جمع المصحف في عهد عثمان بن عفان رضي الله عنه مع فضيلة الشيخ حسني حسوبة

  • اللقاء الثاني
  • 2021-04-26

جمع المصحف في عهد عثمان بن عفان رضي الله عنه مع فضيلة الشيخ حسني حسوبة


مقدمة:
بسم الله الرحمن الرحيم؛ سلام الله عليكم ورحمته وبركاته جميعاً أيها الإخوة الكرام، نرحب مرة ثانية في اللقاء الرمضاني مع طلاب الدراسات العُليا في الأداء القرآني، وضيفنا وحبيبنا وشيخنا اليوم الشيخ الفاضل الشيخ حسني حسوبة حياكم الله شيخنا.

الشيخ حسني حسوبة:
الله يحفظكم يا دكتور، حفظكم الله وبارك الله فيكم وجزاكم الله خيراً.

الدكتور رحابي محمد:
ننتفع بك ونسعد بحضورك وننتفع بما وهبك الله عز وجل أسأل الله تعالى أن يزيدك عِلماً وفضلاً وينفع بك عباده يا رب العالمين.

الشيخ حسني حسوبة:
جزانا الله وإياكم؛ الشرف والسعادة لنا يا دكتور بوجودنا معكم إن شاء الله مع أهل القرآن بارك الله بكم.

الدكتور رحابي محمد:
آمين أكرمنا الله وإياكم بالقرآن الكريم؛ أيها الإخوة الكرام نحن نتابع اليوم حديثنا عن القرآن الكريم وجمع القرآن، وعَلِمنا في اللقاءات السابقة مع فضيلة الشيخ حسني كيف تم جمع القرآن الكريم وتدوينه وتوثيقه من عهد النبي صلى الله عليه وسلم، كيف نُقل إلينا مَسطوراً في الصدور ومَكتوباً في السطور، ثم في عهد عن سيدنا أبي بكر الصديق رضي الله عنه، ثم في عهد سيدنا عثمان وكيف كانت أمور الجمع وضوابط الجمع في عهد سيدنا عثمان، وكيف شكَّل اللجنة التي جمعت القرآن الكريم، والشروط التي وضعت شروط الدقة والضبط والإتقان واللجنة التي أيضاً جمعته، وكيف كُتب القرآن الكريم وجاء الأمر من سيدنا عثمان بإجماع الصحابة رضي الله عنهم أن يُكتَبَ القرآن الكريم بلغة قريش، وكيف كان أيضاً تلقِّي الصحابة رضي الله عنهم لهذا المصحف، ولعلَّنا اليوم نتابع الحديث عن هذا الأمر مع شيخنا الحبيب الفاضل الشيخ حسني، تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال يا شيخ حسني، تقبل الله صيامكم وطاعاتكم، الحمد لله نحن في رمضان على مائدة القرآن الكريم.
اليوم عندنا بعض المحاور الأساسية التي إن شاء الله سنتناولها في قضية: لماذا لم تُكتب القراءات كلّها في مصحفٍ واحد؟ ثم ما هو رأي الصحابة رضي الله عنهم فيما فعله عثمان؟ لعلي آخذ جانباً بسيطاً إن شاء الله جداً في هذا اللقاء ونترك الباقي لشيخنا العزيز الفاضل.
ربما إذا يسمح لي الشيخ حسني أن أُلخّص ما حصل ووَرَد معنا فيما سبق ورُبما نضيف شيئاً آخر، في قضية مزايا جمع القرآن الكريم في عهد سيدنا عثمان بن عفان رضي الله عنه وفي قضية الفرق بين جمع القرآن في مراحله الثلاث: في عهد سيدنا النبي صلى الله عليه وسلم وفي عهد سيدنا أبي بكر الصديق ثم في عهد سيدنا عثمان، ومزايا الجمع التي حصلت في عهد سيدنا عثمان بن عفان رضي الله عنه، لا شك أن الجميع يعلم أن الله سبحانه وتعالى تكفَّل بحفظ القرآن الكريم:

إنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (9)
[ سورة الحجر]

وقد هيَّأ الله عز وجل وسخّر سيدنا عثمان رضي الله عنه للحصول على هذا الشرف العظيم في جمع القرآن الكريم وفي ضبطه وتقديمه للمسلمين في هذه الصورة طبعاً بأمر الله سبحانه وتعالى وتقديره.
لعله من المناسب أن نقول أن الفرق بين المراحل الثلاث من حيث الأسباب مثلاً: أسباب الجمع في عهد النبي صلى الله عليه وسلم كانت عبارةً عن زيادة توثيق للقرآن الكريم وتحري في ضبط ألفاظ القرآن الكريم في حفظ كلمات القرآن الكريم، طبعاً وإن كان في ذلك الوقت في عهد النبي صلى الله عليه وسلم كان الأصل هو السّماع والتلقّي والاعتماد على الحفظ والاستظهار وتبليغ الوحي كما تلقّاه النبي صلى الله عليه وسلم على الوجه الكامل، ثم كان الجمع في عهد سيدنا أبي بكر الصديق رضي الله عنه وكان الخوف من ضياع شيء من القرآن الكريم عندما حصلت موقعة اليمامة واستشهد الكثير من الصحابة رضي الله عنهم الحُفّاظ المُعلّمين للقرآن الكريم.
نأتي الآن إلى أسباب الجمع في عهد سيدنا عثمان، ربما كان السبب الرئيس هو خوف الفتنة التي ربما بدأت تقع في صفوف القرّاء والحُفّاظ بسبب اختلافات القراءات بين المُعلّمين نفسهم وبين المُتعلمين للقرآن الكريم، ومعروف لما جاء سيدنا حذيفة وقال لسيدنا عثمان أدرك الناس أدرك المسلمين، وكان سيدنا عثمان قد لاحظ هذه الإختلافات بشيءٍ بسيطٍ في المدينة المنورة وهذا كان شيئاً طبيعياً فسبحان الله كان ذلك سبباً لاتخاذ القرار، في عهد سيدنا النبي صلى الله عليه وسلم كان جمع القرآن الكريم عبارة عن ترتيبٍ للآيات في سورها نفسها وكتابة الآيات فيما تيسر من مواد الكتابة آنذاك في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ولم تكن مجموعةً في مصحفٍ بين دفتين، أما في عهد سيدنا أبي بكر الصديق رضي الله عنه فقد جمع هذه المتفرقات هذه الصحائف هذه الرُقع وجمعها ورتبها في مكانٍ واحد، في عهد سيدنا عثمان الموضوع أصبح تقريباً نوعاً من الأكاديمية يعني أصبح نوعاً من الجمع الأكاديمي وكأنه في جامعة أو في مدرسة يُريد أن يجمع القرآن الكريم من ألفه إلى يائه في كتابٍ واحدٍ غير متفرقٍ وعلى لغة قريش، كما يروي الأمام البيهقي بعد حديث زيد ابن ثابت:

{ كنَّا عندَ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم نؤلِّفُ القرآنَ مِن الرِّقاعِ }

[رواه ابن حبان]

طبعاً الآن في عهد سيدنا عثمان الموضوع اختلف تماماً وأصبح متطوراً إلى حد الجمع الأكاديمي المشهود له والمُتفق عليه والمُجمع عليه من الصحابة الكرام رضي الله عنهم جميعاً وأرضاهم.
الآن شيخنا العزيز الغالي الشيخ حسني من أجل الوقت كما تحدثنا قبل أن نخرج على الهواء أن نحرص أن لا نطيل على الناس إن شاء الله تعالى.
دعنا نقول لماذا سيدنا عثمان لم يتخذ موضوع القراءات منهجاً في جمعها في مصحفٍ واحدٍ أو كتابٍ واحد؟

لماذا لم تكتب القراءات كلها في مصحف واحد؟
الشيخ حسني حسوبة:
جزاكم الله خيراً؛ الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم النبيين نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين؛ أما بعد لمّا حضرت الإمام أحمد بن حنبل الوفاة اجتمع حوله طلابه وسألوه سؤالاً قالوا يا إمام من نسأل بعدك؟ من نرجع إليه في الفتوى وفي السؤال وفي العِلم بعدك؟ والكل يتوقع أسماء من الأسماء اللامعة من تلاميذ الإمام المُقربين فقال لهم كلمةً عجيبة! قال رحمه الله: اسألوا عبد الوهاب الورّاق، عبد الوهاب الورّاق رجلٌ يبيع الكتب، كان قليل الحضور في مجلس الإمام أحمد لم يكن ملازماً له كباقي الطلاب والتلامذة، فقال واحد منهم: يا إمام إنه ليس كثير عِلمٍ، فقال الأمام أحمد كلمةً رائعةً: إنه رجلٌ صالح ومِثلهُ يُوفَّق للصواب! ليس هذا تقليلاً من تلامذة الإمام ولكن يريد أن يعلّمهم أن الأمر بِرُمته يعتمد على الصلاح بين العبد وبين ربه، نسأل الله جلَّ وعَلا أن يجعلنا وإياكم من الصالحين، وأن يُصلح أعمالنا وأقوالنا ويتقبَّلها منا إنه وليُّ ذلك والقادر عليه.
البعض سأل سؤالاً خاصاً قال: يا شيخ حينما جمع أبو بكر المصحف كيف رُتبت السور بهذه الطريقة التي وصلت بين أيدينا الآن؟ حينما جمع أبو بكر الصديق رضي الله عنه المصحف جمعه كما سُمع من النبي صلى الله عليه وسلم، فالنبي صلى الله عليه وسلم كان حينما تنزل عليه الآيات أو السور كان يقول ضعوا آية كذا بين آية كذا وآية كذا أو بعد آية كذا أو كما قال صلى الله عليه وسلم، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يُصلي الصلوات بالصحابة خاصةً الصلوات الجهرية بما نزل عليه من الآيات وبترتيب السور كما هو في المصحف، بل جاء عند السيوطي أنّ أُبي بن كعب حينما صلّى التراويح بالناس في رمضان لأول مرةٍ في عهد عمر حينما قال عمر نعمة البدعة! حينما صلَى التراويح صلّى بترتيب المصحف على هذا الترتيب الذي بين أيدينا الآن، وحينما يفعل الصحابي مثل هذا الأمر له حكم الرفع كما عند علماء الحديث.
ثم نتحدث لماذا لم تُكتب القراءات كلها في مصحفٍ واحد؟ يعني إذا كان عثمان اختار أو وفّقه الله جلَّ وعَلا لخطٍ أو لرسمٍ يُرسم به المصحف بحيث كما ذكرنا في اللقاء السابق يحتمل كل القراءات المُتواترة التي نزَلَت على النبي صلى الله عليه وسلم والتي قرأ بها النبي صلى الله عليه وسلم وأقرأها للصحابة رضي الله عنهم، لماذا لم تُكتب كل هذه القراءات في مصحفٍ واحد؟ قال البعض لماذا لم تُكتب الكلمة القرآنية وفوقها أو تحتها الكلمة بالقراءة الأخرى المختلفة؟ قال بعض العلماء خشوا من ذلك أن يظن البعض أن الكلمة هذه مكررةٌ في التلاوة.
أحد المُعلّمين في أحد المدارس يُقرئ الطلاب القرآن ففتح المصحف فوجد:

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَىٰ رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنزَلَ مِن قَبْلُ وَمَن يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا (136)
[ سورة النساء]

هذا من عهدٍ قريبٍ من عدة سنوات، فقال للطلاب اشطبوا آمنوا هذه فهي مكررة! يعني تخيَّل إذا كان هذا الأمر وقَعَ بين بعض الناس الآن وهو يُقرئ الناس القرآن! نسأل الله العفو والعافية وأن يتصدى لغير أهل العِلم العِلم، قال اشطبوا هذه يقول للطلاب اشطبوا آمنوا هذه، ظنَّ أن الآية يا أيها الذين آمنوا بالله والرسول والآية:

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَىٰ رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنزَلَ مِن قَبْلُ وَمَن يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا (136)
[ سورة النساء]

فأراد أن يشطب آية أو كلمة من الآية وهذا بعد أربعة عشر قرناً فكيف إذا كان الأمر في أوله أو في بدايته والمصاحف بين الناس؟ لا شك أنه كان سيقع إشكالٌ كبيرٌ في هذا الأمر.
حسناً قالوا لماذا لم تُكتب القراءات الأخرى في هامش المصحف على طرف المصحف؟ حسناً هذه الإشكالية التي وقعت بين الناس بسبب ما كتبه الصحابة في هامش مصاحفهم من تفسيرٍ أو توضيحٍ لبعض الآيات وبعض المعاني التي سمعوها من النبي صلى الله عليه وسلم، إذاً كلا الأمرين مردودٌ إنما ما وفقّهم الله جلَّ وعَلا فيه أنهم كتبوا بخطٍ يحتمل كل القراءات المتواترة التي جاءت.

رأي الصحابة في جمع سيدنا عثمان رضي الله عنه للمصحف:
حسناً رأي الصحابة في مصحف عثمان؟ قلنا في اللقاء السابق تَلقّوه بالرضا والقبول والإجماع وقلنا قول علي رضي الله عنه: والله لو كنت الوالي مكان عثمان لفعلت الذي فعل، رضي الله عنهما.
حسناً ما رأي عثمان في المصحف؟ يعني عثمان رضي الله عنه هو الذي جمع المصحف ما رأيه في المصحف؟ اعتمده، لكن هناك مقولةٌ قد يقرأها البعض في الكتب عند الداني في المُحكم أو في المُقنع، إن قرأت تسمع أن عثمان قال على المصحف معلِّقاً عليه إن فيه اعوجاجاً! انتبه إن فيه اعوجاجاً ستُقيمه العرب بألسنتها! اعوجاج المصحف فيه اعوجاج ! ما المقصود بالاعوجاج؟ المقصود الطريقة الذي رُسمت بها الكلمات في مصحف عثمان، لما نتحدث عن الرسم القرآني في المصحف واختلافه عن الرسم الإملائي الذي يُكتَبُ به في الأمور العامة، طبعاً الرسم المصحفي غير الرسم الإملائي يختلف.

أصول الرسم العثماني في كتابة المصحف:
هناك خمسة أصولٍ وقواعد أساسية في الرسم العثماني يختلف بها عن الرسم الإملائي وهذا أمرٌ توقيفي؛ البعض اجتهد وعلل هذه الإختلافات لكنه هو أمرٌ توقيفيٌّ في النهاية، هكذا وجدوا في الرسم النبوي وهكذا حينما رسم عثمان وزيد بن ثابت واللجنة رسموا بهذه الطريقة، ما هي الأصول الخمسة هذه؟ نريد إخواننا الكرام أن يشاركونا ويدلوا بِدلوهم معنا في هذا الأمر نتحدث عنها ونرى مشاركات إخواننا الكرام.
الأصل الأول: كيف رُسّمت التاءات التأنيث في المصحف؟ ما رُسّم منها بالتاء المفتوحة وما رُسّم بالتاء المربوطة هذا أصل.
الأصل الثاني: المقطوع والموصول الكلمات التي كُتبت مقطوعة أو موصولة في كتاب الله جلَّ وعَلا مثل كلمة "حيثما" موجودة في المصحف موصولة وحينما تُكتَب ونكتبها نحن في الخط الإملائي تكتب مقطوعة وغيرها من الكلمات كثير.
الأصل الثالث: كلمات لم تُكتب فيها أحرف وتُنطق في التلاوة مثل كلمة "مالك" حينما نتأمل مصاحفنا على رواية حفص نجدها مكتوبةً يا دكتور "ملك" وفوقها الألف الخنجرية الصغيرة هذه لكن حينما نقرأ نحن عن رواية حفصٍ نقرأها (مالك) هذا حرف لم يُكتب في المصحف لكنه يُنطق هذا الأصل الثالث.
الأصل الرابع: حروفٌ تُكتب في المصحف في الرَسم ولا تُنطق مثل كلمة "ذلك" تجد فيها ألف مثل كلمة "آمنوا" حينما نقرأها لا ننطق ونقول آمنوا وعملوا إنما الألف تُرسم ولا تُنطق.
والأصل الخامس والأخير: حروف تُكتب في الرسم العثماني وتُنطق على غير كتابتها مثل كلمة "الصلاة" كلمة الصلاة لو سنقرؤها بالهجاء الإملائي نقرؤها الصلوات لأنها مرسومة بالواو لكن هذه لا تُنطق في الرسم العثماني، مرسومةٌ لكن لا تُنطق.
هذا الذي تحدث عنه عثمان وقال أنه اعوجاج يقصد بالاعوجاج هنا أنه مخالفٌ للكتابة الإملائية العادية هذا ما قصده عثمان في كلمة اعوجاج، من أجل طلبة العِلم يا إخواننا، لما تقرأ افهم معنى الكلمة لا تقول عثمان يقول اعوجاج! هو يقصد اعوجاج على غير الكتابة الإملائية، وهو قال ستُقيمه العرب بألسنتها، وبالفعل كل مصحفٍ من المصاحف ذهب إلى مِصرٍ من الأمصار كم مصحف قلنا؟ ستة مصاحف.

