حقوق مُقرِئ القرآن الكريم مع الشيخ حسني حسوبة

  • 2021-10-02

حقوق مُقرِئ القرآن الكريم مع الشيخ حسني حسوبة


مقدمة:
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته؛ بسم الله والصلاة والسلام على حبيبنا محمد رسول الله القائل:

{ خيرُكم من تعلَّم القرآنَ وعلَّمَه }

[رواه الترمذي]

والقائل صلى الله عليه وسلم:

{ إنَّ اللَّهَ يَرْفَعُ بهذا الكِتَابِ أَقْوَامًا، وَيَضَعُ به آخَرِينَ }

[رواه الترمذي]

نسأل الله تعالى أن يَرفعنا وأن يَنفعنا بالقرآن الكريم وأن يَجعله حُجةً لنا لا حُجةً علينا، النبي صلى الله عليه وسلم أيها الإخوة الكرام يُبشرنا ويقول:

{ يَجِيءُ صَاحِبُ القرآن يَومَ القِّيامة فيقول القرآن: يا ربِ حُلَّهُ، فَيَلبَسُ تاجَ الكرَامة، ثُمَّ يَقولُ: يا ربِ زِدْهُ، فَيَلبَسُ حِلَةَ الكَرامة، ثُمَّ يَقولُ: يا ربِ ارضَ عنه فَيَرضَى عنه، فَيُقال لَهُ: اقرأ وارقَ، وتُزاد بِكل آية حَسنة }

[رواه الترمذي]

اللهم اجعلنا من هؤلاء يا رب العالمين، اللهم أكرمنا يا رب بكرامة القرآن وأكرمنا بِحُلَل القرآن وانفعنا بالقرآن الكريم يا أرحم الراحمين، أهلاً وسهلاً بكم أيها الإخوة والأخوات في هذا اللقاء الطيب الجديد المُتجدد مع أهل القرآن الكريم ومع فضيلة الشيخ حسني حسوبة بارك الله به وبارك الله بعلمه، نجتمع اليوم لنُكمل حديثنا إن شاء الله عن حقوق المُقرئ، تحدثنا فيما سبق في الأيام السابقة واللقاءات السابقة عن واجبات ومسؤوليات مُقرئ القرآن الكريم وكانت لقاءات ثَرية وغَنية بمداخلاتكم وإسهاماتكم وتعليقاتكم الطيبة، اليوم نتابع الحديث عن حقوق مُقرئ القرآن الكريم، ما هي حقوقه؟ ما هي الحقوق المُترتبة له؟ ما هو واجب المجتمع، واجب الطلاب، واجب الأهالي، واجب الإدارات، واجب الناس، تجاه مُقرئ القرآن الكريم؟ هذا الإنسان الذي أكرَمه الله عز وجل وأخذ منصباً كان يَتبوأه رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان النبي صلى الله عليه وسلم يُعلِّم أصحابه القرآن الكريم، ولقّن أصحابه القرآن الكريم، وعلَّم أصحابه التابعين لهم بإحسانٍ فنسأل الله تعالى أن يجعلنا من هؤلاء التابعين.

{ ما اجتمَعَ قومٌ في بيتٍ من بيوتِ اللَّهِ يتلونَ كتابَ اللَّهِ، ويتدارسونَهُ فيما بينَهم إلَّا نزلَت عليهِم السَّكينةُ، وغشِيَتهُمُ الرَّحمةُ، وحفَّتهُمُ الملائكَةُ، وذكرَهُمُ اللَّهُ فيمَن عندَهُ }

[رواه البخاري]

اليوم نجتمع دائماً وأبداً إن شاء الله على مائدة القرآن الكريم لنقوّي من عزائم أهل القرآن المُعلّمين والمُعلِّمات ونُكسبهم مهارات إن شاء الله تعالى ويكونوا على الطريق الصحيح السليم ما هي الواجبات وما هي الحقوق؟
قبل أن نبدأ أشكر كل من انضم إلى هذا البث المباشر وأطلب منهم مشاركة هذا اللقاء قبل أن نبدأ على بركة الله مع الشيخ حسني، مشاركة هذا اللقاء على صفحاتكم لنرى أكبر عدد ممكن أن يُشارك معنا ويستفيد إن شاء الله.
شاركوا هذا اللقاء على صفحاتكم ونوِّروا بها الفيسبوك دائماً، نريد الفيسبوك يكون مع أهل القرآن يكون مع العِلم النافع مع الصورة الهادفة مع الفيديو الهادف، جزاكم الله خيراً.
وانضم لنا الشيخ عبد الغفور الذي سألني هل الحقوق له أم الحقوق عليه؟ الآن يا شيخ عبد الغفور نستمع منك وتشاركنا أيضاً ونستمع إلى الدُرر واللآلئ الطيبة والمفيدة إن شاء الله من الشيخ حسني.
طيب يا سيدنا شيخ حسني لو نبدأ على بركة الله في حقوق مُحفّظ ومُعلِّم القرآن الكريم، ولكن تسمح لي قبل أن نبدأ لعلّي أُذكِّر نفسي وأُذكِّر كل من يَسمع لنا أنَّ سيدنا عبد الله بن مسعود رضي لله عنه قال في يوم من الأيام: "ينبغي لحامل القرآن أن يُعرَف بليله إذا الناس نائمون، وبنهاره إذا الناس مُفطرون، وبحزنه إذا الناس يفرحون، وببكائه إذا الناس يضحكون، وبصمته إذا الناس يخوضون، وبخشوعه إذا الناس يختالون".
كأنه أجملَ رضي الله عنه وأرضاه أخلاق أهل القرآن وواجباتهم ومسؤولياتهم، وكأن الإمام الحسن البصري رضي الله عنه ورحمه الله كان أيضاً يوجِّه أهل القرآن الكريم ومعلِّمي القرآن الكريم فيقول:
"إن من كان قبلكم رأوا القرآن رسائل من ربهم فكانوا يتدبَّرونها في الليل وينفِّذونها في النهار".
الإمام الفُضيل بن عياض وأختُم بهذه الكلمة، الإمام الفُضيل بن عياض رحمه الله أيضاً كان يقول: "حامل القرآن حامل راية الإسلام لا ينبغي أن يَلهو مع من يَلهو ولا يَسهو مع من يَسهو ولا يَلغو مع من يَلغو تعظيماً لحقِّ القرآن الكريم".
نسأل الله أن يُكرمنا أن نقوم بحق القرآن وأن نتلوَه حق تلاوته.
شيخ حسني ما هي حقوق أهل القرآن؟ ما هي حقوق مُقرئ القرآن الكريم؟

