الهجرة وأبناؤنا في الغربة

  • 2020-12-15

الهجرة وأبناؤنا في الغربة


مقدمة:
الدكتور رحابي محمد:
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
أيها الأخوة الكرام؛ أيتها الأخوات الكريمات؛ في كل مكان مرحباً في لقاء جديد ومتجدد مع أهل العلم والقرآن، لقاؤنا اليوم مع الأستاذة الفاضلة الأستاذة عابدة المؤيد العظم ، أهلاً وسهلاً ومرحباً بكم أستاذة عابدة.

الأستاذة عابدة العظم:
أهلاً وسهلاً بكم، جزاكم الله خيراً، شكراً على الاستضافة.

الدكتور رحابي محمد:
بارك الله فيكم، شكراً دكتورة عابدة، الأستاذة عابدة، مفكرة إسلامية، وأستاذة في قسم الدراسات الإسلامية، باحثة، ومؤلفة في الفكر، والتربية، والفقه، والنفس البشرية، والقضايا الاجتماعية، اليوم موضوعنا أستاذة عابدة – بارك الله فيكِ - متخصص جداً في تخصصك العميق والتي أنتِ مبدعة فيه، وكتبت فيه كثيراً من المقالات، وكتباً، ودورات، ولقاءات كثيرة، وعديدة، لو نبدأ مباشرة، هل حقاً أن تربية الأبناء في الغرب تحتاج إلى أسلوب وجهد مختلف عما هو عليه في الشرق؟
إذا أردنا الحديث عن موضوع الهجرة، وملايين المهاجرين الآن من المسلمين في بلاد الغربة، وفي بلاد الغرب، لو نبدأ الحوار في هذا السؤال أستاذة عابدة، هل يحتاج الآباء والأمهات إضافة جهد أكبر مما يبذلونه في بلادهم الإسلامية أو في بلادهم ومنازلهم؟ هل يبذلون جهداً أكبر؟

الصعوبات التي تواجه التربية في عصرنا هذا:
الأستاذة عابدة العظم:
الآن هذا الكلام كان صحيحاً من قديم ، صحيح أنا كنت أعيش في دمشق، وولدت فيها، لكن الحمد لله كنا على اطلاع كيف يجري الأمر، لأنه أنا كان لي خالة من أوائل من هاجر إلى تلك البلاد، وكانت العلاقة وثيقة جداً، وكنا على اطلاع يوماً بيوم أو لحظة بلحظة على مستجدات الأمور معها، والصعوبات التي واجهتها هناك، وهي صدف، تنقلت بين عدة بلدان حتى استقرت نهائياً بألمانيا، فكانت تتكلم عن هذه الصعوبات، وكان عندنا بالعائلة- بما أني الحمد لله نشأت في بيت متدين- وعي لهذا الأمر، فكان ينبهون أن لا شك الحياة بالغربة غير، تحتاج إلى جهد أكبر، هناك صعوبات، لكن هذا الكلام كان من زمان أستاذنا الكريم، الآن بكل مكان على الكرة الأرضية أصبح الأمر تقريباً متشابهاً، لأنه مع العولمة، مع وسائل التواصل، الأبناء وصلت لهم أفكار، أيضاً الأمهات والآباء كان هناك من يلح عليهم ببعض الأمور، حتى أنا لا أوافق عليها كمربية مثل قضية الحرية للصغار، طبعاً تحتاج إلى توضيح، ليس تماماً لا أوافق، المهم أنه جدت أمور كثيرة، ولكن الذي كان يعيش ببلاد الغربة كان عنده مشاكل كثيرة، الآن المشكلة أصبحت عالمية، المشكلة في كل مكان.
حتى صرت أكرر هذا الكلام: الآن أكبر نسبة إلحاد بالمملكة العربية السعودية، تليها الأردن، والله لم تعد فقد التربية صعبة ببلاد الغرب، لا، هناك أمور معينة استجدت، وغُمت على الأمهات والآباء ، والبيئة التي نسكن فيها لها أثر كبير جداً، حتى الذي يكون في أوروبا، أنا رأيي يختلف عن أمريكا، يختلف عن كندا، مع أن كلها اسمها بلاد غربية، أكيد الذين يذهبون إلى أستراليا أيضاً لهم ظروف أخرى، الذين يعيشون في تركيا لهم ظروف، أنا أرى أن التربية بشكل عام لها صعوبات عامة مع تغير الزمن ، ومع البيئة التي يعيشون فيها، ممكن أن تحصل عليها بعض التعديلات، لكن هي بالأساس واحدة، والأفكار واحدة، والمنهج واحد، فقط ممكن أن يختلف الأسلوب، لكن أنا برأيي أريد أن أبشر الذين يعيشون، وهذا الذي أريد أن أصل إليه، ألا يقلقوا كثيراً، الموضوع ليس بهذه الصعوبة، لكن أكيد يحتاج إلى تكتيك، يحتاج إلى بعض الملاحظات، الانتباه من بعض الأمور، وإن شاء الله سيكون على ما يرام.

الدكتور رحابي محمد:
أستاذة عابدة حفظك الله، أنتِ ألفت كتباً كثيرة، وأستاذة في التربية، وفي الفقه، في فقه الأسرة بشكل خاص، وكتبت في ذلك ربما مقالات كثيرة، حتى لك من الكتب المؤلفة ستة عشر كتاباً عناوين معظمها من قضايا المرأة والتربية، وهي قضايا أيضاً اجتماعية ودينية متعددة، كتبت كثيراً ، شاركت في برامج تلفزيونية، وإعلامية كثيرة، مما يثير عندي الآن الاهتمام أمام الأستاذة عابدة، لك كتاب مشهور ومعروف جداً: هكذا ربانا جدي، فيه دروس كثيرة جداً تربوية، وتحدثت أيضاً عن نشأتك بين عائلتين عريقتين، جدك من جهة أمك، الدكتورة بيان طنطاوي، وعندما تتحدثين عن علي الطنطاوي، الفقيه، الأديب، المربي العظيم رحمه الله ، وكتبت أيضاً كتباً كثيرة : أنا وأولادي، عبارات خطيرة، لئلا يتمرد أولادنا، كيف تديرين بيتك؟ كيف تصنعين رجلاً؟ جدي علي الطنطاوي كما عرفته، المراهقة وهم أو حقيقة.
الآن سؤال أستاذة عابدة: كيف يمكن للآباء والأمهات أن يحافظوا على القيم الأسرية والثقافية الأصيلة وبين القيم الأخرى في بيئتهم الجديدة سواء قلنا في بيئة جديدة عربية أو إسلامية في بلد جديد آخر أو في بيئة غربية تماماً في ثقافاتها وفي عاداتها؟ الآن لا نتكلم عن قضية العقيدة والتوحيد فقط، وربما نتكلم عن بيئة تؤثر، وثقافة ينخرط فيها الآباء والأبناء، بل الآباء، ومعلوم الآن في البلاد الغربية الجيل الرابع من المسلمين الذين انتقلوا إلى البلاد الغربية، والآن البلاد الغربية تحمل الجيل الخامس، كيف تنظرين إلى الموازنة بين القيم الأصيلة التي تربى عليها، هكذا ربانا جدي، وكيف نذهب الآن إلى الغرب، كيف نعيش تربية الجد، وتربية الأب والأم في بلاد الغرب، أو الغربة؟

الاختلاف عند المسلمين ليس في العقيدة وإنما في العادات والتقاليد:
الأستاذة عابدة العظم:
جميل! لكن الآن يوجد تحول كبير مهم، أننا نحن العرب والمسلمين انتقلنا إلى تلك البلاد زرافات ووحدانا، بأعداد كبيرة، لم تعد الغربة مثل قبل.
الآن حتى هكذا ربانا جدي، أنا بكتابي التالي: جدي علي الطنطاوي، كما عرفته، أنا ذكرت فيه شيئاً؛ جدي هو نفسه كتبها عن حاله، مثلاً: هو قال إنه كان بالجزء الثالث من الذكريات يحلم أن يكون بكره ذكراً، وحضر له أجمل الأسماء، ثم جاءت أنثى، وحزن كثيراً، ثم قال: معقول أنه هو فيه بقية من جاهلية! ثم قال معترفاً إنه فعلاً كان عنده بقية من جاهلية، سبحان الله! الإنسان يتأثر بالبيئة، هنا أنا وصلت إلى ما يتأثر بالبيئة.
نحن كوننا نشأنا في بلاد عربية إسلامية، أكيد تأثرنا بهذه البيئة، عندما نذهب إلى البلاد الغربية نحملها معنا، لذلك نجد الفرق شاسعاً جداً جداً بيننا وبين الغرب.
لكن جدي ماذا قال بعد ذلك؟ قال: لكن عندما رزقت بالبنات بدأت أفكر بطريقة أخرى، حتى على فكرة جدي كانت عنده البنت تتزوج، وكان لا يسمح لها بالدراسة، حتى كان لا يحب أن تذهب بناته إلى المدارس، فأخرجهن من الصف الثامن وزوجهن، لكن عندما تقدمت به الأيام، ورأى تبدل الزمان، بدأ يرحب أن البنت تأخذ الثالث الثانوي، ثم بدأ يرحب أن تأخذ الجامعة، ثم بدأ يرحب بالماجستير، وعندما توفي كان يشجع والدتي على أن تأخذ الدكتوراه.
إذاً عندنا ثوابت لا تتغير، وهي بقدر مثلما تفضلت، أنت قلت: لا أريد أن أتكلم عن العقيدة، لماذا؟ لأن العقيدة موجودة عند أكثر الناس على الكرة الأرضية، أكثر الناس عندهم عقيدة، صحيح يمكن أن تكون العقيدة خطأ، ما اختلفنا، لكن كل إنسان بالآخر يحمل معه عقيدة، وإذا عانى من مشكلة لا يتأثر، لأنه تربى على أسس.
لكن يمكن الأولاد يرون المجتمعات الغربية، بالعكس يثبتون عليها أكثر، لكن القصة بالعادات، فنحن إذا ذهبنا ولسبا حاملين معنا رؤيتنا الحالية للدين لن ينفع هذا، لأننا نحن لسنا حاملين لدين، نحن نحمل عادات وتقاليد، فأولادنا عندما يذهبون إلى الغرب يرون أول شيء في اختلاف الثقافات اللباس ، طريقة التعامل بالمجتمعات، خاصة بين المرأة والرجل، إذاً هذه الأمور لو رجعنا يا ترى للدين سنجد الطريقة التي نحن نعيش عليها الآن ببلادنا هي الطريقة الصحيحة أم لا، نحن نحمل معنا عادات وتقاليد، لكن كأننا نحمل معنا طريقة معينة.
إذاً نحن عندنا مشكلة، نحن نظن أن الدين هو العادات والتقاليد الخاصة بنا، لذلك عندما ذهبنا إلى الغرب وجدنا الفجوة كبيرة جداً بيننا وبينهم، لكن لو نحن رجعنا مرة ثانية هذه الأمور التي بدأنا نشعر بها بالاختلاف، مرة ثانية درسناها، سنجد أن كثيراً من الأمور تتماشى مع المجتمع الغربي، ليست غريبة عنه، لأنه بالآخر نحن دائماً نقول: إن الدين يصلح لكل زمان ومكان، الدين الإسلامي، فكونه يصلح لكل زمان ومكان، هو ما جاء للسعودية، هو ما جاء إلى البلاد العربية، هو لم يأتِ فقط للبلاد الإسلامية، وإنما جاء لكي نستطيع أن نقوم به في كل مكان، وفي كل زمان، إذاً معنى هذا يجب ألا نشعر بهذه الفجوة، طبعاً أكيد سنشعر بالاختلاف هذا أمر طبيعي، حتى الاختلاف أحياناً يكون في بيت الواحد.
آتي بمثال: ألاحظ لما الأمهات يقومون بتزويج أولادهن، نجد الأخوات كل بيت صار له منظومته، كل بيت صار له عقله، كل بيت أخذ تعليماً معيناً من الأهل، لا تكون هذه واحدة، وهذه كثيراً لاحظناها، مع أننا نجد أنهم قد تربوا بنفس البيت، لماذا هذا الاختلاف؟ لأن سبحان الله! الاختلاف وضعه الله حتى الدنيا تعيش، فهو موجود بالبيت الواحد، إذاً أكيد سيكون موجوداً بالبيئة المشتركة .

