لِمَ؟ مطَّ الشفتين ولم يستمع إلى نفسه وزاد الحرف عن حدِّه وعن وزنه، لذلك الإمام الخاقاني يقول:
زِنِ الحــرفَ لا تُــخـرِجـه عـن حـدِّ وَزنِه فــوزنُ حـروفِ الذِكـرِ مـن أَعـظَـمِ البِـرِّ
{ الإمام الخاقاني }
ويقول الإمام السخاوي:
يَامن يَرُومُ تِلاَوَةَ الْقُـــــــــــــــرْآنِ وَ يَرُودُ شَأْوَ أَئِمَّةِ الإِتْقَــــــــانِ لاَ تَحْسَبِ التَّجْوِيدَ مَداًّ مُفْرِطاً أَوْ مَدَّ مَا لاَ مَدَّ فِيهِ لِـــــــــــوَانِ أَوْ أَنْ تُشَدِّدَ بَعْدَ مَدٍّ هَمْـــــــــزَةً أَوْ أَنْ تَلُوكَ الْحَرْفَ كَالسَّكْرَانِ لِلْحَرْفِ مِيزَانٌ فَلاَ تَكُ طَاغِيـــاً فِيه وَلاَ تَكُ مُخْسِرَ الْمِيـــــــــزَانِ
{ الإمام السخاوي }
8- الأمر الثامن التمثيل بكلماتٍ قرآنيةٍ للقاعدة رقم ستة، ما هي القاعدة رقم ستة؟ القاعدة رقم ستة معرفة الحروف المرققة والمفخّمة، إذا جاوَر المُرقَّق مفخَّماً، وإذا جاور المفخَّم مرقَّقاً، وقد ذكر الإمام ابن الجَزري رحمه الله في الجَزرية:
مَرقَّقَنْ مُسْتَفِلاً مِـنْ أَحْـــــرُفِ وَحَاذِرَنْ تَفْخيِمَ لَفْـظِ الأَلِـــفِ
{ الإمام ابن الجَزري رحمه الله }
أعطيك مثالاً آخر، أنت لاحظه بعد ذلك دكتور رحابي، حينما يقرأ الناس سورة الإخلاص يقولون قل هو الله أحد، قو، وهو، و وا ليس هكذا، قل هو الله أحد أعطيت كلَّ حرفٍ حقه وميزانه، قل ليس قو، والدليل حينما يقف مثلاً القارئ على بـِ يقول بــِ نقول له صِل يقول بهي، لِمَ هنا رققت حال الوصل قلت بهي وحال الوقف قلت بـِ؟ وهكذا، فهي عبارة عن دقائقٍ تجويديةٍ كما قال الإمام الدقائق المُحكمة في شرح المقدمة.
9- القاعدة التاسعة مُجاورة الحروف المرققة مع المفخمة ذكرتها.
10- الأمر العاشر قراءة جزء عمَّ بداية من بداية سورة الناس صعوداً إلى سورة النبأ.
بهذه المبادئ العشرة يستطيع من يُريد أن يتعلَّم القرآن الكريم أن ينتقيَ نوعيةً سريعةً في الأداء القرآني، يعني يقرأ:

قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ (4)
[ سورة الإخلاص]

كثيرٌ من يقرأ لم يلي لم يليد، هنا لا بدَّ من القراءة على الشيخ كي لا يتولَّد من الكسرةِ ياءً، أو من الضمةِ واواً، أو من الفتحةِ ألفاً، هنا لا بدَّ من الجلوس على شيخ.

د. رحابي محمد:
ما شاء الله؛ والله مستمتعين جداً؛ الله يفتح عليك هذه الدقائق التجويدية هذه التفصيلات نحتاجها ونحتاج أن نسمعها، ونذكِّرُ بها المعلِّمين والمعلِّمات، المُقرئين والمُقرئات، وطلاب العلم، ذكّرتني شيخنا من لطائفِ أهل التجويد في قضيَّة حروف الإظهار أرسلتها لأحد الأصدقاء، أيضاً أضافوا إليها بعض الإضافات اللطيفة، )أخي هاكَ علماً حازه غيرُ خاسر) هذه لطلاب العلم، أما للأطفال (أُمِّي هاتِ علبةَ حليبٍ غير خربان)، والمتزوجين (إذا غاب عني حبيبي هَمَّني خَبرُه) أما للأصدقاء (أُحبُّكم خوف غدري هلَّا حَفِظُتم عُهودي).