الشيخ حسني:
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتَم النبيين نبينا محمدٍ وعلى آله وأصحابه أجمعين؛ الحديث الطيب المُبارك الذي بدأتم به هذه الجلسة المُباركة:

{ ما اجتمَعَ قومٌ في بيتٍ من بيوتِ اللَّهِ يتلونَ كتابَ اللَّهِ، ويتدارسونَهُ فيما بينَهم إلَّا نزلَت عليهِم السَّكينةُ، وغشِيَتهُمُ الرَّحمةُ، وحفَّتهُمُ الملائكَةُ، وذكرَهُمُ اللَّهُ فيمَن عندَهُ }

[رواه البخاري]

هذه رواية البخاري، لكن أنا دائماً أفضل رواية الإمام مسلم لأنه في رواية الإمام مسلم لم يذكر ويحدد بيتاً من بيوت الله ولكن قال:(ما اجتمَعَ قومٌ يتلونَ كتابَ اللَّهِ).
وهذا يجعل هذا الاجتماع المُبارك في هذا الأجر وهذه المَثوبة في أي مكان وفي أي وقت وهذا من فضل الله الواسع سبحانه وتعالى، قبل أن نشرَع في حقوق مُقرئ القرآن هناك سؤالٌ كان في التعليقات، بفضل الله تعالى بعد كل لقاء نتابع التعليقات ونتابعها جميعاً ونحاول أن نردَّ على ما يكون فيها من استفسارات أو من أسئلة وكان هناك سؤال أو طلب أو استفسار من أحد الفُضلاء يقول: لماذا يُغالي أهل القرآن في بعض الأحيان فيما يطلبونه من مقابل لإقرائهم لطلبة العِلم؟ وهذا محورٌ من محاورنا إن شاء الله سنتحدث عنه اليوم بإذن الله تعالى.

ملاحظات في ما يتعلق بواجبات المقرئ:
قبل أن نتحدث عن حقوق المُقرئ هناك بعض الأشياء نودَ أن نُنبِّه عليها فيما يتعلق بواجبات المُقرئ، في اللقاء الماضي قلت أن أحد الفُضلاء أعرفه جيداً يُعذب طلابه بمواعيدهم وبإقرائهم وحُجته في ذلك أن شيخه فعل معه هذا، ولمَّا تُحدّثه يقول كان السلف هكذا ولا نعرف أحد من الحاضرين وأنا سأقصُّ موقفاً وقع معي أنا شخصياً، كنا نقرأ على شيخنا الشيخ عبد المنعم الواحي أنا وأخ فاضل حبيب ربنا يحفظه اسمه الشيخ طارق مرسي، كنا نذهب إلى الشيخ وكنا نريد أن نُنجز عنده أكبر قدر في الإجازة وفي الإجازة أيضاً، كنا نذهب إليه بعد الفجر إلى انتهاء صلاة العشاء ونترك الشيخ في وقت الراحة ووقت الغداء فقط، ونحن نقرأ على الشيخ وكان الأخ طارق أتى من بلاد بعيدة وبقي عندي وكنا نذهب إلى الشيخ في قريةٍ بجوارنا، وفجأة توفيت ابنة الشيخ رحمها الله، ابنة كبيرة وعندها أولاد وكان الشيخ يُحبها حُباً جماً وتوفيت ابنة الشيخ ورجعنا إلى البيت بعد العزاء ونحن في غاية الحزن وفي غاية الألم لأننا الطبيعي أن نفقد الشيخ لمدة أسبوع على الأقل لن نقرأ عليه، والأخ جاء من سفر ومقيمٌ معي وبدأ يجمع أغراضه ليسافر في اليوم التالي، وإذا في اليوم التالي بعد الجنازة بيوم يتصل بي الشيخ أين أنت؟ لماذا لم تأتي؟ قلت له: يا شيخ أأتِ أين؟! قال: تقرأ! قلت له: يا شيخ لكن الظرف والموقف يعني توقعنا أن تتوقف القراءة إلى أن تنتهي، قال وهل نحن عندما تجلسون معي نلهو، نُغنّي؟! نقرأ كتاب الله جلَّ وعَلا، لعله رحمة على هذه التي ماتت رحمها الله، وكان موقفاً لا يُنسى، موقفٌ عجيب! وذهبنا إلى الشيخ وكنا نقرأ على الشيخ ويدخل الناس يُعَزونه وينصرفوا ونحن مستمرون في القراءة على الشيخ فكان هذا من المواقف العجيبة التي تُبيّن كيف يعرف المُقرئ واجبه تجاه طلابه.