الدكتور رحابي محمد:
أستاذة عابدة بارك الله فيكِ، حضرتك اهتممت كثيراً وما زلت في قضايا المرأة والأسرة، وتربية الصغار بشكل خاص، وألفت في ذلك كثيراً، حتى بدأت بالقصص مع بداية حياتهم، وبداية تفكيرهم، وبداية حديثهم، وكلماتهم الأولى كتبت لهم، واهتممت بهم، إلى المراهقة، إلى أبعد من ذلك.
أستاذة عابدة كيف ترين أن ترسخ القيم والمبادئ في هؤلاء الأطفال علماً أننا أمام قضية مهمة جداً، وهي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه : إنكم تجدون على الخير أعواناً، ولا يجدون على الخير أعواناً، عندما تكلم وذكر إخوانه الذين اشتاق لهم، وهم الذين يود أن يراهم.
نحن الآن في مجتمعات معينة مثلاً تجدين هناك أعواناً على الخير لأولادك وهم الأسرة، الأعمام، الأخوال، الجد والجدة، البيئة بشكل عام، كثرة المساجد، البيئة والثقافة بشكل عام، لكن عندما نذهب إلى الغربة، أو إلى الغرب، وقد يكون الاثنان بمعنى واحد، تختلف هذه البيئة والثقافة، فتأتي لتحل محلها ثقافة أخرى جديدة، بعيدة عن التدين الذي نريده، أو بعيدة عن الخير الذي نسعى إليه كآباء وأمهات، إذا ذهب الولد إلى المدرسة، أو إذا فتح التلفاز لا يجد تلك الثقافة التي اعتاد عليها في مدينته، أو في بلاده قبل الغربة، برأيك أستاذة عابدة ما هو الواجب على الآباء والأمهات أولاً لترسيخ لا إله إلا الله في قلوب الأولاد والبنات؟ في ترسيخ محبة الله ومحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ في التعويض نقول: التعويض عن تلك البيئة التي اختلفت تماماً، ولا يجد أمامه إلا بابا وماما لكن كل شيء غير ذلك مختلفاً، وبيئة جديدة وتؤثر عليه في طبيعة الحال؟

دور البيت في تربية الأولاد:
الأستاذة عابدة العظم:
نعم، لا شك، أولاً أريد أن أقول: حتى هنا في بلادنا العربية أصبحنا نفتقد العم والخال والجد والجدة، كله لم يعد موجوداً، حتى لو كانوا أحياناً بنفس الدولة يكون بينهم مسافات شاسعة جداً، ممكن تكون آلاف الكيلومترات لو كانت الدولة كبيرة، فهذا الشيء صار غير موجود بأي مكان، الآن من رحمة الله أن الطفل قبل الخامسة يكون على الأغلب ملاصقاً لأهله، حتى لو خرج يكون برفقتهم، ولو ابتعد عنهم فترة مثل الآن لا يوجد عندهم حضانات إجبارية، الحضانات من عمر أربع سنوات، صار الطفل يفترق ويروح، بالآخر مرجعيته إلى البيت، فهنا أثبتت الدراسات أن الطفل يأخذ تسعين بالمئة من قناعاته ومن أفكاره قبل أن يتم الخامسة من عمره، إذاً هو يكون موجوداً بشكل أساسي مع الأسرة، متى ما ترسخت عنده هذه القناعات، وصارت بالنسبة له ثوابت أكيد سيخرج إلى البيئة، ويصير عنده تساؤلات، لكن يكون عنده الشيء الثابت الذي نحن نبحث عنه، فهنا الأهل هذا هو دورهم، نحن عندنا مؤثرات كثيرة بالمجتمع، عندنا التربية، التي أريد أن أركز عليها كثيراً، أو توجيهات الأهل، ثم بعد ذلك عندنا البيئة التي حضرتك تتكلم عنها، وأكيد عندنا الميول والأهواء، والجينات التي تلعب بالإنسان هذه لها دور أيضاً، لازم لا ننساه أبداً، مثلاً عندما يخرج الابن خارج البيت سوف يجد الشيء الذي يدعوه له المجتمع يوافق هواه أكثر بكثير من دعوة الأم والأب والبيت، إذاً أنا عندي مؤثرات ثلاث، هو أين هو؟ كلما كبر، كلما نحن ربيناه على قوة الشخصية، وعلى الاعتزاز أكثر وأكثر بدينه وهويته، خاصة أطفالنا عندما يعرفون أنهم هم الصح، أنا برأيي يريدون أن ينسجموا مع البيئة، قطعاً يريدون أن ينسجموا مع البيئة، قطعاً يريدون أن يتعايشوا معها، وقطعاً سوف يحدث نوع من الاندماج، هذا الشيء أكيد، لن نستطيع أن نوقفه، خاصة لو أردنا أن نأخذ جنسية ونستقر في تلك البلاد، فهذا الأمر يجب أن نضعه نحن بالحسبان.
إذاً ماذا نستطيع أن نعمل لتأثير الآباء والأمهات؟ الآن صحيح كل هذه العوامل تؤثر لكن أهم شيء تأثير الأهل، لو نحن أخذنا التأثير الحقيقي بالورقة والقلم نجد التأثير للأهل، إذا كان الأهل مهتمين، وجادين، وعلى فكرة عندهم أسلوب، لأنه أحياناً الأسلوب الذي فيه ضغط كثير، أو فيه قسوة، والذي يحمل كل شيء نحن تعلمناه، ونريد أن نضعه على أولادنا يصير هذا أسلوباً منفراً، فإذا كان هناك أسلوب يصير التأثير الأكبر للأم والأب، وبالعكس يمكن أن يكون خاصة الآن ببداية الفترة، وبداية الهجرات يكون الطفل شاعراً بالغربة، ولم ينس بعد وطنه، الذين هاجروا الآن، أنت تكلمت عن الجيل الثالث والرابع والخامس، لكن أنا أريد أن أرجع إلى الجيل الذي هاجر الآن، هذا عليه العبء أكثر، لأنه يجب أن ينقذ الأجيال التي سبقته، فنحن عندما نعزز عند الأولاد أنه جميل، وهذا مجتمع جديد، ونحن نريد أن نتعامل معه بالمودة، وبالمرحمة، وبالآخر هم أهل كتاب، لكن لا ننسى هويتنا، لأننا لو نحن خرجنا عن هويتنا هم لن يقبلونا، تعرف العنصرية موجودة بالآخر بكل مكان، نحن سماهم في وجوههم، يعرفون أننا عرب، أسماؤنا تكشفنا، سمتنا، صلاتنا، بالنسبة للرجل اللحية، بالنسبة المرأة الحجاب، هناك أمور كثيرة تبين وضعنا، فنحن إذا أردنا أن نعيش بطريقة تكون متوازنة، هنا يأتي دور الأهل، كلما جعلوا ثقة أولادهم فيهم أكبر كلما استطاعوا أن يعيشوا بغير مجتمعات براحة، ويكون أولادهم أقرب لهم.
أنا آتي بمثال بسيط: ببلدنا سوريا قبل أن تتغير الدنيا، وتتسلم جهات لم تعد مثل قبل الإسلام السنة، ماذا حدث؟ صار هناك نوع من الوضوح، صار الأولاد يخافون، يخافون من مناهج المدرسة، صاروا يخافون من بعض الأساتذة، صار من ملاذهم؟ أهلهم، صاروا يرجعون إلى البيت أن الأستاذ قد قال ذلك، أكيد المعلومة صحيحة، حتى صارت المعلومات الدينية أحياناً مصدر تشكيك، الطفل صار يشعر أنه سمعها من أستاذ هو لا يثق بعلمه، أو لا يثق أنه أخذ شهادته بإخلاص، أو قد أخذها بواسطة، أو أخذها لأغراض معينة، فكان البيت هو المرجع، فنحن كلما عملنا البيت هو المرجع كلما استطعنا أن ننجح أكثر وأكثر بعملية التربية، فيكون المجتمع مختلفاً، وقد يكون هذا مساعداً للأم والأب.

