جمع المصحف في عهد أبي بكر الصديق مع فضيلة الشيخ حسني حسوبة

  • 2021-04-19

جمع المصحف في عهد أبي بكر الصديق مع فضيلة الشيخ حسني حسوبة


مقدمة:
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته، بسم الله الرحمن الرحيم؛ الحمد لله، وصلى الله وسلم وبارك على حبيبنا رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين، أهلاً وسهلاً ومرحباً بكم، فضيلة الشيخ حسني حسوبة يا مرحباً السلام عليكم.

الشيخ حسني حسوبة:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، حياكم الله دكتور أهلاً وسهلاً بكم.

الدكتور رحابي محمد:
يا مرحباً؛ شرفتمونا وآنستمونا وأكرمتمونا أكرمكم الله.

الشيخ حسني حسوبة:
أكرمكم الله؛ الشرف لنا والسعادة لنا، ربنا يبارك فيكم، حفظكم الله.

الدكتور رحابي محمد:
الله ينفع بكم؛ الشيخ حسني حسوبة إمام ومُقرئ القراءات العشر الصغرى والكبرى، وهو أيضاً نَشرُف به في الدراسات العُليا في الأداء القرآني أحد الطلبة المتميزين جداً، نسأل الله تعالى أن يحفظه ويزيد في عِلمه وخَيره وبَركاته وينفع به إن شاء الله.
أيها الإخوة الكرام اللقاء الماضي وهذا اللقاء مستمر وامتداد لما بدأنا به الأسبوع الماضي حول القرآن الكريم وتاريخ المصحف الشريف، كيف تلقى النبي صلى الله عليه وسلم القرآن؟ وكيف لقَّنه للصحابة وكيف جمعه النبي صلى الله عليه وسلم؟ أو كيف تم جمع القرآن الكريم في عهد النبي صلى الله عليه وسلم؟ وكان الحديث عن ذلك وعن أنواع الحفظ، وكيف جمع الله سبحانه وتعالى القرآن الكريم وهذا من حِفظ الله تعالى:

إنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (9)
[ سورة الحجر]

حُفِظَ القرآن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم مَقتوراً مَكتوباً وأيضاً في الصدور في قلب النبي صلى الله عليه وسلم وفي قلوب أصحابه الكرام.
وأيضاً تطرَّقنا مع فضيلة الشيخ حسني لماذا لم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم بجمع المصحف كما تم وكما حصل فيما بعد؟
اليوم لعلّنا نتحدث عن موضوع رُبما في غاية من الأهمية عن جمع القرآن الكريم في عهد سيدنا أبي بكر الصديق رضي الله عنه وكيف تم جَمعه؟ ولماذا اختار سيدنا زيد للجمع الكبير لهذا المشروع العظيم الرائد المتميز، أول مشروع عظيم في خدمة القرآن الكريم بعد النبي صلى الله عليه وسلم، سنتحدث أيضاً إن شاء الله عن ضوابط جمع المصحف وكيف خُصصت لجنة وأشخاص لمراجعته وتدقيقه، ولعل السامع رُبما تصيبه الدهشة والاستغراب أنه في ذلك العهد نعم تم تخصيص لجنة وأشخاص للتدقيق والمراجعة والتمحيص وتثبيت وتوثيق هذه الآيات الكريمة والسور العظيمة، كيف خرج المصحف أيضاً وما موقف الصحابة رضي الله عنهم من هذا المصحف الكريم؟ وهل كان عند الصحابة الآخرين رضي الله عنهم مصاحف أُخرى يقتنونها؟ وكيف كانت نظرة الصحابة والمسلمون لهذه المصاحف الخاصة عند الصحابة رضي الله عنهم غير المصحف الذي تم جَمعه في عهد سيدنا أبي بكر.
لعلّ الحديث اليوم يكون مُتبادلاً بيني وبين فضيلة الشيخ شيخنا الحبيب الشيخ حسني إن شاء الله تعالى في مناقشة هذه المعلومات القيّمة والهامة جداً لنعرِف كيف وصل إلينا هذا القرآن العظيم بعد ألف وخمسمئة سنة، وصل إلينا كما نزل على قلب النبي صلى الله عليه وسلم، وستكون لنا لقاءات توضيحية أُخرى لموضوع القراءات والقراءات المتواترة والقراءات الشاذة والمقبول منها وغير المقبول وشروطها.

لماذا تم جمع المصحف في عهد سيدنا أبو بكر رضي الله عنه؟
على أي حال لو رجعنا قليلاً في الذاكرة إلى يوم وفاة النبي صلى الله عليه وسلم ندرك أنه لم يتم جمع القرآن الكريم في مصحف واحد كما هو الآن بين يدينا بل كان المصحف في ذلك الوقت مُتفرقاً في الصدور ومُتفرقاً في الألواح، هناك صحابة حفظوا القرآن الكريم كاملاً وهناك صحابة حفظوا أجزاءً وسوراً من القرآن وكُتبت هذه السور وهذه الآيات وهذه الأجزاء على ألواح، في ألواح وفي وسائل الكتابة المتوفرة آنذاك وربما لم تكن هناك ثمة حاجة لجمع المصحف في عهد النبي صلى الله عليه وسلم في مكانٍ واحد في مصحفٍ واحد كما حصل في عهد سيدنا أبي بكر.
لمَّا جاء سيدنا أبو بكر رضي الله عنه وتولى الخلافة نعم هناك كان أسباب وكانت هناك حاجات وكانت هناك بواعث ضرورية جداً دفعت بأبي بكر الصديق رضي الله عنه وبالصحابة كلهم، لا نقول أبو بكر فقط بل هذا إجماعٌ من الصحابة وموافقة منهم كُلِهم رضي الله عنهم على أن يجمعوا هذا القرآن الكريم.
كان من أولى تلك الدوافع والأولويات التي دفعت بالصحابة رضي الله عنهم وبأبي بكر الصديق على رأسهم باتخاذ ذلك القرار هو وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، لُحوق النبي صلى الله عليه وسلم بالرفيق الأعلى ترتَّب عليه انقطاع الوحي عن الأرض فكان ذلك المُصاب الجلَّل من البواعث المهمة التي دفعت الصحابة أيضاً رضي الله عنهم جميعاً وأرضاهم إلى جمع المصحف، الذي دفع الصحابة أي السبب المباشر كما يقال لجمع المصحف واقعة اليمامة التي قُتل فيها عدد كبير جداً من حُفاظ القرآن من الصحابة رضي الله عنهم من القراء الذين كانوا يُعلِّمون القرآن وكانوا يحملون القرآن يحفظون القرآن الكريم الذي دفع سيدنا عمر بن الخطاب الرجل والصحابي المُلهَم دفعه إلى أن يذهب إلى سيدنا أبو بكر الصديق ويطلب منه الإسراع مباشرةً في جمع القرآن الكريم وجمعه في مكانٍ واحد حتى لا يذهب القرآن بذهاب القُرّاء والحُفّاظ.
أبو بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه تردد مراراً وكثيراً كما تذكر الروايات، لكن إلحاح سيدنا عمر رضي الله عنه وأرضاه على سيدنا أبو بكر جعل سيدنا أبو بكر يفكر في هذا، ولذلك أيها الإخوة والله وجود الصاحب الصادق الصدوق والموثوق الذي يُعينك على بيان الحق وإظهار الحق وعلى النصيحة:

{ الدِّينُ النَّصِيحَةُ. قُلْنا: لِمَنْ؟ قالَ: لِلَّهِ ولِكِتابِهِ ولِرَسولِهِ ولأَئِمَّةِ المُسْلِمِينَ وعامَّتِهِم }

[رواه مسلم]

هذا أمرٌ على غاية من الأهمية، المهم تروي بعض الروايات كما يُقال عند البخاري وعند كثيرٍ من السُنن، عند أصحاب السُنن وأصحاب الكتب والحديث: يقول جاء سيدنا أبو بكر رضي الله عنه وجاء إليه سيدنا عمر رضي الله عنه، وزيد رضي الله عنه يروي أيضاً هذه القصة وهذا الحديث يقول: أرسل إليَّ أبو بكرٍ مقتل أهل اليمامة وعنده عُمر، يعني عند مقتل أهل اليمامة وبعد مقتلهم وبعد هذه الحادثة العظيمة التي هزت كيان الصحابة رضي الله عنهم بفقدهم لحُفّاظ وكبار المعلّمين للقرآن الكريم، قال أبو بكر: إن عمر أتاني، يعني سيدنا أبو بكر يخاطب سيدنا زيد، يقول إن عمر أتاني فقال إنَّ القتل قد أستحرَّ وتمكَّن واستشرى واشتد وكثُرَ في الصحابة الحُفّاظ يوم اليمامة بالناس، وإني أخشى أن يستقرَّ القتل بالقراء في المواطن، حتى رُبما ما يكونوا مستهدفين كما يقال استهداف للحُفّاظ والمعلّمين للقرآن الكريم، أخشى أن يستقرَّ القتل بالقرّاء، انظر إلى التفكير وبُعد النظر! فيذهب كثيرٌ من القرآن الكريم إلا أن تجمعوه، يخاطب سيدنا زيد، وأني لأرى أن تجمع القرآن يا زيد، قال أبو بكر: قلت لعمر كيف أفعل شيئاً لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ كيف تطلب مني أن أفعل هذا الشيء لعله يظهر في الوهلة الأولى أنه بدعة؟ كيف أفعل شيئاً لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! فقال عمر: هو والله خير، يعني هذه بدعةٌ حسنة، هذا أمرٌ طيب هذه سنة حسنة:

{ مَن سَنَّ سُنَّةً حَسَنةً فَلَهُ أَجرَها وأَجَر مَن عَمِلَ بِها إلى يَومِ القِيامة }

[ٍرواه مسلم]

فهذا والله خير، فلم يزل عمر يراجعني فيه حتى شرح الله صدري، يُحدث سيدنا زيد عن القصة التي جرت بينه وبين سيدنا عمر، ورأيت الذي رأى عمر وأنا قررت ووافقت كما رأى عمر رضي الله عنه، قال زيد وعمر عنده جالس لا يتكلم، عمر أبدى رأيه لكن في حضرة أبو بكر ينتظر القرار والاستماع فقال أبو بكر: إنك رجلٌ شابٌ عاقلٌ ولا نتَّهمك، ولعلّ هذه الجملة رُبما نضع تحتها خطوط كثيرة جداً، لماذا اختار سيدنا أبو بكر زيد تحديداً في هذه المهمة العظيمة؟ إنك رجلٌ شابٌ، فيا أيها الشباب انتبهوا عليكم مسؤوليات كثيرة:

{ نُصِرْتُ بالصَّبا وأُهلِكَتْ عادٌ بالدَّبُورِ }

[رواه الطبراني]


أسباب اختيار زيد بن ثابت لمهمة جمع المصحف:
كما قال النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة الذين أسلموا مع رسول الله في مكة المكرمة كلهم من الشباب بلا استثناء كلهم من الشباب الذين حملوا الدعوة وحملوا هذا الدين العظيم، إنك رجلٌ شابٌ عاقلٌ ولا نتهمك، فحافظوا على سمعتكم وعلى تاريخكم وعلى حركاتكم وسكناتكم، ولا نتهمك لا يُتَّهم في دينه ولا في صدقه ولا في أمانته، كنت تكتب الوحي أيضاً هذه خاصية إضافية لسيدنا زيد، كنت تكتب الوحيَّ، قال: فتتَبَع القرآن فاجمعه، جاءت المهمة الآن بعد هذه الحقائق التي قدمها سيدنا أبو بكر رضي الله عنه، فوالله لو كلَّفني نقل جبلٍ من الجبال ما كان أثقل عليَّ من ما أمرني به من جمع القرآن، انظروا إلى الأمانة العلمية، وأمانة الدين:

إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا (72)
[ سورة الأحزاب]

هذه أمانة، وهذه الأمانة سبحان الله يحملها الإنسان ولكن إذا حملها وأدَّاها بصدق كان في مصاف الملائكة مع الأبرار وكان من حملة الدين، وكان من ورّاث النبي صلى الله عليه وسلم ورّاث الأنبياء، قلت: كيف تفعلان شيئاً لم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم، الآن جاء دور سيدنا زيد ليخاطب أبو بكر وعمر رضي الله عنهم وأرضاهم جميعاً، فقال أبو بكر: هو والله خير، نفس الكلمة التي قالها سيدنا عمر رضي الله عنه، وقد وافق الله عمر في كم موطنٍ يا شيخنا الشيخ حسني في القرآن الكريم؟

الشيخ حسني حسوبة:
في أكثر من إثنا عشر موطناً والبعض يوصلها إلى عشرين موضعاً في كتاب الله جلَّ وعَلا، لكن لنقول المقولة الأصوب أنَّ عمر وافق الوحي.

الدكتور رحابي محمد:
نعم أحسنت وافق الوحي، وهو مُلهَم يعني يوجد إلهام رباني سبحان الله.

الشيخ حسني حسوبة:
هذا حديث النبي صلى الله عليه وسلم، قال النبي صلى الله عليه وسلم:

{ قَدْ كَان فِيما قَبْلَكُمْ مِنَ الأُممِ نَاسٌ محدَّثونَ، فَإنْ يَكُ في أُمَّتي أَحَدٌ، فإنَّهُ عُمَرُ }

[رواه البخاري ومسلم]


الدكتور رحابي محمد:
نعم رضي الله عنه وأرضاه، فقال له هو والله خير، أعاد كلمة حضرة عمر رضي الله عنه، فلم أزل أُراجعه حتى شرح الله صدري للذي شرح الله له صدر أبي بكرٍ وعمر، فقمت فتتبعت القرآن أجمعه من الرقاع والأكتاف والعُسْب وصدور الرجال وكانت الصحف التي جُمع فيها القرآن عند أبي بكر رضي الله عنه حتى توفاه الله تعالى، ثم عند عمر رضي الله عنه حتى توفاه الله تعالى، ثم عند حفصة بنت عمر رضي الله عنها وأرضاها.
لعلّي أُلخص لماذا تم اختيار زيد رضي الله عنه لجمع القرآن الكريم؟ رُبما خمس نقاط سريعة ثم ننتقل إلى شيخنا الحبيب لمتابعة الحديث حول ضوابط جمع المصحف واللجنة التي جمعته وما إلى ذلك.
أولاً كان شاباً يافعاً سيدنا زيد وكان فيه من الصفات التي تؤهله للقيام بمثل هذه المهمة الصعبة فالشباب أحياناً لا يكون عندهم اعتداد برأيه كما عند بعض المسنين، المُسن أو المتقدمين في العمر عندهم أفكار معينة رُبما لا يستطيع تغييرها ولا تبديلها ولا تعديلها، أما الشباب عندهم أريحية في قبول الأفكار والمرونة في التفكير وفي النقاش فهذا يسَهل قبول النصح والتوجيه له.
رقم اثنان زيد رضي الله عنه كان معروفاً بالعقل الراجح وبالعقل والذكاء وهذا أهَّله أيضاً لهذه المهمة.
زيد رضي الله عنه كما ذكر أبو بكر له، أنت كنت ممن يلي الكتابة وكنت تكتب الوحي للرسول صلى الله عليه وسلم فقد شاهدت أحوال القرآن وشاهدت أحوال الرسول عليه الصلاة والسلام.
أيضاً رقم أربعة لم يكن مُتّهماً في دينه رضي الله عنه، كان معروفاً بالورع كان معروفاً بالصدق بكمال الخلق بالأمانة بالاستقامة في الدين ومن شبَّ على شيءٍ شاب عليه.
آخر شيء رُبما لأنه كان أيضاً حافظاً للقرآن الكريم حفظاً مُتقناً، وكان حفظه ممن من كان معلمه؟ كان معلِّمه النبي صلى الله عليه وسلم، ليس هذا فقط بل عرض القرآن على النبي صلى الله عليه وسلم وهو أيضاً شهد العرضَ الأخيرَ مع النبي صلى الله عليه وسلم لمَّا حصل في مراجعةٍ للقرآن الكريم.
لذلك كانت هذه مما جعلت سيدنا زيداً المُؤهَل الأول لاختياره في هذه المهمة الصعبة، ابن حجر رضي الله عنه يقول: إذا تأمل المُنصف مافعله أبو بكر الصديق رضي الله عنه من ذلك الجمع للقرآن الكريم جزم بأنه يُعدُّ ذلك الأمر من فضائل أبي بكر رضي الله عنه وينوّه أيضاً بعظيم مناقبه ومكانته في الإسلام لقول النبي صلى الله عليه وسلم:

{ منْ سَنَّ في الإسلامِ سُنَّةً حسَنةً فلهُ أجرُها ، وأجرُ مَنْ عمِلَ بِها من بعدِهِ }

[صحيح الألباني]

فيقول ما جمع أحدٌ بعده إلا كان له مثل أجره إلى يوم القيامة.
طبعاً هذا مصداق قوله سبحانه وتعالى:

إنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (9)
[ سورة الحجر]

يَحفظ الله القرآن الكريم بصدور الرجال، بصدور العلماء الحفاظ والحافظات وسيدنا أبو بكر كان على رأس هؤلاء الذين شجعوا على ذلك.
شيخنا الحبيب شيخ حسني الله يبارك فيك؛ لو ننتقل إلى محورٍ آخر في لقائنا اليوم، ما هي ضوابط جمع المصحف؟ ومن هي اللجنة التي جمعته في ذلك الوقت الله يبارك فيك؟

الشيخ حسني حسوبة:
جزاكم الله خيراً؛ الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم النبيين نبينا محمدٍ وعلى آله وأصحابه أجمعين.
كما تحدّثتم وتفضّلتم أنَّ عمر أشار على أبي بكر وشرح الله صدر أبا بكر لما قاله عمر واستدعيا زيداً وأخبراه بالأمر، الملفت والعجيب يا دكتورنا الغالي الكلمة المكررة، العبارة المكررة التي حضرتك ذكرتها، كيف نفعل أمراً لم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم؟! التوقف يا إخواننا، التوقف عند الآثار والاقتداء والتمسك بالمنهج وعدم الإنحراف وعدم إتباع الهوى، يعني هذا الأمر والله لو عُرض أمام لجنةٍ الآن من كبار علماء الدنيا وليس لدينا مصحف كان القرار السريع على بركة الله دون تردد! وهؤلاء أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر يعلمان لماذا لم يجمع النبي صلى الله عليه وسلم القرآن، يعلمان علماً جيداً، إذا كان أنا حسني وفلان وعلان نعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم لماذا لم يجمع المصحف، أيغيب هذا الأمر عن أبو بكر وعمر رضي الله عنهما؟! يعلمان هذا ولكن التهّيب من التعرّض لكتاب الله جلَّ وعَلا بأيِّ خطوة وبأيِّ عمل لم يُسبق، وقدسية القرآن وقدسية الإقبال على العمل.
الأمر الآخر زيد رضي الله عنه يعني قد يقرأ المُتابع في بعض الكتب كلاماً منسوباً لابن مسعود رضي الله عنه الصحابي الجليل الذي قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم ما قال، هذا الكلام بعض علماء الحديث يُضعفونه أنه ليس منسوباً وليس صحيحاً عن ابن مسعود، أنَّ ابن مسعود كان بنفسه شيء أنه لم يُكلّف بجمع القرآن على الرغم من هو، قال الرسول صلى الله عليه وسلم:

{ مَن سرَّهُ أن يَقرأَ القرآنَ غضًّا كما أُنْزِلَ ، فليَقرأهُ علَى قراءةِ ابنِ أمِّ عبدٍ }

[مسند أحمد]

النبي صلى الله عليه وسلم قال:

{ خذوا القرآنَ من أربعةٍ من ابنِ مسعودٍ وأبيِّ بنِ كعبٍ ومعاذِ بنِ جبلٍ وسالمٍ مولى أبي حذيفةَ }

[رواه الترمذي]

وذكر فيهم ابن مسعود وهو من هو، وهو قال عن نفسه والله لقد أخذت من فم النبي صلى الله عليه وسلم سبعين سورةً من القرآن وزيدٌ هذا يلعب مع الصبيان، لأن ابن مسعود أكبر من زيد في العمر وفي مصاحبة النبي صلى الله عليه وسلم، لكن هذا يُعلّمنا أمراً هاماً جداً فما هو؟ أنَّ الإسلام يوجب علينا أن نضع الرجل المناسب في المكان المناسب، مهما بلغ مقام ابن مسعود لكن مُسوغات تعيين زيد غلبت، زيدٌ كان شاباً، ابن مسعود كان يَكبر زيداً في ذلك الوقت بحوالي خمسة عشر عاماً أو أكثر، زيد عُمره في ذلك الوقت حوالي اثنين وعشرين عاماً، فزمن الشباب وسن الشباب والحركة والأمر يحتاج إلى مجهودٍ وحركة، زيد كان قوي الحفظ جداً جداً والحديث المشهور أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال له:

{ أتُحسِنُ السِّرْيانيَّة؟ قُلتُ: لا. قال: فتَعلَّمْها. فتَعلَّمتُها في سَبعةَ عَشَرَ يومًا }

[شعيب الأرناؤوط]

زيد تعلمها في ستة عشر يوماً، تخيل أحد يتقن لغة كاملة في ستة عشر يوماً! أي عقلية هذه وأي قريحة هذه وأي ذكاء هذا! فهذه من مقومات زيد.
أيضاً من الأشياء المهمة لعلنا يا دكتور من بعد إذنك يا دكتور نبينها للمتابعين، قضية أنك شهدت العرض الأخير، هذا أهم مسوغ من مسوغات التعيين، عبد الله ابن مسعود كان حافظاً وكان يكتب لكن لم يكتب كما كان يكتب زيد، لو عملنا إحصائية نجد أنَّ زيداً يتفوق على كل الصحابة في عدد المرات التي كتب فيها الوحي للنبي صلى الله عليه وسلم.
أيضاً العرضة الأخيرة، زيد شهد العرضة الأخيرة ما العرضة الأخيرة؟ كان النبي صلى الله عليه وسلم الحالة الطبيعية المُعتادة أنَّ جبريل يَقرأ وينزل بالقرآن والنبي صلى الله عليه وسلم يستمع، في كل عام في شهر رمضان تنعكس الآلية والصورة، النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي يقرأ وجبريل يسمع من النبي صلى الله عليه وسلم ويقول له هذه الآية نُسخت هذه الآية بقيت هذه الآية نُسخ حكمها إلى آخره، وهذه تسمى العرضة كانت في كل عام في رمضان، إلا رمضان الأخير الذي توفي فيه النبي صلى الله عليه وسلم كانت العرضة الأخيرة، عارضه جبريل مرتين يعني ختمتين كاملتين استقر فيها كل شيءٍ في كتاب ربنا ونُسخ منه ما نُسخ وهذه تسمى بالعرضة الأخيرة كانت في شهر رمضان والنبي صلى الله عليه وسلم توفي في شهر ربيع الأول بعدها بأربعة أشهر تقريباً، فهذا آخر العهد بما استقر من كتاب الله جلَّ وعَلا، زيد حضرها كاملة وسمعها من النبي صلى الله عليه وسلم كاملةً وحده وكانت هذه مزيّةٌ مهمة جداً في ضبط القرآن.

ضوابط جمع المصحف واللجنة التي جمعته:
ما هي اللجنة التي كُوِنت؟ أمر أبو بكر الصديق رضي الله عنه زيداً وعُمراً أن يجمعا القرآن، قال لهما والحديث في صحيح مسلم: اقعدا في المسجد أو في روايةٍ اقعدا على باب المسجد فمن جاءكما بشاهدٍ، انظر إلى الدقة! انظر الضوابط الأمر ليس أنه فقط اكتب، كل من يأتيك بآية اكتب، هذا كتاب الله جلَّ وعَلا لا ينقل إلا بالتواتر الذي تحدثنا عنه في اللقاء الماضي الثِقات عن مثلهم عن مثلهم، اقعدا على باب المسجد ومن جاءكما بشاهدٍ يشهد معه أن ما جاء به قرآن قُرء على عهد النبي صلى الله عليه وسلم واستقر في العرضة الأخيرة فاكتباه وإلا فلا، إذاً اللجنة زيد وعُمر والضابط أنَّ الذي يأتي بآيةٍ يأتي معه بشاهد، فأراد عمر وهو سبّاقٌ للخير رضي الله عنه أن يستفتح هذا الخير ويبدأ هو قال اكتب يا زيد: والشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة بما قضيا من اللذة والله عزيزٌ حكيم، أول آية من عندي اكتب، فقال زيد: لا أكتبها، فقال: لا تكتبها! سمعتها من النبي صلى الله عليه وسلم، قال زيد: ولكني لم أسمعها، قال عمر: سمعتُها، قال: أأتني بشاهد، لا أنا ولا أنت أأتني بشاهد، عمر ليس معه شاهد لكن من الصادق يا إخواننا بينهما؟ كلاهما رضي الله عنهما صادق، عمر صادق أنه سمعها وزيد صادق أنه لم يسمعها، حسناً كيف نحل الإشكال هذا؟ عمر سمعها قبل العرضة الأخيرة وزيد لم يسمعها بعد العرضة الأخيرة قد نُسخت لفظاً وبقيت حكماً في كتاب الله جلَّ وعَلا فكيف يكتبها؟ فلم يكتبها، فيقول زيد: فتتبعت القرآن أجمعه من الرقاع واللخاف والعِساب ومن صدور الرجال حتى أتيت على آخر سورة براءة، آخر آية في سورة براءة، قول الله جلَّ وعَلا:

لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ (128)
[ سورة التوبة]

صلى الله عليه وسلم، قال زيد: ووجدتها عند خزيمة بن ثابت رضي الله عنه ولم أجدها عند غيره وليس معه شاهد، قال: فكدت أن لا أكتبها ولكني تذكرت قول النبي صلى الله عليه وشهادة النبي صلى الله عليه وسلم في حق خُزيمة، ما هي هذه الشهادة؟
النبي صلى الله عليه جالسٌ بين أصحابه يوماً ودخل رجلٌ من اليهود وقال يا محمد أدِّ لي ديني، لي عند دين، ردَّ لي مالي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم أدّيتك، قال: لم تؤدّني، قال: يا رجل أدّيتك، قال: لم تؤدّني إن كنت أدَّيتني فأتني بشاهد، فسكت النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن أحد حاضراً في هذا الموقف فقال خزيمة بن ثابت: يا يهودي أنا أشهد أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قد أدّاك مالك ردَّ إليك مالك، فاليهودي انصرف قال لعله كان حاضراً ولم انتبه وانصرف، وبعد أن انصرف اليهودي قال النبي صلى الله عليه وسلم: يا خزيمة أنت لم تكن حاضراً في هذا الموقف! فكيف تشهد على شيءٍ لم تره؟ فقال خزيمة انظروا يا إخواننا انظروا إلى الصدّيقية انظروا إلى الإيمان حينما تُخالط بشاشته القلوب ويتعلق بالقلوب، هؤلاء الذين قال عنهم عبد الله ابن مسعود رضي الله عنه: إنَّ الله اطّلع على قلوب الخلق فاختار أنقاهم قلوباً لصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم، فقال خزيمة: يا رسول الله أنا أُصدِّقك في خبر السماء تقول لي نوح فعل وموسى فعل وتقول لي الله يقول، ولا أصدقك في بضعة دراهم عند يهودي! فلم يدَع النبي صلى الله عليه وسلم هذا الموقف يمر مروراً عادياً، ماذا فعل؟ توَّج خزيمة بتاجٍ رضي الله عنه، فقال صلى الله عليه وسلم: من شهد له خزيمة فهو حَسبُه، يعني أي شهادة في أي موقف وأي موطن تحتاج لشاهدين إلا إذا كان خزيمة موجوداً فشهادته برجلين لماذا؟ وكأن الله جلَّ وعَلا أجرى هذا الموقف لموقف آخر سورة التوبة حتى تكون شهادة خُزيمة برجلين، وكتبها زيد في آخر سورة التوبة.
انتبهوا يا إخواننا المستشرقون يتحدثون ويطعنون في هذا الموقف، يقولون: إن زيد بن ثابت خالف قاعدة الضبط، خالف قاعدة اللجنة، وكتب آيةً من خزيمة بن ثابت في آخر سورة التوبة بشهادته هو فقط، يا إخواننا قلنا لكم أن شهادة خزيمة بشهادة رجلين، والكلام من النبي صلى الله عليه وسلم! يقولون لك لا دخل لنا هذا أمر يخصكم أنتم، روحانية عندكم وعند نبيكم صلى الله عليه وسلم، هو الذي قال هذا لكن القاعدة أن يأتي بشاهد آخر وشخص آخر ليس هو، كيف نردُّ عليهم؟ الرد من كلام زيد رضي الله عنه، قال رضي الله عنه: ووجدت، انتبهوا للألفاظ، الحديث عند مسلم (ووجدت آخر سورة التوبة)، إذاً زيد يعرفها صحيح؟ ويعرف أنها من سورة التوبة، وأنها آخر آية في سورة التوبة، (ووجدت آخر سورة التوبة عند خزيمة بن ثابت) رضي الله عنه، إذا زيد هنا هو الشاهد الثاني، إذاً اللجنة قواعدها منضبطة وإن كنا نحن تكفينا شهادة خُزيمة بن ثابت كما قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم.

موقف الصحابة رضي الله عنهم من المصحف بعد جمعه:
كيف استقبل الصحابة هذا المصحف بعد أن تم الانتهاء منه؟ ماذا فعل أبو بكر يا إخواننا في المصحف؟ جمع المصحف كما كان موجوداً في عهد النبي صلى الله عليه وسلم يعني كأن المصحف عبارة عن أوراقٍ مختلفة مُفرّقة جمعها أبو بكر بخيط وضمَّها إلى بعضها في غلاف أو بين دفتين وأصبحت مصحفاً، هذا الذي فعله أبو بكر رضي الله عنه.
حسناً كيف استقبل الصحابة هذا المصحف؟ استقبلوه جميعاً بالرضا والقبول والاعتراف بالفضل لأبي بكر رضي الله عنه.
علي ابن أبي طالب رضي الله عنه يقول: أعظم الناس أجراً في المصاحف أبو بكر رضي الله عنه لأنه هو من بدأ هذا الخير، أبو بكر سبحان الله العظيم لو لم يفعل شيئاً في الإسلام غير جمع المصحف لكفاه، يكفي أنَّ كل من أتى بعده فهو عالةٌ عليه في هذا الأمر وفي هذا الخير، ثم الصحابة رضي الله عنهم بدأوا ينسخون من هذا المصحف مصاحف خاصةً بهم يقرؤون فيها في بيوتهم وفي حلهم وترحالهم.

مصاحف الصحابة رضي الله عنهم الخاصة والقراءات التفسيرية فيها:
ثم بدأت تظهر في مصاحف الصحابة، طبعاً المصحف الذي مع كل صحابي مصحفٌ خاص، حتى نوضح إشكالية تقع عند البعض، كل صحابي من الصحابة الكرام أخذ مصحفاً له خطه بيده ليقرأ فيه من ورده، ولكن هذا المصحف الذي كان عند كل صحابي كانت بمثابة مُفكّرة، المُفكّرة التي يحملها الشخص يكتب فيها كل شيءٍ مهم، فكان الصحابة رضي الله عنهم يكتبون في هذه المصاحف كلّ ما يَعنّ لهم من تأملات حول الآيات، وكل ما سمعوه من النبي صلى الله عليه وسلم من معاني تفسيرية للآيات، ولذلك هذه المصاحف فيما بعد لمَّا ظهرت في خلافة عثمان أوقعت إشكالاً عند البعض سنتحدث عنه فيما يأتي إن شاء الله، لكن هذه القراءات قراءة البعض يسميها قراءة لكنها ليست قراءة قرآنية يُتعبد بها إنما هي قراءة تفسيرية ويسمونها قراءة مُدرجة، أُدرجت في المصحف، نأخذ نماذج لهذه الأشياء التي كتبها الصحابة رضي الله عنهم في مصاحفهم، فمثلاً عمر رضي الله عنه في سورة الفاتحة كتب في مصحفه:

صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّين(7)
[ سورة الفاتحة]

هذه الآية المعروفة، كتب عمر صراط من أنعمت عليهم كأنه يوضح المعنى أكثر لنفسه ولأهله، ثم قال غير المغضوب عليهم وغير الضالين فأضاف كلمة غير، أيضاً عمر رضي الله عنه في سورة المُدثر كتب في مصحفه في قول الله جلَّ وعَلا سورة المُدثر:

مَا سَلَكَكُم فِی سَقَرَ (42)
[ سورة المدثر]

كتب عمر يا فلان ما سلكك في سقر؟ طيب هل كلمة فلان هذه من القرآن؟! هل عمر حينما كان يقوم يصلي أو يقرأ من ورده في مصحفه كان يقرأ هذه الكلمة بين آيات القرآن؟ مُحال! لماذا؟ لأن الإجماع والتواتر على غير ذلك، كذلك في مصحف عليّ رضي الله عنه، كل مصحف من مصاحف الصحابة تجد فيه هذه الكلمات التفسيرية، مثلاً في مصحف عائشة، عائشة كتبت مصحفاً بنفسها رضي الله عنها، وحفصة كذلك وأم سلمة كل واحدة منهن كتبت مصحفاً بيدها، كان مكتوب في مصحف عائشة وأم سلمة وحفصة رضي الله عنهن كان مكتوباً حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وإلى جانبها وصلاة العصر، طيب هل هذا يُتعبد به في التلاوة يُقرأ؟ لا عائشة سمعت من النبي صلى الله عليه وسلم ذات مرة أن الصلاة الوسطى قد تكون صلاة العصر فأرادت أن تدونها، إذاً أين تدونها؟ أين أأمن مكان وأين أفضل مكانٍ تقرأه دوماً؟

الدكتور رحابي محمد:
على حاشية الكتاب الذي تكتب وهو القرآن.

الشيخ حسني حسوبة:
بالضبط ففي الحاشية أضافت هذه الكلمة صلاة العصر، عبد الله ابن الزبير رضي الله عنه كتب في مصحفه:

لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُوا فَضْلًا مِّن رَّبِّكُمْ فَإِذَا أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِندَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِن كُنتُم مِّن قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ (199)
[ سورة البقرة]

كتب في مواسم الحج حتى يبين المعنى من ابتغاء الفضل والتجارة جائزٌ في مواسم الحج، ونماذج كثيرة جداً، من ضمن الأشياء التي تبين لك أن هذه المصاحف وهذه القراءات المُدرجة التي كانت فيها والتي أوقعت خلافاً بين التابعين بعد ذلك وهذا الذي أدى بعثمان كما سنرى إلى جمع المصحف أنها قراءاتٌ تفسيرية وليست بأي حال من الأحوال شيئٌ مما تواتر من كتاب الله جلَّ وعَلا، أنَّ في مصحف أُبي بن كعب كتب دعاء القنوت، دعاء القنوت الذي نقوله في الوتر اللهم إنا نستعينك ونستهديك ونستغفرك ونؤمن بك ونتوكل عليك ونثني عليك إلى آخر الدعاء، طيب هل دعاء القنوت يشك أحد أنه ليس من القرآن؟ مُحال الكل متفق أنه ليس من القرآن، طيب لماذا وضعه أُبي بن كعب في مصحفه؟ كما قلنا أن المصحف كان بالنسبة لهم كالشيء الذي لا يفارق صاحبه، فأراد أن يُدّون أُبي فدّونه في مصحفه، طيب حينما نأتي في مصحف ابن مسعود رضي الله عنه نجد أنَّ بن مسعود مثلاً قال:

ذَٰلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ (34)
[ سورة مريم]

هذا كلام الله جلَّ وعَلا، ابن مسعود كتب في مصحفه ذلك عيسى ابن مريم قال قول الحق الذي فيه يمترون، انظر إلى المعنى التفسيري الرائع تفسير الآية لأن عيسى ابن مريم حينما تكلم ماذا قال أول كلامه وهو في مهده:

قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا (30)
[ سورة مريم]

هذا قول الحق الذي قاله، فابن مسعود أردا أن يبين هذا المعنى في مصحفه.
حسناً في مصحف ابن مسعود لم تُكتب الفاتحة! هل ابن مسعود كان يعتقد أن الفاتحة ليست من القرآن؟ ابن مسعود لم يكتب في مصحفه المعوذات الفلق والناس، هل ابن مسعود كان يرى أنهما ليسا من القرآن؟ إطلاقاً! لكن كان الصحابي يكتب في مصحفه الأشياء التي يحتاج لحفظها، من آيات ومعاني حتى لا ينساها لأنه يعلم أن هذه أمانة لابد أن ينقلها لمن بعده من التابعين وغيرهم لكن وقع الإشكال في أنَّ من جاء بعدهم وأخذوا هذه المصاحف ورثوها أو تناقلوها أو بعض من نسخ نسخ ما في الهامش بين الآيات وهذا ما أوقع الإشكال فيما سنراه إن شاء الله من قادم الأحداث.

الخاتمة:
الدكتور رحابي محمد:
بإذن الله تعالى؛ اليوم الحديث ممتع وشيق وتحدثنا الحمد لله على قضية جمع المصحف في عهد سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه، ولماذا اختار زيد ابن ثابت رضي الله عنه لهذه المهمة وهذا المشروع العظيم، ثم أيضاً شيخنا الحبيب الشيخ حسني تفضل بمتابعة الحديث حول ضوابط جمع هذا المصحف العظيم، وموقف الصحابة منه ومصاحف الصحابة وهذه التعليقات والتفسيرات التي كانوا يضعونها على مصاحفهم لأجل زيادة الفهم والشرح والتفسير وليست ضمناً من القرآن الكريم وإلا لمَّا يأتي الحديث إن شاء لله عن سيدنا عثمان بن عفان وكيف جمع المصحف ولعلّ هذا موضوع حديثنا في اللقاء القادم بإذن الله، ندعو الإخوة الكرام إلى مشاركتنا إن شاء الله في هذا اللقاء وسيكون موضوعنا إن شاء الله القادم يوم الأربعاء بإذن الله تعالى في مثل هذا التوقيت الساعة العاشرة بتوقيت مكة المكرمة عن جمع سيدنا عثمان للمصحف الكريم، لعلنا نختم بدقيقتين إن شاء الله بتلاوةٍ طيبة من الشيخ حسني ولو بالقراءات إذا ممكن آيتين أو ثلاثة وجزاك الله خيراً.
نحن نحبك يا شيخ حسني ونعتز بك ونفخر بك ونودُّ أن نسمع منك الكثير ولكن الوقت حتى لا يداهمنا أربعين دقيقة تكفي، أنت فخرٌ للدراسات العُليا في الأداء القرآني وكل طلاب الدراسات العُليا في الأداء القرآني يُضيفون إضافات عالية ورائعة جداً للبرنامج بعلمهم وفضلهم وفهمهم للقرآن الكريم وإتقانهم وضبطهم للقرآن الكريم، وأنت إن شاء الله من هؤلاء الذين يمتد أثرهم إن شاء الله تعالى وامتدادٌ لأهل القرآن الذين يحفظونه ويحفظهم الله بإذن الله تعالى تفضل يا سيدي.

الشيخ حسني حسوبة:
لعلنا نقرأ إن شاء الله برواية ورش عن نافع ما تيسَّر من أول سورة البقرة إن شاء الله :

الم (1) ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (2) الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (3) وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (4) أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (5)
[ سورة البقرة]


الدكتور رحابي محمد:
الله يفتح عليك يا سيدي؛ اللهم اجعلنا من المُفلحين يا رب العالمين، اللهم اجعل القرآن العظيم ربيع قلوبنا ونور صدورنا وجلاء همومنا وأحزاننا يا رب، علِّمنا منه ما جهلنا وذكّرنا منه ما نُسّينا وارزقنا تلاوته والعمل بآياته آناء الليل وأطراف النهار على النحو الذي يرضيك عنا يا رب العالمين، شكراً لكم إخواني وأخواتي وطلاب الدراسات العُليا في الأداء القرآني لهذه المتابعة وهذه المشاركات والتعليقات، اليوم ليس لدينا أسئلةٌ ولكن إذا كان عندكم أسئلة في المرات القادمة نرحب بأسئلتكم إن شاء الله تعالى وبإذن الله تعالى نتابع في هذا الموضوع في قابل الأيام، شيخ حسني حسوبة جزاك الله خيراً وأحسن الله إليك وإلى لقاءٍ قادم بإذن الله.

الشيخ حسني حسوبة:
جزاكم الله خيراً يا دكتور الله يحفظكم.

الدكتور رحابي محمد:
أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه وإلى لقاءٍ قريب يوم الأربعاء الساعة العاشرة بتوقيت مكة المكرمة، الساعة الثالثة بتوقيت نيويورك، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

الشيخ حسني حسوبة:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.