مراعاة المقرئ لقاعدة جهد المُقل:
أيضاً من الواجبات التي تجب على المُقرئ أن يُراعي قاعدة "جهد المُقل"، ما معنى جهد المُقل؟ أحياناً يكون هناك طلاب مُتميزون عندك في حلقتك يقرؤون عليك فالمتميز تُثني على تميزه، والطالب المُتأخر أحياناً لا تُعره اهتماماً لا تحاول أن تُثني عليه حتى وإن تقدّم، يعني مثلاً لو عندنا في أحد المدارس أحد المجمعات التعليمية في القرآن أو في غيره، طالب في كل اختبار يحصل على عشرة من عشرة وطالب في كل اختبار يحصل على اثنين من عشرة هذه عادته، وفجأةً هذا الطالب حصل على خمسة من عشرة من الذي يستحق التكريم والمكافأة الآن؟ المتفوق دائماً؟ أم هذا الذي تغير حاله وبدأ يقفز من التأخر إلى التوجه تجاه التقدم ويلحق بِرِكاب المتفوقين؟ فهذا لا يُراعيه البعض أحياناً مع طلابهم يريد دائماً من الطالب الاجتهاد وإذا وجد من يتحسن قليلاً لا يُعره الإهتمام وهذا من الخطأ ولا بُدَّ أن يُراعي كما قلنا سابقاً مستوى طلابه.
في أحد الحلقات في تصحيح التلاوة كان عندي أحد الطلاب من إفريقيا وبعض الإخوة الأفارقة خاصةً في جنوب إفريقيا لا يُجيدون نطق حرف القاف ينطقونها غيناً أو قريباً من الغين فيقول مثلاً: فلا أقسم برب المشارق والمغارب إنا لغادرون! فالمعنى فاحش لا يَصح، فآخذه واحدة واحدة إلى أن تحسنت عنده القاف وينطقها جميلة رائعة، وذات يوم أتى شخصٌ إفريقي وجلس في الحلقة وبدأ يقرأ في نفس الموضع وفي نفس الآية فقال إنا لغادرون، فأنا قبل أن أتكلّم هذا الشخص الإفريقي قال له: قاف انطق قاف، فطبعاً الأخ فَزِع ووقف من مكانه وكاد أن ينصرف، قلت له: يا أخي الكريم كذلكم كنتم من قبل فمن الله عليكم، تذكر أنك كنت واقعاً في نفس هذا الإشكال وترفقنا بك وحلُمنا عليك فلماذا لا تحلم أنت عليه؟ قال يا شيخ القاف قاف، قلت: يا سلام ولمّا كانت عندك من قبل تخرج غيناً كيف كان الوضع؟ قال: أنا يا شيخ أخذتني الحميّة، فبعض المُقرئين بهذه الطريقة تأخذه الحميَّة والمخارج ومراعاة المخارج فنُنفّر البعض فهذا مما يجب أن يُراعى.
أيضاً من واجبات المُقرئ وهذا وجدته وانتشر في الآونة الأخيرة أنَّ بعض المقُرئين حينما يقرأ عليه الطالب يستعين المُقرئ بالمصحف فيفتح المصحف أثناء قراءة الطالب عليه، وهذا إن لم يتكلم عليه الطالب أو لم يُعلِّق عليه أحد، لكن يُبقِي في نفس الطالب عدم إتقان الشيخ وهذا من واجباته التي لابُدَّ أن يُراعيها.

مراعاة المقرئ لكلماته وعباراته:
الكلمات والعبارات التي تحدثنا عنها في اللقاء الماضي ربما كلمة تُحيي همة وكلمة تُميت الهمة والعزيمة، ولنا في السلف مواقفٌ رائعةٌ وعظيمةٌ جداً، يعني أذكر في موقف من المواقف أن الخليفة هارون الرشيد كان صديقاً للقاضي أبو يوسف تلميذ أبو حنيفة وصاحب مذهب، ذات يوم دعا الخليفة هارون الرشيد قاضي القضاة إلى طعام وبعد أن انتهيا من الطعام قُدّم لهما طعاماً حلواً، فلما أكله أبو يوسف وجد طعمه جميلاً وأول مرة يأكله، فقال: ما هذا الطعام الحلو يا أمير المؤمنين؟ قال: يا أبا يوسف هذا فلوذج بدهن الفستق وكان هذا يُلقب بطعام الخلفاء كان غالي الثمن ويأتي من بلاد خُراسان وكان مكلِّفاً جداً فلا يُصنع إلا للخليفة، قال: هذا طعام الخلفاء يا أبا يوسف، فبكى أبو يوسف فقال الخليفة: ما يبكيك يا أبا يوسف؟ قال يا أمير المؤمنين منذ عشرين سنة كنت طالباً عند أبي حنيفة في مجلسه وكانت أمي تأتي وتأخذني من مجلس أبي حنيفة وتذهب بي وتقول تعالَ لسنا من أهل العِلم، طبعاً أبو يوسف مات أبوه وهو صغيرٌ وهو يتكفل بأمه وإخوته، فكان أبو حنيفة يقول للمرأة: يا امرأة اتركِ ولدك للعِلم فسيكون له شأناً، فتقول: إليك عني يا أبا حنيفة لسنا من أهل العِلم، يقول أبو يوسف فقال أبو حنيفة لأمي: يا امرأة إنَّ ولدك سيأكل الفلوذج بدهن الفستق، منذ عشرين سنة! فبكى هارون الرشيد وقال: رحم الله أبى حنيفة كان يرى بعين قلبه ما لا نراه بعيوننا، هكذا لا بُدَّ أن يكون المُقرئ بصيراً بأحوال طلابه يتوسّم فيما يَتوسّم فيهم النجابة ويُشجعهم.
محمد الفاتح جالس عند شيخه يتعلَّم الحديث وذكر شيخه حديث النبي صلى الله عليه وسلم:

{ لَتُفْتَحَنَّ القُسطَنْطِينِيَّةُ فلنعمَ الأميرُ أميرُها ولنعمَ الجيشُ ذلك الجيش }

[صححه الألباني]

فقال محمد الفاتح أنا سأفتحها! فماذا قال الشيخ؟ أين أنت وأين القسطنطينية؟! إذا كان هناك قادة وزعماء وجنود لم يُفلحوا، لكن ماذا قال الشيخ؟ قال: وأنت لها يا بني، فبقيت في عقل وفي قلب محمد الفاتح حتى فتحها رحمه الله، الكلمات قد تصنع زعماء وقادة وقد تُميت همماً والعياذ بالله.
النقطة الأخيرة فيما يتعلق بواجبات المُقرئ محاذير لا بد أن يُراعيها المُقرئ وإلا ضاعت قيمته في عين طلابه، الأمر الأول أنت حاملٌ لكتاب الله جلَّ وعَلا، حاملٌ لعلم الأولين والآخرين في كتاب الله جلَّ وعَلا لكنك لست مُفتياً إلا إن أخذت من علوم الفقه والحديث القدر الواجب حتى تُصدَّر للإفتاء، لأنه للأسف الشديد وجدنا بعض المُقرئين هو يظن بِعلمه للقرآن أنه يستطيع أن يُفتي، ويُفتي في أمورٍ كثيرة جداً، هذا لابد أن ينتبه له المُقرئ أنت عالمٌ في مجالك، عالمٌ في مجال القرآن في مجال القراءات في مجال التجويد تُفتي فيه كما تحب بحسب علمك، لكن البعض يتصدَّى لبعض العلوم الأُخرى بحجة أنه يَعلم القرآن هذا شيء عليه عدة علامات توقف لابُدَّ أن ينتبه لها المُقرئ.

مُغالاة بعض المُقرئين مقابل إقرائهم للقرآن:
الأمر الآخر وهو سؤال الذي سأله أحد الفضلاء في المحاضرة السابقة وهو مُغالاة بعض المُقرئين مقابل إقرائهم للقرآن، أولاً دعونا نتفق على قاعدة أنَّ أخذ الأجرة على كتاب الله جلَّ وعَلا أمرٌ مسموحٌ به بنص النبي صلى الله عليه وسلم:

{ إنَّ أحقَّ ما أخذتُم عليه أجرًا كتابُ اللهِ }

[صححه الألباني]

وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم لمّا أخبره الصحابة أنهم أخذوا أجراً مقابل الرُقية وقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم اضربوا لي معكم بسهم، أفلا يُؤخذ الأجر على حبس الوقت مقابل القرآن؟ لكن دعنا نقول الموقف الجميل جداً والذي يختصر كل هذه الأمور في قضية الإقراء بمقابل أو عدم مقابل أو غيره.. أولاً موقف الشيخ المتولي رحمه الله، الشيخ المتولي موجودٌ في إسناد كل أهل المشرق الذين أخذوا إجازةً في أي رواية أو في أي قراءة من القراءات رحمه الله، الشيخ المتولي كان تلميذه الشيخ عبد الفتاح هنيدي، الشيخ عبد الفتاح هنيدي يقول: كنت أذهب إلى الشيخ بصفةٍ مستمرة يومياً وانقطعت عنه أسبوعاً تقريباً وبعدها ذهبت إلى الشيخ، فلّما ذهبت إلى الشيخ قال لي: لماذا انقطعت؟ قلت له ظروفٌ يا شيخ، قال: قل لي ظروفك ألست شيخك؟ قال: والله يا شيخ لم يكن معي مُقابلٌ لأعطيه لك فاستحييت أن آتي، فقال الشيخ كلمة جميلة جداً، قال: يا بني نحن كالملوك، انظر أيها المُقرئ، قال نحن كالملوك لا نطلب ولا نَرُد، الملك لا يطلب ولكن إن جاءه فضلٌ لا يَردُّه لأن هذا فضلٌ من الله جلَّ وعَلا.
أحد مشايخنا الكرام كنا نقرأ عليه وأثناء القراءة أحد الطلاب قال يا شيخ تأخذون أُجرةً على القرآن ومما قرأنا قي تراجم القراء أن حمزة بن حبيب الزيات رحمه الله مرَّ في يومٍ شديد الحر في شوارع الكوفة فقال له أحد الطلاب: شربة ماءٍ باردٍ يا شيخ، اشرب يا شيخ، فقال الشيخ: لا أشرب عندك أنت تقرأ عندي! أين أنتم من هذا يا شيخ، أين أنتم من موقف حمزة أحد القُرّاء العشرة؟ فقال له الشيخ: أولاً يا بني العلماء والمُقرئون قديماً كانت تجري عليهم عطايا من بيت مال المسلمين يُخرَج لهم راتبٌ يكفيهم ويعينهم على تبعات الحياة في وقتهم والتي كانت بسيطة ليس هناك التَبعات الموجودة في زماننا الآن، الأمر الثاني الأمر بسيط جداً يا بني أنا لن آخذ مقابل من اليوم، لكن إن جئتني غداً لتقرأ عليّ ولم تجدني وقالوا لك إنه في العمل فلا تبحث عني، لماذا؟ لأنني الآن مُنقطعٌ للإقراء آخذ مقابلاً لأجل حبس وقتي لأُقرئ الناس، لكن إن توقفت ولم آخذ شيئاً فعندي تَبِعات وعندي أشياء أعولها في حياتي فسأنطلق لأبحث لهم عن مصدر من مصادر الرزق، فإذاً نقول أنَّ طلب المشايخ لمقابلٍ مادي أمرٌ مقبول ولا شيء فيه لكن المُغالاة أن بعض الناس للأسف الشديد قد يأتيه طالب من طلبة العِلم لا يملك شيئاً ويرفض أن يُقرأه لأنه لا يملك المقابل.
والله يا دكتور رحابي أحد شيوخي الشيخ عبد الحميد شحاتة رحمه الله وشيخي أيضاً الشيخ صبحي، الشيخ صبحي يقول كنت أذهب إلى الشيخ لأقرأ عليه أسافر له من بلدٍ إلى بلد، والشيخ صبحي حفظه الله وبارك به هو مُبصرٌ بقلبه فكان يأخذ معه رفيقاً في الطريق يُوصله إلى بيت الشيخ فيقرأ على الشيخ ويعود، يقول: فقلت للشيخ يا شيخي كم ستأخذ مني مقابل الإقراء؟ فقال: يا بني اقرأ، قلت له يا شيخ: كم تأخذ؟ قال اقرأ، فقرأت وفي اليوم التالي وكل يوم أسأله السؤال ويهرب من الإجابة ولا يجيب! وذات يوم قلت له: يا شيخ لو سمحت أنا أريد أن أعرف كم ستأخذ مني؟ فقال: والله يا بني اليوم إن لم تُحدثني بالأمر كنت سأحدِّثك أنا، قال له: تفضل يا شيخ، قال يا بُني كم تأخذ؟ قلت له: يا شيخ أنا لا آخذ! قال نعم يا بني أنت كم تأخذ؟ قال آخذ على أي شيء؟ قال: كم تأخذ لتقرأ عندي؟ قال: يا شيخ أنا آخذ لأقرأ عندك! قال : نعم يا بني أنت تحتاج إلى مُرافقٍ يأتي معك تُعطله عن عمله وأنت لست موظفاً وأنت تركب سيارة أجرة في ذهابك وإيابك فأنا أتكفَّل بك، قال: يا شيخ لا، قال إذاً ما دمت ترفض أن أتكفل بك لتقرأ فلا تتكلم معي في مقابل على الإقراء أبداً، فهذا موجود وهذا موجود.

