دور الخِطاب الدِّيني في تَعزيز قِيم التَّعايُش والسلم المُجتمعي مع الدكتور عماد أبو الرُب

  • 2021-02-20

دور الخِطاب الدِّيني في تَعزيز قِيم التَّعايُش والسلم المُجتمعي مع الدكتور عماد أبو الرُب


مقدمة:
بسم الله الرحمن الرحيم؛ الحمدُ لله، وصلَّى الله وسلم على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين؛ أهلاً وسهلاً بكُم في برنامج أهل العِلم والقرآن، وإلى حلقةٍ جديدة، ما هو دور الخِطاب الديني في تعزيز قيم التَّعايُش والسلم المُجتمعي؟ حلقةٌ وأسئلةٌ ومحاورُ عديدةٌ في هذا اللقاء الطيب المُبارك مع الدكتور عماد أبو الرُب، أهلاً وسهلاً دكتور عماد.

د. عماد أبو الرُب:
أهلاً بكم حيَّاكم الله.

د. رحابي محمد:
شكراً لكم يا سيدي.
الدكتور عماد ما شاء الله؛ رئيس المركز الأوكراني للتواصل والحوار، الدكتور عماد عضو الأكاديمية الوطنية الأوكرانية، وهو أيضاً رئيس المركز الإسلامي في أوكرانيا سابقاً، دكتور عماد نبدأ إن شاء الله مع فضيلتك في قضية الخِطاب الدِّيني في تعزيز قيَم قضية التَّعايُش والسلم المُجتمعي، لو بدأنا من البدايات، حضرتكُم انتقلتُم للعمل في أذربيجان وعَملّتُم فيها ستَّ سنواتٍ أو أكثر كمُعلّمٍ ودَاعيةٍ وتَخدُم الجالية الإسلامية في أذربيجان، برامج كثيرةٌ قَدمتموها هُناك، حدِّثنا لو سمحت عن بعض تلك البرامج، وكيف كان واقع المُسلمين في ذلك الوقت؟ وكيف قدّمتُم لهم نَموذجاً طَيباً في تَعزيز الخِطاب الدّيني الذي يُرسّخ قيَم التّعايُش والسِّلم المُجتمعي؟

انطلاقة الدكتور عماد أبو الرُب في تعزيز الخطاب الدّيني:
د. عماد أبو الرُب:
بارك الله بكم؛ بسم الله والحمد لله، والصلاة والسلام على رسولنا محمَّدٍ صلَّى الله تعالى عليه وسلم، أشكُركُم فضيلة الدكتور رحابي على هذه الإطلالة من خلال هذا البرنامج الذي أصبح يُتابَع باهتمامٍ من كثيرٍ مِنَ المُسلمين ومن غير المُسلمين أملاً بالوصول إلى قيَمٍ مُشتركةٍ تُسهم في تعزيز الحُضور الإيجابي لهذه القيَم التي أحوَجُ ما تكون الإنسانية لها، حقيقةً بحُكم إنهائي لدراستي الشريعة في عام 1995 في الأردن في جامعة هي كُلّية الدعوى وأصول الدين، كان أملي وتعطُّشي للعمل في بلدٍ غير مُسلم، أو بلدٍ غير عربي، للوصول إلى الخِطاب الذي يُمكن أن يَصل إلى شريحةٍ كبيرةٍ رُبما لم تصلها المعاني الكاملة للإسلام، فَيسَّر الله وقدَّر الله أن تكون بداية الانطلاقة لأذربيجان.
أذربيجان هو بلدٌ أصلُه مُسلم، يعني أغلب سُكّانه قُرابة خمسةٌ وثمانون في المئة مُسلمون، والباقي مسيحيون وديانات أُخرى، وهذا الأمر حقيقةً جَعل لي حافزاً أكبر في الانفتاح على هذا المُجتمع، بالنسبة للمُسلمين سبعون بالمئة منهم أصلاً من المذهب الشيعي، وثلاثون بالمئة من المذهب السُني، والغريب والمُحزن أن أصحاب المذهب السُّني والشّيعي كانوا يفتقدون لمعرِفة هذا المذهب، وحتى معرفة أصول الإسلام.
فجئنا إلى مُجتمعٍ قريب من الفِطرة، بَعيدٌ عن معرفة أركان الإسلام والإيمان، فبدأنا بتعزيز فهم المُسلمين لدّينهم، وبدأنا بتعريف الأساسيات في أركان الإسلام والإيمان، وكانت انطلاقتنا حقيقةً بالتَّعاون مع مكتب رؤساء الوزراء الأوكرانية الأذربيجانية مع سيادة نائب رئيس الوزراء السيد عزت روستاموف، حيثُ وزّعنا العمل على الأقاليم التي يتواجد فيها المُسلمون السُّنة تَحديداً، وتَعزيز العمل من خلال المدارس الحكومية، ومن خلال فَتّحنا للمراكز التأهيلية التي ركّزت على تعليم اللُغة العربية، واللُغة الإنكليزية، إضافةً للكُمبيوتر وبعض الحِرف المِهنية من باب تنمية المُجتمع وتَأهيل الناس، هذا الأمر أيضاً واكبهُ التَّعايُش مع عدة فئاتٍ من النَّاس من مُكونات المجتمع، منهُم كما ذكرت مُسلمون وغير مُسلمين، منهُم عِرقياتٌ وقَوميات مُختلفة، رَكّزنا على تَأهيل الشَّباب والطُلّاب لرفد هذه المسيرة، مسيرة العمل الاجتماعي، ومسيرة التوجيه الدّيني الراقي الذي يُؤهلهُم لأن يكونوا نماذج إيجابيةً في مُجتمعاتُهم.
بفضل الله أقمنا دوراتٍ حيث كُنت أعيش في مدينة زكتالا في الإقليم الغربي في أذربيجان، كُنت في اليوم الواحد أُلقي قُرابة ست دروس، والدَّرس الواحد يَحضرهُ قُرابة مِئة طالب، تخيلوا! ولا يوجد أي فاصلٍ بين الدرس الأول والثاني عدا الصلاة إن كانت، فعموماً كانت هذه التَّجرُبة بِفضل الله، اخترنا من الطُلّاب النُجباء وأَهلّناهُم بِشكل أكبر، ومن ثَمَّ بدأوا معنا في التَّدريس وفي التعليم وأيضاً في الخِطاب الذي انفتحوا فيه على فئات المُجتمع، وعندما فُتحت في هذه المدينة جامعةٌ إسلاميةٌ بفضل الله طَلبتنا عندما اجتازوا الامتحان أخذوا المراتب الأولى، وأخذوا مِنحاً دراسيةً للدراسة، ولِلآن الحمد لله يعملون في عدة مدراسٍ ومؤسّساتٍ إعلاميةٍ ودينيةٍ ولهُم إسهامٌ رائد، نسأل الله أن يُوفقهُم ويُعينهُم إن شاء الله.