أوجه الإختلاف في نسخ المصاحف التي أُرسلت إلى الأمصار في عهد سيدنا عثمان:
حسناً هل المصاحف التي وصلت للأمصار مُختلفةٌ فيما بينها أم مُتفقة؟ يعني هل هي مجرد نُسخ نُسخت من المصحف الأصلي ووُزِّعَت على الأمصار من أجل اعتمادها؟ أم بين هذه المصاحف خلاف؟ هل بينها خلافٌ أم كلها نسخةٌ واحدة؟ بينها خلافٌ في كثيرٍ من المواضع، فمثلاً في المصحف المدني الذي ذهب إلى المدينة مكتوب في هذا المصحف المبارك: سارعوا إلى مغفرة من ربكم، وكذلك المصحف الشامي الذي وصل إلى بلاد الشام نحن نقرأها في آل عمران:

وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133)
[ سورة آل عمران]

يوجد واو، مثلاً مكتوب (فتوكل على العزيز الرحيم)، وفي مصحفٍ آخر :

وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ (217)
[ سورة الشعراء]

مكتوبٌ في مصحف:

لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (26)
[ سورة لقمان]

وفي المصحف الشامي مكتوب إن الله الغنيُ الحميد.
ويقول الإمام أبو عمر الداني رحمه الله في كتابه المُقنع يقول: وقد رأيتها في المصحف الشامي كُتِبَت هكذا.

الدكتور رحابي محمد:
فقط لأجل التوضيح للإخوة طلاب العِلم لعلَّ سائلاً يسأل: لماذا هذه الخلافات في الواو والفاء أو هو أو بدون هو، هو الغني الحميد أو الغني الحميد.

الشيخ حسني حسوبة:
لأن هذه الاختلافات هي اختلافات القراءات التي جاءت عن النبي صلى الله عليه وسلم، جاء في قراءة إن الله الغني الحميد وجاء في قراءةٍ أُخرى إن الله هو الغني الحميد.

الدكتور رحابي محمد:
نعم في عهد سيدنا عثمان لمّا جُمع المصحف في عهد سيدنا عثمان وجعل اللجنة هذه تكتب مصحفاً واحداً ولكن في عدة نسخ كما في رواية ستة نسخ أو أربع نسخ أو حتى وصل إلى تسعة نسخ، هل النسخ هذه كما تتفضل حضرتك أن نسخة أهل الشام فيها بعض الخلافات في الواو والفاء وهي اختلافات بسيطة حتى لا أحد يفهم أنه هناك خلافاتٍ كبيرة هي فقط في الواو أو الفاء أو هو أو بدون هو لماذا هذا الإختلاف؟ لماذا لم يُضبط في نسخةٍ واحدةٍ بكتابةٍ واحدة؟ :

الشيخ حسني حسوبة:
لأن هذه الإختلافات هي ما قَرأ عليها أهل هذا المِصر، يعني أهل الشام حينما وصلتهم القراءة عن من جاءهم من الصحابة في عهد عمر قرؤوا بهذه القراءة.

الدكتور رحابي محمد:
لمَّا سيدنا عثمان كُتب وجُمع المصحف تحت عينه على مرأى ومسمعٍ من الصحابة رضي الله عنهم، هل أُثبتت هذه الخلافات بين النسخ أم كانت نسخةً واحدة؟

كيف قرأ أهل الأمصار بمصاحف عثمان رضي الله عنه؟
الشيخ حسني حسوبة:
نعم ثابتة وموجودة النسخ الستة لم تكن متطابقة، أراد عثمان حينما يُرسل مصحفاً إلى بلاد الشام يُرسله على القراءة التي كانوا يقرؤون بها من عهد النبي صلى الله عليه وسلم، والرسم القرآني هناك كلماتٌ تَحتملها القراءة وهناك كلماتٌ لا تَحتملها القراءة إلا برسم معين، قلنا مثلاً كلمة "مالك" رُسِمَت ملك ووضعت فوقها الألف الخنجرية الصغيرة فهي في قراءة مَلِك تحقيقاً قراءة مَلِك، وتحتمل قراءة مَالك بالألف الخنجرية التي فوقها إذاً هنا القراءتان متوافرتان، لكن في قراءة "سارعوا" أهل الشام وأهل المدينة يقرؤونها بقراءة ابن عامر، وبقراءة نافع يقرؤونها بغير الواو يقرؤونها سارعُوا، طيب إن وصلهم المصحف وفيه هذه الواو الزائدة التي يقرأ بها باقي القرّاء من القرّاء العشرة، ماذا سيقولون يا دكتور؟ سيقولون نحن نرفض هذا المصحف، لماذا؟ على غير القراءة التي أُقرأنا ونُقرِئ بها، أراد عثمان أن يكون المصحف حاوياً لهذا، وطبعاً هذه الأحرف بالزيادة والنقص انتبهوا يا إخواننا هذه الأحرف وهذه الكلمات بالزيادة والنقص لا بد من وضع الزيادة والنقص، إنما هناك كلمات الرسم نفسه يَحتمل، قلنا في اللقاء السابق كلمة فتثبتوا بغير النقط تحتمل القراءتين، لكن إن كُتبت كلمة وسارعوا كُتِبَت بالواو لا تحتمل أن تُحذف الواو من المصحف مادامت مكتوبة واضح يا إخواننا، لكن أهل الشام في مصحفهم وفي قراءتهم يقرؤونها بغير الواو.

