أهم 5 مهارات في الأداء القرآني مع فضيلة الشيخ محمد يحيى

  • 2021-03-06

أهم 5 مهارات في الأداء القرآني مع فضيلة الشيخ محمد يحيى


مقدمة:
بسم الله الرحمن الرحيم؛ الحمد لله، وصلى الله وسلم على حبيبنا رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، اللهم عَلّمنا ما يَنفَعُنا وانْفَعنا بما عَلّمتنا وزِدنا عِلماً وعَملاً وإخلاصاً يا ربَ العالمين، اللَّهم اجعل القرآن العظيم ربيع قلوبنا ونور صدورنا وجلاء همومنا وأحزاننا، اللَّهم علِّمنا منه ما جهلنا، وذكّرنا منه ما نُسّينا، وارزقنا تلاوته والعمل بآياته آناء اللَّيل وأطراف النَّهار على النَّحو الذي يُرضيك عنا يا رب العالمين، أهلاً وسهلاً ومرحباً بكم أيها الإخوة الكِرام والأخوات في هذا اللِّقاء الطَّيب المُبارك على مائدة القرآن الكريم، واليوم سيكون حديثنا إن شاء الله تعالى عن أهم المهارات في الأداء القرآني.
دعوني أُرحب بفضيلة الشَّيخ الحبيب، الشَّيخ محمد يحيى وهو طالبٌ في الدِّراسات العُليا في الأداء القرآني؛ نسعدُ ونتشرف به، في كلّية الدِّراسات الإسلامية، في قسم الدَّراسات العُليا في الأداء القرآني.
الشَّيخ محمد يحيى ما شاء الله هو إمام وخطيب المركز الإسلامي في فلوريدا أمريكا، وهو أيضاً مُقرئٌ ومُحاضرٌ للقراءات العشر في الهيئة العالمية للكتاب والسُّنة في جدة سابقاً، وهو أيضاً عضو لجان التَّحكيم في مسابقات القرآن الكريم: مسابقة المزمار الذَّهبي، والقارئ العالمي، أهلاً وسهلاً فضيلة الشِّيخ محمد.

الشيخ محمد يحيى:
أهلاً وسهلاً ومرحباً بكم؛ الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا صلى الله عليه وسلم، أشكُركم جزيل الشُّكر على إتاحة هذه الفرصة، ونسأل الله تعالى أن يرزقُنا وإياكم الإخلاص والسَّداد، وأن يُجري على ألسنتنا ما ينفع به العباد، اللهم آمين.

د. رحابي محمد:
آمين آمين يا رب العالمين، حياكُم الله شيخنا وجزاك الله لهذا اللِّقاء، الذي نرجو الله تعالى أن يجعله لقاء خيرٍ وبركة.

فضل قارئ القرآن:
النَّبي صلى الله عليه وسلم أيها الإخوة الكرام، في اغتباط صاحب القرآن ذكر حديثاً طيباً، يدعو الناس ويحفّزهُم إلى الإقبال على القرآن الكريم، على كلام الله سبحانه وتعالى فيما رواه الإمام البُخاري رحمه الله، عن أبو هريرة رضي الله عنه، أنَّ النّبي صلى الله عليه وسلم قال:

{ لا حَسَدَ إلَّا في اثْنَتَيْنِ: رَجُلٌ عَلَّمَهُ اللَّهُ القُرْآنَ، فَهو يَتْلُوهُ آناءَ اللَّيْلِ، وآناءَ النَّهارِ، فَسَمِعَهُ جارٌ له، فقالَ: لَيْتَنِي أُوتِيتُ مِثْلَ ما أُوتِيَ فُلانٌ، فَعَمِلْتُ مِثْلَ ما يَعْمَلُ، ورَجُلٌ آتاهُ اللَّهُ مالًا فَهو يُهْلِكُهُ في الحَقِّ، فقالَ رَجُلٌ: لَيْتَنِي أُوتِيتُ مِثْلَ ما أُوتِيَ فُلانٌ، فَعَمِلْتُ مِثْلَ ما يَعْمَلُ }

[رواه البخاري]

هذا حديثٌ نبويٌ كريمٌ شريفٌ يدعونا إلى أن نغبِط أهل القرآن الكريم، وأن نسير على خُطاهم حيث هم أشراف الأمة:

{ أشرافُ أُمَّتِي حمَلَةُ القرآنِ }

[أخرجه الطبراني]

والنَّبي صلى الله عليه وسلم دعانا لتلاوة القرآن، وتعلُّم القرآن الكريم وتلاوته ليكون لنا شفيعاً يوم القيامة بإذن الله تعالى.
اليوم نحن في هذا اللِّقاء الطَّيب مهارات الأداء القرآني مع الشَّيخ محمد يحيى سوف ندردش دردشةً بسيطة وسنتعلَّم من الشيخ محمد يحيى، وإن شاء الله أن يكون حواراً طيباً وفيه فائدة لكل الإخوة والأخوات خصوصاً طلاب الأداء القرآني ولكل المُهتمين بالقرآن الكريم.
لو نبدأ مع الشّيخ محمد يحيى، لو يُحدّثُنا قليلاً عن مُعالجة الأخطاء الواردة في التفّخيم والتَّرقيق خصوصاً، لا سيما أنَّ الشيخ محمد يحيى ما شاء الله عضو لجان التَّحكيم في مسابقات القرآن الكريم في عدة لجان محلية ودولية، وخصوصاً في مسابقة المزمار الذَّهبي، والقارئ العالمي، فيا شيخ محمد ما هي أهم الأخطاء؟ وكيف نُعالج هذه الأخطاء في قضية التفّخيم والتَّرقيق؟

أهم أخطاء التَّفخيم والتَّرقيق، وكيف نعالجها؟
الشيخ محمد يحيى:
بسم الله الرحمن الرحيم؛ طبعاً الكلام عن التَّفخيم والتَّرقيق هو جانبٌ تجويديٌّ صِرف، يعني حينما تتكلم عن مخرج الحرف بإمكاني أن أقول لك أن تُخلّص الحروف من بعضها، لكن يبقى كيف نفعل ذلك؟ هذا ما نحاول أن نصل إليه اليوم بإذن الله.
نعم الجانب النَّظري لا بُد أن يسير في خطٍ متوازن مع الجانب العملي، كلاهُما على نفس الدَّرجة ولا بُد لنا أن نوليهما نفس الاهتمام، لكن لا يكفي أن نعرف مخرج الحرف، يبقى لنا أن نسمع صوت الحرف من شيخٍ مُتقنٍ، مُقرئٍ، متمرّسٍ إلى آخره، لأننا كما نعلم وكما يعلم الإخوة المتابعون أن القرآن العظيم في أول الأمر كان وقام واعتمد على التَّلقي كما قال ربنا سبحانه في أوائل سورة النمل:

وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ (6)
[ سورة النمل]

إذا فالترتيب الذي نُحب أن نَسير عليه أن نعرف صوت الحرف ثم نُشير إلى مخرجه كما سيأتي إن شاء الله في الكلام.
لماذا اخترنا التَّفخيم والتَّرقيق؟ لأننا عادةً في كلامنا اليومي حتى إذا أردنا أن نتكلم بالفُصحى، وأنا آسف أن أقول أننا لا نتكلم بالفُصحى، وأودُ أن يعيننا الله سبحانه وتعالى على ذلك فهذه لُغتنا لا بُد أن نَفخَر بها، لكن الواقع أنّنا لا نتكلم بها إلا في القليل النَّادر، فإذا اجتهدنا حتى في ذلك فإن هناك بعض الأمور التَّجويدية تظل لا نُطبقها في كلامنا، مثل القلقلة مثلاً إلى آخره.
فتكمُن المُشكلة حينما يَتجاور الحرف المُرقق مع الحرف المُفخّم في كلمةٍ واحدة، بالتأكيد أشار الإمام ابن الجزري إلى هذه المُشكلة وهذه الأخطاء الواردة في الباب الشَّهير الذي يبدأ:
فَرَقِّقَنْ مُسْتَفِلاً مِنْ أَحْــــــــــرُفِ وَحَاذِرَنْ تَفْخِيمَ لَفْظِ الأَلِـــــــــفِ وَهَـمْزِ أَلْحَـمْــدُ أَعُـــوذُ إِهْـدِنَــــا ألـلَّــــــهُ ثُــــــــمَّ لاَمِ لِـلَّــــــهِ لَــــنَــــا
{ الإمام ابن الجزري }
ثم بدأ يصل بنا إلى المنطقة التي يقع فيها الخطأ غالباً فقال:
وَلْيَتَلَطَّـفْ وَعَلَـى الـلَّهِ وَلاَ الــضْ وَالْمِيـمِ مِــنْ مَخْمَصَـةٍ وَمِـنْ مَـرَضْ وَبَاءَ بَرْقٍ بَاطِلٍ بِهِمْ بِـــــــــــــــذِي وَاحْرِصْ عَلَى الشِّدَّةِ وَالجَهْرِ الَّذِي
{ الإمام ابن الجزري }
يكفي إلى هذا الحد، إذاً أنا أُريد أقصد نُريد أن نضع آليةً لتخليص الحروف من بعضها دون تكلُّفٍ ودون أن نُهضِم الحرف أو نُضيّع حقه، نتفق معاً على شيءٍ إن شاء الله نسير عليه في لقائنا أننا نسمع صوت الحرف أولاً مُنفرداً خارج الكلمة، ثُمَّ نسمعهُ داخل الكلمة، فإذا اختلف صوت الحرف يعني إذا تأثر بما بعده أو بما قبله إذاً هناك مُشكلة لا بُد أن نُعالجها، مثلاً كلمة (باطل) هذه كلمة مشهورة جداً حينما نضرِب المثال على التَّفخيم والتَّرقيق، طبعاً الخطأ في تفخيم الباء شهير لا يقع فيه الكثير من النَّاس، يعني لن تجد فيه إلا القليل جداً من يقول باطل، لكن المُشكلة الحقيقية أن بعض النّاس حينما يحاول أن يُرقق الباء فإنه يُبالغ في ترقيقها حتى يميل بالألف، أو حتى يميل بحركة الباء التي يتولد منها الألف، لذلك كان التكلُّف مذموماً كما سيأتي، نَصل مباشرة إلى الهدف أنا الآن أقول باء ألف كيف ننطُقها، يعني هكذا نتحاور مع الطَّلبة إن شاء الله حينما يكون عندنا من الطَّلبة ما نُعلِّمهم من التَّفخيم والتَّرقيق، نقول له اقرأ هذا المقطع أو هذين الحرفين، باء ألف يقول با هكذا.. طيب نُكمل الكلمة باطل، لاحظ نفس صوت الباء و الألف، باطل، لا أحتاج أن أقول بيطل، يعني بعض النَّاس يزيد في ترقيق الباء، هو يوهم نفسه أنه يحاول أنه يتفادى تفخيم الباء، يتفادى الوقوع في هذا الخطأ فيترتب عليه أن يُفسد صوت التَّرقيق، وقِس على ذلك.
طيب كلمة مَخمصة، هل أحتاج أن أقول مخميصة لا يمكن أن تكون هكذا لماذا؟ لأني حينما أنطق الميم مفتوحةً أقول مَ، لا أقول مِ، إذاً نحن نقيّم القاعدة عندنا على صوت الحرف الأصلي خارج الكلمة، أنا أقول ما، با، فا، باطل، مخمصة.
يعني أي كلمةٍ ستأتي مَعَنا إن شاء الله فيها حرف، مثلاً الآن حا حَصحَص، لا أقول حيصحيص الحق، هذا تكلُّفٌ زائد، وللأسف أيَّ تكلُّفٍ في الحياة يترتب عليه مفسدة.