تقصير المسلمين في حق أئمتهم وعلمائهم:
الدكتور رحابي:
نعم شيخ حسني جزاك الله خيراً؛ تعقيباً على هذا السؤال وهذه النقطة حساسة جداً ولكن أمر يُثير في النفس نوعاً من الألم لمَّا تجد المسلمين حول العالم يُقصرون في حق أئمتهم أو علمائهم أو من يحمل كلام الله سبحانه وتعالى كتاب الله ويُعلّمه، الآن أتكلم بشكل عام لكن سآتي إلى حديث يعضد ما ذهبت إليه فضيلتك وأقوال أهل العِلم والمذاهب العديدة في جواز أخذ الأجرة على كلام الله بسبب عِوض يعني على عملٍ معلوم بعِوضٍ معلوم.
لكن لمّا يُقصّر المسلمون في تكريم أهل القرآن وفي تكريم العلماء وفي تكريم أهل العِلم على المدى البعيد ستنتج نتائج سلبيةٌ جداً وهذا ما نراه في الواقع للأسف، أصبح بعض الناس في وقتٍ من الأوقات ينظرون إلى أهل العِلم والمشايخ على أنهم دراويش وأنهم إذا أحدهم ركب سيارةً حديثة فيقولون هذا يجب أن يمشي على حمار أعرج! ينظرون إلى الإمام والشيخ أنه يجب أن يكون يلبس ملابس رثّةً بالية وينتظر من رمضان إلى رمضان ليأخذ صدقة الفطر من أهل المسجد أو من أهل الحي، هذا أمرٌ يُسيء جداً إلى الإسلام ويُسيء جداً إلى الأجيال القادمة أبنائك لمَّا يجدون إمامهم قدوتهم قائدهم الديني في حالة دنيوية ومادية مُؤلمة مُزعجة مُتردية لا يتمنى أن يكون يوماً من الأيام بهذا المنصب وبهذه المرتبة وهو اسمه يسمونه عندناFaith leader قائدٌ ديني الإمام إمام مُقدّمٌ على كل الناس يُصلي خلفه الملوك والقادة، فإذا كان هو بعد الصلاة وخروجه من المسجد لا يخرج راكباً بسيارةٍ تليق أو لا يسكن في مسكنٍ لائق وأولاده لا يدرسون في مدارس محترمة راقية وكذا.. كيف ستكون النتائج على المدى البعيد؟ لذلك والله أعلم لمّا ذهب أئمتنا وذهبوا في أقوال الجواز وعدم الجواز في موضوع الأجرة على القرآن الكريم ما ذهبوا إلى جواز أخذ الأجرة إلا لما رأوا أنَّ الناس مُقصرون في حق أهل القرآن الكريم، طبعاً الأئمة الإمام الشافعي والإمام مالك والظاهرية وفي روايةٍ عند الإمام أحمد كلهم ذهبوا إلى جواز أخذ أجرٍ على تعليم القرآن الكريم خاصةً إذا دعت الحاجة، خاصةً إذا كان هذا الإمام هذا الإنسان مُتفرغٌ لأولادك لأولاد الجالية لأولاد المسلمين وقته كله مُنفقٌ في تعليم كلام الله المُعظّم المُقدس، طيب هذا كيف سيأكل؟ كيف سيشرب؟ كيف سيُنفق على أولاده؟ كيف سيُنفق على بيته؟ كيف سيدفع أجرة بيته أو يشتري أو أقساط البيت الذي اشتراه؟ هذه إذا فكرنا فيها على المدى البعيد نحن نساعد أولادنا على أن يفتخروا بأئمتهم، يفتخروا بأستاذتهم فيقول أنا يوماً من الأيام سأكون مُعلّم قرآن لأن مُعلّم القرآن عندي ذو قدرٍ كبير أفتخر به، الحديث الذي جاء في هذا الباب طبعاً مرويٌّ عند الإمام البخاري والإمام مسلم:

{ أَتَتِ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ امْرَأَةٌ، فَقَالَتْ: إنَّهَا قدْ وهَبَتْ نَفْسَهَا لِلَّهِ ولِرَسولِهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَقَالَ: ما لي في النِّسَاءِ مِن حَاجَةٍ، فَقَالَ رَجُلٌ: زَوِّجْنِيهَا، قَالَ: أعْطِهَا ثَوْبًا، قَالَ: لا أجِدُ، قَالَ: أعْطِهَا ولو خَاتَمًا مِن حَدِيدٍ، فَاعْتَلَّ له، فَقَالَ: ما معكَ مِنَ القُرْآنِ؟ قَالَ: كَذَا وكَذَا، قَالَ: فقَدْ زَوَّجْتُكَهَا بما معكَ مِنَ القُرْآن }

[متفق عليه]

في روايةٍ ملكتكما بما معك من القرآن وفي روايةٍ قال له: زوجتك إياها فعلّمها من القرآن سورة كذا وكذا، طبعاً الأئمة ذهبوا إلى أنَّ هذا الحديث حُجةٌ لهم في جواز جعل القرآن عوضاً على شيء معين.
نحن لا نريد أن نذهب الآن إلى موضوع فقهي ونفتح موضوع الفتاوى ولكن نقطةٌ مهمةٌ من سأل عن موضوع مُغالاة الأئمة أو بعض القُرّاء أو بعض المُقرئين، أولاً لماذا يطلب يجب أن لا نجعله يطلب أصلاً يجب أن لا نجعله يحتاج إلى أن يطلب، إذا كنا نقول له نعطيك أجراً على هذا التعليم يقول لنا لا أنا مكتفي، سيارتي موجودةٌ ولا أقساط عليها، بيتي موجودٌ ولا أقساط عليه، أولادي يدرسون وعندي التأمين الصحي والأشياء كلها لا أحتاج لشيء طيب بعد ذلك إذا طلب شيئاً أو غالى في شيءٍ نقول له: نعم يا أخي أنت تطلب الدنيا، أما إذا لا يوجد عنده شيء من الدنيا وطلب شيئاً ليقتات يعني لقيماتٍ يُقِمن به صلبه نقول له لا يجب أن تطلب هذا الأمر، نعم يا دكتور.

الشيخ حسني:
العجيب يا دكتور أن هؤلاء الذين يتحدثون عن المُغالاة فيما يأخذه بعض المشايخ ليقيموا حياتهم الدنيوية على القدر المُستطاع أو على الكفاف هو نفسه يدفع في أحد الدورات في اللغة الإنكليزية أو في الكمبيوتر أو في دورات التنمية البشرية آلافاً مؤلفة ويأتي عند مُقرئ القرآن أو عند مُعلِّم القرآن ويقول لماذا لا تحتسب يا شيخ؟! سبحان الله العظيم وكأن مُقرئ القرآن حينما يذهب إلى البقالية ليشتري أغراضه سيعطي البقال شيئاً من الإحتساب وسيدفع قسط السيارة بشيءٍ من الإحتساب.
الإمام الشافعي رحمه الله كان مشهوراً بقوة الحفظ لدرجة أنه قِيل عنه أنه كان إذا قرأ كتاباً يُخبِّئ بيده الصفحة اليسرى حتى لا يحفظها مع اليمنى، وذات يوم كان جالساً مع طلابه في بيته يحدثهم حديثاً وفجأة دخل غلامٌ وهَمَس في أذن الشافعي بشيء فتوقف الشافعي وانصرف الغلام، ثم قال الشافعي أين كنا؟ فيما كنا نتحدث؟ ماذا كنت أقول؟ أين توقفنا؟ فتعجَّب الطلاب! فنظر إليهم الشافعي قال اعلموا أنَّ مُعلِّم الناس لا بُدَّ أن لا يشغَله أمر الدنيا والله لمَّا دخل عليَّ الغلام وقال لي يا سيدي تقول لك زوجتك نفَذَ الدقيق من البيت انشغلت بأمر الدقيق فنسيت فيما كنا نتحدث.

الدكتور رحابي:
"لو خُلِقت بصلة ما تعلَّمت مسألة" يعني لو طولِبت بشراء بصلة أو بالعمل لأجل كسب أجر أو مال ليشتري به بصلة لفقد الكثير من المسائل العلمية.
والله يا شيخ الشيء بالشيء يُذكر عندنا قصةٌ جميلة جداً سريعة، أحد رجال الأعمال وهذه دعوةٌ لكل من عنده خير وأتاه الله نعمةً في هذه الدنيا أن يطبق هذه الفكرة أيضاً، هذا رجل الأعمال الطيب المُبارك ذهب إلى أحد أئمة المساجد وقال له: انظر تتابع دراستك العُليا وسيارتك ومنزلك هذا عليَّ كله ولا تنشغل بأي عملٍ إضافي، أريدك أن تتفرغ للتحضير والقراءة والـتأليف والعناية بأولادنا والجالية ولا تهتم بشيءٍ من أمور الدنيا لا بمنزل ولا بسيارة ولا بوقود السيارة، أنت مُكرَّم كرمك الله ورفع الله قدرك واجبٌ علينا أن نرفع شأنك وأن لا نُهينك وأن نُكرم أهل القرآن الكريم، فسبحان الله تميَّز الرجل لأنه تفرَّغ وأصبح متفرغاً لشغله وعمله فأبدع وتميَّز ما شاء الله، نسأل الله أن يُهيئ لنا ولك يا شيخ حسني من أمثال هؤلاء الذين يُكرمون القرآن ويُكرمون أهل العِِلم، تفضل يا سيدي.