الدكتور رحابي محمد:
نعم نحن الآن هل سنتحدث عن قواعد الرسم العثماني اليوم أم سوف نُرجئه إلى لقاءٍ آخر.

الشيخ حسني حسوبة:
هذا له لقاءٌ مستقل إن شاء الله.

الدكتور رحابي محمد:
ممكن أن تسمح لي شيخنا نضيف أنَّ سيدنا عثمان من براعته وتوفيق الله له وحفظ الله للقرآن الكريم، أنا أريد فقط أن أوضح للإخوة المُتخصصين المُتابعين وأنت أيضاً تضيف لنا هذه المعلومة أنَّ سيدنا عثمان لما أرسل المصاحف إلى الأمصار الستة أرسلها مع القارئ الذي يقرأ بقراءة ذلك المِصر؟

الشيخ حسني حسوبة:
سنأتي على هذه النقطة يا دكتور سنأتي عليها بالتفصيل إن شاء الله، هي معنا في العناصر كيف قرأ أهل الأمصار.
في المصحف المكي نحن في رواية حفص، في الموضع الأخير من سورة التوبة نقرأ: جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ، بغير من بغير حرف الجر، لكن في المصحف المكي على قراءة ابن كثير المكي وهذا ما انفرد فيه ابن كثير المكي في قراءةٍ متواترةٍ عن النبي صلى الله عليه وسلم نقرأ:

وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (72)
[ سورة التوبة]

بإضافة حرف الجر، هذه قراءةٌ متواترةٌ عن النبي صلى الله عليه وسلم، طيب كيف يُرسل عثمان رضي الله عنه مصحفاً لأهل مكة بحذف حرف الجر وهم تعودوا وقَرؤوا وأَقرؤوا بأنَّ هذا الموضع من سورة التوبة عندهم في قراءتهم التي تلقّوها بالإسناد عن النبي صلى الله عليه وسلم، القراءة عندهم على ما تلقّوه:

وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (72)
[ سورة التوبة]

فهناك كلماتٌ لا بد في المصحف إما أن تُثبَت أو تُحذف بحسب الرواية أو القراءة التي يَقرأ بها أهل هذا المكان.
ثم إن المصاحف في عهد عثمان كما قلنا في البداية لم يكن فيها شكل الحركات الفتحة والضمة والكسرة، لم يكن فيها نقاطٌ على الأحرف، لم يكن فيها أرقامٌ أو فواصلٌ للآيات، لم يكن هناك فواصلٌ يا إخواننا للآيات، الآيات كلها متصلة، كل هذا لم يكن موجوداً في المصحف إنما كان موجوداً جسم الكلمة الرسم القرآني فقط، طيب حينما تُرسل هذا المصاحف وهي بغير نقط ولا شكل ولا حركة ولا موضع آيات كيف يقرأ أهل الأمصار بهذه المصاحف؟ هذا ما تنبَّه إليه عثمان ولم يفته هذا الأمر ماذا فعل؟ أرسل مع كل مصحفٍ من هذه المصاحف الستة قارئاً يُقرئ أهل البلد بهذه القراءة التي يعرفونها، فأرسل إلى أهل المدينة زيد بن ثابت رضي الله عنه هو المرجع في هذا المصحف لِمَن يًقرأ ولمن يُقرئ، وأرسل إلى أهل مكة عبد الله بن الثائب رضي الله عنه، وأرسل إلى أهل الشام المُغيرة بن شهاب هو المرجع في هذا المصحف وفي هذه القراءة، وأرسل إلى أهل الكوفة أبي عبد الرحمن السُلمي رضي الله عنه، وأرسل إلى أهل البصرة عامر بن عبد القيس، هؤلاء الستة هم من ذهبوا مع المصاحف إلى أهل الأمصار حتى يُقرِؤوا أهل الأمصار بما يعرفونه وما اعتادوا عليه من القراءة لكن مع ضوابط المصحف العثماني الذي أرسله عثمان رضي الله عنه.

ميزات المصحف العثماني:
الدكتور رحابي محمد:
نعم الله يفتح عليك، إذا تسمح لي الله يجزيك الخير ويبارك بك يا شيخ حسني ولا يُمَل من الاستماع لك، ولكن نلخص ماسبق وعندي سؤالان من الأخت سونيا والأخت يسرى نأتي على السؤالين حتى لا نطيل إن شاء الله تعالى في اللقاء، ميزات المصحف العثماني الذي تفضلت به، أنّ المصحف الكريم التي جمعه سيدنا عثمان كانت سور القرآن الكريم الطويلة تتقدم في المصحف العثماني مثلما كانت ترتيب السور في مصاحف الصحابة رضي الله عنهم التي كُتبت في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وفي عهد سيدنا أبي بكر، ولكن الفرق الوحيد هو أن سورة يونس جاءت متأخرةً في المصحف العثماني فقط كان سيدنا عثمان يعتقد أن سورة التوبة وسورة الأنفال هما سورة واحدة، صحيح يا شيخ حسني؟