مؤهلات مُقرئ القرآن الكريم:
الشيخ محمود:
هذا يقول فيه عُلماء القراءات، حينما يَذكر مثلاً خاصَّةً فيما يتعلق بالحروف المُدغمة، مثلاً إدغام الذال في باقي الحروف كما يقول الإمام الشاطبي:
نَعَمْ إذْ تَمشَّت زينبٌ صَالَ دَلٌّهَا سَمِيَّ جَمالٍ واصِلاً مَن توصَّلا
{ الإمام الشاطبي }
يُحضر لك أبياتاً حتى نُكاتاً أدبيةً ونفحاتٍ خلال نَظم هذا الشعر، فهذا أمرٌ مهم، أعطيك مثالاً آخر: مرةً بعض الطلاب ما شاء الله متقنين للقراءة بقراءة القرآن الكريم، قلت لهم إن جاءني طالب أعلِّمُه القرآن الكريم، وحينما أُعلِّمُه القرآن الكريم يُخطئ في إخراج حرف، مخرج التاء، أو مخرج القاف، كيف أُبيِّنُ له؟ فيأتي الأستاذ يشرح هذا شرحاً اصطلاحياً، يعني يشرح شرحاً اصطلاحياً أن تشدَّ اللِّسان إلى أسفل، وهي تخرج من أقصى اللِّسان قريبةً من الحلق، هذه أمورٌ موجودةٌ ولكن ليس كلُّ طالبٍ يفهم هذه المواضيع، لا بدَّ أن يكون المُعلِّم متفهِّماً لحال الطالب وهو يقرأ عليه، يعني لا يستوي كلُّ الطلاب في نفس المنهج، وهذا معروف، إنما يختلف من طالبٍ إلى طالب، فلا بد أن يُراعي هذا الجانب، لا يأتي له بالمصطلحات الدقيقة في معرفة مخرج الحرف إنما يأتي له بالتمثيل، وأن يكون لديه أكثر من صورة، ليست صورةً واحدة، إنما اثنين وثلاثة وأربعة.
مرةً هنا في أمريكا كانت تقرأ عليَّ الحاجّة سلَّمها الله وعندها حُبٌّ للقرآن وهي تقرأ، والله يا دكتور أحمد كان عندها مشكلةٌ في حرف الراء، قال لي قرأت على كثيرٍ وهذا من باب التحدُّث بنعمة الله عز وجل، حرف الراء لا يتحسَّن معها نهائياً، أعطيتها أول وسيلة، وثاني صورة، وثالث صورة، ورابع صورة، حتى في الصورة الرابعة أتقنت مخرج حرف الراء صارت تبكي! قالت لي أول مرةٍ هذا أعرفه.
هذا أمرٌ مهمٌّ جداً، فالإنسان لا يرمي نفسه، والله سمعنا عن فلانٍ بارك الله فيه، نُقبِّل يده، ولكن هذا يمكن أن لا يكون أهلاً للتعليم، هذا أمرٌ مهمٌّ وأنا دائماً أذكره في مجالسي، انتبه، احذر على من تريد أن تقرأ عليه، ليس كلُّ إنسانٍ يستطيع أن يوصل لك المعلومة كما تُحب، جاءني أخٌ في بيروت قرأ على ثلاث شيوخ، قرأ عندي وهو يقرأ بدايةً من سورة النساء أخذ يلوك الحرف لوكَاً، ويُتعب نفسهُ كأنه يعني يَشقُّ جبلاً، قلت له لِمَ تقرأ هكذا؟ بعد أن قرأ صفحةً كاملةً قلت لهأ تسمح لي أن أقرأ؟ قال تفضل، كان هو يقرأ:

يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)
[سورة الحجرات]

يتعب! قلت له اسمح لي أن أقرأ، قال سورة الحجرات، قرأت عليه :

يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)
[ سورة الحجرات]

قلت له ما الفرق بين قراءتي وقراءتك؟ قال لا قراءتك أسهل، لا تتعب، لا تُحارِب، فالحمد لله أتقَنَ بعد ذلك، وقرأ عليّ حمزة، ولكن لم يُتم قراءة حمزة.

د. رحابي محمد:
ما شاء الله؛ الله يفتح عليكم وينفع بكم؛ يعني صدق الله عز وجل:

وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ(22)
[ سورة القمر]

يسّر الله تلاوته ويسّر الله حفظهُ، ويسّر الله فهمهُ، ويسّر الله العمل به، ويسّر الله الدعوة إليه، نسأل الله تعالى أن يجعله يُسراً لنا، وطريقاً لنا إلى الجنة.

لذة العيش مع القرآن وتلاوته:
الشيخ محمود:
اللهم اجعلنا ممن يتدبَّرُ القرآن؛ الذي يعيش مع القرآن، ليس هناك لذةٌ تفوق لذة العيش مع القرآن، ليس هناك جمالٌ يفوق الجلوس مع القرآن، وأنت ابتدأت:
وَإِنَّ كِتَابَ اللهِ أَوْثَقُ شَافِــــعٍ وَأَغْنَى غَنَاءٍ وَاهِباً مُتَفَضِّلَا وَخَيْرُ جَلِيسٍ لاَ يُمَلُّ حَدِيثُهُ وَتَرْدَادُهُ يَزْدَادُ فِيهِ تَجَمُّـــــــلاً
{ الإمام الشاطبي }
الإمام الشاطبي يقول رحمه الله:
وَهذَا زَمَانُ الصَّبْرِ مَنْ لَكَ بِالَّتِــــــي كَقَبْضٍ عَلَى جَمْرٍ فَتَنْجُو مِنَ الْبَـــــلَا وَلَوْ أَنَّ عَيْنًا سَاعَدتْ لتَوَكَّفَـــــــــــــتْ سَحَائِبُهَا بِالدَّمْعِ دِيمًا وَهُطَّــــــــــــــــــــلَا وَلكِنَّها عَنْ قَسْوَةِ الْقَلْبِ قَحْطُـــــــــها فَيَا ضَيْعَةَ الْأَعْمَارِ تَمْشِي سَبَهْلَــــــــلَا بِنَفسِي مَنِ اسْتَهْدَىَ إلى اللهِ وَحْدَهُ وَكانَ لَهُ الْقُرْآنُ شِرْباً وَمَغْسَــــــــــــــــــــلاَ وَطَابَتْ عَلَيْهِ أَرْضُهُ فَتفَتَّقَــــــــــــــــــــتْ بِكُلِّ عَبِيرٍ حِينَ أَصْبَحَ مُخْضَـــــــــــــــــلاَ فَطُوبى لَهُ وَالشَّوْقُ يَبْعَثُ هَمُّــــــــــــهُ وَزَنْدُ الْأَسَى يَهْتَاجُ فِي الْقَلْبِ مُشْعِـلاَ
{ }

د. رحابي محمد:
ما شاء الله؛ الله يفتح عليكم، ما شاء الله، بارك الله فيكم، النبي عليه الصلاة والسلام يقول:

{ إنَّ للَّهِ أَهْلينَ منَ النَّاس قالوا: يا رسولَ اللَّهِ، مَن هُم؟ قالَ: هُم أَهْلُ القرآنِ، أَهْلُ اللَّهِ وخاصَّتُهُ }

[رواه ابن ماجه]

نسأل الله تعالى أن يجعلنا من أهل الله وخاصته، دكتور شيخنا الحبيب الشيخ محمود باقي معنا دقائق إن شاء الله تعالى، وسأسرِدُ بعض الأسئلة إن شاء الله التي جاءت إلينا الآن من خلال الإخوة والأخوات المتابعين، أسئلةٌ هامةٌ جداً، نودُّ إن شاء الله أن نُجيب عليها بإذن الله تعالى، لكن نُعطي لكلِّ سؤالٍ إجابةً ولو مختصرةً حتى يُسعفنا الوقت لتغطية الأسئلة كلها، يعني ولو نصف دقيقة وإجابات مختصرةً إن شاء الله، لكن قبل أن نذهب إلى الأسئلة نحن نود أن نشكرك يا شيخ محمود باسم الجامعة الأميركية للعلوم الإنسانية كلية الدراسات الإسلامية قسم الدراسات العليا في الأداء القرآني، نشكُرك جزيل الشكر لهذه الفرصة.
الآن نريد نصيحةً وكلمةً من الشيخ محمود إلى إخوانك وإلى طلاب الدراسات العليا في الأداء القرآني الذين أقبلوا على هذه الدراسة، يحملون إجازات القرآن الكريم، أتقنوا القرآن الكريم يوماً ما على شيوخهم، على مُقرئيهم، ومعهم إجازاتٌ مَشيخّية، ومعهم أيضاً شهاداتٌ أكاديمية، والآن هم يتخصَّصون في الدراسات العليا في الأداء القرآني، ما هي النصيحة التي يُوجِّهها الشيخ محمود إلى إخوانه وأحبابه، إلى طُلابه، إلى طُلاب أهل القرآن الكريم، حلقات تحفيظ القرآن الكريم في الجامعة الأميركية للعلوم الإنسانية الدراسات الإسلامية وفي كلِّ مكانٍ حول العالم، وللإخوة من يستمع معنا ومن يُشارك معنا هذه الحلقة، ما هي النصيحة التي ستقدمها لأهل القرآن.

نصيحة لأهل القرآن الكريم:
الشيخ محمود:
كلُّ من ذكرت على الرأس والعين؛ كلُّ من ذكرت من الإخوة والأخوات الذين يتابعون دراسة القرآن الكريم في الأكاديمية عندكم، وكلُّ من حازَ ونالَ الإجازة سواءً في العشر الصُغرى أو الكُبرى أو السمع كلُّهم على الرأس والعين.
اختصر الكلام بحادثتين اثنين، حينما انتهيت من خَتم القراءات العشر على الشيخ عمر ريحان رحمه الله تعالى كان يجلس في مِحرابه في مسجد الدلامية، ووقّع لي السَّند وأعطاني وهو يبكي، قال لي يا بُني الإخلاص؛ الإخلاص، الإخلاص، اخلص يا بُني، والله هذا قاله لي.
الشيخ عبد الحكيم حينما دخلت عليه ذات مرةٍ وأحدهم يقرأ رواية ورش، فوجدت هالةً من النور على الشيخ، فسبحان الله شعرت بروحانيةٍ عالية، القرآن يتنزَّل كما حدث مع الصحابي الجليل وهو يقرأ سورة الكهف، فأصبح هناك صوتٌ للحصان في الخارج، النبي صلى الله عليه وسلم قال له: لو بقيت لرأت الناس الملائكة، فهذه بركة القرآن، نور:

لَوْ أَنزَلْنَا هَٰذَا الْقُرْآنَ عَلَىٰ جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ ۚ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (21)
[ سورة الحشر]

فرأيت هذا، ورأيت الشيخ عليه هذا الشيء، كتلةٌ نورانية، بركةُ القرآن، فحينما انتهى هذا الأخ من رواية ورش، وجاء دوري للقراءة فقلت والله يا مولانا يا شيخ عبد الحكيم والله أنا رأيت كذا وكذا، فصار يبكي الشيخ عبد الحكيم، وقال يا بُني الله يرزقنا الإخلاص، الله يرزقنا التواضع، الله يرزقنا خدمة القرآن، الله يرزقنا أن نعمل بهذا القرآن، الله يرزقنا تدبُّر القرآن، وأخذ يبكي الشيخ، وترضّى على الإمام الشاطبي وأخذ يبكي وقال لي: أنا أنسى اسمي ولا أنسى الإمام الشاطبي .
الإخلاص؛ الشيخ عبد الحكيم نصحني بالإخلاص، والشيخ عمر نصحني بالإخلاص، والتدبُّر، وكذلك بقيام الليل، الشيخ عبد الحكيم كان ينصحني بقيام الليل، أهل القرآن لا بدَّ من قيام الليل، لا بدَّ من الإكثار من تلاوة القرآن الكريم، و تدبُّرِه آناء الليل وأطراف النهار، لا بدَّ أن نجعل وقتاً مُهماً في مُراجعة القرآن الكريم، لا أن نجعل القرآن فقط لمواسم رمضان لمراجعة القرآن الكريم، لا بدَّ حينما أخذنا هذا العلم أن نبحث عن الصادقين المُخلصين من هذه الأمَّة الطيبة نأخذهم ونعلّمهم الكتاب، ونُعطيهم هذا العلم، ولا نبخل عليهم بأي شيءٍ أخذناه أو تعلمناه من شيوخنا، لذلك حينما قرأت الطيِّبة على شيخي الشيخ عبد الحكيم قال لي : يا بني أنا سأقرئك اثنين في أربعة وإن أردت أن تستزيد فاستزد، وأنا أجزتّك في كتاب إتحاف فُضلاء البشر للإمام البنا، قال خُذ مِنه ما شئت، ولكن لا أقرأ إلا كما أقرأني شيخي.
إذاً الإخلاص، والتدبُّر، وقيام الليل، وتعاهُد القرآن الكريم باستمرار، وتعاهُد هذه الحروف، مرةً دخلت على الشيخ عبد الحكيم وأنا مهمومٌ، عندي كَدر، فقال لي لِمَ أنت حزين يا بني؟ قلت له والله يا مولانا عندي همٌّ وكذا، أنت تعرف طالب العِلم في بداية طلبه للعلم، قال لي لماذا أنت حزين؟ قال لي أنت معك الإمام ابن قالون، معك الإمام ابن كثير، معك الإمام حمزة، معك الإمام ورش، معك القُراء العشرة! لماذا أنت حزين؟
فهذه النصائح أنصح بها نفسي أولاً قبل أن أنصح بها غيري.

د. رحابي محمد:
ما شاء الله؛ الله يفتح عليك يا شيخ محمود، ما شاء الله، هذا اللقاء اليوم إتقان القرآن الكريم، والأسبوع الماضي، كان اللقاء مع فضيلة الشيخ الدكتور راتب النابلسي حفظه الله، وحفظكم الله وحفظ الله مشايخنا كلهم، كان اللقاء إتقان أداء القرآن الكريم تلاوةً ودعوةً، يعني كيفية التوازن، كيف ندعو إلى الله تعالى، ومهارات الدعوة إلى الله، اليوم إتقان تلاوة القرآن الكريم وتدبُّره، والعمل به، والإخلاص لله سبحانه وتعالى، فلذلك نحن نحرِصُ إن شاء الله في هذه اللقاءات دائماً أن يكون هناك ميزانٌ وتوازنٌ بين الحرص على أداء القرآن وتلاوته كما تلقيناه، وبنفس الوقت لا يغيب عن ذهنِنا معاني الإخلاص، المعاني الروحانية القلبية، شيخنا اليوم أنا أريد أن أطلب منك طلباً آخر، اليوم سمعنا كثيراً من الكلام باللهجة المصرية.

الشيخ محمود:
أنا من حيث تحقيق التلاوة لست ضَليعاً بها، ممكن أُرتِّل نعم، هذه تحتاج إلى تمرين، الشيخ عبد الحكيم قال لي مرةً يا ابني (أنا لو كنت عاوز أقعد الدكة كنت قعدت الدكة) أي الكرسي الكبيرة التي يجلسون عليها، ويُجلِس القراء يقرؤون عليها سلَّمهم الله وحفظهم، لأن القرآن إما أن تتعلَّمه سماعياً من القراء الكبار، وإما أن تتعلَّمه بإتقانٍ وتجويدٍ مِنَ المعلِّمين الذين يجلسون ويُفرّغون أوقاتهم لتجويد الحروف ومعرفة الوقوف.

د. رحابي محمد:
أنا عندي الآن سؤالٌ من إحدى الأخوات المتابعين، سؤالٌ دقيق، ولا أدري كيف سيُجيب عنه الشيخ محمود، طبعاً الإخوة الكرام هنا جزاهم الله خيراً لتعليقاتكم، الدكتور ياسر بوابجي، الشيخ أبو ياسر جزاكم الله خيراً على إتاحة الفرصة لنا لنستمع إلى هؤلاء الأعلام أهل القرآن وخاصته، والإخوة الكرام الشيخ حمزة العياضي، والجميع هنا يذكُركم بالدعاء ويشكُركم.
طيب عندي سؤالٌ من إحدى الأخوات تقول طبعاً هذا سؤالٌ دقيق! الشيخ محمود الآن له جناحان جناح القراءة الشامية، وجناح القراءة المصرية، وله شيوخٌ هنا وشيوخٌ هناك، كيف لنا التوفيق بين المدرسة الشامية والمدرسة المصرية في الأداء؟ فالفروق واضحةٌ وملموسةٌ يا شيخ محمود.

الفرق بين المدرسة الشامية والمدرسة المصرية في تلاوة القرآن:
الشيخ محمود:
المبادئ العشرة التي ذكرتها تلقيتُها من هنا ومن هناك، مرةً كنت في إحدى الدول، كنت مُحكّماً في مسابقة، فجاءني شخصٌ في هذه الدولة وقال لي، أنا أتكلم الآن على مرتبة التحقيق لأن مراتب التلاوة إما تحقيق، وإما ترتيل، وإما حدِر، وإما تدوير، في قراءة التحقيق أتكلم، فقال لي كيف تجد طلابنا في هذه المدرسة؟ في نفس البلد الذي كُنا فيه، قلت له يا سيدي أنتم تُقلِّدُون، الأصل كلُّه في مصر! الأصل كلُّه في مصر وأنتم تقلدون، أتحدَّث عن مرتبة التحقيق، أما بالنسبة للجمع بالترتيل كترتيلٍ وتدوير، أغلب الشيوخ الشاميين شيوخهم من مصر، ويلتقون في السَّند مع شيوخٍ من مصر، مصر هي المركز والمرجع الأم في عِلم القراءات والقرآن الكريم، الشام لديها الإتقان وفي مصر هناك أيضاً الإتقان، لديها الإتقان والتَّدقيق والتَّحقيق في امخارج الصفات، لذلك كلا المدرستين فيهما خير، كلاهما خير، ومِنْ كلِّ واحدةٍ تأخذ شيء، وهنا ملحظٌ مهمٌ تنوع القراءة على الشيوخ المُتقنين للقراءة يُعطيك لمساتٍ جديدةً في تعليم التجويد، ليس مصطلحاتٍ جديدةً أو تخرج عن ما أثبته العلماء سابقاً، لا إنما وسائلٌ تدريبيةٌ جديدةٌ تستطيع أن تستخلص من المدرستين ما هو ينفع الطالب في تلاوة القرآن الكريم.

د. رحابي محمد:
نعم بارك الله فيك؛ الأعجمي الذي لا يُتقن العربية ويجد صعوبةً كيف يصل إلى الإتقان وإلى الصوت الحسن؟

كيف يصل الأعجمي إلى الإتقان وتحسين الصوت؟
الشيخ محمود:
السَّماع؛ السَّماع هنا ملحظٌ مهم، أغلب الذين يُقلِّدون من غير أن يتعلَّموا على الشيوخ يقرؤون من الخيشوم، وهذا أمرٌ فيه خطأ، الأعجمي إن أراد أن يتعلَّم، يتعلَّم كيف يقرأ القرآن، لا يلتفت إلى النغم أو إلى تحسين الصوت، هو تحسين الصوت مطلوبٌ في القرآن:

{ زيِّنوا القرآنَ بأصواتِكم ، فإنَّ الصوتَ الحسنَ يزيدُ القرآنَ حُسنًا }

[ أخرجه البخاري، وابن داوود، والنسائي، وابن ماجه]

هنا أمرٌ مهمٌّ جداً، الأعجمي لا بدَّ من السماع، وحالياً هناك أشرطةٌ كثيرةٌ موجودةٌ أو من خلال وسائل التواصل أو الخدمات الموجودة للقرآن الكريم، الآية تُكرَّر أكثر من مرةٍ يستطيع الأعجمي أن يبدأ من سورة الناس صعوداً، لا أبدأ معه مباشرةً من سورة البقرة بل من سورة الناس صُعوداً.

د. رحابي محمد:
نعم بارك الله فيكم؛ أنا سأحاول أن أمرَّ على الأسئلة عديدةٌ ما شاء الله حتى وقت البرنامج انتهى تقريباً، لكن بقي معنا دقائقٌ نمُرُّ عليها إن شاء الله بإجابات، وما مرّ معنا من خلال الحديث واللقاء مع فضيلة الشيخ محمود أيها الإخوة والأخوات لعلَّ أسئلتكم تجدون إجاباتها أيضاً، كيف يمكن أن نُتقن التجويد وإتمام الحفظ؟ وأي الطرق أسهل للحفظ؟

أسهل طريقة للحفظ وإتقان التجويد:
الشيخ محمود:
إن كان هو ليس بحافظٍ ويريد أن يحفظ القرآن لا بدَّ أن يقرأ على شيخٍ وأن يقّسم أوقاته، يعني الأسبوع سبعة أيامٍ يجعل ثلاثةً للحفظ وأربعةً للمُراجعة، يُراجع ما حفظه في ثلاثة أيام، والذي يُعينه أكثر أن الذي حَفظه يُكرره في الصلاة، في صلوات النوافل وفي صلوات الفرض، وفي السنن، يقرأ كلَّ يومٍ هكذا، إن فعل هذا خلال أسبوعٍ ثلاث صفحاتٍ أربعة أيامٍ يُراجع فيها ويقرأ ما حفظه خلال سبعة أيام، حينما يصبح عنده جزء يكون هناك ترتيبٌ آخر، لأن الآن الوقت ضيقٌ يكون هناك ترتيبٌ آخر في كيفية المراجعة وأن يكون هناك برنامجٌ خاصٌّ لتمكين ما تمَّ حِفظه.

د. رحابي محمد:
نعم سؤال: ماذا عن قِصَر النَّفَس؟ كيف نُطوِّلُ النَّفَس ونتدرَّب عليه؟

طريقة تطويل النَّفَس والتدريب عليه:
الشيخ محمود:
أنا آخر مرةٍ كنت أحضر فيديو سمعت أحد الأطباء يقول: لا بد أن تأخذ النفَس لكي يدخل الأوكسجين إلى الرئتين، أن تَأخذه من الأنف وأن تُطلقه ولمدة نصف ساعة صباحاً ونصف ساعة مساءً، وهكذا وبالرياضة، إن لم يكن لديه عائقٌ في جهاز التنفُس يستشير بعد ذلك طبيباً في هذه المسألة.

د. رحابي محمد:
جميل جداً؛ اللهم اجعل القرآن ربيع قلوبنا، بعض الإخوة والأخوات يطلبون أن يقرؤوا على الشيخ حتى يُحققوا الإتقان، إن شاء الله لعلَّ الشيخ يمرُّ على هذه التعليقات لاحقاً إن شاء الله بعد البرنامج، وربما يتواصل معكم لاحقاً، أو نترك لكم وسيلةً للتواصل، فالشيخ عنده مؤسسةٌ كبيرةٌ أو مركزٌ ومسجدٌ كبير، ونرجوا الله تعالى أن يُكرمنا به في أميركا إن شاء الله تعالى، وأن ينفع به أهل المشرق وأهل المغرب بإذن الله تعالى، وسنُعلن عن برامجَ قادمةٍ بإذن الله تعالى، ولعلّ الله يُكرمنا بالشيخ محمود بإذن الله تعالى.

الشيخ محمود:
جزاكم الله خيراً دكتور رحابي؛ وبارك الله فيكم.

د. رحابي محمد:
ما رأي الشيخ محمود عن الإجازة عن طريق الانترنت؟ والآن أصبحت حياتنا كلَّها الله يكشف البلاء والوباء يا رب، الآن أصبحت الأمور كلُّها أونلاين.

الإجازة عن طريق الانترنت:
الشيخ محمود:
هذا سؤالٌ سهلٌ إن شاء الله، أولاً القراءة على الانترنت هذه فيها إشكالية، تناقشنا مع الدكتور أحمد معصراني، والدكتور أيمن سويد وكثيرٌ من الشيوخ في هذه المسألة، إن كانت القراءة بالتلقِّي عن المُصحف يعني نظراً من المُصحف لا حرَجَ في ذلك، شرط أن تكون وسائل الاتصال قويةً جداً كما نتكلم الآن، يعني أسمعُك وأسمع كلَّ حروفك وأسمع كل همساتك وما إلى ذلك.. ممكن أن يقرأ، أما بالنسبة للحفظ لا بد من مُلاقاة الشيخ ولو مرةً واحدة، أن يمتحِنَ الشيخ الطالب في الحِفظ، فيسأله في مواضِع المتشابهات، يسأله في مواضِعَ مهمةٍ يقع فيها الحافظ، مثلا بعض الحُفّاظ يجعلون هناك مختصراتٍ لبعض الكلمات في السور، أو في الصفحات أو في الأجزاء الصعبة مثل حزب:

وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُم مَّقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآيَاتِ اللَّهِ فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلَا تُنظِرُونِ (71)
[ سورة يونس]

حزب واتلوا كم مِن حافظٍ قتلوا يقع فيها لأن فيها تشابه، قصة سيدنا موسى، فيسأل من هنا وهنا إن تيقَّن أنه ما شاء الله حِفظه متمكِّنٌ لا مانع أن يقرأ على شيخٍ بعد ذلك عبر شبكات التواصل، شرط أن تكون كما قلت الوسائل عالية الجودة في السماع، مرةً أخ قرأ عليّ أحياناً يتقطَّع الصوت أقول له قف وأَعِد من هنا، طبعاً بعد ما امتحنته في آياتٍ قويةٍ صعبةٍ ما شاء الله وقرأها جيداً، وأُجيزَ الحمد لله برواية حفصٍ عن عاصم.

د. رحابي محمد:
نعم ما شاء الله؛ ما رأيكم بطلب عُلوِّ السَّند في القرآن الكريم؟

علو السند في القرآن الكريم :
الشيخ محمود:
الإمام أحمد رحمه الله حينما كان على فراش الموت سُئل ماذا تُحب يا إمام؟ قال: بيتٌ خالٍ وإسنادٌ عالٍ، الذي يريد أن يبحث عن عُلوِّ السَّند لا بد أن يكون مُتقنناً للقرآن الكريم، مُتقناً لما حفظ من مُتون القراءات كالشاطبية والدُرة والطيبة، وقد وجد في نفسه الحمد لله الأهلية للجلوس للإقراء لا مانع أن يذهب ويقرأ على شيوخٍ لديهم عُلوِّ السند، الأعلى الآن لديه بينه وبين النبي عليه الصلاة والسلام ثمانيةٌ وعشرون رجلاً.