الدكتور رحابي محمد:
أحسنت بارك الله بك.
إذاً لعلي ألخص ما ذكرته الآن؛ التوازن وإثبات الثقة في نفس الأبناء، والهوية، والحفاظ على الهوية هذا أهم شيء حتى نستطيع المواكبة، والاندماج في المجتمع سواء كان غربياً، أو في أي مكان غربة عن المكان الأصلي للبلد الذي خرج منه الآباء والأمهات مع أبنائهم.
أستاذة عابدة؛ الله يحفظك، ويبارك فيك، ويزيدك علماً إن شاء الله، ونرى عندك مئات المؤلفات التي ننتفع بها إن شاء الله تعالى، وكل كتاباتك رائعة، وفيها الخير والبركة، والنفع إن شاء الله.
من خلال ما كتبته حضرتك من بعض المؤلفات أنا وابني، أو المراهقة وهم أم حقيقة، هل تجدين التقليل من فرض التعرض للمؤثرات السلبية، والمؤثرات التي تؤثر على الإيمان، أو على الأخلاق، هل ذلك يساعد على الحفاظ على هذه المبادئ التي نتحدث عنها؟ عن القيم السليمة الصحيحة؟ لأن كل مجتمع أو كل أسرة لها قيم خاصة، حتى في الزواج والتكافؤ بين الزوجين ولو في مدينة واحدة بينهم أحياناً تجدين اختلافاً في الكفاءة، والثقافة، والعادات، والتقاليد، فكيف إذا خرج الإنسان إلى مدينة أخرى، أو إلى بلد آخر، أو إلى قارة أخرى، أو إلى مكان مختلف تماماً؟ كيف ممكن أن نساعد أبناءنا على ما ذكرته من الثقة بالنفس، على الهوية، والحفاظ على الهوية، وعلى المبادئ وهم منخرطون في مدارس، في مجتمعات، في جامعات، في وظائف، في أعمال، في جوار بطبيعة الحال، كيف لنا أن نعيش التوازن الذي ذكرته قبل قليل؟

ضرورة التوازن للحفاظ على الهوية:
الأستاذة عابدة العظم:
التوازن ضروري أنه من باب الحفاظ على الهوية، أن نبقى على اتصال مع البلد الأم، نبقى على اتصال مع العم والخال، نبقى على اتصال مع لغتنا العربية، أن يكون بالبيت فضائيات عربية، فضائيات جيدة، ضروري أن نسمع ثقافتهم هنا.

الدكتور رحابي محمد:
اسمحِي لي على المقاطعة، عندنا سؤال أمامك، أنا أظهرته الآن، نحن نعيش في أمريكا، ومن يعيش في أمريكا كأنه يقول: إننا أيضاً نعيش في كندا وفي أوروبا وفي الغرب، وبسبب الكورونا، والالتزام بالبيت، ليس لنا إلا التلفاز للترفيه، كل الأفلام، أفلام الكرتون تتحدث عن الكريسماس، والبهجة، والفرحة، وكذا، ابني الكبير يمنعني أن أغلق الجهاز، ويريد المشاهدة، وابنتي ثلاث سنوات، أشعر أنها تتشرب هذه المعلومات المغلوطة، أحياناً كما ذكرت سبحان الله أن هناك ثقافة منجرفون تجاهها، هناك بيوت لا تستطيع تحصيل القنوات العربية، أو لنقل الإسلامية التي تعنى بالثقافة الإسلامية، وهناك أولاد نشؤوا في مدارس لا يستطيع الطالب متابعة مشاهد باللغة العربية، إلا بالانكليزية حتى يستطيع أن يتفهمها، وهو مسلم، وربما يصلي، وربما يحفظ القرآن، لكن لا يفهم اللغة إلا إذا كانت بلغته التي درسها في المدرسة.
كيف توجهين الآن هذه الأخت الفاضلة التي تسأل السؤال، وبسبب الكورونا الآن – نسأل الله أن يفرج عنا وعن أهل الأرض جميعاً - نحن محبوسون في البيوت ليس لنا وللأولاد إلا مثلاً أجهزة التلفاز، والزوم، كيف لنا أن نوازن مع هذه؟ سامحيني على المقاطعة، لكن هذا السؤال جاء مع الفكرة التي حضرتك بدأت بشرحها وتوضيحها.

مشاركة الطرف الآخر ببعض الأمور مع الاحتفاظ بالهوية:
الأستاذة عابدة العظم:
جميل! طبعاً أكيد نحن الأهل يجب أن نبذل جهدنا، أي لا نستطيع أن نسير الأمور دون بذل الجهد، أول شيء نحن عندما كنا صغاراً نفس الشيء، كنا نعيش على أفلام الكرتون هذه نفسها، ونفس أعياد الميلاد، وسانتا كلوز، وبابا نويل، ونحن صغار كان هذا كله موجوداً، لكن الفرق كان أننا نحن كنا ببيئة عربية وبيئة مسلمة، معنى هذا أن كورونا أيضاً من حظ الأمهات والآباء، فإما أنك تغلقين جهاز التلفاز، وهذا غلط كبير لأن كل ممنوع مرغوب، وابنك سيخرج، والكورونا ستنتهي، وابنك سيكبر، وسيخرج ويجد أن أمه منعته من أشياء جميلة، نحن عندنا مشكلة كبيرة نحن المسلمين، أننا عندما نمنع أولادنا عن الاستمتاع بهذه الأمور التي هي لا شك أنها ممتعة، لأنني أنا كنت بماليزيا قبل سنة بأعياد الميلاد ورأيت البهجة هناك، عندما يضعون الشجر، ويزينونه، إذاً نحن يجب أن نعوض أولادنا، للأسف عندما يأتي العيد الكبير، أو يأتي العيد الصغير نحن لا نحتفل نفس هذا الاحتفال، انظر إلى احتفالاتهم بعيد الميلاد، والعطلة التي تصير، نحن لا يوجد عندنا عطلة، ثلاثة أيام، بالكثير يعملونها أربعة أيام، إذا أرادوا أن يتلاطفوا معنا تكون أسبوعاً، الأهل لا يعملون فيها أن يجب أن يكون كل يوم هناك شيء جديد للأطفال، تكون الهدايا متنوعة، أسلوب التقديم على طريقة الأجانب، مثلاً كيف هم عملوا شجرة، ووضعوا عليها الهدايا، لا شك أن هناك أفكاراً كثيرة ممكن أن نعملها نحن.
أول شيء أنا برأيي اسمح لهم، الآن أعياد الميلاد أولادك يجلسون بالبيت، اتركهم يشاهدوا، أنا عليّ أن أراقب أولادي، ما هو أكثر شيء لفت نظر ابني وابنتي وأعجبهم؟ أنا أضمر النية أننا نحن في عيدنا، انتهى رمضان الماضي، وسيأتي رمضان القادم الآن أصبحت الأيام سريعة جداً، كلها خمسة أشهر وتمر، أحضر لهم بالعيد الصغير مفاجآت أحلى من التي رأوها بالتلفاز، وأبدأ أشعرهم أننا نحن أيضاً عندنا عيد، ونستطيع أن نحتفل فيه، ونلبس فيه، ونحن عندنا طقوس، ولا يوجد مانع أن يشاركوا الأجانب بعيدهم.
أنا مرة كتبت على صفحتي: ما المانع إذا قلنا للأجانب: هابي كريسماس؟ أو شاركنا ببعض الأمور التي لا تخرج الولد عن هويته أو عن ثقافته؟ فقط تشعره أنه يعيش بهذا البلد، وهذا البلد فيه عيد معين، فأنا لا بأس أشارك ببعض الأمور التي ليس فيها حرام، ولا تخرب هويتي، وبنفس الوقت تجعلني اندمج مع هذا المجتمع بطريقة أقدر أعيش فيها من دون أن يصير نحوي عنصرية، أو يصير كأني أنا قادم فقط لآخذ الخير، ثم بعد ذلك أنتقد، هذا هو الاندماج، الاندماج أني أحافظ على هويتي، وأتعامل مع هؤلاء الناس مثلما جاء بالقرآن مودة ورحمة، إذا هم ما كانوا أعداء محاربين، وأحاول أشاركهم في بعض الأمور، وأحتفظ بهويتي ببعض الأمور، وهكذا يصير الاندماج.
فهنا دور الأهل التوضيح، ما الفروقات بيننا وبينهم؟ لكن بنفس الوقت هناك أمور يجب أن نشاركهم فيها، يجب أن نراجع الفتاوى، أنا هنا لماذا بدأت كلامي بأول الحلقة أن هناك أموراً لو نحن أرجعنا لها لا نجد فيها هذا التشدد، فهذه مشاركتهم ببعض الاحتفالات، أو ببعض الطقوس ليس خطيرة لهذه الدرجة مثلما يوحون لنا.

الدكتور رحابي محمد:
عندما تقول الأستاذة عابدة: الاندماج مع المحافظة على الهوية نحتاج إلى أن نركز تماماً ونعمل توازناً شديداً جداً، ويكون عندنا القدرة بالفعل على هذا الاندماج الذي هو يفترض أن نقوم به، الاندماج بالمجتمع، نحن أصبحنا جزءاً من المجتمع، وبنفس الوقت الكلمة المهمة للأخت التي قدمتها الأستاذة عابدة الحفاظ على الهوية، والثوابت، والحفاظ على القيم التي هي أسس في ثقافتنا الإسلامية، وبعض الكلمات على سبيل المجاملة بالفعل هناك كثير ربما أهل العلم، أو من ينتسب للعلم يطلقون بعض الفتاوى التي تمنع وتحرم وكذا، هذه ينبغي بالفعل أن يعاد النظر فيها، وأن نعرف كيف تستخدم هذه الكلمات على سبيل الملاطفة، والمجاملة، والتعايش، والتجاور، لأننا لا نعيش بمجتمع لا يمنع، إذا شخص جاره مات يا أختي الأستاذة عابدة هناك كلمات لطيفة تقال عند الموت لغير المسلم، لأهله، إذا تزوج، إذا جاءه مولود، إذا صار عنده مناسبات، أي مناسبة، هناك كلمات إذا قلتها لا يعني أنني دخلت في دائرة الشرك والكفر والعياذ بالله، وفتحت لي أبواب جهنم، لا، هذا أبواب لا أقولها من باب التدين، أو الإقرار على الشرك، هذه عبارات أحياناً لا تمت بصلة إلى الدين.
لا أخفيك قبل أيام كان عندهم مناسبة الهالوين، جارتنا في الحارة جعلت أمام بيتها متحفاً للهالوين، والأشكال المرعبة، والأشكال العظمية، والهياكل العظمية، وكذا بالفعل جعلت منه متحفاً أمام بيتها، فكنت أذهب أنا والأولاد، وحتى مثلما قلت حضرتك أن أثقف الأولاد، وأتناقش وأناقشهم وأعوضهم أيضاً فكنا نمر أمام هذا البيت، أقول لهم: تعالوا انظروا ما الجديد؟ كانت كل يوم تضع شيئاً جديداً حتى وضعت مقابر أمامه، وضعت هياكل عظمية تخرج من القبور، وأشياء أشكال ألوان، فكنت أذهب أنا وأطفالي وعمرهم ثلاث سنوات وأربع سنوات وخمس عشرة سنة، تعال يا محمد، تعال يا علي، ما رأيكم بهذا؟ معقول الواحد يصرف هذه المصاريف كي يخوف الناس؟ وكل مرعب في النار؟ النبي علمنا ألا نرعب الناس، قلت لمحمد: نعمل تحدياً نروح بالليل ونمر من أمام هذا البيت، وضعت أشكالاً وأصوات من يمر أمام البيت يخرج أصوات مثل الأفلام، والقبور، والتخويف.
أقصد مثلما تفضلت أن نبين ونوعي أولادنا قدر المستطاع، وفي أعيادنا المباركة رمضان، العيد الأضحى، نعوضهم بهدايا جميلة، وتزيين في البيت، بالزيارات للأرحام، للأصدقاء إذا كانوا متوفرين في البلد.
أستاذة عابدة؛ لو نذهب إلى عنوان، أو سؤال آخر أود أن أسألك وأنت درست وقرأت وما زلت تكتبين، وتدرسين؛ ما مدى وأهمية تثقيف الأولاد تجاه الشهوات والماديات والأشياء التي أحياناً تكون من ضمن حياة المراهق؟ التغيرات هذه على الشباب والبنات، ما مدى أهمية تثقيفهم؟ وكيف نثقف كثيراً من العوائل آباء وأمهات يتحرجون من الحديث مع ابنتهم، أو مع ابنهم، في قضية المراهقة أو التثقيف الذي يجب أن يثقف به؟ كيف ومتى يثقف الابن أو البنت في هذا الأمر؟