الشيخ حسني حسوبة:
هذا قولٌ يُنسَب إلى سيدنا عثمان وضعّفه العلماء، وهذا القول محل الاستشهاد به في قضية لماذا لم تُكتب البسملة في أول سورة براءة، فأُجيب عن هذا بعدة أمور: الأمر الأول قالوا أنهم نَسبوا قولاً لعثمان قال إنما كنا نعدّهما سورةً واحدة ولذلك لم تُكتَب البسملة بينهما، القول الثاني وهو الراجح وهو الأصوَب قول علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: لأن بسم الله الرحمن الرحيم أمانٌ وبراءةٌ أُنزلت بالسيف ولا تناسُب بين الرحمة والسيف، لا يمكن أن تقول لعدوك صباح الخير ثم تضربه بسيفك! الأمر غير مقبول ولذلك سبحان الله العظيم من الأشياء الجميلة الرائعة أن العرب فيما بينها كانت حينما تتراسل بالخطابات وبالرسائل كان إذا كان هناك ودّ ومحبة يُرسلوا الكتاب أو الرسالة وفي أولها باسمك اللهم فلما يفتحوا الرسالة من أولها يستبشروا أنه الأمر فيه خير، أما إذا أرادوا أن إعلان حربٍ أـو نقض عهدٍ يُرسلوا الكتاب وليس في أوله باسمك اللهم، فحينما يُفتح الكتاب يعلموا أنَّ الكتاب فيه نقض عهدٍ أو فيه إلغاء معاهدةٍ أو فيه حرب، فنزل القرآن على ما تعودوا عليه ففي أول سورة التوبة لم تأتي البسملة لهذه العلة واحتج البعض بهذا الحديث الذي نسبوه إلى عثمان رضي الله عنه والله أعلم.

الدكتور رحابي محمد:
رضي الله عنه وأرضاه؛ والميزة الثانية من ميزات المصحف التي ذكرتها حضرتك نُجملها ثم نأتي إلى السؤالين عند الأخوات الفاضلات مصحف سيدنا عثمان كان غير منقوط ولا مشكول وهذا ربما نأتي عليه لاحقاً ماذا فعل أبو الأسود إن شاء الله تعالى، رُبما لأن السبب يرجع ذلك إلى أنه السبب ما كان عندنا أصلاً تنقيط ولا تشكيل في ذلك الوقت، الخط العربي والكتابة العربية لم يكن عندهم التشكيل لم تكن أصلاً مستحدثةً بعد، فكان لابد أيضاً لمن يَقرأ القرآن الكريم في ذلك الوقت أن يكون له مُقرئ يُقرأه حتى كما تفضلت بعض الأمثلة نعلمه يعلمه ننشزها ننشرها هذه تحتاج إلى مُقرئٍ يَقرأ القرآن الكريم على الناس ويصحح لهم تلاوتهم لمّا يقرؤوا هذه الكلمات المكتوبة بدون تنقيط وبدون تشكيل فحتماً سيقرؤها من لم يستمع إلى شيخٍ مُقرئ سيقرؤها رُبما بطريقةٍ مختلفة عن الآخر فلا بد من ضبط هذه الأمور عن طريق القراء.

الشيخ حسني حسوبة:
دكتورنا أحد الشباب يقول لأحد المشايخ: يا شيخ الحمد لله ختمت المصحف كاملاً وحفظته كاملاً، قال: ومن شيخك؟ قال بدون شيخ مع نفسي، قال له: ختمت بمفردك بدون شيخ! قال: وحدي لكن عندي سؤال، قال: وما هو؟ قال: في سورة الفاتحة إياك نعبد وإياك تسعين أم غير تسعين! يعني تخيل تجرّأ على كتاب الله بلا شيخ فأخطأ في سورة الفاتحة وقرأ سورة الفاتحة قراءةً خاطئة، فالقرآن لا يؤخذ إلا بالتلقّي من أول النبي صلى الله عليه وسلم:

وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ (6)
[ سورة النمل]


الدكتور رحابي محمد:
سبحان الله؛ سبحان الله العظيم الحكيم اللطيف سبحانه وتعالى.
شيخنا تقول الأخت الفاضلة سونيا نعم هذه اختلافاتٌ حسب القراءات إما بإضافة حروف أو حذفها لكن فضلاً لماذا يكون الإختلاف بين المصاحف في رسم بعض الكلمات من المقطوع والموصول؟

لماذا هناك إختلاف بين المصاحف في رسم المقطوع والموصول؟
الشيخ حسني حسوبة:
باب المقطوع والموصول بابٌ واسعٌ جداً بين العلماء، وتجد في هذا الباب حينما تَقرأه أو تَقرأ شرح باب المقطوع والموصول تجد العلماء يقولون وهذا مما اتُفق على قطعه وهذا مما اتُفق على وصله وهذا مما اُختلف فيه، هناك مواضع اُختلف في قطعها وفي وصلها، يعني مثلاً قول: أن لا إله إلا الله، أن لا إله موصولةٌ في بعض المواضع ومقطوعةٌ في بعض المواضع، مقطوعةٌ في عشر مواضع في القرآن مذكورة في كتب التجويد والرسم، وموصولةٌ في مواضع أخرى، وموضع الأنبياء أن لا إله إلا أنت سبحانك مُختَلفٌ فيه بين كتَّاب المصاحف هذا أمرٌ توقيفيٌّ بعض المصاحف رُسمت هكذا وبعضها رُسمت هكذا.

الدكتور رحابي محمد:
جزاكم الله خيراً؛ الأخت يسرى تقول كلمة "فادارأتم" فيها رسُمها في مصحف المدينة بقراءة حفص عن عاصم رُسمها يختلف عن صوتها وتهجئتها هل هي لا تخصُّ القراءات أم ماذا؟

الشيخ حسني حسوبة:
هي مثل كلمة "الصلاة" مثل كلمة "شركاء"، كلمة شركاء أحياناً تُكتب في المصحف بالواو في بعض المواضع هل لمّا نقرأها نقول شركاو أم نقول شركاء؟ هكذا جاء رسمها وعلى حسب الرواية وعلى حسب رسم المصحف الذي بين يديك تَقرأ، لكن كلمة "فَادَّارَأْتُمْ" ليس فيها خلاف إلا في الإبدال " ادَّارَأْتُم" فقط لكن في نطقها تنطق كما هي.

الدكتور رحابي محمد:
لعل الأخت ربما تريد أن تسأل هل الكتابة الإملائية الحالية وما نراه من بعض الكلمات في القرآن الكريم تختلف عن كتابتنا الإملائية نحن الآن، ممكن هذا سؤالٌ يأتي، الكتابة الإملائية الحديثة.

الإختلاف بين الرسم العثماني والكتابة الإملائية:
الشيخ حسني حسوبة:
طبعاً مختلفة نحن قلنا هناك خلافٌ بين الرسم العثماني وبين الكتابة الإملائية في خمسة قواعد في خمسة أصول، أنَّ بعض الكلمات في تاء التأنيث رُسمت بالهاء أو بالتاء ويختلف القُرّاء في الوقف عليها -القرّاء العشرة-، وهناك باب المقطوع الموصول لمّا تكتب أنت أن لا إله إلا الله كيف تكتبها؟ تكتب أن ثم لا، لكن في بعض المواضع في المصحف كما قلنا مكتوبة ألا ألف لام، ألف مباشرةً موصولة يختلف عن الكتابة الإملائية، أيضاً قلنا إذا قلت لك أكتب الكتاب كيف تكتبها؟ تكتبها ألف لام كاف تاء ألف باء لكن في المصحف مكتوبة (الكتب) كأنها جمع وأين وضعت الألف؟ وضعت بعد الكاف ألف صغيرةٌ خنجرية! ولكن حينما تقرأ وتتلقى على الشيخ هل ستقرؤها الكتب؟ ستقرؤها الكتاب.

الدكتور رحابي محمد:
نعم جزاك الله خيراً، الأخت يسرى تقول جزاكم الله خيراً هل عِلم القراءات بالضرورة أن لأن تتعلمها بعد قراءةٍ واحدة؟ الاختلافات تحمل نفس المعنى ونفس مراد الله هل يُغيِّر شيئاً من تدبرنا وعملنا بما يريده الله تعالى منا؟
إذا تسمح لي أجيب ثم نستمع إلى إضافتك شيخنا الحبيب، القراءات هذه ربما نحتاج إلى لقاءاتٍ أخرى لأن نعلم ما تُضيف القراءات على المعنى وما تفيد وهذه حصلت في دراسات ورسائل ماجستير ودكتوراه في القراءات وأثرها على المعنى وحتى على الأحكام الفقهية في القرآن الكريم وحتى على التفسير للقرآن الكريم وعلى المعاني، لكن إذا قرأ الإنسان أو المسلم قراءةً واحدةً فلا شك أنه ذلك يَكفيه ويُسقط عنه كما يقال الحرج في تَعلّم القرآن الكريم، المُتخصصون يقرؤون قراءاتٍ عديدة أكثر من قراءة للتخصص وللزيادة، لكن ليس فرضاً شرطاً أو لا يُطلب من المسلم أن يَقرأ القراءات كلها حتى يستطيع فهم القرآن أو يستطيع أن يُحصّل ثواب قراءة القرآن الكريم، فإذا كنت هذه الإجابة تفيد في سؤالك فإن شاء الله يكون خيراً والشيخ حسني يضيف أيضاً على هذه النقطة.

الشيخ حسني حسوبة:
يعني كما قلتم الموضوع طويلٌ في موضوع القراءات وفي أصول القراءات وفي اختلاف القراءات لكن دعني أكتفي بكلمة واحدة قالها الإمام الشوكاني رحمه الله في قضية القراءات قال: واعلم أن القراءة الأُخرى بمثابة آيةٍ أُخرى، يعني القراءة الجديدة التي تختلف عن القراءة التي تقرأ بها كأنها آيةٌ جديدة، لكن القراءات تُعضّد المعنى وتُقوِّي المعنى وهي من الإعجاز الرباني في كتاب الله جلَّ وعَلا يعني حينما تقرأ مثلا في سورة يونس قول الله جلَّ وعَلا:

هُنَالِكَ تَبْلُو كُلُّ نَفْسٍ مَّا أَسْلَفَتْ وَرُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ (30)
[ سورة يونس]

ما معنى تبلو؟ يعني تُعاين وتجد، الإنسان يجد ما عمل من أعمال:

هُنَالِكَ تَبْلُو كُلُّ نَفْسٍ مَّا أَسْلَفَتْ وَرُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ (30)
[ سورة يونس]

انظر إلى كلمة تبلو بغير نقط، حمزة والكسائي يقرآن هنالك " تتلو" وهذا يُصدِّق قول الله جلَّ وعَلا في سورة الإسراء:

اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَىٰ بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا (14)
[ سورة الإسراء]

لأنه سوف يتلوا ما في الكتاب، إذا سوف يُعاين سيجد ما في الكتاب ويتلوه بلسانه ويقر على نفسه، إذاً القراءتان تُعضدان المعنى وتُقويه، هذا غير طبعاً استخراج الأحكام الفقهية من اختلاف القراءات القرآنية، كثيرٌ في كتاب الله جلَّ وعَلا.

أهمية أخذ وحفظ القرآن بالتلقّي:
الدكتور رحابي محمد:
نعم بارك الله بكم، حسناً نحن في ختام هذا اللقاء المبارك الطيب الذي لا يَمل ولا يُمل من الجلوس والاستماع إلى هذه المعلومات عن كتاب ربنا سبحانه وتعالى، كيف وصل إلينا وكيف تطورت كتابته وجمعه وضبطه وتشكيله وإملائه، هذا أمر يدعو الإنسان سبحان الله لزيادة إيمانه وثقته بالله سبحانه وتعالى وثقته بهذا الكتاب العظيم، والحمد لله أن القرآن لا يُؤخذ إلا بالتلقّي هذا أيضاً من إعجاز الله سبحانه وتعالى، تخيل أن القرآن يؤخذ كتابةً لأصبح كل بلدٍ عنده مطبعةٌ الكترونية طبع كتاباً على هواه، رُبما يصبح عندنا ملايين المصاحف وكل مصحفٍ مختلفٌ عن الآخر بطريقة سبحان الله يعني يُحرّف كما حُرّفت الكتب السماوية الأُخرى، ولا تجد كتاباً سماوياً من تلك الكتب متطابقاً مع آخر بسبب إختلاف العلماء هؤلاء وبسب إختلاف البلدان، فالحمد لله القرآن لا يؤخذ إلا بالتلقّي، ولمّا الإنسان يُخطئ بخطأ واحد مثلا تسعين ونستعين يُستهَجن وليس هذا خطأ كبير فاحش ولكن حتى لو كان الخطأ في ضبط كلمة، لذلك مسابقات القرآن وكذا.. وهذا سبحان الله كما تعلم شيخنا الأخ أحمد برهان شاب أمريكي أخذ المرتبة الأولى على العالم في مسابقة دبي للقرآن الكريم يعني كيف يجعل الله عز وجل إتقان القرآن وضبطه عند بني الإنسان!

الشيخ حسني حسوبة:
ليس حكراً على أحد، ليس حكراً على جنسٍ ولا على بلدٍ ولا على لسان، سبحان الله العظيم!

{ إنَّ اللَّهَ يَرْفَعُ بهذا الكِتَابِ أَقْوَامًا، وَيَضَعُ به آخَرِينَ }

[رواه مسلم]

سبحان الله العظيم! حديث النبي صلى الله عليه وسلم.

الدكتور رحابي محمد:
وتسأل هذا الفائز وتسأل الشيخ حسني، تسأل رحابي، تسأل فلاناً، تسأل محمود، سعيد، خديجة، كيف أخذت القرآن؟ لا أحد يقول لك قرأته لوحدي أبدا،ً يقول لك عند الشيخ فلان وعند الشيخ فلان وتجد الواحد مثل الشيخ حسني عنده شيوخٌ في القرآن الكريم تجد الشيخة فلانة، عندي إحدى الأخوات قرأت القرآن والقراءات عندها رُبما خمسة عشر شيخاً قرأت عندهم القرآن الكريم، فسبحان الله العظيم الحمد لله.

الشيخ حسني حسوبة:
شيخنا العلماء يقولون لو أن شخصاً حَفِظ القرآن وسَمّعه من أوله إلى آخره بلا خطأ، وقرأ كما يقرأ المنشاوي والحصري وعُظماء القُرّاء وحَفِظه بمفرده، قالوا هذا لا يصحُّ التلقّي عليه لماذا؟ قالوا لأن السلسلة النورانية منه إلى رب العزة مُنقطعة!
أراد الله جلَّ وعَلا لهذا الكتاب تحديداً دون كل الكتب أن يكون بينه وبين الله جلَّ وعَلا سلسلة ربانية متصلة، الدكتور رحابي قرأ على شيخه وشيخ الدكتور رحابي قرأه على شيخه ينتهي الأمر إلى الصحابة والصحابة أخذوه من فم النبي صلى الله عليه وسلم والنبي أخذه من جبريل وجبريل أخذه من رب العزة جلَّ وعَلا، سلسلةٌ نورانيةٌ متصلة لو انقطعت هذه السلسة ضاعت بركته.

الدكتور رحابي محمد:
ولعل هذا الشرط الأساسي في تسجيل الطلاب في الدراسات العُليا في الأداء القرآني أن يُقدم المؤهل الجامعي ثم أيضاً الإجازة القرآنية بالسند المتصل، يعني لو ما عنده الإجازة القرآنية بالسند المتصل هذا نقول له أنت ليس لديك إجازة فأرجوك اذهب وأحضرها.

الشيخ حسني حسوبة:
والله يا دكتور نحن نتمنى إدارة الجامعة تساعد من ليس لديه إجازة في أن يحصل على إجازة نتمنى هذا.

الدكتور رحابي محمد:
نعم جزاك الله خيراً، سيكون أُبشّرُك وأُبشّر الإخوة والأخوات نعم هذا البرنامج سيكون إن شاء الله وسنفتح باب الإجازة القرآنية بالسند المتصل والشيخ حسني نسعد أن يكون واحد من أولئك الشيوخ المُعتمدين في الجامعة وفي الإقراء في هذا البرنامج إن شاء الله تعالى وعلى الهواء مباشرة يا شيخ حسني.

الشيخ حسني حسوبة:
نحن نسعد بخدمتكم؛ شرفٌ لنا يا دكتور شرفٌ لنا أن نكون من أهل القرآن.

الخاتمة:
الدكتور رحابي محمد:
الله يحفظكم؛ شكراً جزيلاً للإخوة والأخوات لإثرائكم بتعليقاتكم وأسئلتكم وبارك الله بكم، مرة ثانية أرجو أن تشاركوا هذه اللقاءات على صفحاتكم نوروا بها صفحات القرآن الكريم هذا يستحق أن تكون صفحات الفيس تعجّ بالحديث عن القرآن الكريم وعن تاريخ القرآن الكريم ووصوله إلينا، مرة ثانية شكراً شيخنا الشيخ حسني وجزاك الله خيراً وإلى لقاءٍ آخر بإذن الله تعالى قريباً، استودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه لقاؤنا إن شاء الله يوم الاثنين والأربعاء خلال شهر رمضان المبارك ويوم السبت أيضاً الساعة العاشرة مساءً بتوقيت مكة المكرمة إلى ذلك المُلتقى نستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.

الشيخ حسني حسوبة:
وعليكم السلام ورحمة الله تعالى وبركاته نلقاكم على خير إن شاء الله تعالى السلام عليكم.