د. رحابي محمد:
نعم صحيح، إذا أول شيء أن نُعطي لكُل حرفٍ حقّه ومُستحقه من التَّفخيم والتَّرقيق، فإذا تجاور حرفان مُفخّمٌ ومُرقق، أو وقع مفخّمٌ بين مرققين، أو مُرققٌ بين مُفخّمين، فهُنا ينبغي على قارئ القرآن أن يُظهِر مهارته ورياضة فكه في إعطاء كُل حرفٍ حقه في التَّفخيم أو في التَّرقيق.

الشيخ محمد يحيى:
نعم وهذه المهارة تظهر جليةً في أن لا يختلف صوت الحرف المُرقق، هذا ما أريد أن أُنبِّه عليه اليوم، لأن المهارة ليست في أن تقول مخمصة، هذه يستطيعها كُل النَّاس لكن صوت الحرف اختلف، نقول ما، با، لابُد أن يبقى هكذا "باطل".

تيسير الله تعالى حفظ القرآن وتجويده:
د. رحابي محمد:
نعم الله يبارك فيك؛ أنا أُريد أن أُنبّه الإخوة والأخوات إلى قضية وهي أن تجويد وترتيل القرآن الكريم أمرٌ ليس بالصّعب أو المستحيل، لأن الله سبحانه وتعالى وقد ذكرنا ذلك سابقاً ونُردد ذلك ونكرره مِراراً، حتى نُرسّخ هذا المعنى في قلوب ونفوس الإخوة جميعاً، بأننا كُلنا مأمورون بتلاوة القرآن وتجويده:

أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا (4)
[ سورة المزمل]

فالله عز وجل لمّا أمرنا بشيء، يأمرنا بشيءٍ يَسهُل على الإنسان فعله:

لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنتَ مَوْلَانَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (286)
[ سورة البقرة]

وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ (22)
[ سورة القمر]

يسّر الله القرآن الكريم في كل نواحيه وجوانبه، يَسَّر الله تعلُّمه، ويَسَّر تعليمهُ، ويَسَّر تلاوته، ويَسَّر فهمه، ويَسَّر العمل به، ويَسَّر الدَّعوة إليه، فالإنسان إذا كان لديه النِّية لتعلُّم القرآن الكريم سيتعلَّم القرآن الكريم وهذا مِصداق حديث النَّبي صلى الله عليه وسلم المعروف الذي يتحدث عن أجر الماهر بالقرآن الكريم، وعن الذي يُتعتِع فيه، كما تروي السَّيدة عائشة رضي الله عنها، شيخنا تعرف هذا الحديث وهو مشهور:

{ الماهِرُ بالقرآنِ مع السفرَةِ الكرامِ البرَرَةِ، والذي يقرؤُهُ ويتَعْتَعُ فيهِ وهو عليه شاقٌّ لَهُ أجرانِ }

[رواه مسلم]

وفي روايةٍ والذي يقرأه وهو يشتّد عليه له أجران، الذي يتعلّم وفي مراحل التعلُّم له أجران، ولكن ينبغي أن نضع في ذِهننا دائماً أنَّ تعلُّم القرآن الكريم قضيةٌ سهلة، لأننا الآن وصلنا يا شيخنا إلى درجةِ أنَّ بعض النَّاس يظنون أن القرآن الكريم فقط للخواص من عباد الله ولا تستطيعه كثيرٌ من النُّفوس أو البشر.

واجب المُقرئين في التَّسهيل على المتعلمين للقرآن وتجويده:
الشيخ محمد يحيى:
هل تعرف لماذا قد يصل هذا الإحساس إلى بعض النَّاس؟ من طريقة توصيل عِلم التَّجويد، لنتكلم بصراحة، حينما نتكلم في باب مثل باب أحكام النُّون السَّاكنة والتَّنوين، أو الاستِعاذة أو البسملة هي أبوابٌ قليلة حينما تشرحُها لا تحتاج لوقت طويل، نعم التَّطبيق والمُمارسة يحتاج إلى وقتٍ وإلى دُربة، لكن ليس بالضرورة أن أُفرِد حِصةً كاملة للكلام عن السَّعادة، وحِصةً عن الإظهار، فالأوقات والأعمار لا تتسع لهذا، وحينما يرى الطَّالب أنه يحتاج لعامين أو ثلاثة فقط لدراسة التَّجويد الذي هو عِلمٌ له أولٌ وله آخر فإنه قد يعزِفُ عن ذلك.

د. رحابي محمد:
صحيح؛ وكثير من طلبة العِلم عزفوا ورغبوا عن القراءة عند كثير من مشايخنا أو من المشايخ والعُلماء والمقرئين ربُما بسبب بعض الأساليب التي كانت مُتّبعةً عند بعض المشايخ في التَّشديد على المُتعلّمين في البدايات وعدم التَّسهيل، ونحن نعلم حديث النبي:

{ رحِم اللهُ عبدًا سَمحًا إذا باع سَمحًا إذا اشترى سَمحًا إذا اقتَضى }

[رواه البخاري والترمذي وأحمد]

في البيع والشَّراء السَّماحة والتَّيسير مطلوب فكيف بالتَّعليم، نسأل الله تعالى أن يجعلنا ممن يُسّهلون ويُيسّرون تعليم القرآن الكريم.
بالمناسبة موضوع الدِّراسات العُليا في الأداء القرآني، وشيخنا أنت ما شاء الله عَلمٌ في القراءة والإقراء ولك تسجيلاتٌ في الإقراء، ولك إجازاتٌ كثيرةٌ ما شاء الله في الجزرية وفي منظومات أُخرى، في رواية حفص عن عاصم، في رواية عاصم أيضاً براوييه وبالقراءات سجّلت العديد من الحلقات التِّلفزيونية، تأتي الدِّراسات العُليا في الأداء القرآني ليس لتعليم أمثالكُم بل لنتعلّم منكُم، ولإضافة شهادة أكاديمية إلى جانب هذه الشَّهادات وهذه الإجازات المَشيخية المُقدّسة المُعظّمة التي نُجلُّها ونُقدّرُها، تأتي الشَّهادة الأكاديمية اليوم لتعزيز وتقدير هذه الشَّهادات المَشيخية التي يحملُها طُلاب العِلم، والتي يَحملُها قُرّاء القرآن الكريم والمُقرئون أمثالكُم، نسأل الله تعالى أن ينفع بكُم وأن يَزيدكُم عِلماً وأن ينفع بكُم أهل الأرض.
شيخنا؛ لو نذهب إلى سؤالٍ أو حوارٍ آخر، وأنتُم ما شاء الله على ثغرٍ كبيرٍ في قضية تعليم القرآن الكريم، وفي مراجعات تسجيلات القرآن الكريم، وفي تحكيم لمُسابقات القرآن الكريم، من خلال خبرتكُم برأيك يا شيخ محمد ما هو الاستعمال الصَّحيح للخيشوم؟ وما علاقة الخيشوم بضبط الحركات، وكيف نستطيع أن نُعلِّم طُلاب القرآن الكريم أن يوازنوا بين استعمال الخيشوم في الغُنن وبين استعمال الحروف من مخارجها الصَّحيحة من الفم وعدم المزج بين هذا وذاك؟