د. رحابي محمد:
ما شاء الله؛ جزاك الله خيراً يا دكتور عماد؛ وبارك الله بك، بصراحة الخِطاب الذي رُبما تتوجه به حضرتك، ونُتابع أيضاً أنشطتك الجميلة الرائعة المُهّمة، وأعتبرُها أنا شخصياً نموذجاً لكل من يعمل في حقل خدمة المُجتمع سَواءً كان مع المُسلمين أو مع غير المُسلمين، دكتور عماد أنا أتصّور لو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم الآن يعيش معنا في هذا العصر فما هو الخِطاب الدّيني الذي سيُقدّمهُ للمُجتمع في الغرب؟ الآن أنا أعيش في أمريكا، أنت تعيش في أوكرانيا وكثيرٌ من طَلبة العِلم، والأَئمة، وأهل الخِبرة يَعيشون في بلاد غربية، وفي أمريكا، في كندا، لو أن رسول الله يعيش معنا الآن، أيُّ خِطاب ديني سيُقدّمهُ في تعزيز قيَم السلم والتَّعايُش المُشترك، والإيجابية التي كثيرٌ من أهل الفضل أمثالك يُنادون بها، ويريدون ترّسيخَها أكثر وأكثر؟
لو ذهبنا إلى مرحلةٍ أو فترةٍ أُخرى من فَترات الدكتور عماد في حياته الخدَمية للمُجتمع، لمّا انتقلتُم إلى أوكرانيا، وهي كما هو معلوم دولةٌ سابقةٌ من دول الإتحاد السوفييتي، كيف كان الوضع مُقارنة مع أذربيجان، وضع المُجتمع المُسلم وغير المُسلم؟ أيضاً ما هي خدماتك التي قدّمتها وجهودك المُباركة في تعزيز أواصِر التَّعايُش المُجتمعي؟

الجهود المبذولة في تعزيز أواصر التَّعايش المُجتمعي:
د. عماد أبو الرُب:
حقيقةً أوكرانيا كما هو معروف كما تفضلّتُم هي بلدٌ سابقٌ من دول الإتحاد السوفييتي السابق، وهي ثاني أكبر وأهم بلدٍ بعد روسيا في هذه المنظومة، وحقيقةً تمّ دعوتي من قِبل صديقٍ لي من نفس بلدي من الأردن من الزَّرقاء حيثُ جاء للدراسة في أوكرانيا، وذكَر لي أن هُناك حاجةً وتعطُّشاً لوجود أدوار إيجابية للمُجتمع تحفَظُ المُسلمين بمعرفة دينهُم، وأيضاً تجّعلُهم يندمِجون إيجاباً في مُجتمعاتِهم، ويكونوا شُركاء مع مُكونات المُجتمع في تَعزيز هذه القيم الإنسانية، فبدأت أقرأ عن أوكرانيا واستشرت بعض الأصدقاء، فوجدت حقيقةً أن المُجتمع الأكرواني مجتمعٌ مُنّفتح، وهو مُجتمعٌ إيجابي ونسبة الأُمّية هي صفر بالمئة بناءً على تعزيز دور أوكرانيا الثَّقافي والعلمي، ولذلك منذُ أنْ وصلت إلى أوكرانيا عملت من خلال المركز الإسلامي الذي كان له برامجُ مُتعددةٌ ومُتنوعة، ومُنذ الانطلاقة حقيقةً بنيتُ على مسيرتي في الأردن، حيثُ أنني في أيام الدراسة الجامعية كُنت أترأس اتحاد الطلبة في جامعتي، ونَظّمت وأَقمت عدة مؤتمراتٍ ومُحاضراتٍ وندواتٍ ودوراتٍ تأهيليةٍ للأئمة وأنا طالب سنة أولى في الجامعة، أقمت أول دورةٍ تأهيلية للعمل الخِطابي الدّيني والدّعوي في الأردن، وثم استندنا إلى تجرُبة أذربيجان، وتُوِّجت في التَّواصل مع المُجتمع الأوكراني وانطلقنا إلى التَّعامُل مع جهتين: الجّهة الأولى مع المُسلمين، وكانت هُناك أدوارٌ مُحددةٌ ومُبرمجة، ودورٌ مع غير المُسلمين، انطلقنا في الرُّؤيا لهذا الدور الأول والثاني إلى اعتبار الإنسان بقيمتهِ كإنسانٍ خَلقهُ الله عز وجل، وهو أننا إخوةٌ في البشرية، إن أباكُم واحٌد كما كان خِطاب حبيبُنا محمد صلى الله عليه وسلم:

{ أيُها النْاس ألا إنَّ رَبَكُمْ واحد؛ وإنَّ أَبَاكُم واحِدْ؛ ألَّا لا فضلَ لعربيٍّ على أعجميًّ؛ ولا لعجميٍّ على عربي ولا لأحمرٍ على أَسْودٍ ولا لِأسْودٍ على أَحمرٍ إِلا بالتَّقوى }

[رواه أحمد]

{ كلُّكم بنو آدمَ، وآدمُ خُلقَ من ترابٍ، لينتهينَّ قومٌ يفتخِرون بآبائِهم، أو ليكونن أهونَ على اللهِ من الجُعْلانِ }

[رواه حذيفة بن اليمان]

ميثاق المدينة النبوية الطاهر الشريف، الميثاق الذي شرّفَ البشرية وشرّع القيَم الإنسانية، واحترام حقوق الإنسان، ومبدأ الشَّراكة الإنسانية لإيجاد التّعايُش الإيجابي ونبْذ الكراهية وغير ذلك، وظفّنا كلّ ذلك حقيقةً في برامج مُتعددة، بالنسبة للمسلمين كما ذكرتْ كانت بدايةً من خلال الخُطب والدُّروس والمَواعظ التي تُقام في المسجد، إضافة لذلك الدّورات التي تُقام لِتوعية المسلمين، والتّركيز على الطُّلاب العرب والمُسلمين الذين يأتون للدراسة في أوكرانيا، ولماذا كُنّا نحرِص على التَّواصل مع الطُلاب حقيقةً؟ القضية كانت هامّة، وأنا اعتبر أن كُلّ القيادات الدينية أو الخِطاب الديني لا بُد أن يَتواكب ويَنسجم ويَتواصل مع هذه الشَّريحة لأنها بدايةً هي تعيش في غُربتها، تَفتقد وجود القريب والأهل والمُوجّه الذي يُمكن أن يَحفظها، فبالتالي كان لا بُدّ من وجود برامج تَحفَظَها وتُوجهُها وتَجعلها تعيش بإيجابية في المُجتمع الذي هي فيه، وتُكمل تحقيق مَسيرتها وتَحقيق هدفها وهو الحصول على العِلم والعَودة إلى الوطن لِرَفدهِ، وثم كانت الانطلاقة الثانية مع غير المُسلمين من خلال التعرُّف أولاً على شرائح المُجتمع الموجودة ومكوناتها، ثم التَّواصل معها الذي كان على عدة برامجٍ نُشير إليها من خلال اللقاء إن شاء الله.

د. رحابي محمد:
نعم دكتور عماد حضرتك مَثّلت المُغتربين الأُردنيين، والعرب بشكل عام، في مؤتمر المُغتربين العرب في جامعة الدول العربية في عام 2010, لكَ خِبرةٌ في أيضاً تأهيل الدُعاة و الأئمة وشَاركت في دورات كثيرة في تأهيل الأئمة والخُطباء، والدُعاة في أوكرانيا وفي أذربيجان، أسّست مراكز صيفية لتعليم القرآن والمبادئ الإسلامية في كثير من المناطق والمراكز الإسلامية، عَقدت أيضاً دورات تأهيلية لمجالس إدارات لمراكز إسلامية، الآن سؤالي؛ حضرتك عملت كإمامٍ وخطيبٍ في المركز الإسلامي في العاصمة كييف، كيف استثمرت هذا الموقع وهذه الوظيفة النبوية الكبيرة؟ وللعِلم آلاف الأئمة، آلاف الخُطباء، آلاف المساجد لهم هذه المَراكز والمناصب كإمام، مؤذّن، خطيب، مُدّرس إسلامي في المراكز المُنتشرة حول العالم، ونحنُ الآن نُركّز في حديثنا على المَراكز الإسلامية في الغرب، كيف نجح الدكتور عماد أبو الرُب في استثمار وظيفته كإمام في تعزيز تعليم ثقافة القرآن الكريم للمُسلمين وعوائلهِم وآبائهم؟ وكيف كان ذلك مؤثراً للناس المُتابعين من غير المُسلمين والمُجاورين للمركز الإسلامي؟ كيف استثمر الدكتور عماد موقعهُ كإمام وخطيبٍ ومُدّرسٍ يُلقي بخطابٍ دينيٍّ، نوعية الخِطاب، نوعية القيَم، نوعية المبادئ التي كان يُركَّز عليها حتى أصبحت له نتائج طيّبةٌ في المنطقة التي عاشَ بها وكانت لهُ تجربةٌ فيها جيدة؟

المبادئ والقيَم الواجب التَّركيز عليها لتعزيز ثقافة القرآن الكريم للمسلمين وغير المسلمين:
د. عماد أبو الرُب:
سيدي حقيقة أنا أعتقد أنَّ كُل مُسلمٍ وكل إنسانٍ في ضميرهُ في الأصل أن تكون غايتهُ الأسمى هي إرضاء الله عز وجل، وتحت مَظلة إرضاء الله الأصل أن يَبذُل كل جُهدٍ ُممكنٍ ويَذهب بإقبالٍ وشَغفٍ لإنجاز أي دورٍ يمكن أن يُحقّق ما ينفع البلاد والعباد، ولذلك الحمد لله منذُ الانطلاقة ركّزت أولاً على الاستفادة من العمل المؤسّسي ووجود أقسامٍ مُتعددةٍ ووجود عدة مُتطوعين أيضاً كان لهُم دورٌ إيجابيٌّ أيضاً، التَّركيز على التَّواصل الإيجابي مع الآباء والأُمّهات، من خلال التَّأكيد على أهمية تَربية النشئ وتعليمهُم، وتوجيهُه، وأنه سوف يكون لهُم ذُخراً في الدنيا والآخرة، وتجاوب الآباء والأُمهات مشكورين عندما وجدوا النتائج، أذكُر أننا في عام 2005 أقمنا أول نادٍ صيفيٍّ في أوكرانيا لأبناء الجاليات في برنامج في العاصمة كييف، وبفضل الله اُعتمد هذا البرنامج ليكون سنوياً في الصيف في الإجازة المدرسية للأبناء، ومن ثَمَّ أصبح أيضاً له برامجُ أُخرى.
المسألة الأُخرى كانت حقيقةً في مسألة أن نُعيد قيمة المسجد، ومكانة المسجد، ورسالة المسجد، من خلال أولاً الانفتاح على المُسلمين وعلى المُصلّين والقُرب منهُم ومن هُمومِهم ومَشاكلهم، التَّعرُف على مشاكل المُجتمع نفسه والتَّحديات التي يواجهها المُجتمع ونحنُ جزءٌ منه، حتى ننسجم في هذا المُجتمع ونَغار على أَمنهُ وعلى تَماسُك أُسرتهُ وعلى إحياء القيَم الفاضلة فيه، فبالتالي أيضاً حاولنا أن نُشرك المُسلمين من خلال عدة أمور، ثُمّ بدأنا في مسألة التركيز على إيجاد تأهيلٍ لِمن يُمكن أن يوصل هذا الخِطاب إلى شريحةٍ أكبر، سواءً من طُلّاب الجامعات من المُسلمين، مُسلمين مُتطوعين، فعُقدت عدة دوراتٍ وكانت دوراتٍ في الخَطَابة، تأهيل الأئمة، دورات في الأحكام الشرعية، أحكام الأُسرة، الأحكام التي تَلّزَم المُسلم في ذاتهِ مع نفسهِ، مع عائلتهِ، في معيشتهِ، في عبادتهِ، وركّزنا على جانب مُهم جداً وهو جانب المُعاملات، لأننا لا نُريد أن نُحدث شَرخاً في مفهوم الإسلام بين مفاهيم إيجابية وقيَم من أصل الإسلام السّامي الذي دعانا إلى الخير، وبين المُعاملات التي رُبما تُحدِث إرباكاً عند الآخر عندما يرى أنَّ قيَم الإسلام في القرآن وفي الأحاديث النبوية الشريفة تَدعوا إلى الخير، وتَحثْ على التَكافُل والتَعاون والرَحمة والتَسامُح والعَطف والمُساعدة، بينما بعض السلوكيات للأسف إما لجهل المُسلم وإما لانجرافهُم في تيارٍ ماديٍّ أو غير ذلك تَجدهُ يَسلُك سُلوكاً آخر مما يُسيء إلى صورة الإسلام، فركّزنا على أن يكون هُناك تأهيلٌ لأكبر عددٍ مُمكنٍ من الشباب ومن الأئمة والدُعاة وغير ذلك الذين يُمكن أن ينفعوا في المُجتمع الذي يعيشوا فيه.

د. رحابي محمد:
نعم لَعلِّي أفهم أن التّحصين الفكري للجيل الجديد من أولويات العمل لإمام المسجد والقائمين على المراكز الإسلامية، ولعلّ أحد الإخوة الكرام كتب رسالة دكتوراه في الأمن الفكري للشباب وللجيل الجديد وتوعيتهِم وتدريبهِم وتأهيلهِم لِفَهم القرآن والسُّنة فهماً صحيحاً، لفهم نصوص القرآن والفتاوى التي رُبما يُصدِّرُها بعض الناس بطريقةٍ خاطئة، هذه تُضِلُّ صاحبها ويُضلُّ غيره، فوجود صمامات أمانٍ كأمثالكُم، كأمثال القائمين على المراكز الإسلامية بفهمٍ ووعيٍ صحيح ودراسةٍ صحيحةٍ وأخذْ العِلم من أهله، هذا نعم يُؤهل ويُحصّن الجيل الجديد، وأبناءنا إن شاء الله في الغرب ليكونوا مَشاعل خير وحمامات سلامٍ يَدعون إلى الله تعالى وإلى النَّبي صلى الله عليه وسلم وإلى سُنّتهِ وإلى ارتباط الإنسان بخالقه جلَّ في عُلاه بطريقة صحيحة.
دكتور عماد حضرتك ترأسّت اللّجنة الشّرعية في أوكرانيا منذ تأسيسها عام 2008 إلى عام 2013 خمس سنوات أو أكثر، ثُمَّ كُنت أيضاً المؤسّس ورئيس المركز الأوكراني للتواصل والحوار منذُ تأسيسه عام 2014 وحتى الآن وهذه يجب أن أقف عندها قليلاً، قضية المركز الأوكراني للتَواصل والحوار، كإمام مسجد ما دورك أو ما دور الإمام وما دور المُسلم بشكلٍ عامٍ ثُمَّ بشكلٍ خاصٍ القائمين على الحقل الدعوي؟ ما دوره في التواصل و الحوار مع القيادات الدينية من غير المُسلمين ؟ نحن نعيش مثلاً في بيئةٍ حولنا أصدقاء غير مُسلمين من عِدة أديان، عِدة طوائف، أنا شَخصياً أجدُ من الواجب ومن الأولويات على رحابي أن يكون له جزءٌ من يومهِ أو من أسبوعهِ أو من شهرهِ أن ِيعقد لقاءً وجلسةً على طاولةٍ واحدةٍ على غداءٍ أو على عشاءٍ أو على فنجان قهوة مع هؤلاء القيادات الدِّينية، الآن عندنا أحد الإخوة الأصدقاء رئيس كنيسة كُنّا قد حددنا موعداً للجلوس على فنجان قهوة نتشاور، جلسنا أكثر من مرةٍ معه زارنا في المسجد وزُرناه في كنيستهِ، ثم قال أريد أن أجلس معكُم أكثر لأتعرف أيضاً عليكم أكثر وعلى الإسلام أكثر، أصيب بكورونا فاعتذر ثم الآن تعافى، فنريد أن نُحدد موعداً قريباً.
دكتور عماد ما رأيك، يعني بوجهة نظرك، ما هو الدور المُهم للتواصل مع القيادات الدينية من غير المُسلمين؟

الدَّور المُهم للتواصل مع القيادات الدّينية من غير المُسلمين:
د. عماد أبو الرُب:
والله يا سيدي، كان لي تجرُبةٌ في إحدى المُدن، يعني زرت المركز الإسلامي والمسجد وسألت القائمين على المسجد كان بجوارهم كنيسةٌ تبعد أقل من مئة وخمسين متراً، فسألت هل تعرفون الرَّاهب راعي الكنيسة؟ قالوا لا نعرف! فقلت الكنيسة هذه مبنيةٌ مُنذ أكثر من أربعين سنة، والمسجد موجودٌ من أكثر عشرين سنة فلا يُعقل! فقُمنا بشراء وردٍ وعلبة شوكولا وأخذت الأخ المؤذن ونائبي في المسجد، وذهبنا إلى راعي الكنيسة، راعي الكنيسة خرج بلهفةٍ غير طبيعيةٍ لدرجة كانت يداه تهتز، أنا ظننت أنها تهتز لعدم الارتياح أي مُجبرٌ على المُقابلة، فكان يهتز من فرحته لأن جيرانهُ المُسلمين يزورونه لأول مرة وهو كان يتأمل أن يَزورهم أو يَزوروه ولم يجد طريقةً للتواصل.
هذه نماذج بسيطةٌ عايشناها ونُعايشُها لتغيير النظرة عن الآخر، نحن أولاً لا نتأثر في الاحتقانات السابقة التاريخية التي كانت بين الأديان وأتباع الديانات التي لها ظروفها ومُعطياتها، رُغم أننا نعرف ونُجمِع أن أصل العلاقة مع الآخر، وننطلق منها كرؤية، أصل العلاقة مع الآخر هو السلم والحرب حالةٌ استثنائية، للأسف هُناك تجّييشٌ للخِطاب الديني بتصوير الحرب هو العلاقة الأساسية مما يجعل هُناك حاجزاً بيننا وبين الآخر، نحن نُحافظ على ثوابت الدين ونُحافظ على القيَم التي تُعيننا أن نفهم الآخر ونتعايش معه دون أن نمسَّ بالثوابت، والحقيقة كانت هناك عدة برامجٍ مختلفةٍ في التَّواصل مع الآخر، بدايةً التعّرُف عليه، زيارتهُ وليس انتظار أن يزورنا، عقد برامج مُشتركة بعد أن صار تعارُف ونوعٌ من الاحترام ومن الاطمئنان، ثم بعد ذلك بدأنا نؤثّر على بعضنا البعض، أنا أذكُر أحد المركز الإسلامية استضفنا قسّيساً بعد صلاة الجمعة، فكانت أول مرٍة يدخل قسّيسٌ إلى المسجد، وطبعاً هذا القسّيس بناءً على ثقتهُ واحترامهُ لنا هو الذي اقترح أن يدخل المسجد، نحن نتشرّف والنبي صلى الله عليه وسلم استقبل وفد نصارى نجران وغيرهم في المسجد، فكان المسجد هو حامل رسالة المُجتمع رسالة التَّعايُش ورسالة نشر القيَم، فاسّتقبلنا هذا القسّيس وأصرَّ أن يحضُر خطبة الجُمعة ولم نُعلن عن وجوده، ولكن بعد الصّلاة وبعد أن انتهينا أعلنت أنَّ معنا ضيف وهو قسّيسٌ من هذه المدينة وأحبَّ أن يُخاطبكُم، فتوجّه بكلماتٍ أثلجت صدر المُصلين وأزالت كثيراً من الإحتقانات السلبية ووظفّناها في الخير في المدينة، فأصبح هُناك ارتباطٌ وعلاقةٌ أكبر مع القيادات الدِّينية ومع الأكاديميين الذين لهم تأثيرٌ على هذا الخِطاب، ومن ثمَّ أحدثنا نوعاً من فائدة المُجتمع وغير ذلك.
أنا أقول أنَّ الإمام حقيقةً لا بُد أن يَهتم اهتماماً بارزاً وكبيراً في الانفتاح على الآخر ورسم برنامج مُتكامل كما تَفضّلتم وكما أشرتُم.

د. رحابي محمد:
نعم دكتور عماد صدّقني، مهما اجتهدنا أنا وأنت في تقديم أشياء إيجابيةٍ للمُجتمع وأبدعنا وقدّمنا سنجد كُلّ ذلك موجوداً في سُنّة رسول الله صلى الله عليه وسلم، سنجد ذلك في القرآن الكريم، وسنجد ثمرات تطبيقِنا لتعليمات القرآن وسماحة القرآن الكريم والقيَم العظيمة في السُّنة النبوية سنجدها ونجد ثمراتها في حياتنا لو طبّقناها، صدّقني:

{ الكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ }

[ أخرجه البخاري]

وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِّنكُمْ وَأَنتُم مُّعْرِضُونَ (83)
[سورة البقرة]

وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ ۖ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَٰهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (46)
[سورة العنكبوت]

هذه المعاني لو أحضرناها ووضعناها كبرنامجِ عملٍ للقائمين في المراكز الإسلامية في الغرب سيجدون ثمراتها.
ذكّرتني بهذه الجُهود الطَّيبة التي قمت بها حضرتك في زيارة الكنيسة وأخذتُم لهُم ورد وكيف استقبلكُم، هناك كنيسةٌ عندنا قريبةٌ من المَسجد تم افتتاحها واسمُها كنيسة الزَّيتون، فذهبنا واشترينا شجرتي زيتون وأخذناها لهم ففرحوا كثيراً، قُلنا لهم أنت اسمكم كنيسة الزَّيتون هل عندكُم زيتون؟ قالوا لا والله لا يوجد عندنا زيتون! فقلت لهُم هذه شجرة زيتون ونحن جيرانكم المُسلمين، وهذا مسجدنا ندعوكم لزيارتنا إن شاء الله وكذا، وبالفعل التقدير والاحترام كما تفضّلت نحن لا نُريد أَسلمة هؤلاء ولكن نُريد إزالة جدار العداوة، نريد على الأقل توضيح الصُّورة الجميلة للإسلام، توضيح الصُّورة الجميلة لله سبحانه وتعالى، الله الذي خلقني وخلقك وأمَرَنا أن نعيش مع بعض، أمَرَنا أن لا نتقاتل، أمَرَنا أن لا نتحارب، أمَرَنا أن نعيش مُتجاورين، إخوةً في الإنسانية.
عندنا صديقٌ هو قاضي رُبما رأيت بعض برامجنا معه يَزورنا في كل رمضان، لمّا يزورنا يا دكتور عماد يَزورنا وهو صائم، يقول أنا جئت إلى الدعوة اليوم احتراماً لكم أنا منذُ الفجر لأنه أنتُم عندكُم النظام قانون الصّيام من الفجر إلى المغرب فأنا صائم، أحد المرّات كان صائماً وجاء وكان يوماً حاراً فقال لي أنا تعبت كثيراً اليوم في الصيام، وقال لي أنا عندي مُشكِلةٌ في الكِلى وجالسٌ في المَحكمة ويُحضِرون لي الماء يعرِفون أني أشرب كثيراً من أجل الكِلى فأقول لهم لا أُريد، فقال لي: تعبت، فقلت له: عندنا أيضاً قانون: ليس على المريض حَرَج، كان بإمكانك أن تفطَر.
قُلت له كان بإمكانك تشرب الماء وتتوقف عن الطعام وتكون قد ساهمت معنا في الصّيام، فأقصد يزورنا في كلِّ رمضان من ثلاث رمضانات إلى الآن، مع كل دعوة إلى الإفطار يأتي مُباشرةً ويأتي معه عُلّية القوم، أُناس من كِبار البلد على مستوى حكوميٍّ ورسمي، يأتون إلينا ونُكرمهُم في طعام الفطور معنا، يسألون كثيراً عن قيَم ومبادئ في القرآن وفي السُّنة نوضّحهُا لهُم يخرجون وهُم مُعجَبين وقد أُزيلت من نفوسهم يا دكتور عماد وقلوبهُم صورةٌ وشوائبٌ كثيرةٌ ضد الإسلام ثم يعرفون ويقولون هذه من الإعلام ما أخذناهُ، ولكن حقيقة الإسلام ما نَسمعهُ منكُم.
يوم من الأيام زارَنا أحد القساوِسة كانت قسّيسة، لمّا فتحنا لها الباب ودعوناها، قالت: أنا منذُ سنين أُحاول الوصول إلى إمام وإلى زيارة المسجد ولكن لم أجد ترحيباً ولا قبولاً ولا تواصُلاً، أول مرة في حياتي أجد إماماً ويقول تَفضّلوا ويَتواصل معي ويُحدد لَنَا موعداً للقاء والزيارة، وتُكرمُنا وكذا..
أقصد النَّاس مُستعدّون يا دكتور، ولكن كما تفضّلت نُريد نحن أن نتأهل لهذه المَهمة، المَهمة النبوية في الوصول للآخرين، برامجُك التي تَفضّلت بها هي التعرُّف على الآخر، ثُمّ زيارته، ثُمّ عقد برامج مُشتركة، ثُمَّ التَّأثير الطَّيب الإيجابي، هذه أربع فقرات، أو أربع خُطوات لا بُد أن نأخُذها كبرنامج عمل، و نَموذجٍ طيبٍ يقوم به الدكتور عماد في برامجه.
دعني أذهب إلى سؤالٍ آخر يا دكتور عماد، كونك تعمل في المراكز الإسلامية وما شاء الله ناشطٌ في العمل الاجتماعي الطَّيب بالمُسلمين وغير المُسلمين، هل تواصلتُم مع مؤسّساتٍ حكومية، رُبما تَعنى بأتباع الأديان، والقوميات، والعرقيات، هل تواصلتُم معها ووجدتُم تَجاوباً، دَعماً، مُساندةً في تعزيز جهود التَّعايُش، جهود السلم المُجتمعي الذي تَدعون إليه وتقومون به في مركزكُم؟