مبادرة أهل الخير إلى مقرئ القرآن الكريم:
الشيخ حسني:
جزاك الله خيراً، من حقوق المُقرئ كما ذكرتم أنَّ أهل الخير لا بُد أن يُبادروا إليه ولا يتركوا طالب العِلم أو مُعلِّم الناس حتى يطلب، وكما قلتم لن يطلب طمعاً في الدنيا إنما يطلب ليُقيم حياته ويقيم أموره الضرورية وحديث النبي صلى الله عليه وسلم:

{ إنَّ من إجلالِ اللَّهِ إِكْرامَ ذي الشَّيبةِ المسلِمِ ، وحاملِ القرآنِ غيرِ الغالي فيهِ والجافي عنهُ، وإِكْرامَ ذي السُّلطانِ المقسِطِ }

[صحيح أبي داود]

هذا من حق المُقرئ من حقه على مجتمعه، من حقه على طلابه، من حق شيخك عليك الذي علّمك وقدَّرك أن تَحترمه وتُقدِّره وتُعطيه من كل خيرٍ تستطيع أن تُعطيه إياه دون توقف.
سبحان الله العظيم يا دكتور بعض الإخوة الذين نراهم من غير العرب من الأعاجم هنا في المملكة احترامهم لأهل القرآن وللعلماء احترامٌ عجيب، مرةً كنت مُشرفاً في أحد الحلقات وأردنا أن نُعلِّق لوحة في المكان الذي يجلس فيه المُعلِّم، نُعلِّق لوحةً فوق المُعلِّم مكتوبٌ عليها عنوان الحلقة: حلقة الإمام عاصم، وجاء نجارٌ من الحي باكستاني وأراد أن يدق مسماراً ليُعلّق فيه اللوحة، فالمكان مرتفع فبحثنا عن شيء فوجدت بجوار الحائط الطاولة التي يضع عليها المُعلِّم المصحف أثناء تسميع الطلاب عليه أو يضع عليها الطالب المصحف حينما يقرأ على الشيخ، الطاولة فارغة حتى ليس لها أدراجٌ يوضع فيها شيء فقدمتها إلى النجار ليقف عليها، فقال: أعوذ بالله، أعوذ بالله يا شيخ كيف أقف على هذه الطاولة!؟ قلنا له: ما المشكلة الطاولة خشب؟ قال: يا شيخ هذه الطاولة يضع عليها الطالب مصحفه ويجلس عليها الشيخ ليُقرئ، قلت له: ولكن الشيخ غير موجود ولا يوجد طالب ولا يوجد عليها مصحف ولا حتى فيها أدراج يوضع فيها شيء! قال: لا يا شيخ ولكن وُضِعَ عليها مصحف فكيف أقف عليها بأرجلي! والله يا دكتور الموقف أبكاني والله قلت سبحان الله العظيم! انظر للاحترام والتقدير، بالله عليك إذا كان هذا الرجل يُقدّر طاولةً صماء جماد لأنها يوضع عليها مصحف أو يجلس عليها شيخ فكيف تقدير هذا الرجل لشيخ يُعلِّم القرآن أو تقديره لطالب أو تقديره لشيخ في قلبه كتاب الله جلَّ وعَلا فانظر هذا هو الاحترام وهذا هو التقدير وهذا هو حق المُقرئ على من يُقرئه.

لا تنكر فضل شيخك عليك:
أيضاً من حق شيخك عليك حينما تقرأ عليه حتى وإن كان مستوى شيخك ضعيفاً أو تفوَّقت عليه أو ذهبت لتقرأ بعد ذلك على من هو أفضل منه، الدكتور أيمن رشدي ماذا يقول؟ يقول مرةً جاءني طالب يقرأ عليّ، قلت له: يا بني قرأت على من؟ قال: شيخٌ من المشايخ وأشار بيده يعني كأنه كان غير راضٍ على مستوى الشيخ ولا أداء الشيخ، فقلت له: تقول هذا عن تاج رأسك! صحيح شيخك هذا لم يُعلّمك لغةً إنما علَّمك شيئاً اتصلت به برسول الله صلى الله عليه وسلم ثم برب العزة جلَّ وعَلا، شيخك حلقةٌ في سلسلةٍ نَورانيةٍ بدأت برب العزة وانتهت إليك، فلا يصحُّ أن تقول والله قرأت على شيخ، قرأت على سيدي الشيخ فلان، على مولانا الشيخ فلان، على أستاذنا الشيخ فلان، هذا حق شيخك عليك حتى الحق المادي المعنوي تُبخسه إياه! هل هذه أخلاق طلبة العِلم؟ يعني لا حق مادي ولا حق معنوي، لا حول ولا قوة إلا بالله.
إذاً هذا من حق الشيخ على طلابه، شيخك تاج رأسك، شيخك الواسطة بينك وبين النبي صلى الله عليه وسلم، فكيف تُنكر هذا الفضل؟! والقاعدة تقول:" لا يعرف الفضل لأهل الفضل إلا ذوو الفضل"، فإن أنكرت فضل شيخك عليك فأنت لا فضل لك ولست من أهل الفضل، كانوا يقولون "من علمني حرفاً صِرت له عبداً" وأحياناً بعض الطلاب بعد أن يقرأ على الشيخ شهوراً وأحياناً دهوراً يذهب إلى بعض الكتب وبعض المراجع أو بعض المشايخ فيأتي يسأل الشيخ عن مسألةٍ من المسائل هو لا يسأل ليتعلَّم هو يسأل والعياذ بالله ليستعلي على شيخه وهذا من سوء الأدب، في أحد المجالس أحد الطلاب سأل شيخه عن مسألةٍ فقال الشيخ: الله أعلم لا أعرف، فقال الطالب: ولكن موضعك هذا -أنت الشيخ المُقرئ- موضع مَنْ يعرف، قال: يا بني قلت لك لا أعرف، قال: ولكني أعرف أنا أعرف المسألة! فماذا قال الشيخ؟ قال: وما الضيرُ في ذلك يا بُني لقد علِمَ الهُدهد ما لم يَعلمه سليمان! يعني تظن أنَّ هذا يَرفع منزلتك عليّ؟ أنا شيخك فلِمَ التَبجُح ولمَ سوء الأدب؟ هذه قاعدةٌ يا إخواننا وهذا من حق مشايخنا الفضلاء علينا جميعاً، شيخك إن كان أقل منك سناً، إن كان أقل منك علماً، إن كان أقل منك مالاً، هو شيخك هو صاحب الفضل عليك وإلا لماذا ذهبت إليه؟