علاقة الخيشوم بضبط الحركات ومخارج الحروف:
الشيخ محمد يحيى:
نعم؛ قال الإمام ابن الجزري: (وَغُنَّـةٌ مَخْرَجُـهَا الخَيْشُــومُ) يعني آخر شطرٍ في باب مخارج الحروف معلومٌ ومشهور، (وَغُنَّـةٌ مَخْرَجُـهَا الخَيْشُــومُ) وكما أشرت حضرتك أنَّ الغُنّة تخرُج من الخيشوم، بمعنى آخر الخيشوم لا يُستعمل إلا مع الغُنّة، أين نجد الغُنّة؟ مع النون والميم، أو ما يشترك فيه النّون والميم مثل الإدغام بغُنّة، أو الغُنن الطويلة، أو القصيرة إلى آخره.. فمتى ما وجدت النون والميم لا بُد أن نأتي بالغُنّة، أصلاً لا نحتاج أن نتكلّفُها فهي آتيةٌ آتية لأنها جزءٌ من النُّون والميم، لذلك من الدِّقة حينما نُعرِّف الإظهار في باب النُّون السَّاكنة التَّنوين أن نقول هو إخراج النُّون السَّاكنة أو التَّنوين من مخرجها من غير زيادةٍ في الغُنّة، لا نقول من غير غُنّةٍ في الحرف المُظهَر لأنه لا يمكن أن يكون كذلك، لأن النُّون نِصفان: نصفٌ لسَّانيّ، ونصفٌ خيشومي.
طيب بعيداً عن هذه التَّفصيلات الكثيرة، أولاً النّون والميم معها نستعمل خيشوم، المُشكلة تقع حينما يتدخل الخيشوم أو يشترك أو يفرض نفسه على المُدود مثلاً، طبعاً هو يستطيع أن يُفعل ذلك مع كل الحروف لكن يكون أشهر وأوضح في الأذن مع الحروف المَمدودة، شيخنا الله يبارك في عمره فضيلة الشيخ صفوت سالم أشار إلينا بأمرٍ بسيط، أولاً تعرف هل يتدخل الخيشوم في غير موضعه أو لا، اختبارٌ بسيطٌ جداً، يعني معلومٌ أنَّ الحرف الذي يُستعمل فيه الخيشوم إذا سددت فتحتي الأنف هكذا تجد أنَّ صوت الميم والنون يتقطّع، لماذا؟ لأن الهواء أو صوت الحرف يخرج من الخيشوم، فإذا سددت مخرج الحرف فإن الصَّوت يتقطّع، طيب مثلاً أنا معي باء وألف، الباء لا علاقة لها بالخيشوم، فأقول با أنا أسُد فتحتي الأنف لأُراقب، أنا أُحاول أن أُراقب وأختبر نفسي، با ليس هناك خلاف، لكن عندما أقول أم وأغلق فتحتا الأنف الصوت تقطَّع الطَّالب الذي يشعر أن الخيشوم يَغلب عليه يُمكنه أن يفعل هذا الاختبار ببساطة، والحق أنَّ الأُذن تُميز صوت الخيشوم وقد لا تحتاج أصلاً إلى هذه التَّجربة.
طيب كيف أضبط الخيشوم؟ أو كيف أمنع الخيشوم من التَّدخل أو فرض نفسه على الحروف؟ بإتمام الحركات، كما قال العلاّمة الطِّيبي رحمه الله:
وَكُـلُّ مَضْمُـومٍ فَلَـنْ يَتِـمَّــــــــــــــــا إِلَّا بِـضَـمِّ الشَّفَتَـيْنِ ضَـمَّـــــــا وَذُو انْخِفَاضٍ بِانْخِفَاضٍ لِلْفَـمِ يَتِـمُّ وَالْمَفْتُوحُ بِالْفَتْـحِ افْهَـمِ
{ العلاّمة الطِّيبي }
إذا الضَّم والكسر والفتح تكون البِداية من هُنا، أضبط وأُتم هذه الحركات فلن يتدخل الخيشوم، يعني الضَّم يكون هكذا أو، والفتح آ يعني أفتح الفم فتحة متوسطةً دون مُبالغة والكسر اِ، يعني:

لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنتَ مَوْلَانَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (286)
[ سورة البقرة]

يعني به، هكذا تكسر الباء إذا استطعت أن أُتمَّ الفتح بفتح الفكين بتباعدهُما واستطعت أن أُتم الضَّم بضم الشَّفتين، أُ، والكسر بخفض الفك مع الكسرة فإنني بذلك أتفادى عمل الخيشوم، يعني هذه تَّجربةٌ وهذا أمرٌ يتضح جلياً في القراءة.

د. رحابي محمد:
أحسنت بارك الله فيك يا شيخ محمد، سنذهب إلى أكثر من محورٍ بعد قليل ورُبما نأخذ بعض الأسئلة والتَّعليقات من الإخوة الكرام والأخوات هُنا، إخواني وأخواتي إن استطعتم أن تُشاركوا هذا اللِّقاء على صفحاتكُم فافعلوا جزاكُم الله خيراً حتى يَعُم الخير والفائدة للمُشاركين معنا، ودائماً أقول أنا نُزيّن صفحاتنا في الفيسبوك بأهل القرآن الكريم وبرامج القرآن الكريم.
معنا في أحد التَّعليقات فضيلة الشّيخ الدكتور أحمد جميل النُّعيمي وهو أحد الأساتذة المُشرفين معنا في كلِّية الدِّراسات الإسلامية وله باعٌ كبير في خدمة القرآن الكريم وفي الأداء القرآني أيضاً، ولعلّ الله يكتُب لنا لقاء قريب إن شاء الله معه نستفيد من عِلمه و فضله.
يقول الدكتور أحمد جميل النُّعيمي: جهودٌ مُباركةٌ ملموسة وفقَكُم الله وسدد خُطاكم، ولا شك أن هناك فرقٌ بين القارئ المُتخصص وبين القارئ العامي، ونتمنى الحديث عن مسألة الوسطية في الأداء القرآني بالنسبة للعوام، يعني لا تفريط في أحكام التَّجويد ولا إفراط في التَّطبيق العملي، فالقرآن أُنزل على سبعة أحرف تسهيلاً على النَّاس والغاية من كلامي هذا أنَّ التَّشديد في المسألة يؤدي إلى النُّفرة، والأُمة اليوم في أشد الحاجة إلى محبة القرآن والالتفاف حوله، جزيل الشُّكر لإدارة الكلَّية المُحترمين عموماً وكلّية الأداء القرآني خصوصاً وعلى رأسهم الدكتور رحابي حفظهُ الله، جزاك الله خيراً يا دكتور أحمد وبارك الله فيك؛ نحن سُعداء بك وبجهودك الطَّيبة المُباركة نسأل الله أن ينفع بك.
عندنا الأخ الفاضل الأخ جهاد نصر يقول: المُشكلة أنَّ الطَّالب الذي يُعاني من ما تُسمى الخيشمة لا يعرف أنه يفعل ذلك، فنضطر أولاً بعد تنبيهه بلطف إلى الوصول به إلى إدراك خطأه ثُمَّ إقناعه والتَّدريب على ترك الغنّة في غير محلها لكن يصعُب على الكثيرين ذلك، إلا أن يمُنَّ الله عليه بشيخٍ صابرٍ مُحتسِب، نسأل الله تعالى أن يجعلنا من الصَّابرين المُحتسبين.
يقول الشّيخ محمد مصباح البدوي وهو أحد مشايخنا الكرام في أمريكا وهو ذو جهودٍ طيبةٍ رائعةٍ أعلى الله مقامكُم، بارك الله بكُم جميعاً نحن سُعداء بتواصلكُم وأسئلتكُم أو باقتراحاتكُم حتى نُناقشها مع بعض إن شاء الله تعالى، ونُضيف ونُثري لقائنا مع الشّيخ محمد يحيى حفظهُ الله، ونستفيد من وجوده معنا، ولعلّنا نُجري دورات ولقاءات وكورسات أُخرى إن شاء الله عن هذا الموضوع ويكون هناك تدريب مباشر، الآن نحن على الفيس على الصفحة هذه لا يوجد لقاءٌ مباشر ولا نسمع إلى الإخوة، ولكن إن شاء الله الإدارة في طور دراسة عمل دورات إن شاء الله تعالى، خصوصاً للاستفادة من أمثالِكُم فضيلة الشَيخ محمد.
يقول الشّيخ محمد مصباح بدوي: الطُّلاب هم من نسألهُم الصَّبر، المشايخ عندهم صبر، ولكن نريد الأولاد والطُّلاب والمتعلّمون يكون عندهم الصَّبر.
فضيلة الشّيخ حسني حسوبة أيضاً هو من المشايخ الكرام والعاملين في مجال الإقراء وله جهودٌ طيبةٌ مُباركةٌ في إقراء القرآن الكريم وخدمة القرآن الكريم، أسأل الله تعالى أن يُبارك فيك يا شيخ حسني، وهو أيضاً بالمُناسبة من طُلاب الدِّراسات العُليا في الأداء القرآني، نسعَد به طالباً ومُتعلِّماً في هذه المرحلة، وهو أيضاً مُعلّم ما شاء الله ولكن سيجمع بين الشَّهادات المشيخية بين الأصالة وبين المُعاصرة سيجمع بين شهادةٍ أكاديميةٍ ومشيخيةٍ إن شاء الله تعالى، يقول السلام عليكم ورحمة الله جزاكُم الله خيراً وبارك فيكُم وفي ضيفكم الكريم، من الأشياء المُجرّبة بفضل الله مع طلبة العِلم في ضبط التَّفخيم والتَّرقيق مُقارنة مواضع التَّفخيم والتَّرقيق في القرآن الكريم بما ينطقهُ القارئ نفسه في غير القرآن الكريم، نعم جزاك الله خيراً؛ شكراً لهذه الإضافة يا فضيلة الشيخ حسني وبارك الله فيك ونسعد بكُم دائماً.
شيخنا نعود إلى سؤالٍ يؤرق كثيراً من طُلاب العِلم أو مِمن يتلون القرآن الكريم، قضية قصر النَّفَس ومعالجته عند تلاوة القرآن الكريم، طريقة التَّنفُس الصَّحيح عند التِّلاوة للقرآن الكريم، كيف تُرشد وأنت ما شاء الله لك خبرةٌ واسعةٌ في هذا المجال، في الإقراء وفي التَّحكيم في مسابقات القرآن الكريم، طبعاً كما تعلم أن الطَّالب أو المُتسابق إذا تنفس أثناء تلاوته تُحتسب عليه أن هذا من عيوب القراءة، كيف لنا أن نُعالج قضية قصر النَّفَس والتَّنفُس الصَّحيح أثناء التِّلاوة؟

كيف نعالج قصر النَّفَس التنفس الصحيح أثناء التِّلاوة؟
الشيخ محمد يحيى:
نعم؛ هذا سؤالٌ في غاية الأهمية، طبعاً الإجابات المشهورة وهي صحيحة، يعني الخطوات الأولية من حيث الاهتمام بالصحة ومن حيث مُمارسة دربٍ من دروب الرِّياضة، ويعني النَّوم السَّليم الكافي، وأنا أول المُقصرين في هذا الأمر لكن سبحان الله هذه الحياة، يبقى فقط أن نقفز مُباشرةً أنا الآن أقرأ القرآن كيف استعمل الأنف والفم؟ يعني كيف أُنظّم نَفَسي إن صح التَّعبير؟ حتى أستطيع أن أقرأ جملةً طويلة، المُشكلة التي تقع هي أنَّ بعض النَّاس قد يقرأ بسُرعةٍ، يعني يُلاحق الجُمل بعضها بعضاً فلا يُعطي نفسه حتى فرصةً للتَّنفُس، يعني أنا لما أقرأ :

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (1) الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2) الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (3)
[ سورة الفاتحة]

في هذا الجُزء من الثَّانية لا يمكن أن يكون الهواء قد دخل بشكل كافي إلى الرِّئتين حتى أستطيع أن أُخرجه مع الزَّفير ومع الجملة المقروءة، المَطلوب هُنا حينما أتنفس وحينما آخذ الشَّهيق أن يكون التَّنفُس من الأنف وليس من الفم، يعني أنا أُغلق الشَّفتين وأتنفس، هذا له فائدتان: الفائدة الأولى أني لا أجرح الحلق، يعني تكرار دخول وخروج الهواء على منطقة الحلق يجعل الإنسان يشعُر باحتراق في هذه المنطقة، وهذا يشعُر فيها من يقرأ كَمَّاً كبيراً وخاصة في صلاة التَّراويح أو غيره، فأنا الآن حينما أتنفس أُغلق الشَّفتين ثُمَّ آخذ الشَّهيق، يعني كُلنا لو جربناها تجد أنك تأخُذ كَمَّاً كبيراً من الشَّهيق على غير استعمال الفم، يعني أنا هكذا أقول:

أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّن لَّكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ عَلَيْهِم مِّدْرَارًا وَجَعَلْنَا الْأَنْهَارَ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُم بِذُنُوبِهِمْ وَأَنشَأْنَا مِن بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِينَ (6)
[ سورة الإنعام]

لماذا قرأتُ هذه الآية كاملةً؟ لأني أخذت النَّفَس من الأنف، دخلت كمية هواءٍ كبيرةٌ إلى الرِّئتين، وحينما أقرأ أُخرِج الهواء بلطف، يعني لا أُخرِج الزَّفير كاملاً، طبعاً للوهلة الأولى يبدو أمراً مُعقّداً لكنه في غاية البساطة، المطلوب من القارئ خاصةً الذي يقرأ في الصَّلاة وفي صلاة التَّراويح أن يُعطي نفسهُ فُرصةً بين كُلِّ جُملةً والأُخرى وبين كُلِّ آيةً والأُخرى، بعض النَّاس كُنت أتكلم معه في هذا الأمر فقال لي إذا انتظرت كثيراً فإن من يُصلّون خلفي يظنون أني نسيت وسيذكرونني بالآية، قلت له بسيطة افعل ذلك مُنذ أن تبدأ الصَّلاة يعني من قراءة الفاتحة، يعني لا ينتظر منك أو لا يُتوقَع أنك تخطأ بالفاتحة:

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (1) الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2) الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (3) مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4)
[ سورة الفاتحة]

يعني أنا أصبر وأنتظر بين كُل آية وبين كُل جُملة وقتاً طبعاً ليس وقتاً طويلاً يُؤَرق من خلفي يظن أني نسيت ولكن الوقت الذي أستطيع من خلاله أن أتنفس بسهولةٍ وبراحة.
نُلّخص؛ حينما تتنفس أغلق الشَّفتين تماماً وخذ الشَّهيق من الأنف، تجد أنك تستغرق وقتاً أطول حينما تأخُذ النَّفس من الأنف، وبالتالي هذا يعني أنَّ الرئتين تمتلئ بالهواء الكافي الذي يُساعدك على قراءة جُملةٍ طويلة، ليس مطلوباً منك أن تقرأ آيةً كاملة، ولكن على الأقل حينما تُنهي الجُملة القرآنية بالمعنى المستقيم تكون النهاية فيها راحة، لأن بعض النَّاس حينما يصل إلى الحرف الأخير أو الكلمة الأخيرة تجد صوته قد ارتعش و يشعر بضغطٍ شديد حينما يصل إلى نهاية الجُملة.

د. رحابي محمد:
نعم؛ بارك الله فيك؛ لعلّ تسمح لي أُضيف بعض الشيء على هذه النَّاحية بالذات موضوع قصر النَّفَس عند البعض، وهذا أمرٌ مُهمٌ كما ذكرنا للمُعلّمين، للمُقرئين، للقُرّاء، لأئمة المساجد، للمُنشدين، طبعاً نحن نتكلم الآن أيها الإخوة والأخوات، عن قصر النَّفَس الطبيعي ليس الناتج عن مرض جسدي، عن أمراض في الرِّئة أو أمراض في القلب أو شرايين، هذا يحتاج إلى أدويةٍ وعلاجاتٍ وتشخيصٍ طبي، لكن نتحدث عن الإنسان الطَّبيعي الذي يشكو من قصر النَّفَس، من النصائح رُبما التي تُفيد كما عند بعض أهل الاختصاص ذكروا أنَّ مُمارسة الرِياضة كالجري والسِباحة هذه تُساعد على أيضاً الحصول على نَفَسٍ أعمق وخصوصاً عند التِلاوة، مما يُساعد أيضاً طبعاً موضوع النَّفَس عنصرٌ مُهمٌ جداً بل هو العُنصر الأساسي في تكوين الصَّوت بالنسبة للقُراء والمُعلّمين والأئمة وشيءٌ لا بُد منه في تلاوتهم، في قيامهم في صلاتهم، مثلاً كما ذكرت شيخ محمد أخذ النَّفَس ببطءٍ شديدٍ جداً حتى تمتلئ الرِّئتين امتلاءً كاملاً ثم حبس هذا النَّفَس لأربع ثواني، خمس ثواني، كان عندنا بعض المشايخ يُدربوننا يُعلِموننا على ذكر الله تعالى ولكن بهذه الطريقة يقول خُذ نَفَساً عميقاً واحبس النَّفَس، قُل الله الله بقلبك، استشعر قلبك يقول الله مع كل نبضة، أو قُل لا إله إلا الله في قلبك، فلمّا تُريد أن تستنفذ ما عندك من نَفَس أخرج الهواء زفير بهدوءٍ شديدٍ جداً وأنت أيضاً تقول الله، أو لا إله إلا الله، ثم خُذ نَفَساً عميقاً آخر، وكانوا يُدربون تلامذتهُم على ذلك كل يوم حوالي عشرين دقيقة، أو ثلاثين دقيقة، طبعاً هذه إحدى الأشياء التي مُمكن تُساعد على تَطوير النَّفَس، والتَّدريب على إطالة النَّفَس واتساع الصَّدر، إذا استطعنا أيها الإخوة والأخوات لأنه يوجد كثير بالفعل يسأل هذا السؤال المُهم، كيف استطيع أن أُطيل النَّفَس؟ درِّب نفسك على أن هذه المهارات أو هذه التَّدريبات كل يومٍ عشر دقائق، خمس دقائق صباحاً، وخمس دقائق مساءً، واجلس في الهواء الطلق، في هواء لا يكون مُلوثاً، طبعاً يُشترط في مُعلّم القرآن أن لا يكون مُدخناً صحيح شيخنا؟

الشيخ محمد يحيى:
يُشترط في كل إنسانٍ.

د. رحابي محمد:
يعني مُعلّم القرآن أولى النَّاس أن يُحافظ على صحته.

الشيخ محمد يحيى:
أنا من فهمت من كلامكم أنه لا يوجد شيء أنه عندي قصر في النَّفَس، الفكرة هي أني لا أستعمل أو لا أُنظّم النَّفَس بطريقةٍ صحيحة، يعني كلنا نحتاج أن لا نُقنع أنفُسنا بأن عندنا مُشكلة أصلاً في النَّفَس أو قصر في النَّفَس لأنه ليست مُشكلة، يعني كل النَّاس عندها الرِّئتين، وكل النَّاس عندها الآلية، طبعاً نحن نستثني أصحاب الأمراض نسأل الله أن يُعافينا جميعاً ويعافيهم، لكن أقول لا أُحب أن أقول عندي مُشكلةٌ أو عندي قصرٌ في النَّفَس، لا أنا فقط أُريد أن أتعلّم كيف أتنفس بطريقةٍ صحيحة، وإلا فكل النَّاس يستطيعون إن شاء الله.

د. رحابي محمد:
نعم كل النَّاس يستطيعون، إذاً دائماً بالإرادة وبالتَّدريب، وبالتَّعلُّم، وبالصُحبة، الصُّحبة الصَّالحة، والصُّحبة مع أهل العِلم، وأهل القرآن، ومع أصحاب المهارات العالية، وهذه النِّعمة التي وهبهُم الله إياها نستطيع أن نفعل ذلك.
طيب لو ننتقل إلى محورٍ آخر، ومرة ثانية أشكر كل من يُتابع معنا ويُضفي على هذا اللِّقاء كثيراً من المَحاور والنُّقاط التي نتعلّمها ونستفيدها منهُم.
الشَّيخ حسني حسوبة يقول: يعني يعود مرةً ثانيةً إلى موضوع التَّفخيم والتَّرقيق، يقول يُفخّم الطَّالب الألف حينما يأتي قبلها حرف الباء، نسأله كيف تنطق كلمة باسم، أو باسل أو باب هكذا، يعني نُخرجه عن القرآن قليلاً ونعطيه الكلمات التي هو يقولها، وهذه مهارةٌ جيدةٌ شكراً يا شيخ حسني جزاك الله خيراً، معلومة النَّفَس معلومة ذهبية.
كيف نصل إلى سلاسة الأداء دون شد؟ من الأخت حاملة القرآن نسأل الله تعالى أن يجعلنا وإياكم من أهل القرآن، كيف نصل إلى سلاسة الأداء دون شدٍ واسترسالٍ في القراءة؟ طيب لو نجيب على هذا السؤال، ثمَّ ننتقل إلى أسئلةٍ أو محاور أُخرى إن شاء الله، بالمناسبة ضعوا أسئلتكم إخواننا وتعليقاتكم، إذا أسعفنا الوقت نأتي عليها إن شاء الله، طيب لو تُجيب على هذه الأُخت الفاضلة كيف نصل إلى سلاسة الأداء دون شدٍ واسترسالٍ في القراءة يا شيخ محمد؟

كيف نصل إلى سلاسة الأداء دون شد وتكلُّف؟
الشيخ محمد يحيى:
بسم الله الرحمن الرحيم، الإجابة باختصار هي الدُربة، التَّدرب، يعني كثرة القراءة، وهذا يأخُذنا إلى أمرٍ آخر، يعني الشَّد هنا المقصود به التّكلُّف، يعني الطّالب الذي يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم يحاول أن يَتقعر وأن يتكلَّف في القراءة فهذا أمرٌ مذموم.
يعني إذا أردنا أن نؤصِّل للمسألة فتجد في كُتب أسيادنا ومشايخنا- طبعاً أنا أتأثر جداً بسيدنا الشيخ صفوت السَّالم لذلك أنقل من كتابه مباشرةً- يقول أكرمه الله أنّ هناك نوعان للتَّكلُّف: تكلُّف محمود، وتكلُّف مذموم، كيف يكون التَّكلُّف محموداً؟ هذا في بداية التَّعلُّم، كما ذكرنا آنفاً أننا في حياتنا اليومية لا نستعمل كلَّ المخارج بطريقةٍ صحيحة، ولا نقلقل ولا نُفخّم ولا نُطّبق بطريقةٍ كاملة، فطبيعي إذا أردنا أن نقرأ القرآن في بدايات التَّعلُّم يظهر الأمر وكأن فيه كُلفة، وأتكلف إخراج الحرف حتى أُتقنه وحتى أتمرسهُ واعتاده، هذه مرحلة، يعني الأخت التي تسأل إذا كانت في بداية التَّعلُّم وتجد من نفسها تكلُّفاً وصعوبةً في القراءة فهذه مرحلة، أقول لها لا تقلقي، لكن لا يمكن أن نستمر هكذا، فالإنسان لا بُد أن يخلع عنه رداء التَّكلُّف، أنا أُركّز على كلمة التَّكلُّف لأنها في الحياة كلها وليس في قراءة القرآن فقط تورِثُ أموراً سيئةً وتُورث أموراً في القلب، التَّكلّف دائما يؤدي إلى مفسدةٍ في كلِّ أمور الحياة، يعني حينما أتكلم -أنا أخرج عن الموضوع سامحني- حينما أتصل بصديق لي، يعني أشرف بصداقة الدكتور رحابي، ليس من الأدب والمروءة حينما أبدأ، لماذا لا تسأل؟ يعني مرَّ كم شهرٌ ولم تسأل عني! إذا حدث هذا فأنا أيضاً لم أسأل عنك، نحن لم نتواصل كيف ألومك على شيءٍ أنا أيضاً أفعله؟
نرجع إلى التَّجويد، التّكلُّف أمرٌ مذموم، في القراءة لا يتكلَّف الإنسان إخراج الحروف، كيف أصل إلى السَّلاسة وإلى السُّهولة في القراءة؟ بالتدّرب، والتَّمرُّس، وبكثرة القراءة، وألا أشعر أنني مُراقبٌ وأنني تحت ضغط، يعني أقرأ بسلاسةٍ وببساطة.

هل المبالغة بالتفخيم تؤدي إلى تكلُّف؟
د. رحابي محمد:
أحسنت، بارك الله فيكم شيخنا، الشِّيخ حسني معنا اليوم ما شاء مُتابعٌ ومُشاركٌ جيد، سنستضيفه إن شاء الله يوم من الأيام قريباً بإذن الله نسعد به، نحن عندنا لقاءاتٌ كل سبت مع أهل العلم والقرآن، ولقاءاتٌ أيضاً في برنامج الدِّراسات العليا في الأداء القرآني للإخوة والأخوات الذين سجّلوا ومُتابعين معنا في برنامج الدِّراسات العُليا في الأداء القرآني، يقول: أحسن الله إليكم، في بداية علاقة الطَّالب بالقرآن مما يُعينهُ على ضبط النَّفَس وتطويله تعليمُه أنه لا داعيَ أن يُزعج نفسه ويرتبك، ولكن يقف حيث انتهى نَفَسه، مع مراعاة القاعدة "وليس في القرآن من وقفٍ وجب"، يعني لا يجب وقفٌ في القرآن ولا حرام، ثم ينظر بعد ذلك من أن يُصلّح له أو يصحح أو يستأنف إلى أن يتدرب على النَّفَس شيئاً فشيئاً، نعم جزاك الله خيراً؛ على فكرة هذه لفتةٌ مهمةٌ جداً أنَّ قصر النَّفَس أحياناً بسبب الارتباك.
أحياناً أذكر مواقف حصلت معي شخصياً إذا دُعيت إلى إمامةٍ في مناسبةٍ مُعينة، أو أمام أشخاص مُعينين، مشايخ، أو أئمة هم أهل الفَضل وأهل العِلم، أو أساتذتك، وقُدِّمت إماماً أمامهم، نَفَسي بالكاد يقول آيةً واحدةً أو جُملةً قصيرة، فسُبحان الله نعم الارتباك يؤثر كثيراً، طيب كيف نُعالج الارتباك؟ خُذ نفَساً عميقاً وتوكل على الله والله سَيُعينك، لا تُفكر كثيراً في الأشخاص الذين يقفون خلفك.
نحن سنمُرُّ على الأسئلة بشكل عام، سامحوني إخواني وأخواتي الذين لا نستطيع أن نذكُر أسمائُهم أو تعليقاتُهم أو أسئلتهُم كلها، لكن ما أراه يظهر أمامي على الشَّاشة أُقدّمه.
الأخت الفاضلة تقول: نعم نرغب بالتوضيح، ما هو التَّكلُّف بالنسبة للنِّساء عندما تُبالغ في التَّفخيم، فيصبح صوتها قريباً من صوت الرَّجل، فهل هذا من التَّكلُّف؟ اسمح لي أجيب، ثمَّ أترك لك أيضاً التَّعليق شيخنا.
إخواني وأخواتي حروف اللُّغة العربية حروفٌ يستوي في قراءتها ونطقها، ولفظها الرِّجال والنِّساء، إلا الأطفال الصِّغار الذين يتدربون على الكلام فهذا لا تظهر معه الحروف بشكل صحيح، يعني سنة سنتين ثلاثة يُعفى من تجويد الحروف، لكن الرِّجال والنِّساء يستوون في نُطق الحرف المُفخّم، حروف الاستعلاء، في حرف الضاد، في حرف القاف، وفي الحروف المرققة الأُخرى الكاف، الباء، والتاء، والثاء، والجيم، والحاء.
هذه لا يعني أن المرأة السَّيدة الفاضلة التي تتلو القرآن الكريم إذا فخّمت حروف التَّفخيم، أو الراء المُفخّمة، أو لفظ الجلالة، يعني أنها أصبح عندها تكلُّف في القراءة، وأصبح صوتها كصوت الرَّجل، لا، يعني لا نقول لها أن تُقلِّد صوت الرَّجل، لا نقول تذهب إلى هذا المنحى، لأن تلاوة القرآن تختلف لها منحى، ونغمة، ومقامٌ خاص في التِّلاوة، لا يمكن أنه نُجيّر الحنجرة الصَّوتية إلى ذلك المنحى، وكذلك الرَّجل لا يمكن أن يُجمّل صوته، ويُرَخّمه، ويُرققه بطريقةٍ نسويةٍ كالأنثى، هذا أمرٌ مُختلفٌ تماماً، فقط أُريد أن أوضح أن تفخيم الحروف ولفظ الحروف يستوي فيها الرجل والمرأة، نحن نستمع إلى تلاواتٍ كثيرةٍ من الأخوات الفاضلات، تلاوتهم في القرآن الكريم فيها إتقانٌ شديدٌ للمخارج بشكلٍ عام كُلها المُفخّمة والمُرققة، فهذا لا أبداً، لا أحد يُفكّر أختي الفاضلة أنه تفخيم الحروف أو ترقيقها أو تلاوة القرآن يدعو المرأة إلى أن تذهب إلى موضوع الخضوع في القول أو إلى تقلِّيد الرِّجال.
تفضل شيخ محمد في هذا الموضوع، هذه الفكرة الله يبارك فيك.

الشيخ محمد يحيى:
ما شاء الله أنت أجبت وأسهبت، هي الفكرة حينما أشعر بأي شيءٍ من الإزعاج أو الانزعاج فلا بد أن هناك نسبةً من التَّكلُّف، صراحة أنا أحاول أن أفهم صيغة السؤال، هل الأخت قرأت بطريقةٍ حتى وصلت إلى ذلك فشَعَرت أنَّ صوتها تغير وأصبح يُقارب صوت الرَّجل، أم أنها قرأت هذا السؤال، أم أنها سُئلت هذا السؤال، يعني أنا أحاول أن أفهم هذا السؤال، لكن الخُلاصة والحاصل في الأمر أننا حينما نقرأ لا نزيد التَّفخيم، حتى التَّفخيم نفسه لا نتكلَّف فيه سواء رجُلاً كان أو امرأة، وهذا أيضاً يدخل فيه أمورٌ خاصةٌ بمخارج الحرف، مثل الطاء أو الصاد، يعني دعونا نتكلم بوضوحٍ أكثر، الحروف المُستعلية التي حَقها الاستعلاء ومُستحقُها التَّفخيم، أو الحروف المُفخّمة حتى تكون سهلةً على من يسمعنا لا عمل للشَّفتين فيها، لأن الشَّفتين كما قال الإمام ابن الجزري:(لِلشَّفَتَيْنِ الْـوَاوُ بَاءٌ مِيم) وطبعاً الفاء يدخل معها بطريقةٍ مُعينة، إذا خُصَّ ضغطٍ قِظ، لا عمل للشفتين فيها، كيف؟ أنا حينما أقرأ الظاء أقول، ظا، صا، اهدنا الصراط، يعني بعض النَّاس قد يمدُّ الشَّفتين إلى الأمام وهو يظن أنه يظهر تفخيم الصَّاد، هذا أفسد صوت الصَّاد وأعمل مخرجاً في غير محله، لا عمل للشَّفتين في الحروف المُفخّمة، فإذا سمعتِ حضرتكِ صوت التَّفخيم زاد عن حده، وصوت الحرف قد اختل أو زاد فيه شيءٌ، فلا بد أن يكون هناك مخرجٌ آخر قد تدّخل وأفسد هذا الأمر.

د. رحابي محمد:
أذكر أحد المشايخ جزاه الله خير، شيخنا الشّيخ محمد طه سكر، رحمه الله وأعلى الله قدره، كان هو يُعتبر من المشايخ والشّيوخ المعروفين، رقم واحد في سوريا كما ذكره شيخ قُراء الشَّام، الشّيخ كريّم راجح، كنا مرة في مسابقة القرآن في مصر فبعد المُسابقة، كان الشّيخ كريّم راجح في لجنة المسابقة مع لجنةٍ من المسابقة من المُحكّمين المصريين، كان في رمضان في القاهرة، فبعد أن انتهيت من القراءة سألتني اللَّجنة من شيخك؟ فقلت لهم: الشّيخ محمد سُكر، فالشيخ كريّم التفت إليهم وقال لهم: هو عندنا الرقم واحد الشّيخ محمد سكر في سوريا، جزاه الله خيراً الشّيخ محمد سكر ورحمه الله وأعلى الله قدره، وكان الشيخ محمد سكر شديد الضبط، يعني من يقرأ عنده قصار السّور يصل إلى سورة النصر أو سورة التَّكاثر يكون قد أنجز إنجازاً عظيماً، أسبوع أو أسبوعين، شهر أو شهرين تبقى عنده، المُهم في أكثر من مناسبة كنا نجلس ليأتي دورنا في القراءة، إذا تقدَّم أمامه للقراءة أحد الطُّلاب، وقرأ هكذا:
أعوذ بالله من الشَّيطان الرجيم، ظناً منه هذا الطَّالب أنه الآن يُسعد قلب الشّيخ بالإتقان وبالضبط وبالصوت، فالشيخ كان يغضب ويقول له: ماذا تفعل؟ تُكسِّر وفي الصَّخر!

وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ (22)
[ سورة القمر]

والله كان الشّيخ شديد الضَّبط ولكن ما رأيته مرة مُتكلَّفاً بقراءته، لو تسمع قراءته، تسجيلاته نادرة عنده تسجيلٌ واحدٌ للقرآن الكريم، ولكن قراءته سلسةٌ جداً.

الشيخ محمد يحيى:
الضَّبط يتنافى مع التَّكلُّف ولا يمكن أن يجتمعا، أعوذ بالله من الشَّيطان الرجيم، انظر أنا استعملت الشَّفتين، طبعاً حضرتك تضربها مثالاً للخطأ وليس للصَّواب، حتى صوت الطَّاء ظنَّ الكثير أنَّ هكذا تكون مُفخّمةً أكثر وتكون مُستعلية، لا صوتها قد اختلف.

د. رحابي محمد:
إذا نحن دخلنا الآن إلى قضية التَّكلُّف والتَّقليد، هل التَّقليد أحياناً يقود إلى التَّكلُّف في القراءة؟ وهل هناك محاسن أو مساوئ في التَّقليد أو في التَّكلُّف في البدايات ممكن؟
أنا لو تسمح لي ويسمح لي الإخوة، رُبما في البدايات لوحدك للقراءة للتَّدريب نعم، حتى تبحث عن المخرَج نعم، ابحث عنه حتى تجده ثُمَّ قلهُ بسلاسة، لكن أن تجعله طريقتك وسبيلك في التلاوة والقراءة، فهذا التَّكلُّف غير محمود.
فما هو التَّقليد؟ وما هو التَّكلُّف؟ وما هي العلاقة بينهما؟ وهل هذا أمرٌ محمود، أو هل من مساوئ، من محاسن لكل منهما شيخ محمد؟

ما هو التَّقليد وما العلاقة بينه وبين التَّكلُّف؟
الشيخ محمد يحيى:
طيب نحن تكلمنا عن التَّكلُّف كثيراً، دعنا نتكلم عن التَّقليد ثُمَّ نجد هل هناك خطاً يجمع بينهما أم لا؟ التَّقليد لا بأس به أيضاً في بداية حياة القارئ، ولنتكلم بوضوحٍ أكثر يعني حينما تستمع إلى قارئٍ من مصر وقارئٍ من الشَّام، وقارئٍ من السُّعودية، وقارئٍ من هنا وقارئٍ من هنا، لا بُد من حيث النَّغم، ومن حيث الأداء أن يلتقي الجميع عند نقطةٍ معينة وكأنه بحرٌ يغرف منه الكُل، لكن الممنوع أو المذموم هو التَّقليد الحرفي، يعني حينما يسمعني أحد النَّاس يقول هذا فلانٌ الذي يقرأ، لا يقول اسمي! يقول من أقلده، طبعاً الأُذن تتأثر بما تسمع، وإذا اعتاد الإنسان أن يسمع قارئً واحداً فإنه سيتأثر به رغماً عنه، فالقارئ المُتقْن وأنا أهتم كثيراً بالإمام، أو بقارئ صلاة التَّراويح، كُلنا في البداية قلّدنا، يعني أنا أُحب الشيخ كذا الذي يقرأ بطريقة معينة وأُحاول أن أُقلده، لكن مع الوقت حينما أستمع لقارئ وأكثر وأكثر تتزاحم في رأسي النَّغمات والأداء والأصوات والمقامات، أنا أتجرأ وأقول مقامات رغم أنه يوجد أناس تكره هذه الكلمة، ولكن سنمر عليها مروراً سريعاً، فالفكرة قلّد من شئت إذا كنت تُحبه لكن اجعل لنفسك شخصيةً مُستقلةً مع الوقت، كذلك تشعُر بالنِّسبة للتَّكلُّف تجد أن هناك أمرٌ يجمع بينهما، أنَّ الإنسان في بداية حياته من حيث تعلُّم التَّجويد تجده يتكلَّف حتى يُخرج الحروف مع الوقت يعتاد الحروف بسلاسة، كذلك الأمر مع القارئ أنا أنظر الآن ليس من ناحية التَّجويدة الصِرف أنظر من ناحية الأداء كالصوت أو النَّغم، أيضاً يُقلِّد القارئ بعضاً من القُرّاء ومع الوقت يستطيع أن يجعل لنفسه شخصيةً مُستقلة، هذه هي القاعدة، أما الإفراط، أما التَّغني الزَّائد، أما الميوعة، أما هذه الأمور فهذا بابٌ آخر.

د. رحابي محمد:
جميلٌ جداً؛ جزاك الله خيراً، الإمام ابن الجزري رحمه الله وكل مشايخ التَّجويد ومشايخ القراءة حذّروا من التَّكلُّف ومن التَّعسُّف في القراءة، حذّروا القُرّاء، حذّروا المُتعلّمين، التَّجويد حِلية التِّلاوة، وزينة القراءة، وهو إعطاء الحروف حقها، وتَرتيلها، وترتيبها مراتبها، وَرَدُّ الحرف إلى مخرجه وأصله وإلحاقه بنظيره، وتصحيح لفظه، وتلطيف النُّطق به على حال صيغته وكمال هيئته من غير إسرافٍ ولا تعسُّف ولا إفراطٍ ولا تكلُّف:

{ مَن أحَبَّ أن يَقرَأَ القُرآنَ غَضًّا كما أُنزِل فلْيَقْرَأْه على قِراءةِ ابنِ أُمِّ عبدٍ }

[رواه ابن ماجه]

كما ذكر ذلك أو رواه ابن ماجه، عبد الله ابن مسعود رضي الله عنه وأرضاه.
طبعاً شيخنا الحديث مُمتعٌ جداً ومضى خمسون دقيقة تقريباً والحديث عن القرآن الكريم وعلى مائدة القرآن الكريم لا ينتهي ومُمتعٌ جداً جداً.
عندنا سؤال أضعه بين يديك، لكن قبل أن أضع هذا السؤال بين يديك شيخ محمد الإمام الحافظ أبو عمر الدَّاني رحمه الله تعالى يقول: (ليس التجويد بتمضيغ اللِّسان،ولا بتقعير الفم ولا بتعويج الفك) هذه ملاحظةٌ أرجو من الإخوة والأخوات الانتباه لها والحذَر منها، ليست قضية التَّقعير والتَّمطيط و التَّكلُّف، ستجدون الإخوة الذين في الدِّراسات العُليا في الأداء القرآني، أمثال الشّيخ محمد يحيى من القُرّاء، رُبما من المشاهير، رُبما من المُقرئين، من الذين سجّلوا ختمات، من المُشرفين على حلقات أو على برامج قرآنية، من الذين يُحكّمون في مُسابقاتٍ عالمية، فقضية الدِّراسات، وقضية الدِّراسة، ليس أن نزداد تكلُّفاً! لا، سنسمع إلى تلاوة الشَّيخ إن شاء الله واسمه موجودٌ في الصفحة لتزورون صفحته، وتزورون إن شاء الله قناته حتى تستمتعوا بتلاوته الطَّيبة العذِبة.
فالإمام أبو عمر الدَّاني يقول:
(فليس التجويد بتمضيغ اللِّسان, ولا بتقعير الفم, ولا بتعويج الفك، ولا بترعيد الصَّوت، ولا بتمطيط المُشدّد, ولا بتقطيع المدّ, ولا بتطنين الغُنّات، ولا بحصرمة الرَّاءات، قراءةً تنفر منها الطِّباع, وتمجّها القلوب والأسماع، بل القراءة السّهلة العذبة الحلوة اللّطيفة، التي لا مضغ فيها، ولا لوك، ولا تعسُّف ولا تكلُّف، ولا تصنُّع، ولا تنطُّع، ولا تخرج عن طباع العرب وكلام الفُصحاء بوجهٍ من وجوه القراءات والأداء).
هذا كلام لعلّي أختم به قضية التَّكلُّف والتَّقليد وعيوب هذا التَّكلُّف.
الآن شيخنا موضوع توضيع اللِّسان أو نطق الحروف، أو ما هي الآلية أو المهارة في استخدام اللِّسان والفك والفم، والمهارات بشكلٍ عام ماذا تنصح في هذه المسألة شيخ محمد؟

ما هي المهارة في استخدام اللِّسان والفك والفم في التِّلاوة؟
الشيخ محمد يحيى:
معلومٌ أولاً أن القرآن الكريم قُرأ لقرنين من الزَّمان قبل أن يكون له قواعدٌ نظريةٌ مكتوبةٌ، نعم الآن لا يمكن أن نقول نكتفي بالرِّواية، لا بد من الدِّراية، لكن أنا أُؤصل المسألة، أنَّ الأمر قائمٌ على الاستماع والقراءة، أُجرب الحرف، كيف وضع العُلماء مخارج الحروف من النَّاحية النَّظرية؟ راقبوا وشاهدوا قراءة المُتقنين، مَن عُرِفوا بين الناس بالقراءة الصَّحيحة، ثُمَّ وضَعوا القواعد بناءً على طريقة تلفُّظ هؤلاء النَّاس، يعني أنا أقول لحضرتك مثلاً أو لأحد الإخوة المُتابعين: مثلاً حرف الضاد، يخرُج من الحافة اليُمنى للسان أو اليُسرى أو منهُما معاً مع ما يُحاذيهُما من الصفحة الدَّاخلية للأضراس العُليا، طيب هل يُنتَظر من الطالب أن يوجه لسانهُ إلى الحافة اليُسرى، تجد بعض الناس عندما يلفظ الضاد يقول أض، ليس دوري ولا دور الطَّالب أن أضع اللِّسان في مكانه، أصلاً لا أستطيع أن أتحكم في توضيع اللِّسان، يعني ما تعريف الاستعلاء؟
تعريف الاستعلاء أو المُعتبر في الاستعلاء هو ارتفاع أقصى اللِّسان، هل تستطيع أو هل أستطيع أنا أن أتحكم في لساني؟ فأقول الآن سأرفع أقصى اللِّسان دون وسطه، أو سأرفع أقصى اللِّسان فقط مع طرف اللِّسان، وأخفض أو أسفِل وسط اللِّسان، لا أستطيع أن أفعل ذلك.
إذا التَّرتيب الصَّحيح، أن أنطق الحرف وأتدَرب عليه، ثُمَّ أقول للطالب نعم، لمَّا تنطق الحرف بهذه الطَّريقة أُقرّها لك، كان لسانك الآن وضعه وشكله كذا، إذاً أنطق الحرف بطريقةٍ صحيحة، ثُمَّ أُشير إلى مخرجه وليس العكس، لا يمكن أن أدخُل على الطَّالب من مدخل أنَّ اللِّسان لا بُد أن يكون هكذا، ضع لسانك يميناً، ضع لسانك يساراً، أصلاً هذه لا يملكها ولا يستطيعها أحد، اللِّسان حينما يكون في المكان الصَّحيح يخرج صوت الحرف الصَّحيح، يعني هذه أردت أن أصل إلى أنَّ نطق الحرف يكون قبل توضيع اللِّسان أو قبل معرفة توضيع اللِّسان، طبعاً لا فارق في التَّزامن بينهُما، حينما أنطُق الحرف يكون اللِّسان بالفعل في المكان الصَّحيح، لكن أنا لا أوجه لساني، لا أقول سأنطُق الضاد هذه المرة من اليمين أض، سأنطقها من اليسار أض، هذا خطأ لا يمكن أصلاً أن يكون.

د. رحابي محمد:
نعم إذاً نترك الأمور بطبيعتها.

الشيخ محمد يحيى:
نعم، أسمع صوت الحرف، أجربه، يُقرّه لي شيخٌ متقنٌ، مُجازٌ بالسند إلى النَّبي صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ حينما يكون الحرف قد نُطق صحيحاً تأكد أنَّ لسانك في المكان الصَّحيح.

د. رحابي محمد:
وكأننا عُدنا مرةً ثانيةً بالفعل إلى قضية التَّكلُّف، والتَّقعير، لعلّ البعض أفاد في قضية التَّكلُّف، أسباب التَّكلُّف ثم ما هي وسائل التَّخلُّص من التَّكلُّف لعلك تسمح لي أن أُجمِلها وأُلخّصها وبشكل سريع إن شاء الله تعالى، من أسباب التَّكلُّف عدم الوقوف على المعاني أو عدم تدبُر معاني القرآن الكريم، فيُركز على الحروف ويضع مِجهراً على كل حرف، ويُركّز على الحروف أكثر من ترك الأمور تمشي في تدبُر المعاني، لأن كل آيةٍ لها معنى ولها مقامٌ مُعينٌ في القراءة والتِّلاوة والتَّدبر، فإذا ركزّنا فقط على الحروف فسوف تظهر قضية التَّكلُّف والتَّقعر.
رقم اثنان المُبالغة في تحقيق الحروف يعني الحرف مُحقق اتركهُ، وهبك الله حلقاً وحُنجرة ولساناً وشفتين وتستطيع أن تتلو بشكلٍ طبيعيٍ وسليمٍ فلا تشك في قُدراتك وفي مهاراتك، رُبما المُبالغة في تحقيق الحركات فالحركة القصيرة تُصبح مداً والمد يُصبح مداً زائداً، أحياناً تقليد الأصوات دون ضابط- هذا مما تفضلت به قبل قليل - هذا مما جعل عندنا الآن بالفعل ليس لحناً خفياً لا! ألحاناً جليةً عند كثير ممن يسجّلون ختمات قرآن ولهم مقاطع يوتيوب، ولهم تسجيلات كاملة رُبما وانتشرت، نسأل الله أن يُبارك فيهم وأن ينفع بهم، ولكن بدون مُراجعةٍ من محققين من مُقرئين والالتزام بالتَّقليد هذا أصبح عندهم نوعاً من التَّكلُّف، أحياناً اللَّهجة المحلية لكل قارئ تجعله أيضاً يعيش تكلُّف في قراءة القرآن الكريم، لو نذهب إلى وسائل التَّخلُّص من التَّكلُّف، رقم واحد لعلك توافقني شيخنا، التَّلقي عن المشايخ، المُقرئين، المُتقنين، المَهرة، العارفين الذين أخذوا القرآن وتلقوه بالسَّند المُتصل إلى النَّبي صلى الله عليه وسلم.

الشيخ محمد يحيى:
لا يكون القرآن إلا كذلك.

د. رحابي محمد:
ولا يكون إلا كذلك الله يفتح عليك؛ الحَذَر من التَّعلُّم والتَّعليم بالتَّكلُّف أيضاً للمُبتدئ، يعني المُبتدئ لمّا نُعلُّمه أيضاً نحذر.. مرة ظهر فيديو لأحد الأولاد يُقلِّد مُعلمتهُ كيف تُعلُّمه القراءة يقول كما تُعلُّمه فلذلك ننتبه كمُعلّمين من التَّكلُّف أمام الطُّلاب.
ثم من وسائل التَّخلُص من التَّكلُّف الرِّياضة المُستمرة والتَّدريب المُستمر ومُراعاة أوزان الحروف ومقاديرها وأوزان الغُنن ومقاديرها، ثم التَّدبُر عند القراءة هذا يُعين الإنسان على الإرتياح والتَّدبُر بطريقةٍ أفضل.
لو تسمح لي عندنا الأخت أمل العظمة أيضاً تشارك معنا اليوم ما شاء جزاها الله خيراً، وأعتقد هي بنت فضيلة أُستاذنا الشّيخ الدكتور عدنان العظمة حفظهم الله ورعاهم ونفع بهم إن شاء الله، الشّيخ حسني حسوبة يقول: تناظر أبو حنيفة رحمه الله قديماً مع أحد القائلين بأن الإنسان مُخيَّرٌ على الإطلاق، لا أستطيع قراءة الحروف بشكلٍ واضحٍ فالمعذِرة يا شيخ حسني نسمعُها منك في يومٍ قريبٍ إن شاء الله، تقول إحدى الأخوات السائلات هنا، نأخذ سؤالاً أوسؤالين ونختصر الإجابة وسأترك الإجابة لشّيخنا وضيفنا الحبيب الشّيخ محمد يحيى.
جزاكم الله خيراً شيوخنا وحفظكم الله، الأخت جميلة تقول: السُّؤال الأول كيف نُطّبق هذه النَّصائح على أنفُسنا وعلى الأولاد غير النَّاطقين باللُّغة العربية، مثل هنا في أمريكا أين اللُّغة العربية؟ تقريباً ليست موجودة في البيت ولا في المدرسة، تقول كيف نطبق هذه النَّصائح على أولادنا الذين يعيشون في الغرب؟ ويكون هناك لقاءاتٌ أكثر للمشاركة تفضل شيخنا.

مساحة الإتقان في التَّجويد:
الشيخ محمد يحيى:
نعم؛ طبعاً الإجابة على هذا السؤال تحتاج إلى تفصيلٍ طويل، لكن الحاصل في الأمر حتى قبل أن نصل إلى غير النَّاطقين بالعربية، إذا تكلّمنا حتى علينا نحن العرب فإن الإتقان له مساحة، يعني هناك مساحةٌ للإتقان، الإتقان ليس درجةً واحدة، يعني إذا اعتبرنا مثلاً أنه ثمانين بالمئة مثلاً إلى مئةٍ بالمئة هذه مساحة الإتقان، هذه يتفاوت فيها النَّاس صُعوداً ونزولاً، لأن ليس كل النَّاس على درجةٍ واحدةٍ من الاستيعاب أو من إمكانية التَّطبيق أو القدرة على تخليص الحروف بشكلٍ صحيح، لكن هناك درجة إذا قلّ عنها الإنسان نقول أنه يحتاج إلى التعلُّم ويحتاج إلى الدعم، أنا أصل إلى هذه النُّقطة أنه حتى الإجازة القرآنية فيها أيضاً مساحةٌ للإتقان، نعم المساحة تقل وتضيق، لكن إذا اعتبرنا مثلا من تسعين بالمئة إلى مئةٍ بالمئة من يدور في هذه المساحة هو مستحقٌ للإجازة، مثلاً أنا أضرب مثالاً ليس بالضرورة أن تكون الأرقام دقيقةً لكن أنا أريد أن أقول أنَّ هناك مساحةً للإتقان، هذه يتفاوت فيها حتى العرب، قد تصل بطالب أن لا يستطيع فعلاً أن يُخلّص الحروف من الخيشوم، وصل به الأمر إلى أن هذا شيءٌ مزمنٌ معه ماذا أفعل؟ لا يُكلّف الله نفساً إلا وسعها، لا أتساهل في ذلك، لكن لا يمكن أن يكون النَّاس كلهم على درجةٍ واحدةٍ من الإتقان، هذا فيمن نزل القرآن بلسانهم.
ننتقل إلى غير العرب، غير العرب أنا لا أنتظر منه أصلاً أن يصل إلى التِّسعين بالمئة لأن الله سبحانه وتعالى سيقبلها منه بإذنه سبحانه، أنا أُعلّمهُ، أبذل معه الجهد، يعتمد أكثر على الاستماع أكثر من القراءة، يعني الاستماع يكون هو الأصل في الحفظ، لأن الصُّعوبة حينما يحفظ الإنسان شيئاً خاطئاً يكون صعباً جداً أن يُصححه، أما إذا بدأ بحفظٍ سليم فإن هذا يسهل عليه المُهمة، ومعلومٌ أن الأذن تحفظ النَّغمة التي تقرأ بها فالاستماع يزيد في الحفظـ، الطَّالب غير العربي طبعاً له عذره ولا أُعامله مُعاملة العرب، أُحاول معه، أُعينه على الاستماع، أُكرر الحرف أمامه لكن لا يُنتَظر منه أن ينطق الضَّاد كالعرب مثلاً، وبعض الحروف قد لا يصل بها إلى الإتقان الكامل لكنه يبذل ما في وسعه، وطبعاً دور الآباء والأمهات مع أولادهم دورٌ كبيرٌ جداً يعني الله يعين الكل.

د. رحابي محمد:
بارك الله فيكم، شيخنا عندي تجرُبةٌ أنا أدرَّس في إحدى الجامعات الحكومية اللغة العربية لغير النَّاطقين بالعربية، غير عرب وحتى غير مسلمين، فلمّا تدخل إلى الدَّرس وهم في مستوى أول في اللُّغة العربية، نحن طبعاً عندما تعلّمهُم العربي في الدرس الأول أو في المرحلة الأولى تعلّمهُم الحروف ومخارج الحروف وصفات الحروف، تُعطيهم حروفاً ليست موجودةً في اللغة الانكليزية أو في لُغاتهم، خصوصاً الحروف الحلقية مثلاً أو الضاد أو العين وغيرها، فكانوا بالفعل لأول مرةٍ في حياته تقول له قل طاولة مثلاً، لا يقولها طاولة يقول تاولة، الضاد أيضاً فأقول لهم أنتم قادرون فيقولون صعبة، ولا نستطيع، لا بل تستطيع أن تفعلها، وأنا مؤمنٌ أنكُم تفعلوها كُلكُم, والآن اليوم فيقولون كيف؟ فأقول الذي خلقنا جميعاً بنظامٍ صوتيٍّ واحدٍ، عندك حنجرة، عندك حلق، عند لسان، عندك شفتين، عندك أنف، يقولون نعم، أقول لهم: ولذلك هذه الأصوات نتعلّمها معاً، عندكم في اللغة مثلاً الإنكليزية عندكم حروف أنا ما عندي في اللُّغة العربية، أتعلّمها الآن من خلال أستاذي، كان عندنا أستاذ لغةٍ إنكليزيةٍ يكز على شفتيه حتى يُعلّمنا ذلك، فأقول لهم قولوا معي ضا، وأقول فخِّموا الآن هذا سؤال الأخت التي تقول ماذا لو فخَّمت السَّيدة حتى يصبح صوتها مثل الرجل؟ لا، فخِّموا فخِّموا حتى صدرت معهم من أول جلسة بفضل الله تعالى، أعطهم الثِّقة بالنفس، أُقنعهم أنَّ الذي خلقك وخلقني واحد، عندك لسانٌ وعندي لسان، عندك شفتين، وعندي شفتين، تعالوا نقول حرف الهاء، حرف الحاء، حرف العين، صعبةٌ للغاية بعد أربعين خمسين سنةً في حياته لأول مرة تقول له أنطق هذا الحرف سيجد صعوبة، لكن مع الاستمرار والتَّشجيع عندهم القدرة على ذلك.
أخونا علي السّوسي وهو طالبٌ في الدِّراسات العُليا في الأداء القرآني من فرنسا جزاه الله خيراً، وأيضاً شيخ حمزة العياضي من طلاب الدِّراسات العُليا في الأداء القرآني، عندهم سؤالين اسمح لي أن آخذ السؤالين ثم نختم إن شاء الله شيخنا، يقول: الشِّيخ علي أعتقد أن شكل الحركات (فتحة ضمة كسرة) تُساعدنا في تفادي المُشكل لكل حركةٍ شكلها أليس كذلك؟

الشيخ محمد يحيى:
نعم هو كذلك،وهذا أيضاً يُساعدنا على تفادي استعمال الخيشوم في غير محله، نعم.

د. رحابي محمد:
فضيلة الشيخ حمزة العياضي يقول: سيدنا الشيخ ماذا نعمل مع الأمور الخلافية في التَّجويد؟ هل تقرأ كما أقرأك شيخك؟ ولو كان مخالفاً لرأي الجمهور مثلاً؟ مثل الإشمام مثلاً في سيئت، أو في كلماتٍ أخرى.

الشيخ محمد يحيى:
هو الآن لا يتكلم على حفص، نعم لأن سيئت عند الكسائي والهشام تقرأ بإشمامٍ في أولها، هذه مسألة أرجو أن نُناقشها في وقتٍ طويل، لأنه أمور القراءات فيها أمورٌ ذكرت في متن الشَّاطبية، و فيها أمورٌ في الشُّروح، وفيها أمورٌ في مُتون زائدة توضيحية، يعني هذه الأمر أنا كنت أظنه يتكلم مثلاً عن إطباق الشَّفتين من عدمه.

د. رحابي محمد:
يتحدث أيضاً عن أمورٍ خلافيةٍ في القراءات، لكن أنا أُبشّر الشّيخ حمزة والإخوة الكرام، المسجّلون عندنا في الدِّراسات العليا في الأداء القرآني، لا تقلقوا الاختبار في النِّهاية سيكون بناءً على القراءة التي تختارها أنت وليس على قراءة اللَّجنة، أنت ماذا تختار أيَّ قراءة وعلى أيَّ رواية ستُسأل من تلك الرواية فقط، والأسئلة لن تكون أسئلةً في الخلافيات أو في الدَّقائق، وإنما عبارة عن تلاوة وأداء ستون سؤالاً في الماجستير، وتسعون سؤالاً في الدُّكتوراه، تقرأ واللَّجنة تستمع لتلاوتك الطَّيبة، تسألك أسئلةً نظريةً وأسئلةً عمليةً في التَّجويد وليس قي دقائق القراءات، الدِّراسات العُليا في الأداء القرآني ليست دراسات قراءات، هناك كلّيات قراءات حول العالم، هناك كلّيات القرآن الكريم في علوم القرآن، لكن لِمَن يسأل عن موضوع الدِّراسات العُليا في الأداء القرآني، يعني إذا كان معك إجازةٌ قرآنيةٌ ومعك شهادةٌ جامعيةٌ فأنت مؤهلٌ للتَّسجيل في الدِّراسات العُليا في الأداء القرآني، وتسجّل وتدرُس وتُختَبر عن بعد، وتحفظ الأمور النظرية التَّعريفات في التَّجويد ثم نُطابق خبرتك ومهاراتك أمام لجنة الاختبار، تجتاز الاختبار وتحصل على الشَّهادة الأكاديمية، الدكتوراه في الأداء القرآني إلى جانب ما معك من إجازاتٍ مشيخية.
نسأل الله تعالى أن يبارك فيكم يا شيخ محمد، لقاءٌ مُمتعٌ طيبٌ وما شاء الله حضرتك بحرٌ واسع في العِلم وفي التَّجويد وفي القراءات نسأل الله تعالى أن يُبارك فيك وأن يحفظك وأن يرعاك، إخواني الكرام شاركوا هذا اللِّقاء على صفحاتكم وأسأل الله تعالى أن يُبارك فيكم جميعاً ونلقاكم بإذن الله السبت المُقبل بإذن الله تعالى على مائدة القرآن الكريم، نشكُر فضيلة الشيخ محمد يحيى على هذا اللِّقاء الطَّيب وإلى لقاءٍ آخر نستفيد من عِلمك ومن فضلك، لكن نختم هذا اللِّقاء بتلاوةٍ طيبةٍ من فضيلتك إن شاء الله.

الخاتمة:
الشيخ محمد يحيى:

إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا (9) وَأَنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (10) وَيَدْعُ الْإِنْسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الْإِنْسَانُ عَجُولًا (11) وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلًا (12) وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا (13) اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا (14)
[ سورة الإسراء]


د. رحابي محمد:
ما شاء الله، ما شاء الله، جزاك الله خير نسأل الله تعالى أن يُسّهل حسابنا ويحاسبنا حساباً يسيراً يا رب العالمين، طَيَّب الله هذه الأنفاس يا شيخ محمد، نفع الله بك وأسأل الله تعالى أن يُبارك فيك، شكراً للإخوة والأخوات الكرام، لِمَن يسأل عن كيفية التَّسجيل، التَّسجيل من خلال الموقع الإلكتروني للدراسات القرآنية وكل شيء سيكون إلكتروني، والدِّراسات العُليا في الأداء القرآني تتيح الفرصة لأهل القرآن الكريم المُتقنين روايةً ودراية ليكونوا في مصافِ المتخصصين الأكاديميين والجامعين الحاملين لشهادات عُليا دكتوراه في مختلف العلوم والمجالات، وأهل القرآن هم أولى الناس بأن نُكرمهم وأن يحصلوا على هذه الشَّهادات العالية وأن يكونوا في مقدمة النَّاس دائماً، نسأل الله تعالى أن يحفظنا وإياكم جميعاً إلى لقاءٍ آخر نستودعكم الله، سبحانك اللَّهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك لا تنسونا من صالح دُعائكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الشيخ محمد يحيى:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.لشيخ محمد ي