أهمية تثقيف الأولاد بالمعلومات الصحيحة قبل فوات الأوان:
الأستاذة عابدة العظم:
والله باكراً، وخاصة في هذا الزمان الذي أصبح كل شيء بين يدي الأبناء، وإذا ما نحن سبقنا وأعطيناهم المعلومات الصحيحة سيسبقنا أحد ويعطيهم المعلومات الخاطئة، فالصحيح أن نبدأ أول شيء وهم أطفال جداً جداً، أن يعرفوا الفرق بين الصبي والبنت بالشكل، أول شيء لأن هذا يسبب بعد سنة ارتباكاً، هناك أطفال يسألون: كيف تعرفون الصبي من البنت؟ عندما يصيرون بعمر سبع سنين نبدأ نتكلم لهم عن التكاثر، على أساس أنه معلومة علمية عادية، نتكلم أول شيء عن النبات، ثم عن الحيوان، نتكلم عن أهميتها بعمارة الأرض، وأنه لو لم يكن هناك ولادات مستمرة، وأناس يأتون بدل الذين يكبرون بالعمر، والذين يموتون يذهبون إلى الجنة فإن هذا معناه لم يعد هناك بشر، تفنى الكرة الأرضية، فنحن نبدأ من هنا، الطفل قبل سبع سنين تكون الغريزة عنده لم تتفتح، وأنا لا أصدق أبداً نظرية فرويد، وعقدة أوديب، لا أقتنع بهذا أبداً ، أنه قبلها يكون هناك تفتح، الكل يأخذ الفكرة كأنها معلومة علمية، حتى ولا يخطر على باله أن يسأل أية أسئلة، بعد قليل عندما يصبح عمر البنت والصبي بعمر قريب من التاسعة طبعاً البنت قبل، لأن البنت معروف أنها تبلغ، فعادي جداً أن تبدأ أمها أنا لا أصلي، أنا لا أصوم، أنا لا كذا، ثم تبدأ تشرح لها، وهذا دليل على التكليف، وأنت بدأت تصبحين كبيرة، ولماذا أنت لم نكن نقل لك: لمّ لا تصلين والآن بدأنا نعودك على الصلاة؟ عندما يصير معك كذا تكوني مكلفة، صرت كبيرة، أصبحت مسؤولة عن تصرفاتك، ونفس الشيء للصبي، هكذا تبدأ، إذاً قبل عمر خمس سنوات يجب أن يعرفوا الفرق بين الصبي والبنت، في عمر السابعة يجب أن يعرفوا عن التكاثر، ويجب أن يروا صوراً عن الحيوانات، ويعرفوا أن يجب أن يكون هناك ذكر وأنثى، طبعاً معلومة علمية تماماً تماماً.
بعد ذلك في التاسعة نتكلم عن البلوغ، فالبنت والصبي عندما يصلون لعمر الحادية عشرة سيربطون المعلومات مع بعضها، ويبدؤون يفهمون عندما تتفتح عندهم الغريزة، فكلما بدأنا أبكر، وتكلمنا عن الطريقة الصحيحة، الطريقة فيها تهذيب، وكل أم تفهم على أولادها أكثر من أي شخص آخر، صحيح أنا أقول: من عمر السابعة لكن ممكن أنا يكون عندي طفل ذكي جداً، وواع، فأبدأ معه من السادسة، ممكن أن يكون عندي بنت أو صبي آدمي لا يهتم بهذه الأمور، واضح على جسمه الطفولة، يمكن أخره إلى تسع سنين، بالآخر الأم والأب هم أكثر شخص، وأقدر شخص على تقدير أبعاد هذا الأمر، ومتى السن المناسب من أسئلتهم، ومن المدرسة التي هم فيها، ومن البيئة التي هم فيها، حتى لو كنتم بأوروبا، وكنتم بأمريكا، هناك بيئات محافظة أكثر من بيئات، بيئات عندما تعطي المعلومة للطفل تعطيها أن الطفل ينتبه أنه طفل، وهناك من يعطيه إياها بطريقة فجة، فالطفل نفسه يأخذها صدمة، إذاً هذا تابع لذكاء الأم والأب، لكن أنا أعطيت العموميات، فأكيد اسبقوا ولا تستحوا، لأنني أنا أقدر أن أوصل المعلومة لابني بطريقة أكيد سيكون فيها تهذيب وأدب، الغير يوصلها بطريقة تعمل صدمة للأولاد، خافوا على نفسيات أولادكم، لا تخافوا أن يعطوهم المعلومة غلط، وإنما خافوا على نفسياتهم، وأنا أعرف بما أني صرت مستشارة أسرية هناك كثير من البنات، وحتى الرجال، لكن الرجال أقل، عندما أخذوا المعلومات بطريقة صادمة، وأخذوها بطريقة غلط، عندما جاؤوا ليتزوجوا عرفوا المعلومة بعمر الخامسة أو السادسة أو السابعة وجاء ليتزوج وعمره حوالي خمس وعشرين أو ثلاثين عملت له شيئاً، أثرت عليه تأثيراً سلبياً، فنحن أكيد نريد أولادنا أسوياء، نريد أن يعرف أولادنا كيف يعيشون، كيف يتزوجون، لا يكون عندهم عقد نفسية، فضروري نحن نبدؤهم بهذه المعلومة.

الدكتور رحابي محمد:
بارك الله بك.
الآن سؤال، عندي سؤال من الأخوات، الأخت كنانة تقول: هل المدارس الإسلامية في الاغتراب قد تكون حاجزاً للاندماج بسبب الاختصار على الاحتكاك بالمسلمين فقط؟
نحن نتحدث عن الاندماج، والاندماج في المجتمع، وعدم التأثر في الثقافة، وبنفس الوقت التأثير الإيجابي، لكن الولد عندما يوضع في المدرسة، نقول: ثقافتها إسلامية، أو مدرسة خاصة كيف له أن يوازن أو يحصل على الاندماج الذي نتحدث عنه وهو انخرط الآن في مجتمع تقريباً بعيد عن المجتمع الخارجي وعن الجوار في المنزل؟

الموازنة بين الاندماج في المجتمع وعدم التأثر بثقافة الآخرين:
الأستاذة عابدة العظم:
والله جميل بالبداية لأن الأطفال، الآن سن النضج ارتفع، كان ثماني عشرة، الآن يقولون إنهم يريدون أن يرجعوا لسن الواحد والعشرين لأنه كان واحداً وعشرين بالأصل، بالعكس أنا أرى أن من الأفضل إذا قدرنا أن نضع أولادنا بمدارس إسلامية، على شرط أن تكون جيدة، لأن هناك الكثير من المدارس الإسلامية ليس لها من مسماها إلا الاسم، أو أحياناً تكون متشددة تعمل نفوراً للأبناء، بالعكس يصير الطفل بالتدريج يندمج بالمجتمع، لأن هذه المدارس الإسلامية نفسها عندما يخرج أولادنا من البلاد العربية ويذهبون إليها ليست مثل الاختلاط الموجود عندنا، سيكون فيها المسلم الباكستاني، والمسلم الكندي، وبالآخر هناك اختلاطات ما كلها مثلنا، عرب ومسلمون هذه تكون نقطة أولى، طريقة أولى للطفل ليندمج مع المجتمع المسلم الموجود هناك الذي هو مختلف كلياً عن المجتمع المسلم الذي كان يعرفه من قبل، بعد ذلك عندما يدخل إلى الجامعة أكيد لن يبقى بنفس هذا الجو، وهكذا يكون قد انطلق، وأكيد بحياتكم اليومية أولادنا ليسوا طوال الوقت بالمدارس، صحيح أنهم يقضون أوقات طويلة جداً، صحيح مع الكورونا لم يعودوا يرون المجتمع، لكن أكيد الأهل سيخرجون للتنزه، وليقضوا حاجاتهم، ويشتروا أغراضاً، ويتسوقوا، فهذا سوف يجعل الطفل يندمج مع المجتمع الخارجي.
أما بالنسبة للجيران مثلما حضرتك تفضلت إن حاولنا أن يكون جيراننا مسلمين سيكون هناك جار من هنا، أو جارتنا من هناك، هذا أيضاً نوع من الاندماج، حتى لو نحن نشجع أولادنا، أنا برأيي فكرة الاندماج الصحيح أن يختار الأهل من الذين حولهم سواء عن طريق الجيرة، أو عن طريق عمل الأب، إذا كانت الأم بطريقة ما تعرفت على نساء يجب أن تجد جيرة لأولادها، أو صحبة لأولادها من أولاد النصارى، حتى يتعرفوا على هذا المجتمع، فالأم والأب عندما يختارون أكيد سيختارون الأقرب إليهم مودة مثلما جاء بالقرآن، سنختار أكيد الذي سيكون على الأقل عنده خلق، على الأقل عنده قيم، على الأقل لا يؤثر على أولادنا سلباً، يحترم أن ابني مسلم، وأنه هو مسيحي، لو نحن بدأنا نعمل هذه الصداقات.

لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ (6)
[ سورة الكافرون]

بنفس الوقت ممكن أن نلعب معاً، أن نخرج معاً، أو نتشارك بنشاطات معينة، فيبدأ الاندماج بهذه الطريقة، فيكون أولادنا عندما وضعناهم عندنا بالبيت نحن كمسلمين عندما ذهبوا إلى المدرسة الإسلامية تتعزز عندهم القيم الإسلامية، وكلما تعززت عندهم الثوابت الإسلامية، إن احتكوا بالطرف بالأول، إن شاء الله عندما يذهبون إلى الجامعة يكونون قد كبروا ونضجوا ، ونحن بدأنا نطمئن عليهم ، مع أنكم يجب ألا تطمئنوا، الواحد هذه الأيام لا يطمئن على نفسه – أجارنا الله - لأنه يمسي مؤمناً ويصبح كافراً، المهم قصدي أنه بالآخر يجب أن يعطي الأهل ملاحظات، أن يتابعوا مع أولادهم، لكن لن نستطيع أن نبعدهم عن هذا المجتمع ونعيش في قوقعة.

الدكتور رحابي محمد:
نعم، بارك الله بك أستاذة عابدة، ما زال السؤال ضمن الموضوع، عندنا سؤال للأخت لبابة، نأتي إليه أعطينا أخت لبابة لحظات إن شاء الله ونأتي إلى سؤال مهم.
الأخت، أستاذتنا الفاضلة أستاذة عابدة؛ عندما نتحدث عن الصحبة الصالحة، والجليس الصالح، والجليس السوء، وهذا أمر يهم ويؤرق بصراحة الآباء والأمهات، كيف يختارون الصحبة الصالحة أو الصديقة الصالحة لابنتهم أو الصديق لابنهم؟ نتحدث عن الاندماج، نتحدث عن التعايش، لكن أحياناً ليس فقط الصاحب الصالح يكون مسلماً أو غير مسلم بشكل عام، سواء كان مسلماً أو غير مسلم لابد أن يكون صالحاً مثل تفضلت، يكون عنده أفكاره، عنده قيم، عنده مبادئ، لكن كنصيحة للآباء والأمهات كيف يساعدون الأبناء والبنات على تخير الصديق؟ قل لي من تصاحب أقل لك من أنت، قل لي من تجالس أقل لك من أنت، والصديق هو الصاحب الساحب.

الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ (67)
[ سورة الزخرف]

{ عن أبو سعيد الخدري رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تُصَاحِبْ إِلا مُؤْمِنا ، ولا يأكُلْ طَعَامَكَ إِلا تَقِيّ }

[أَخرجه أبو داود ، والترمذي]

مع كثرة الأحاديث.

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ (119)
[ سورة التوبة]

مع كثرة الحث على الصحبة الصالحة، لكن نجد أحياناً أنفسنا أمام أمر واقع في بعض الأصحاب تفوقوا على ابننا بطريقة ما في الدراسة ، وهناك صحبة بينهم، وهذا الولد ربما يوجد شيء من أخلاقياته لا ترضي الذوق السليم، ما الخطوات؟ ما النصيحة التي تقدمها الأستاذة عابدة الآن للآباء والأمهات بشكل عام في تخير ومساعدة الأبناء والبنات على اختيار الصحبة؟

كيفية تخير الصحبة الصالحة للأبناء:
الأستاذة عابدة العظم:
أول شيء قلنا نحن أن الأهل هم يجب أن يختاروا لأولادهم، ولكن مثلما تفضلت حضرتك وأنا داخل وجدت في المدرسة صديقاً ما بدأ يسيطر على ابني، لماذا نحن مادام الصاحب ساحب أولادنا هم الذين ينسحبون، لماذا لا يكونوا هم الفاعلون؟ لماذا دائماً يكون المفعول به، فهنا يأتي عندما أربي ابني على الاعتزاز بهويته، وعندما أربي ابني على أنه يعرف الثوابت بشكل صحيح، يصبح يقدر على الأقل إذا أن عليه ألا ينسحب، هذا أول شيء.
ثاني نقطة؛ ممكن لو ابني اختار صديقاً ما، وأنا ما رضيت عن هذا الصديق، فأنا أعتقد أن الأم والأب عندهم من الأساليب بعملية التربية ما يسمح للأم والأب أو يساعدهم على أن ينفروا ابنهم من صديق معين، ويحببوه بصديق معين، أنا عندي ثقة كبيرة جداً بقدرات الأم والأب، هذه صارت طريقة معروفة عند NLB، الأم عندما تحاول أن تقترب من ابنها، وتحاول تعرف ماذا يصير بينه وبين هذا الصديق، والشيء الذي جذبه إليه، عن طريق التنفير، أو تعطيه إشارات سلبية هو وحده يظن أن هذا قراره، فيبتعد عن هذا الصديق، هذه الطريقة مجدية جداً، والأسلوب الثاني أكيد الإبدال، أنا عندما أريد أن أسحب صديقاً ابني قد أحبه، يجب أن أضع مكانه صديقاً ثانياً يكون فيه شروط ترضي ابني حتى يوافق أن يتخلى عن الأول، لكن أكيد دور الأم والأب بالغربة سيكون صعباً، هو صعب بالغربة ، لكن اطمئنوا يا أم ويا أب لا تقلوا كثيراً، صحيح صار عندكم دور صعب من ناحية، لكن أكيد هناك نواح ثانية صرتم أفضل من الأمهات اللواتي يعشن بالبلاد العربية، اعرفِي أيتها الأم، واعرف أيها الأب أن كل مجتمع له صعوباته، وكل مجتمع له المعاناة حتى من جهة الدين، أنتم لا تظنوا أننا نحن مرتاحون من جهة الدين، نحن أيضاً عندنا صعوبات أخرى.
فالفكرة الأساسية كلما كان أولادكم أقرب كلما استطعتم أنتم أن تسيطروا على كثير من الأمور حتى على الصديق.

الدكتور رحابي محمد:
بارك الله بك أستاذة عابدة؛ قصة وقعت، وسبحان الله فيها عبرة ربما، وتؤكد ما تفضلت به قبل قليل خلال هذا اللقاء الطيب المبارك النافع إن شاء الله تعالى.
هذه القصة حصلت في بلد من بلاد الغرب، يأتي الأب والأم إلى ابنهم، يريدون إقناعه للخروج من المدرسة العامة إلى مدرسة خاصة إلى مدرسة إسلامية، فيرفض هذا الولد، وكان في الصف الأول الثانوي، ثم في اليوم الثاني من العام الثاني عندما صار في الصف الحادي عشر أقنعوه، طلبوا منه ترغيباً وترهيباً يقول لهم: لا، أنا مرتاح في المدرسة العامة، وسأتابع فيها، في السنة الثالثة أيضاً يقول لهم: أريد أن أبقى في الثانوية العامة، لا أريد أن أخرج، الأب والأم على درجة عالية من الصلاح، والتقوى، والخير، وقيام الليل، ولكن قدر الله لهم أن يعيشوا في بلاد الغربة، والأرض أرض الله سبحانه وتعالى، فعند التخرج Graduation Day يعملون له حفلة كبير جداً يدعى لها الآباء والأمهات، فيأتي هذا الولد يقول لأمه وأبيه: أريدكم أن تحضروا معنا Graduation Day يوم التخرج، فتأتي الأم والأب في يوم التخرج، يأتي الولد ويقدم لأمه وأبيه اثنين وعشرين صديقاً وصديقة من طلاب صفه كلهم قد أعلنوا الإسلام بسبب هذا الولد، كهم أحبوا هذا الولد لصدقه، لأمانته، لاجتهاده، لتفوقه، لأخلاقه، فالأب والأم بدأت تنهمر دموع الفرحة والبهجة والافتخار والعزة بهذا الغلام، فقال لهم في يوم التخرج: أنا أعلم حرصكم عليّ لكن أنتم ربيتموني بشكل صحيح، وأعطيتموني الثقة بنفسي، وزرعتم في قلبي حب الله، وحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، كيف أترك هؤلاء وهم تعلقوا بي؟ كل يوم يسألونني عن ديني، عن أخلاقي، عن عائلتي، كل يوم أعطيهم معلومة، أريهم بقدوتي وأعمالي وصلاحي وتفوقي، حتى بعد ثلاث سنوات طُبخوا طبخاً جيداً على نار هادئة، فأعلنوا إسلامهم، وكلهم سبحان الله أحبوا هذا الإنسان، هذا الطالب، هذا الولد الذي تمثلت به أخلاق النبوة صلى الله على محمد، صلى الله عليه وسلم، فكانت أخلاقه دليلاً وإرشاداً لهم ، فأحبوا الرسول، وأحبوا القرآن الكريم.
لذلك تأكيداً لما تفضلت به أستاذة عابدة زرع الثقة بالنفس عند الولد، والتعزيز، وتعزيز الهوية والانتماء بالثقافة عنده، والقيم الحضارية الإسلامية، والقيم النبوية القرآنية، هذه بالفعل لا تخافي، ولا تخشي عليه شيئاً سيكون مؤثراً كما تفضلت، ساحباً بأصدقائه إلى الخير لا أن يكون مسحوباً.
فهناك سؤال من الأخت الفاضلة، تقول: جزاكم الله خيراً، وبارك فيكم يا رب، لو سمحتم سؤالي بشأن ابنتي وعمرها 8 سنوات، وتسألني كثيراً عن مصير آنساتها، وأصدقائها الغربيين في الحياة الأخرى أو بالآخرة، هل بإمكانها إعطاؤهم من حسناتها كي يدخلوا الجنة؟ وقد دارت الكثير من النقاشات في شأن هذا الموضوع، ما هو الجواب؟
والله هذا السؤال جميل ولطيف من طفلة بريئة طيبة تريد الخير لمن أسدى لها الخير، تريد أن تكافئ المعلمات، وتكافئ صديقاتها بالصف، هذا من محبتها، ودليل على التربية الراقية العظيمة من الأخت لبابة وزوجها الكريم لهذه البنت، لكن ما توجيهك أستاذة عابدة لمثل هكذا أسئلة؟

الدعاء وأثره في حياة الأفراد:
الأستاذة عابدة العظم:
والله جميل جداً، تقول لها: إن الله يحب الدعاء، أحسن شيء أن تدعي لهن أن يعملن أعمالاً صالحة، لأنك قدر ما أعطيتهم مثل الصدقة، الواحد قدر ما يعطي لا يقدر أن يعطي كل شيء، فأنت الأحسن أن تدعي لهم كي يعملن الأعمال الصالحة، وتذهبي أنت وإياهن مع بعض إلى الجنة، وتعلمها أمها أنها عندما تكبر قليلاً تعطيهم كما قلنا بالقدوة، كلما كانت محبوبة أكثر، وشاطرة أكثر، وتتعامل معهم بطريقة حلوة، كلما أحبوها أكثر، لعلها إن شاء الله تكون أيضاً سبباً ليسلموا ويصيروا هن يعملن أعمالاً صالحة، وأيضاً يحضرن أناساً إضافيين إن شاء الله إلى الجنة.