الدكتور رحابي:
بارك الله بك شيخ حسني باقي معنا ثلاث دقائق لو نُجمل ما بقي إن شاء الله من حقوق المُقرئ.

الشيخ حسني:
نعم أيضاً من واجبات القارئ الآن سندخل في اللقاء القادم في واجبات القارئ من واجبات القارئ وحقوق المُقرئ إذا أخطأ الشيخ في شيءٍ لا تَذكر هذا الخطأ، بعض المشايخ تذهب لتقرأ عليه فيجد عندك بعض الملاحظات فيقول لك ما هذه الأخطاء؟ من الذي أقرأك يا بني؟ من أقرأك هذه القراءة؟! لماذا؟ والله يا دكتور الدكتور أيمن رشدي في أحد الدورات يتحدث عن مسألةٍ خاطئة عند كل علماء القراءات قال بها أحد المشايخ الفُضلاء، ويقول لم يقل بهذه المسألة إلا أحد مشايخنا الكرام الفُضلاء سبحان الله العظيم! هو الذي قال بأن الحرف المُقلقل يتبع ما قبله في الحركة وهذا ليس صحيحاً، وتحدَّث في هذا الأمر حوالي عشر دقائق أو أكثر ولم يَذكر اسم الشيخ أبداً، وأنا أعرف الشيخ، أحدهم بجانبي قال لي أليس الشيخ فلان؟ قلت له: يا أخي رضي الله عنك شيخنا الشيخ أيمن يتكلم لعشر دقائق ويقول شيخنا وتاج رأسنا وأنت بسهولة تقول الشيخ فلان.
الدكتور إيهاب فكري ربنا يحفظه ويبارك به والله في أحد المحاضرات يتكلم على مسائل في التحريرات في القراءات العشرة والله يا دكتور غير صحيحة أبداً وغير منطقية إطلاقاً ويقول: قال مشايخنا الفضلاء، ذهب مشايخنا الفُضلاء إلى كذا وقالوا بكذا.. لماذا؟ لأننا إن سَفّهنا أقوال المشايخ وسَفّهنا آراء العلماء كما قلتم يا دكتور سينشأ جيلٌ لا يَهتم بأحد ولا يَحترم أحداً، أنا حينما أتحدث وأقول أيمن رشدي وإيهاب فكري هكذا أسماؤهم مجردة عادية بعد ذلك ستخرج أجيال تقول أبو حنيفة والشافعي وأبو بكر وعمر إذا كنا نحن لا نُعلي في قلوبهم وفي عقولهم قيمة العلماء وقيمة المشايخ الفُضلاء فلن يحترموا أحداً، نسأل الله جلَّ وعَلا أن يُعلّمنا الأدب ويُعلّمنا الفقه ويعلّمنا أن نُراعي حقوق شيوخنا علينا إنه وليُّ ذلك والقادر عليه.

الدكتور رحابي:
آمين آمين الله يفتح الله عليك يا شيخ حسني جزاك الله خيراً وأحسَن الله إليك وبارك الله بك ونفع الله بك، أشكرك وأشكر الإخوة والأخوات الكرام.

خاتمة وتوديع:
عندنا مناقشة مادةٍ بحثية قريبة جداً مع الأستاذة الفاضلة مروة الحنفي عنوان الموضوع "مهارات نجاح مُعلّم القرآن الكريم في إدارة الحلقة" وذكرت حلقة كبار السن نموذجاً، اشتغلت في كبار السن والأخطاء الأكثر شيوعاً عندهم وكيفية تصحيح هذه الأخطاء ومهارات تصحيح هذه الأخطاء، ما يجب أن يقوله المُعلِّم وما يجب أن يحذَر منه عند التصحيح حتى لا يجرح مشاعر الطالب وحتى لا يُؤثر في نفسيته، عندما يتم عرض هذه المادة وسنقوم بعرضها قريبا ًإن شاء الله أنصح الإخوة بالمُتابعة إن شاء الله والإستفادة.
أشكرك يا شيخ حسني مرةً ثانية وأشكر الإخوة المُتابعين وبارك الله بكم وأحسن الله إليكم والى لقاءٍ بإذن الله قريب، نستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الشيخ حسني:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته في رعاية الله.