آلية التَّعامل مع الجهات والمؤسّسات الحكومية لتعزيز جهود التَّعايش والسلم المُجتمعي:
د. عماد أبو الرُب:
بارك الله فيكم؛ أنا أحببت أن أُشير فقط دكتورنا أن من 2001 إلى 2013 بداية 2014 كان عملي في المركز الإسلامي، بعد ذلك حقيقةً تفرّغت وكان تأسيس فكرة المركز الأوكراني للتواصل والحوار أن يكون رائداً وأن يكون له دورٌ حياديٌّ مُستقل، يعمل بواقعيةٍ واستقلاليةٍ مُطلقةٍ وشَفافية للتواصل مع الجميع ونكون إن شاء الله لعلَّ وعسى أن نجمع بين فُرقاء الأُمة، أو نُقلّل الفجوة بينهُم، لذلك كان الانفتاح حقيقةً في هذا الأمر مع هذه المُؤسّسات المُختلفة.
كان لي تركيزٌ منذُ بداية العمل، سَواءً في أذربيجان أو أوكرانيا، على المُوازنة بين التَّواصل مع الجهات الحُكومية وأصحاب القرار فيها ومن يُؤثر عليهم، والتَّواصل مع القيادات الدينية ومن يَصيغ القرار الدّيني أو يُؤثر عليه، وبفضل الله حققنا نتائج في ذلك وكما أشرتُم، كان هُناك مُشاركةٌ رسميةٌ في مؤتمر جامعة الدول العربية، مؤتمر جسر التواصل للمُغتربين وهو المُؤتمر الوحيد للأسف الذي عُقد، وحَضرهُ أغلب وزراء الخارجية العرب، والأمين العام لجامعة الدُّول العربية، وكان أيضاً هُناك توصياتٌ في مُشاركتي وتم اعتمادُها بفضل الله ضمن التَّوصيات الرّسمية لهذا المؤتمر، ثم كان هناك مُشاركاتٌ في زياراتٍ خارج أوكرانيا بدايةً مع عِدة دُوْر إفتاءٍ ووزرات أوقافٍ وعَقدنا اتفاقياتٍ منها اتفاقيةٌ مع دار الإفتاء الأردنية، واتفاقيةٌ مع مركز البحوث والتَّعايُش وهو مسيحي ورائدٌ في خِطابهِ، مركز البُحوث والتَّعايُش الدّيني في الأردن وغير ذلك، وإذا أردنا أن نَتكلم عن الدَّاخل الأوكراني كان هُناك أيضاً تواصلٌ قبل تأسيس المركز الأوكراني للتواصل والحوار دائماً حضور المُناسبات الرَّسمية والمُشاركات والدَّعوات المُشتركة وزيارة الجامعات الحكومية سواءً للمُدّرسين أو الطُلّاب، وإضافة إلى المؤسّسات المَعنية في الثَّقافة والدّين، والمُجتمع وغير ذلك.
وعند تأسيس المَركز الأوكراني للتواصل والحوار خلال أقل من سنةٍ بِفضل الله بدأنا انطلاقةً واعدةً بالتواصل مع وزارة الثَّقافة وإدارة الأديان وشؤون القَوميات في أوكرانيا وهي بِمثابة وزارة الأديان في الدُّول العربية، وأحدثنا نوعاً من الإنسجام والتَّوافق، ونظراً لاستقلالية المَركز ودور التَّوافق الذي استطعنا بفضل الله وتوفيقه أن نُحدثه في التَّأثير بين المُسلمين ومع غير المُسلمين، اعتُمدنا يا سيدي في أمرين أمرٌ يَخُص المُسلمين وأمرٌ يَخُص غير المُسلمين من الحكومة الأوكرانية، الأمر الذي يخص المُسلمين عقدنا برنامجين مُتميزين بفضل الله تعالى، الأول كان إقامة طاوِلةٍ مُستديرةٍ حول الحوار الإسلامي المسيحي حضرها جميع القيادات الحكومية التي تُقرّر القرار الدِّيني وإضافةً إلى القيادات الدَّينية ودعَونا إليها رؤساء الجاليات العربية الإسلامية في أوكرانيا، وكانت طاولةً بفضل الله يعني استطاعت أن تُحدث تَمازُجاً بين القيادات الحُكومية والقيادات الدِّينية العربية والإسلامية وغيرها.
ثم عقدنا المُؤتمر الدُّولي الأول لحوار الأديان في عام 2017 ميلادي والذّي كان برعاية وزارة الثَّقافة الأوكرانية وافتتحهُ معالي وزير الثَّقافة، وهذا أول مُؤتمرٍ دينيٍّ تعقدهُ مُنظّمةٌ اجتماعيةٌ يَقوم عليها مُسلم ويَحضُرها ويَفتتحهُا معالي وزير الثَّقافة الأوكراني، واعتبر هذا المُؤتمر أنه أكبر مُؤتمر يُقام في تاريخ أوكرانيا بفضل الله لحوار الأديان، حيثُ حَضرهُ كافة قيادات الأديان من الدِّيانات السَّماوية الثَّلاث وحتى البوذية كان هناك مُمثلين عنها، إضافةً لرؤساء الإدارات الدّينية في كُل المُحافظات الحكومية، والجميل أنه تُوّج في برنامج عَمَليٍّ استحدثناه وهو في اليوم الثَّاني للمؤتمر -حيثُ أن المؤتمر كان يومين- أننا زُرنا المَعابد الدِّينية، زُرنا مَسجدين وكَنيستين وكنيسين، والبَعض كان مُتردداً في الزِّيارة، والبعض كان يَنظُر لها نظرةً سلبيةً أو مفهوماً خاطئاً عنها، ولكن حقيقةً عندما تمّت الزِّيارة كان لها أثرٌ إيجابي وما زال للآن يأتي بثِمارٍ إيجابيةٍ مع الإدارة الحكومية الأوكرانية بفضل الله تعالى، فأقول أن التَّواصل موجود وهو فاعلٌ والحكومة رحّبت بذلك، وانسجم هذا التَّواصل مع الحكومة في تعزيز رغبة وتوجُه الحكومة في أن يكون هناك جهاتٌ فاعِلةٌ من مُنظّمات المُجتمع المَدني تكون رديفةً وعوناً لها في تحقيق البرامج المُشتركة والتَّأثير على المُجتمع وعلى المُكوّنات فيه بفضل الله.

الخاتمة:
د. رحابي محمد:
نعم بارك الله فيك؛ هل للخِطاب الدِّيني دورٌ في تعزيز قيَم التَّعايُش والسلم المُجتمعي؟ هذا كان عنوان حوارنا ولقائنا لهذا اللقاء الطيب المُبارك مع الدكتور عماد أبو الرُب، لعلّنا نحتاج إلى لقاءٍ آخر يا دكتور عماد لنُتابع ونواصل هذه المحاور وهذه التجربة الرائدة الجميلة الطَّيبة، التي فيها إتباعٌ للنبي صلى الله عليه وسلم.
أنا أقول مرةً ثانية: دعونا نُفكر ونَتخيَل أنَّ رسول الله موجودٌ معنا صلى الله عليه وسلم في هذه الأوقات ويعيش في أمريكا في أوكرانيا في كندا في الغرب، ماذا عَساهُ يفعل وهو في مركزٍ إسلامي، في جاليةٍ إسلامية؟ ماذا عساهُ يُقدّم برامج في تعزيز قيَم التَّعايُش؟ في تعزيز قيَم السلم المُجتمعي؟ في التَّواصل مع الآخر، في إزالة جُدران العداوة والجهل، لأن الذّي يُعاديك يُعاديك عن جَهلٍ لا يُعاديك عن عِلم، لو عرفوه أحبوه، لو عرفوك أنت كداعية، كطيبٍ مُسلم، يُقدّم الخير والورد الجميل، لا أحد يرفُض الورد! لا أحد يرفُض الرائحة الطّيبة! والإسلام وردةٌ جميلةٌ رائحتُها وعبيرُها فواحٌ لا يرفُضها إلا مريض وإلا ذو فطرةٍ غير سليمة.
في نهاية هذا اللِّقاء دكتور عماد أبو الرُب، لا يسعُني إلا أن أشكُرك وأشكر الإخوة الكرام، والأخوات المُتابعين لنا في هذا اللقاء الطيب المبارك.
الدَّكتور عماد رئيس المَركز الأوكراني للتواصل والحِوار، وعضو الأكاديمية الوَّطنية الأوكرانية، ورئيس المَركز الإسلامي في أوكرانيا سابقاً جزاك الله خيراً وشكراً لكُم وإلى لقاءٍ قريبٍ إن شاء الله تعالى لنُتابع هذه الأفكار الطَّيبة، وهذه النَّصائح وهذه التَّجرِبة، والجهود المَبذولة في خدمة المُجتمع بشكل عام، المُسلمين وغير المُسلمين لتعزيز أواصر التَّعايُش والسلم المُجتمعي، شكراً لك يا دكتور عماد.

د. عماد أبو الرُب:
شكراً لكُم يا سيدي وبارك الله بكم، السَّلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.