الدكتور رحابي محمد:
نعم بارك الله بك.
عندنا الأخ فضيلة الشيخ حسين فياض محمود بارك الله به وبأهله وإخوانه جميعاً، هؤلاء حفظوا كتاب الله ، ومن الدعاة، ومن الأعلام ما شاء الله .
يقول: وصلتني هذه الرسالة اليوم، ولا أعلم ما صحتها، أقرؤها لك أختي الفاضلة الأستاذة عابدة ؟ لماذا اخترت تركيا؟ يقول عليه الصلاة والسلام :

{ عن جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال : بَعث رسولُ الله صلى الله عليه وسلم سَرَّية إلى خَثْعَم ، فاعتصم أُناس منهم بالسجود ، فأُسْرِعَ فيهم القتلُ ، فبلغ ذلك رسولَ الله صلى الله عليه وسلم ، فأمرهم بنصف العَقْلِ ، وقال : أنا بريءٌ من كلِّ مسلمٍ يقيمُ بين أَظهُرِ المشركين ، قالوا : يا رسولَ الله ، لِمَ ؟ قال : لا تَرَاءى نارَاهُما }

[أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي]

طبعاً أنا لا أتحدث الآن عن ورود الحديث، وهل يطبق أيضاً اليوم أم لا، لكن أتحدث عن الرسالة التي جاءت من الشيخ حسين، قال: مؤمنة العظم، حفيدة الشيخ علي الطنطاوي، من مؤمنة أستاذ عابدة؟

الأستاذة عابدة العظم:
أختي الصغيرة.

الدكتور رحابي محمد:
ما شاء الله! عائلة أدب، وفقه، وكتابة، ومؤلفات، ومن شابه أباه ما ظلم، أبوكم الشيخ علي الطنطاوي ، رحمه الله، ورفع الله مقامه، وبارك الله بكم.
تقول حفيدة الشيخ علي الطنطاوي: لقد امتلك جدنا علي الطنطاوي رحمه الله من الحكمة ما جعله يمنعنا من متابعة إجراءات الهجرة إلى كندا، عندما هممنا بذلك قديماً، وأولادنا ما زالوا صغاراً، يومها داخلني شك في حجته، وأخذني غرور وأفكار بالسيطرة على أمورهم وأولادهم باعتبارها شدة منه لا مبرر لها، فأما اليوم فإنني - طبعاً رسالة غير مكتملة وصلتني فقط إلى هنا- لا أدري ماذا بعدها .
أنت ربما على علم بهذه الرسالة ما رأيك في هذا ؟

تعطش الناس في الغرب إلى الخير والأدب وزرع القيم:
الأستاذة عابدة العظم:
والله أنا أخالف هذه الرسالة، أنا ما بدأت كلامي عن قصد لما قلت عن جدي كان يغير آراءه، أتوقع لو جدي الشيخ علي الطنطاوي – رحمه الله - كان موجوداً قطعاً كان سيغير آراءه، لأنه الآن يوجد جنسيات وأشخاص معينين ليس لهم أي مكان يذهبون له، لا يوجد لهم أي مكان، خالتي نفسها كانت من حياة جدي موجودة بألمانيا، ومن حياة جدي كانوا يطلبون الجنسية، وأنا جدي كان يشجعهم على هذا الأمر، بالآخر يوجد ضرورات، وبالعكس هذا يمكن أن يكون طريقاً لانتشار الإسلام، وحضرتك تعرف من سنتين أو ثلاث بدؤوا يقولون: إن الإسلام سوف يأتي من أوروبا، وسيعود من هناك، فهذه الأمور صحيح كانت من قديم، وأنا نفسي على فكرة كنت أفكر بهذه الطريقة، وكنت أستطيع أن أهاجر إلى كندا ورفضت، لكن بعد ذلك عندما تغيرت الدنيا، ووصلنا إلى هنا، وصارت كل وسائل التواصل، هذا الكلام لم يعد ينفع الآن.

الدكتور رحابي محمد:
أنا متأكد، لا أتأول على الله ولكن لو أن الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله جاء إلى بلاد الغرب، وفي الشيخ علي من صفات التأثير والخير والأدب العظيم، الناس في الغرب يتعطشون إلى مثل هذه الأخلاق، وإلى مثل هذا التأثير، لو جاء وجرب العيش هنا لسنة واحدة لوجد الثمار كيف تؤتي أُكلها أكثر من كثير من البلاد الأخرى، لوجد أن الخير وأن العمل لوجه الله، وزرع القيم، وامتداد رسالة الخير، والسلام، والرحمة، ربما كان له رأي آخر، والله أعلم ورحمه الله، وجزاه الله عنا كل خير.

الأستاذة عابدة العظم:
أنا معك، وأرجع أقول: الدليل أن خالتي بنان الشهيدة جاءت لتلك البلاد في عام ألف وتسعمئة وسبعة وستين أو تسعة وستين، هاجرت لتلك البلاد، ومن ذلك الوقت وهي مقيمة هناك، بقيت ثلاثين سنة، أو عشرين سنة هناك، وجدي كان يشجعها، ثلاثون سنة من حياة جدي كانت خالتي موجودة في ألمانيا، وقبلها كانت في سويسرا، وقبلها أظن أنها جربت دولاً بالجوار، ، وهو كان يشجعها على هذا الأمر، وهو عرف أنها ستأخذ الجنسية، وأيضاً شجعها بل هو حاول أن يساعد بالطاقة التي كان يقدر عليها.

الدكتور رحابي محمد:
عندي ملحوظة أخرى : أحد العلماء الكبار الصالحين، الذين لهم خير ونفع في الأرض، قال يوماً ما، هو زار بلاد الغرب، ووجد حاجة الناس، وتلهفهم إلى معرفة الحقيقة والحق، وكيف ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق، لما وجد هذا الأمر، ولمسه، لما رجع إلى بلاده قال: لو أني أعلم اللغة الانكليزية لما رجعت إلى هذه البلاد، لأنه هو مع الترجمة، ومع أكثر من ترجمة تجد التأثر، والتعطش، والفراغ الروحي الكبير الذي كان ينتظر لملئه من هؤلاء الناس الخيرين، هم السلام، رسل الرحمة.
هناك سؤال آخر من أخ أو أخت هنا في التعليقات: بالأمس قرأت منشوراً لصديقتي وهو يؤرقني، نحن الذين جئنا إلى بلاد الغرب، تابعنا أولادنا، وأخذوا من عندنا تقريباً، إذا أخذ الأحفاد والأجيال جيلاً بعد جيل سيتغير بعدهم اللغة، والقيم، والاندماج، وممكن قسم منهم- لا قدر الله - يتنصر فيما بعد، هل سنكون مسؤولين عن الأجيال القادمة أيضاً؟ هذا المنشور جعلني أفكر بالرجوع إلى البلد، سأترك الحديث للأخت عابدة.
ولكن أود أن أكرر أن حديثنا من أوله إلى الآن المسؤولية تقع على الوالدين، على الأب والأم، أن يكون لهم هم التأثير الأول القدوة، والصلاح، والأولاد عينهم معقودة على أمهم وأبيهم، الخير عندهم ما استحسنوه، والشر عندهم ما استقبحوه، والأم والأب إذا أرادوا الصلاح لأبنائهم فعليهم أن يكونوا صالحين أولاً، وأـن يكونوا قدوة أولاً، وأن يعززوا في قلوبهم أولاً في البيت الداخلي فيتأثروا، فأقول: لا تقلقوا كما تفضلت الأستاذة عابدة على مستقبل الأولاد، والأحفاد لأن المستقبل سيكون مستقبل الخير، والحق بإذن الله تعالى، وستشرق شمس الإسلام من الغرب في يوم قريب إن شاء الله.
تفضلي أستاذة عابدة.

محافظة الإنسان على الضرورات الخمس في الإسلام في أي مكان كان:
الأستاذة عابدة العظم:
شكراً للشيخ حسين فياض لأنه يبدو لي أن تعليق الأخت على نفس الرسالة، لأنه هو وضع الرسالة فهي رجعت علقت عليها.
أنا أريد أن أقول لك: عندنا بالشرع الإسلامي شيء اسمه: الضرورات الخمس، الذي هو حفظ الدين، وحفظ الحياة، وحفظ العقل، وحفظ النسل، وهناك الكثير من الناس أجبروا أن يخرجوا إلى البلاد الغربية، أي لم يعد الموضوع بيدهم، تحت هذه الضرورات، يكون هناك ضرورات، يكون هناك سبب، إن شاء الله لا يوجد عليكِ إثم، أنتِ الآن مضطرة، لم يعد هناك مجال أن تبقي ببلدك، لو استطعت أن ترجعي وأنت متأكدة أنك ستقيمين شعائر دينك ببلدك، وتربي أولادك كما تحبين، والله ارجعِي، حتى بلادنا بحاجة لنا، الآن كل مكان على الكرة الأرضية بحاجة لنا، فكل شخص منا يرى ظروفه، كل شخصية ترى ظروفها، والتي تجد أن بقاءها بالغرب أسلم لها، وتحافظ فيه على الضرورات الخمس، وتستطيع أن تقيم دينها، وأن تكون خليفة في الأرض فلتبق، والتي تجد أنها تستطيع أن ترجع إلى بلدها وتقيم هذه الأمور من الأفضل أن ترجع، فهذا لا نقدر أن نعممه على الناس أبداً أبداً، وأما بالنسبة للأجيال القادمة فيخلق الله ما لا تعلمون، لا نعرف ماذا سيحصل، قد تنعكس الآية، تتغير الدنيا، يجوز أنت ترجعين إلى بلدك ولا تضمنين أحفادك، ويمكن أن تبقي بالبلاد الغربية والآن مع كثرة الهجرة إلى هناك يمكن أن يصبح المسلمون قوة، وإن شاء الله نتأمل ونرجو أن تحافظي بالبلاد الغربية على دينك أكثر، فأنت يهمك اللحظة التي أنت الآن موجودة فيها.

الدكتور رحابي محمد:
والله يا أستاذة عابدة ذكرتني بقصة قصها الله علينا، قصة السيدة مريم، وأمها، وولدها المسيح عيسى.

إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّراً فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (35)
[ سورة آل عمران]

لو الآن من يسمعنا من الأخوة والأخوات الكريمات دعونا ننذر أبناءنا لله ونقول: يا رب هؤلاء بين يديك استعملهم واستخدمهم في خدمة دينك، وخدمة عبادك، وتولهم فيمن توليت، ولعل الله عز وجل إن شاء الله بهمتكم، وبركة الدعاء، والإخلاص، والصدق، واتباع هذه المهارات، والأساليب التي ذكرتها الأستاذة عابدة قبل قليل لعل الله عز وجل يحفظهم.
لا أخفيك أستاذة عابدة في الغرب الآن المراكز الثقافية التي تعنى بثقافة الأبناء وتثقيفهم، وتحفيظهم القرآن، وتعليمهم العلوم الدينية، والأخلاقية على مستوى عال جداً، أي عندنا مثلاً في أمريكا مسابقات قرآنية، أشارك أنا في التحكيم فيها، في المسابقات هذه المحلية والعالمية، كل سنة الأعداد بالمئات يدخلون إلى مسابقة القرآن لمسابقة جزء إلى خمسة عشر جزءاً، كامل القرآن الكريم يحفظونه عن ظهر قلب، ومعلوم ربما لدى الكثير أن من أخذ الأول على العالم قبل سنتين كان أحمد برهاني، هذا ولد أمريكي، ونشأ، وترعرع في بلاد الغرب في أمريكا.
القضية أن الإنسان نتمنى أن نصل في يوم من الأيام إلى مرحلة الوعي أن الأرض هي أرض الله سبحانه وتعالى، وأن الله عز وجل أخذنا إلى هذا المكان، وإلى تلك الأرض، إلى أرضه لنقوم بوظيفة الاستخلاف الحقيقي فيها، في التعايش الذي تفضلت به الأخت الأستاذة عابدة، وفي نشر الخير والسلام ، والرحمة، والقيم الإسلامية النبوية، فلعل الله :

{ عن أبو رافع رضي الله عنه قال : بعث النبي صلى الله عليه وسلم عليا رضي الله تعالى عنه إلى اليمن فعقد له لواء فلما مضى قال يا أبا رافع ألحقه ولا تدعه من خلفه وليقف ولا يلتفت حتى أجيئه فأتاه فأوصاه بأشياء فقال يا علي لأن يهدي الله على يديك رجلاً خير لك مما طلعت عليه الشمس }

[أخرجه الحاكم]

أستاذة عابدة؛ عندنا تعليق من الأستاذة الفاضلة المدربة أسماء السويد، أهلاً وسهلاً بكم أستاذة أسماء، تقول: نحن نأخذ بالأسباب للتربية الدينية العقدية، ثم نستودعهم الله تعالى، وندعو لهم بالصلاح والهداية ولذرياتهم.
أيضاً الأخت أسماء تقول: بارك الله بكم، القيم والتوحيد تكون غريزة في الإنسان أينما ذهب هي جزء من كيانه.
هناك سؤال من الأخت كنانة أيضاً، وسؤال حساس جداً لكن لعل الله يرزقنا الحكمة في الإجابة عنه أستاذة عابدة أنا وأنت الآن، تقول: ما هي الطريقة الأمثل في التعامل مع الشواذ بالنسبة لنا كأهل وبالنسبة لأطفالنا في أوروبا؟
اليوم أنا صباحاً كان عندي جلسة تفسير، هل تعرفين عن ماذا كان الدرس؟ بسورة الشعراء كان عن سيدنا لوط، من الآية 160 للآية 175، قصة سيدنا لوط مع قومه، تعرفين أننا نحن كلنا نعيش هنا، وكل الجالية مشتركة معنا في المجلس، فجاءت الأسئلة تماماً مثل هذا السؤال وهو سؤال حساس، أنت تتحدثين الآن عن قضية سياسية، قضية قانونية، فلابد من الحكمة، فكانت إجابتي: أن الله عز وجل خلق لنا قوانين، وبينها لنا في القرآن الكريم.

أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ(14)
[ سورة الملك]

وكأس الماء يشرب عن طريق الفم، ولو وضع في مكان آخر في الأذن، في الأنف، لا نستفيد منه فنضر أنفسنا، فاستخدام الشيء بغير محله، بغير الفطرة السليمة الصحيحة هذا أمر يؤذي ويضر الصحة، والمجتمع، والنسل، والمستقبل، وغير ذلك.
من أراد معاكسة قانون الله سبحانه وتعالى هذا شأنه، أنا لا أحكم عليه، ولا أفعل معه شيئاً، إنما هو اتخذ هذا الطريق بحياته، والله سيتولى أمره يوم القيامة، أما بالنسبة لي فأحافظ على نفسي وعلى أولادي، وأبين لهم خطورة هذا الأمر، وأتكلم لهم عن قصة سيدنا لوط، وكيف أن الله عز وجل ذكرها في القرآن الكريم لنبقى على الصراط الصحيح السوي السليم، فما توجيهك أيها الفاضلة أستاذة عابدة؟

المحافظة على الأولاد وحمايتهم من الأشياء السيئة:
الأستاذة عابدة العظم:
بارك الله بك، والله أنا من حوالي شهرين أو ثلاثة كان عندي لقاء على صفحة ما شاء الله حافة حداً، صفحة تربوية، فكان الموضوع عن المثلية، أنا يكفي لو عرفنا أطفالنا كيف يتعامل المثليون مع بعضهم، أي تكفي للتنفير، عندما قرأت وتعمقت بالموضوع رأيت أن الموضوع يحتاج إلى تجهيزات، وكيف أنه ممكن أن ينقل البكتريا، ويمكن أن يؤدي إلى النفور، وكيف؟ وكيف؟ أنا أرى أن أولادنا يجب أن نتكلم معهم بداية من الناحية الصحية، لأنهم سيكونون أطفالاً، ويمكن أن يستوعبوا أن هذا الشيء حرام، وهم يرون أمامهم أن هذا الأمر بدأت الدول تُقره، فيجب أن نعمل على أسلوب القرآن الذي هو التنفير أو التحريم، جاء هذا الأسلوب بالقرآن:

يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَاباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئاً لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ (73)
[ سورة الحج]

أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً (44)
[ سورة الفرقان]

فهذا الأسلوب يكون له أثر على الأطفال، بحيث لا يتقبلون الموضوع أبداً، ويعرفون أنه خروج عن الفطرة، ويجب أن يعرفوا أن هذا نوع من المرض، أنا ارتحت لهذا التفسير، عندما قرأت طبعاً في دافعه، يقولون إنه - أعوذ بالله - ليس مرضاً، وهذا طبيعي جداً، لا ليس طبيعياً أبداً، والدليل أنه موجود عند قلة، عند قلة، وحتى هذه القلة يوجد جزء منها يصير الموضوع بالإقناع، أنه ممكن، وعادي، وطبيعي، ثم أكثر الزيجات التي صارت بهذه الطريقة انتهت بالطلاق، أصلاً شيء مضحك، أنا لا أفهم هم عندما يعملون هذه الأمور لماذا يتزوجون أصلاً؟ يذهبون إلى بيت ويغلقون الباب على أنفسهم، فعلاً الموضوع كله غريب، غريب من أوله إلى آخره، لا يتجانس مع الفطرة، ولا يأتي مع العقل، ولا يأتي مع المنطق، ولا يأتي مع حياتنا اليومية، لا، وأحلى شيء عندما يتبنون الأطفال، أنا أرى شيئاً أعده كبيراً جداً وهو حجة عندما يكبر الطفل ويعرف أن أباه وأمه مثليان عندما يصير عمره أربع سنوات أو خمس يهرب من البيت، الطفل الصغير لا يتقبل أن يعيش بهذه الطريقة، مع رجلين، أو مع امرأتين، والشيء المضحك أن يمثل أحدهما دور الأب، والثاني دور الأم، فإذا كانا من نفس الجنس، يجب أن يخضع واحد للثاني، فالحاصل إن مسكنا أولادنا وهم صغار جداً، قبل أن يعرفوا طبيعة العلاقة التي تكون بين المرأة والرجل، أو بين هذين المثليين، بدأنا ننفرهم من هذا الأمر، أنه بالعكس الله خلق الأنثى والذكر حتى تصير الحياة حلوة، حتى يصير فيها تكامل، حتى يصير فيها انسجام، حتى كل واحد يعوض الثاني عن النقص الموجود عنده، فإذا كان الاثنان مثل بعض، فلن يكون هناك اهتمام، إذاً أحسن طريقة التنفير، وشرح الأمور الصحية.

الدكتور رحابي محمد:
إذاً توضيح الأمور الصحية والتبيان كما ذكرت الأستاذة عابدة.
يوجد سؤال من أخت فاضلة نور مهايني، بوضع الكورونا الآن أصبح النظام المفروض هو التدريس عن طريق الأون لاين، ولم نعد باستطاعتنا السيطرة على تنظيم أوقات أطفالنا، وأصبح جل اهتمامهم اللعب، ولم نعد باستطاعتنا إخراجهم من هذا الإدمان الإلكتروني بألعاب الانترنت، ورغم المراقبة، والمحاولات العديدة ليبتعدوا عن الإلكترونيات لكنهم لم يعد لنا كلمة عليهم في ظل هذه الأوضاع، فما الحل يرعاكم الله؟ كنا دائماً نحاول ملء أوقاتهم بالنشاطات، أما الآن فصار من الصعب إلزامهم، فهل عندك تجربة جديدة ضمن هذه أستاذة عابدة تفيدينا بها بارك الله بك؟

أهمية ملء أوقات أولادنا بالنشاطات:
الأستاذة عابدة العظم:
أنا دائماً على فكرة لي نظرياتي التربوية، والله لم آتي بها من فراغ، آتي بها من قراءتي، ومن قراءتي بالكتب، وأحب أنا على فكرة علم النفس، أحب أن أقرأ به، وأيضاً من الواقع وخربتي بالتربية، ومن تدريسي للمادة، فأنا أريد أن أقول لك: أرجوكم أرجوكم اتركوا أولادكم ليلعبوا.

الدكتور رحابي محمد:
لحظة أستاذة عابدة دعيني أخفض الصوت حتى لا يسمعك أولادي بارك الله بك.

الأستاذة عابدة العظم:
لا، فعلاً أستاذنا الكريم، هناك الكثير من الأمور بالدنيا ممكن أن تحقق بعد ذلك، ممكن أن تعوض بعد حين، ولكن الطفولة هي مرة واحدة فقط، لا تتكرر أبداً، ونحن من الجميل أن نعود أولادنا أن يحافظوا على وقتهم، وهذا من الدين الإسلامي، وجاء: اغتنم خمساً قبل خمس، هذا جميل جداً لكن ليس للأطفال، نحن نعامل أطفالنا بعقلنا نحن، وهؤلاء الأطفال كلما لعبوا أكثير كلما نما عقلهم أكثر، هؤلاء الأطفال كلما لعبوا أكثر كلما يصير عندهم خبرات أكثر.