د. رحابي محمد:
نعم بارك الله فيكم؛ ربما تحدثنا مع فضيلتك سابقاً قبل أيام وذكرت لي أمثلة، واليوم ذكرت لنا بعض الأمثلة عن التشدّد عند البعض، لكن الآن بغض النظر عن المدارس ما صِحة الكلام عن أن المدرسة الشامية فيها شيءٌ من التشدد؟

ما صحة الكلام أن المدرسة الشامية فيها شيء من التشدد؟
الشيخ محمود:
فيها كُلفة؛ نعم فيها كُلفة، هنا أيضاً مدخل، هنا أمرٌ ومدخلٌ مهمٌ من خلال تجربتي، الذي يبدأ بالتشديد في البداية يريد أن يُسهِّل في النهاية لن يستطيع أن يَخرج من هذا الشيء، يعني من شدَّد في البدايات، وفي الوسط أراد أن يسهِّل.. يقولون هذه قراءةٌ تعليمية، لا ليست قراءةً تعليمية، من الأصل أعطِ للطالب ما هو فيه رياضةٌ في فكه أن لا يتكلَّف في الأداء، والله يوجد طلاب يقرؤون وكأنهم يصرخون يا شيخ، قلت له لماذا تقرأ هكذا؟ كأنه كما قال أحد شيوخنا كأنه يبكي ويحمل حجارة، ليس هكذا القرآن أُنزِلَ حتى أُبالغ بالقراءة، أنا لا أتكلَّم عن الكلّ هذا الدكتور أيمن سويد حفظه الله من الشام ليس في قراءته تكلُّف، وقرأ عند الشيخ سكر، وقرأ عند الشيخ أبو الحسن الكردي، وأنا اجتمعت مع بعض طلاب الشيخ أبو الحسن الكردي، وطلاب الشيخ محمد سكر وأنت منهم، ما عندهم كُلفة لكن توصيل المعلومة يظنُّ فيها بعض الكلفة، ومرةً بعض الإخوة الشاميين انزعجوا مني في بيروت حينما تكلَّمت عن هذا، يوجد كلفة، يعني أنا إذا أردت أن أفخِّم الراء بسم الله الرحمن الرحيم ذهب نفَسِي الذي سأل عن النَّفَس ذهب نفسه ماذا سيقرأ بعد ذلك؟ هناك شيءٌ من الكُلفة نعم.

الخاتمة:
د. رحابي محمد:
نعم بارك الله فيكم؛ وحفظكم الله ورعاكم شيخنا الحبيب الغالي، في ختام هذا اللقاء نودُّ أن نستمع إلى بضع آياتٍ من القرآن الكريم من فضيلة الشيخ إذا لم يكن لديك مانع، وأنت تجمع بين المدرستين.

الشيخ محمود:

رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ ۚ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۖ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ (101) ذَٰلِكَ مِنْ أَنبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ ۖ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ (102 (وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ (103)
[ سورة يوسف]


د. رحابي محمد:
ما شاء الله؛ ما شاء الله، الله يفتح عليك وينفع بك، أنت إضافةٌ كبيرةٌ وإثراءٌ كبيرٌ لكلِّ مكانٍ تحلُّ به، كالغيث أينما حلّ نفع، وإن شاء الله يكون الخير الكبير والخير العميم إن شاء الله تعالى، وأينما حللتُم وارتحلتُم ونسعَدُ بكم إن شاء الله وبإذن الله، وأمريكا والولايات كلُّها إن شاء الله تعالى والجالية الإسلامية، وطلاب العلم في أمريكا يسعَدون بكم وبوجودكم إن شاء الله تعالى معنا دائماً وأبدأ بإذن الله تعالى، لا يسعُني في هذا اللقاء فضيلة الشيخ محمود إلا أن أتوجَّه بالشكر الجزيل لك باسمي وباسم الجامعة الأمريكية للعلوم الإنسانية كلية الدراسات الإسلامية قسم الدراسات العليا في الأداء القرآني طلاباً، وإداريين، ومشرفين، ومتابعين معنا في صفحات الفيس، وجزاكم الله خيراً الإخوة والأخوات الذين شاركونا وشاركوا هذا اللقاء على صفحاتهم، والذين أثروا هذا اللقاء بأسئلتهم الطيِّبة الهامة، وبدعائكم شكراً لكم جميعاً، كلماتكم وتعليقاتكم الطيِّبة أسأل الله تعالى أن يُبارك لكم ويُبارك فيكم إن شاء الله تعالى ولكم بمثل ما دعوتم إن شاء الله جميعاً، نشكر الشيخ محمود مرةً ثانيةً وإلى لقاءٍ آخر نافع، ممتع، ومفيدٍ بإذن الله تعالى شكراً جزيلاً لكم شيخ.

الشيخ محمود:
بارك الله بكم دكتور حياكم الله.

د. رحابي محمد
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.