الدكتور رحابي محمد:
أستاذة عابدة، كلما لعبوا، عفواً؛ لعبوا أكثر بالإلكترونيات أم لعبوا أكثر بكرة القدم؟

الأستاذة عابدة العظم:
هذا اللعب الخاص بهذا الزمان للأسف، أقول لك أخي الكريم: اللعب في الفترة الماضية كيف كان؟ أنا من جهتي كنت أعيش بدمشق حتى صار عمري عشرين سنة، كان الأولاد يلعبون بالكرة في الطريق، كان الأولاد يشتمون بعضهم، هكذا كان اللعب، كنا نحن البنات نلعب خمسة بيوت، ونلعب باريس، الآن صار هناك ألعاب إلكترونية على الأقل تعطيهم مهارة، مهارة أن يستعملوا أيديهم، صح هي إذا زادت عن حدها تضر.
فهنا أيضاً أريد أن أوجه رسالة للأهل: أنا عندما أتـرك ابني أو ابنتي يلعبان على ذوقهم، ليس معنى هذا أن يلعبا على ذوقهما طوال الوقت، أنا أكون من الوراء أرى أولادي، أن هذا الجهاز بالآخر فيه فوائد كثيرة، فأنا أسمح لهم أن يلعبوا ثم أوجههم، أنه أنت ممكن أن تستثمر الجهاز، أن تتعرف على المعلومات، أن ترى فيه فيلماً وثائقياً، أسحبهم قليلاً قليلاً، لكن بالأول يجب أن يلعبوا، أن يستمتعوا، ممكن أن يلعبوا مئة بالمئة، وكل أوقاتهم باللعب، إلى أن يصيروا بالمرحلة الثانوية، الطفولة تبدأ تتلاشى من الصف العاشر، عندما يصير عمر الولد خمسة عشر أو ستة عشر عاماً يبتعد عن اللعب.
هناك حديث بمعنى أن لعب الطفل يؤدي إلى النضج أكثر، ويؤدي إلى أنه صار مشبعاً، يبتعد الذكر عن الأشياء الطفولية والأنثى كذلك تبتعد عن التصرفات الطفولية، لأنها تكون قد أشبعت فعلاً وانبسطت، أنا أعرف الكثير من الآباء والأمهات – وهذا الشيء تكلمنا عنه كثيراً بالدورة – أن الأب يأتي ويقول لأبنائه أنه يريد أن يختبر اللعبة، وهو ليس كذلك إنما أراد أن يلعب لأنه لم يلعب بطفولته، فأحياناً الأم تحرم أولادها، لا شك أن كل أم وأب يحبان أولادهما لكن سيكون هناك ردود أفعال إن لم يسمحا لأولادهما باللعب.
فأنا من وجهة نظري اتركوهم أولادكم ليلعبوا، أرجوكم اتركوهم ليلعبوا، كلما لعبوا أكثر هم أنفسهم سيشبعون، هم أنفسهم سيملون، هم أنفسهم سيلتفتون لمستقبلهم، خاصة عندما يصلون للمرحلة الثانوية، فنحن ندعهم يلعبون، لكن ضروري جداً أن نعمل جلسات عائلة جاذبة، وقد قلت حضرتك أنك قرأت كتابي هكذا رباني جدي كثيراً، وركزت عليه، نحن كنا أطفالاً صغاراً عمرنا حوالي سبع سنوات، وعمر ابن خالتي ثماني سنوات، كنا نترك اللعب عندما نجد أن جلسة جدي بدأت، لماذا؟ لأن جلسة جدي فيها ذكريات، لأن جلسة جدي فيها طرافة، لأن جلسة جدي فيها اهتمام بكل شخص موجود فيها، فهذه الطريقة التي يجب أن تستعملوها، وخاصة بالغربة، ليس لكم إلا أولادكم، أعرف أن الغربة ممكن أن تأخذ الوقت أكثر من بلادنا العربية، لكن الآن أنتم تعانون من الكورونا، وها أنتم تجلسون في البيت، إذاً عليكم أن تكون كل أنشطتكم مع بعض، أنت عوض أن تطبخي بمفردك نادي أولادك ليساعدوك، ليعملوا معك، هكذا يخف عليك العمل، وبنفس الوقت يصير عندك وقت لتجلسي معهم، وتسمعي منهم، وتعرفي ماذا يحدث، فيتركون الأجهزة، نحن نريد أن نمنع أولادنا عن الأجهزة، فلا يوجد أي بديل ثان، لا يوجد بديل ثان يسليهم، يجب أن يتسلى هؤلاء الأطفال.

الدكتور رحابي محمد:
صحيح، وبالمناسبة موضوع الطبخ، أنا لا يوجد عندي بنات، عندي أولاد، حفظ الله أولادكم.

الأستاذة عابدة العظم:
وأنا أيضاً أم الصبيان، لابأس من أن يطبخوا مع أمهم.

الدكتور رحابي محمد:
نعم محمد إلى جانبي الآن جلس، بدؤوا الآن بالفعل يساعدون أمهم في أمور المنزل، وقلت لأمهم: هذه مسؤولية الشباب؛ محمد، وعلي؛ حفظهم الله وحفظ أولادنا جميعاً .
لقاء ممتاز وطيب مع الأستاذة الفاضلة عابدة في قضية الهجرة وأبنائنا في الغربة، سأختم هذا اللقاء، ولعله يكون لنا لقاءات أخرى إن شاء الله نافعة، طيبة، مباركة معكم أستاذة عابدة في قضية تعجيل الزواج للأبناء في الغرب، هل له آثار إيجابية؟ هل له آثار سلبية؟ هل تنصحين به من خلال خبرتك، وقراءاتك، وتدريباتك، واطلاعك؟
موضوع الزواج المبكر للأولاد والبنات في الغربة أو في الغرب ما رأيكم دام فضلكم؟

الآثار الإيجابية والسلبية للزواج المبكر للأولاد والبنات في الغربة:
الأستاذة عابدة العظم:
والله هذا الأمر يخضع جداً جداً للفروق الفردية، لأن ابني إذا لم ينضج بعد هل أزوجه فقط حتى أضمن ألا يكون له صديقة؟ لا هذا شيء خاطئ، هذا الأمر سيكون صعباً جداً، ويضر الزوجة، ويضر الأولاد، ممكن ابني نفسه بعد فترة يقول: هذه ليست الزوجة التي كنت أحلم بها، فالزواج صحيح أنه للعفة، ويجب أن نحرص على أولادنا، والصعوبات بالبلاد الغربية كثيرة جداً، والفساد موجود بكل مكان، لكن الزواج ليس لعبة، بالآخر الزواج أطفال، بالآخر الزواج مسؤولية، بالآخر الزواج حياة طويلة، ليس له فترة مؤقتة، هذه شيء ضروري جداً أن ينتبه الأم والأب لهذا الموضوع، إذا ابني لم أر عنده نبوغاً، وعنده قدرة على الدراسة، وعلى التفوق، لا أشغله أنا بالزواج، دعه أولاً يأخذ الشهادة، ويجد أساليب أخرى حتى يقدر أن يمشي حاله مع هذه الصعوبات.
ولذلك أنا هنا سامحوني في بعض الفتاوى التي تمس بعض الأمور ممكن أن نستخدمها لأنه تخفف قليلاً عن الشاب، وتساعده على أنه يكمل دراسته، ويكون مستعداً حتى يتزوج، فبدل أن أزوجه وهو لم ينضج بعد وكذلك الأنثى نفسها لم تنضج بعد، للأسف النتيجة طفل وطلاق، ماذا استفدت أنا من هذا؟

خاتمة وتوديع:
الدكتور رحابي محمد:
يا سيدتي بارك الله بك، وحفظك الله، ورعاك، ما شاء الله عليك، نبع ذاخر، فياض في الخير، والعلم، والنضج الفكري، والتربوي ما شاء الله، نحن إن شاء الله أنا حريص أن أقرأ كل ما كتبته أستاذة عابدة، لأنني قرأت كثيراً مما كتبت وكان فيه الخير والفائدة، وأستمع لكثير من لقاءاتك، من ندواتك، وأنت نشيطة جداً في الأون لاين الآن مع المحاضرات والندوات، ولذلك كنا حريصين أن يكون لنا شرف لقائك في هذا اللقاء الطيب، وليتعرف عليك إن شاء الله كل طلابنا في الجامعة الأمريكية للعلوم الإنسانية، والأصدقاء معنا في الصفحة، معنا هنا أصدقاؤنا وأحبابنا المتابعون، والأخوة والأخوات المتابعات.
في نهاية هذا اللقاء لا يسعني إلا أن أشكر الأستاذة الفاضلة.

الأستاذة عابدة العظم:
لحظة أنا أيضاً أريد أن أشكرك، بارك الله بك، وقد أخجلتني بكل الكلمات التي قلتها، والحقيقة أعجبني اللقاء معك كثيراً، فيه الطرافة ما شاء الله! جزاك الله خيراً، وشكراً لك.

الدكتور رحابي محمد:
الشيخ علي الطنطاوي نحن نحبه ونحترم كل من يمت له بصلة، وهو على الرأس والعين، هو أبونا، هو جدنا أيضاً، وأنت امتداد له بهذه الأخلاق العالية، بهذه أيضاً الدماثة، وهذا الأدب والفقه الطيب، ولنا لقاء إن شاء الله مع الوالدة، أمنا الفاضلة الدكتورة بيان إن شاء الله تعالى لعل الله يكتب لنا ذلك قريباً، هذه العائلة الطيبة المباركة عائلة الأدب والعلم والخير والنور ممتدة إن شاء الله بخيرها، وتأثيرها الطيب الإيجابي على أهل المشرق والمغرب بإذن الله تعالى.
شكراً لك أستاذة عابدة، وبارك الله بك، وبأهلك، وبعلمك، وزادك الله علماً، وفضلاً، وحكمة، ونفع بكم عباده جميعاً إن شاء الله.

الأستاذة عابدة العظم:
بارك الله بك، كل الشكر، جزاكم الله خيراً .

الدكتور رحابي محمد:
حياكم الله، شكراً أخواننا الكرام، وأخواتنا الكريمات على هذه المتابعة الطيبة منكم، وبارك الله فيكم، وجزاكم الله خيراً، وأحسن إليكم.
إلى لقاء إن شاء الله قريب، بإذن الله تعالى نلقاكم على خير، وأحسن الله إليكم، وجزاكم الله خيراً .
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته