صناعة طالب العلم الواعد منهجياً وأكاديمياً مع الدكتور وليد الزير

  • 2020-10-03
  • أمركيا

صناعة طالب العلم الواعد منهجياً وأكاديمياً مع الدكتور وليد الزير


مقدمة
د. رحابي محمد:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله وصلى الله وبارك على حبيبنا رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً وعملاً وإخلاصاً في الدين.
أهلاً وسهلاً ومرحباً بكم جميعاً أخواني وأخواتي المتابعين في هذا البرنامج برنامج أهل العلم والقرآن، اليوم نحن في لقاء سيكون ماتعاً ومفيداً لطلبة العلم مع الباحثين، لقاؤنا اليوم: صناعة طالب العلم الواعد منهجياً وأكاديمياً، والحوار سيكون مع فضيلة الدكتور وليد بن صلاح الدين الزير أستاذ محاضر في كلية الإلهيات جامعة القوقاز التركية، وفي الجامعة الأمريكية للعلوم الإنسانية، في كلية الدراسات الإسلامية، أهلاً وسهلاً بكم فضيلة الدكتور وليد.

الدكتور وليد الزير:
بارك الله بك دكتور.

لمحة عن حياة الدكتور وليد الزير
د. رحابي محمد:
شكراً لهذا اللقاء، وأرجو الله أن يمتعكم بالصحة، وأن يزيدكم علماً.
في البداية دعوني أرحب بالدكتور وليد، وأن أذكر لكم شيئاً عن سيرته الذاتية الطيبة المفعمة بالبحث والدراسة الجادة في طلب العلم، طبعاً أفخر أن الدكتور وليد من مدينة إدلب الخضراء، إدلب الزيتون، إدلب الأزهر الصغير كما كانت تسمى سابقاً، وإن شاء الله تعود لها هذه التسمية بعلمائها وطلبة علمها العاملين المخلصين إن شاء الله.
الدكتور وليد يحمل الماجستير في الفقه المقارن، وكانت رسالته بعنوان: عوامل الثبات والتغير في الأحكام الشرعية وأثرها في إثراء الفقه الإسلامي ومرونته عبر عصوره المختلفة، وأيضاً قدم رسالة الدكتوراه في جامعة دمشق في كلية الشريعة أصول الفقه مع تطبيق فقهي في الفقه الإسلامي وأصوله، وكان عنوان الأطروحة أيضاً: ضوابط الاجتهاد واتجاهاته المعاصرة.
أخونا الدكتور وليد يحفظ كتاب الله كاملاً، وهو نموذج ومثال لطالب العلم، وربما نسمع منه رحلته مع كتاب الله، وكيف أن الله يسر عليه حفظ كتاب الله الكريم رغم أنه بدأ فيه متقدماً في العمر، الدكتور وليد الزير أتقن اللغة التركية، وله كلمة: اطلب العلم ولو بالمطبخ، وجدناه يطلب العلم ويتعلم، الذي يقدم لهم القهوة والشاي في الجامعة يستفيد من أوقات الفراغ في تعلم اللغة التركية.

الدكتور وليد الزير:
لكن لم أتقن التركية، لو الإنكليزية كنت أتقنتها، لكن التركية ليس لنا عهدٌ سابقٌ بها.

د. رحابي محمد:
الدكتور وليد درس في معهد الشام العالي بدمشق، ودرس في معاهد إسلامية عديدة، له حضور في بعض المؤتمرات العلمية وتنظيمها، وتقديم أبحاث محكمة في مجال جامعة دمشق للعلوم الاقتصادية، قدم بحثا جميلاً بعنوان: مدى الاستدلال بالقواعد الفقهية على بعض المستجدات في الاجتهادات المعاصرة، وقدم بحثاً آخر محكماً ومنشوراً: ضوابط الحاجة التي تنزل منزلة الضرورة وتطبيقاتها على الاجتهادات المعاصرة، قدم بحثاً للجامعة التركية: دعوى انقطاع الاجتهاد والمجتهدين ما لها وما عليها، وله كتاب تحت الطبع، وكتب عديدة يكتبها، الدكتور وليد باحث متمرس ولذلك نتناقش في بناء شخصية طالب العلم، بناء شخصية الباحث، منهجيته في البحث العلمي، كيف نصنع باحثاً طالب علم حقيقي الذي سيكون له مستقبل مشرق في كتابة الأبحاث الأكاديمية في طريقة تقديم رسائل الماجستير وأطروحات الدكتوراه كما نحن ندرس في الجامعة ؟
نحن الآن أمام باب في تحفيز طلاب العلم في المنهجية العلمية، التي هي الطريقة الواضحة التي يسلكها الباحث في جمع المعلومات التي توصله إلى الحقيقة، الباحث لابد له من أن يمتلك أدوات البحث، ومهارات البحث التي تؤهله لأن يكون باحثاً أكاديمياً جديراً بتأليف الكتب، بتقديم محاضرات لها وزن علمي وأكاديمي، لو أردنا أن نبدأ في بعض محاور هذا اللقاء، كيفية صناعة طالب العلم الحقيقي؟ ما هي الأشياء التي يمكن أن نجدها في طالب العلم؟ مثلاً: لو قلنا في علو الهمة كيف يكون طالب العلم؟ يجب أن يكون عالي الهمة في تكوين شخصيته العلمية.

كيفية بناء شخصية طالب العلم الواعي منهجياً وأكاديمياً
1 ـ علو الهمة:
الدكتور وليد الزير:
بارك الله بك دكتور.
هذا الموضوع صناعة طالب العلم، هذا العنوان أنا أخذته من أحد مشايخنا في الأزهر، أحدهم سأل سؤالاً يبدو أنه مبتدئ لا يفهم مستوى الحضور الموجود، فقال له: يا بني نحن هنا نصنع الشاي ولا نغلي الشاي، بالعامية نحن هنا نصنع الشاي، نحن هنا نصنع طالب العلم الحقيقي، وفعلاً أنا حينما ذهبت إلى الأزهر، وجلست هناك، وأخذت العلم عن المشايخ، وقرأنا بالكتب والحواشي والمتون تذوقنا طعم العلم، كيف يعيش الطالب مع السطور وبين السطور وما فوق السطور وما تحت السطور، أي كنا نبقى في سطر ساعات، أياماً نتناقش، هذا هو طلب العلم.
كانوا يعلموننا أن العبرة بالكيف وليست بالكم، وحقيقة علو الهمة هذا يعتبر من أوائل الشروط التي ينبغي لطالب العلم أن يحوزها، أو تتوفر، يجب عليه أولاً أن يكون عنده هذه الهمة العالية، وهذه الهمة تترجم باللذة، أن يجد لذته في طلب العلم، أن يحترق إذا ابتعد عن الكتاب، إذا ابتعد عن المطالبة بالعلم، هذا الشعور عشته بظروف الفقر وما إلى ذلك، كنت لا أستطيع أن أتفرغ وأقرأ الكتب، كنت بحاجة إلى أن أعمل لأقدم لنفسي من أجل مصاريف الجامعة، ففي هذه الفترة كنت أحترق، كنت أحياناً أصطحب معي الكتاب وأنا أبيع خضرة، كنت أضع الكتاب على العربة في المرحلة التي لا يكون هناك زبون، هذه في أوائل الجامعة في الصيف التابع للجامعة، وفي الشتاء، أدرس، هذه علو الهمة ترجمها الزمخشري حينما قال في هذه الأبيات:
سهري لتنقيح العلوم ألذ لي من وصل غانية وطيب عناق وتمايلي طرباً لحل عويصـــة أشهى وأحلى من مدامة ســاق وصرير أقلامي على أوراقها أحلى من الدوكاء والعشــــــــاق وألذ من نقر الفتاة لدفهـــــــــا نقري لألقي الرمل عن أوراقي أأبيت سهران الدجى وتبيتــه نومــــاً وتبغي بعد ذاك لحاقي
{ الزمخشري }
ويقول المتنبي:
عَلى قَدرِ أَهلِ العَزمِ تَأتي العَزائـِمُ وَتَأتي عَلى قَدرِ الكِرامِ المـــــــَكارِمُ وَتَعظُمُ في عَينِ الصَغيرِ صِغارُها وَتَصغُرُ في عَينِ العَظيمِ العَظائِمُ
{ المتنبي }
هذه تترجم عن علو الهمة، وأيضاً يقول أبو فراس الحمداني:
وَنَحنُ أُناسٌ لا تَوَسُّطَ عِندَنــــــــــا لنا الصّدرُ دونَ العالَمينَ أوِ القَـــــبرُ تهونُ عَلَينا في المَعالي نُفوسُنا وَمَن خَطَبَ الحَسناءَ لَم يُغلِها المَهرُ
{ يقول أبو فراس الحمداني }
ويقول أبو القاسم الشابي:
ومن يتهيب صعود الجبــــــــــال يعش أبَــدَ الدهـــــــــر بيــن الحـــفرْ منايا من الدنيا علوم أبثهــــــــا وأنشرها في كل بـــــاد وحاضـــــــــر دعاء إلى القرآن والسنن التي تناسى رجال ذكرها في المحاضر
{ أبو القاسم الشابي }
أبياتٌ كثيرة في هذا المعنى، وإذا أردت أذكر لك أيضاً قصصاً في هذا المعنى.

د. رحابي محمد:
لو أردنا أن نأخذ عبرةً بقضية علو الهمة، الدكتور وليد من بائع خضار ويفخر بتاريخه وكيف كان في فقر مدقع من بائع خضار إلى أستاذ جامعي إلى باحث إلى أكاديمي إلى أستاذ محاضر في مؤتمرات إلى مؤلف، هذا يقودنا من علو الهمة إلى قضية الحفاظ على الوقت، وتنظيم الوقت واستغلاله، الآن دورات عديدة في أنحاء العالم عن فن إدارة الوقت لتحقيق الإنجازات الكبيرة في أوقات قصيرة، النبي صلى الله عليه وسلم هو المعلم والمرشد وتوزيعه على مسؤوليته التي كان يحملها بين أسرته وأصحابه ودعوته وتلاوته للقرآن وعلاقته مع الله، نحن الآن مع طالب العلم كيف ننصح طالب العلم أن يحافظ على وقته كي يحقق دراسات عليا ويحقق أبحاثاً محكمة دقيقة منهجية مسؤولة في قضية تنظيم الوقت ؟

2 ـ تنظيم الوقت:
الدكتور وليد الزير:
قضية تنظيم الوقت هذه تأتي بالمرتبة الثانية بعد علو الهمة، كل إنسانٍ يستطيع أن ينظم وقته، يستطيع أن يرتب الأولويات.
إذا جعلت طلب العلم عندك أولوية تجد نفسك هكذا آلياً تفرغ معظم وقتك لطلب العلم، بل ربما يطغى الوقت الذي تخصصه لطلب العلم على الواجبات الأخرى، وهذا شيء يحتاج الحكيم إلى أن يحسب الوقت تماماً، بحيث لا يطغى جانب على جانب، وهذا في الواقع كثيراً ما نعاني منه، أنا عندي واجبات أكاديمية على الصعيد الجامعي، عندنا طلاب، عندنا محاضرات، عندنا ندوات، مؤتمرات، أبحاث، يجب أن نقدمها للجامعة، هذا جانب.
الجانب الآخر؛ عندنا الجانب البحثي، مطالعة الكتب، المسيرة العلمية التي نعيشها في البيت، نستمر بالقراءة والمطالعة وإعداد الأبحاث والكتب غير مجال الجامعة.
وعندنا جانب آخر مع الأسرة، مع الأقارب، هذه الجوانب الثلاث يجب على الإنسان أن يكون حكيماً في توزيع الوقت لها، والواقع أنا من خلال تجربتي الإنسان إذا كان فعلاً حريصاً على الوقت تجده فقط يريد أن يوازن في تقسيم الوقت بين هذه الأمور الثلاث.

د. رحابي محمد:
لعلنا نستذكر حديث النبي عليه الصلاة والسلام: "أعط لكل ذي حق حقه" لعينك عليك حقاً، لزوجك عليك حقاً، لضيفك عليك حقاً، لأهلك عليك حقاً، فأعط كل ذي حق حقه، فطالب العلم خصوصاً ننصح طلاب العلم، وطلاب الجامعات والدراسات العليا أن يعطوا لأبحاثهم حقهم من الوقت، ويعطوا لأنفسهم الحق في ترتيب الأولويات، ورؤية ما هي الأشياء التي ينبغي أن نفعلها أولاً فأولاً، وخصوصاً في كتابة الأبحاث دكتور وليد، كتابة الأبحاث هناك بحث يستغرق ألف صفحة، وبحث بنفس العنوان وربما بنفس المحاور ذاتها يأخذ مئة صفحة، أو مئتي صفحة، فأنا أحياناً إذا أخذت الأولويات، أو نظمت هذه الأولويات والوقت لإعطاء كل محور من المحاور حقه، يستغرق معي البحث مئات أو آلاف الصفحات، لو ذهبنا إلى محور آخر في قضية بناء شخصية طالب العلم الواعي منهجياً وأكاديمياً، موضوع عزة طالب العلم وغناه بما أكرمه الله، بما شرفه الله، طبعاً أهل القرآن أهل الله وخاصته، هم الذين كرمهم الله، وطالب العلم تبسط له الملائكة أجنحتها رضا بما يصنع، وطالب العلم تستغفر له الملائكة حتى الحيتان، إذاً نحن أمام طالب علم عنده شيء، وعنده كرامة كرمه الله بها، كيف تضيف على هذا الأمر ؟

نماذج عن علماء يستثمرون الوقت و ينظمونه لتحصيل أكبر قدر من المعلومات
الدكتور وليد الزير:
قبل أن نغادر إلى هذا المحور محور عزة طالب العلم أنا أوصي بقراءة - من أجل تنظيم الوقت - كتاب قيمة الزمن عند العلماء للشيخ عبد الفتاح أبو غدة، هذا الكتاب وكتاب صفحات من تاريخ العلماء في طلب العلم.

د. رحابي محمد:
صفحات من صدر العلماء أيضاً للشيخ عبد الفتاح أبو غدة.

الدكتور وليد الزير:
نعم في الواقع أنا حضرت منه نماذج، لو تسمح لي فقط أذكر بعض النماذج من هذا الشغف للعلماء، كيف نحرص على أوقاتنا اقتداءً بمن سبقنا من العلماء؟
مثلاً ابن الجوزي يذكر في صيد الخاطر وهذا شيء نقله الشيخ عبد الفتاح أبو غدة، أنه كان لما يزوره بعض البطالين كان حتى لا يضيع الوقت، كان يقص الكاغد لكيلا يذهب الوقت سدى، كان يشتغل أمام الضيوف.
يقول هنا: فلما رأيت أن الزمان أشرف شيء، والواجب انتهابُه بفعل الخير، كرهت ذلك وبقيت مهمًّا بين أمرين: إن أنكرت عليهم وقعت وحشة لموضع قطع المألوف، لأن هم عادتهم يسهرون عندي، وهذا يفتح السيرة والثاني يُلحن له، فقال: أنا بين خيارين؛ إما أن يستوحشوا مني وإما أن يضيع الزمن، فماذا أفعل؟
فصرت أدافع اللقاء جَهدي، فإذا غلبت قصرت في الكلام لأتعجل الفراق، ثم أعددت أعمالاً تمنع من المحادثة لأوقات لقائهم لئلا يمضي الزمن فارغاً، فجعلت قطع الكاغد وبري الأقلام وحزم الدفاتر، فإن هذه الأشياء لابد منها، ولا تحتاج إلى فكر وحضور قلب فأرصدتها لأوقات زيارتهم لئلا يضيع شيءٌ من وقتي، نسأل الله أن يُعرفنا شرف أوقات العمر، وأن يوفقنا لاغتنامها، هذه إحدى القصص التي ذكرها.
يذكر أيضاً في الكتاب الثاني يقول: ما رأيت أحرص على العلم من ثلاث، الجاحظ ثم ذكر الثلاثة ثم فصلهم، قال: فأما الجاحظ فإنه كان إذا وقع في يده كتاب قرأه من أوله إلى آخره، أي كتاب كان حتى أنه كان يكتري (يستأجر) دكاكين الوراقين، ويبيت فيها للنظر في الكتب.
هذا من الفقر يجلس فيها..
يتحدث عن الفتح بن خاقان يقول: إنه كان يحمل الكتاب في كمه أو في خفه، فإذا قام بين يدي المتوكل للبول أو الصلاة أخرج الكتاب ينظر فيه وهو يمشي حتى يبلغ الموضع الذي يريده.
في طريق الذهاب إلى الحمام كان يقرأ حتى لا يضيع هذا الوقت.
وقال أما إسماعيل القاضي: فإني ما دخلت عليه قط إلا ورأيت في يده كتاباً ينظر فيه، أو يقلب الكتب، أو ينفض الكتب..
ابن سحنون - هذا من العجب - ألقمته جاريته العشاء ولم يشعر به لاشتغاله بالتأليف.
تفصيل الخبر كما في كتاب ترتيب المدارك للقاضي عياض قال: كانت لمحمد بن سحنون سرية جارية مملوكة يقال لها أم مدام، وكان عندها يوماً وقد شُغِل بتأليف كتاب إلى الليل، فحضر الطعام فاستأذنته، فقال: أنا مشغول، فلما طال عليها الانتظار جعلت تلقمه الطعام حتى أتي عليه، وتمادى وهو على ما هو فيه، أي استرسلت معه في تطعيمه، إلى أن أذن لصلاة الصبح، فقال: شغلنا عنك اليوم يا أم مدام، ما انتبه لها، فقال: هات ما عندك، قالت: والله يا سيدي ألقمته لك. قال: ما شعرت بذلك.
أنا كثيراً ما أتناول الطعام بهذه الحالة، لا أفرِّغ وقتاً للطعام، أنا صباحاً أكلت من على الغاز وأنا أراجع القرآن، بالذهاب آكل لقمة وبالإياب آكل لقمة، أي أراجع صفحة حتى لا أفرغ وقتاً لآكل به.
والعناوين كثيرة فقط إذا أردت أن أقرأ لك العناوين التي قرأها ثعلب النحوي الذي له كتاب الفصيح يجيب الدعوة بشرط أن يفرغ لمطالعة كتابه، عزموه قال: لا، أنا أذهب لأقرأ، وثعلب صدمته دابة أثناء مطالعته في الطريق فمات.
حفظ ابن جرير لوقته وعزمه أن يفسر القرآن وهكذا هذا شيء لا ينتهي، أنا لا أريد أن يطغى محور على محور، نرجع إلى المحور الذي ذكرته، تفضل إذا عندك تعليق.

د. رحابي محمد:
بارك الله بك، قضية طالب العلم ومنهجيته وأدواته التي ينبغي ان يتحقق بها علو الهمة، ومعرفة ماذا يطلب كي يشحذ همته، ويتقرب أكثر من هدفه، جميل جداً أن يعرف قيمة ما يطلب، إذا كان يطلب العلم فالعلم أشرف مطلوب، وأجره أجر كبير عند الله، أشراف أمتي حملة القرآن، قال تعالى:

يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ
[ سورة المجادلة: 11]

إذاً علو الهمة يأتي عند معرفة قيمة ما نطلب، رقم اثنين الحفاظ على الوقت، واستثمار الأوقات وتنظيمها بطريقة تمكنه من تحصيل معلومات وعلم أكثر في وقت أقل، كنت أذكر بعض مشايخنا تقول: لو استطعت أن تعمل أعمالاً ثلاثة أو أربعة في وقت واحد فافعل، مثلاً عندك قضية ممارسة الرياضة؛ مشي أو سباحة أو دراجة هوائية في هذا الوقت نصف ساعة أو ساعة راجع فيها القرآن، واذكر الله فيها، استفد بالوقت الواحد بعمل مفيد لك، ولعقلك، ولغيرك، دعنا نذهب لقضية معرفة شرف المطلوب وكرامة هذا العلم الذي يحمله فلا يبتذله ولا يبذل نفسه فهو غني بما عند الله، إذا عندك تعليق على هذه القضية؟

3 ـ عزة طالب العلم وغناه بما أكرمه الله:
الدكتور وليد الزير:
هو بالنسبة لطالب العلم ينبغي أن يعتز بهذا المكانة التي بوأها الله له، الإمام النووي يذكر تحت باب في فضيلة الاشتغال بالعلم وتصنيفه وتعلمه وتعليمه والحث عليه يقول: تكاثرت الآيات والأخبار والآثار، وتواترت، وتطابقت الدلائل الصريحة، وتوافقت على فضيلة العلم، والحث على تحصيله، والاجتهاد في اقتباسه وتعليمه. وأنا أذكر طرفاً من ذلك والآيات منها:

هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ
[ سورة الزمر:9 ]

وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا
[سورة طه:114]

إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ
[ سورة فاطر: 28]

يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ
[ سورة المجادلة: 11]

والأحاديث والآيات كثيرة لا نريد أن نذكرها، نذكر بعضها مثلاً:

{ من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين }

[البخاري عن حميد بن عبد الرحمن]

{ لا حسد الا في اثنتين؛ رجل آتاه الله مالاً فسلطه على هلكته في الحق }

[ البخاري]

ثم يذكر آثاراً عن بعض الصحابة والتابعين عن علي يقول: " كفى بالعلم شرفاً أن يدعيه من لا يحسنه، ويفرح به إذا نسب إليه، وكفى بالجهل ذماً أن يتبرأ منه من هو فيه".
روى أبو نعيم في الحلية عن معاذ بن جبل أنه قال " تَعَلَّمُوا الْعِلْمَ، فَإِنَّ تَعَلُّمَهُ لِلَّهِ خَشْيَةٌ، وَطَلَبَهُ عِبَادَةٌ، وَمُذَاكَرَتَهُ تَسْبِيحٌ، وَالْبَحْثَ عَنْهُ جِهَادٌ، وَتَعْلِيمَهُ لِمَنْ لا يَعْلَمُهُ صَدَقَةٌ، وَبَذْلَهُ لأَهْلِهِ قُرْبَةٌ".
وأيضاً يذكر أخباراً أخرى قال عن وهب أنه كان يتشعب من العلم الشرف، وإن كان صاحبه دنيا.
قال وهب بن منبه: "يتشعب من العلم الشرف وإن كان صاحبه دنيا، والعز وإن كان مهيناً، والقرب وإن كان قصياً، والغنى وإن كان فقيراً، والنبل وإن كان حقيراً، والمهابة وإن كان وضيعاً، والسلامة وإن كان سقيماً".
وقيل: العالم كالعين العذبة، نفعها دائم، وقيل: العالم كالسراج من مرّ به اقتبس. وقيل: العلم يحرسك وأنت تحرس المال، وهو يدفع عنك وأنت تدفع عن المال، وقيل: العلم حياة القلوب من الجهل، ومصباح البصائر في الظلم، به تبلغ منازل الأبرار، ودرجات الأخيار، والتفكر به ومدارسته ترجح على الصلاة، وصاحبه مبجل مكرم، وقيل: إذا أردت الدنيا فعليك بالعلم، وإذا أردت الآخرة فعليك بالعلم.
وقال: إن لم يكن الفقهاء العاملون أولياء لله فليس لله ولي.
أيضاً أذكر أبيات هذه أنا كثيراً ما كنت أقولها أمام أصحابي هذه تنسب للإمام الشافعي..

د. رحابي محمد:
الله! أجمل شيء لنا في كتابه العزيز:

يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ
[ سورة المجادلة: 11]

هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ
[ سورة الزمر:9 ]

شرف طالب العلم، وشرف العالم كبير جداً بما يحمله من خير، وإن الله وملائكته يصلون على معلم الناس الخير، لو أردنا أن نذهب إلى قضية طلب العلم وأهمية حفظ القرآن لطالب العلم، طالب العلم يدرس علوماً شرعية متنوعة، تفسير علوم الحديث، والله أعلم أرى أن حفظ القرآن الكريم من أولى الأولويات لطالب العلم أن يضعها نصب عينيه، لأن القرآن هو مفتاح لكل العلوم، وهو مصدر هذه العلوم الشرعية، بالإضافة إلى المتون، من حفظ المتون نال الفنون.. تجربتك دكتور وليد في حفظ القرآن الكريم...

تجربة الدكتور وليد في حفظ القرآن الكريم
الدكتور وليد الزير:
بارك الله بك ولكن دعني أختم بقضية عزة طالب العلم بهذه الأبيات.

د. رحابي محمد:
من أجل الوقت دعنا نذهب إلى حفظ القرآن.

الدكتور وليد الزير:
بالنسبة لنا أحد أهم المحاور لبناء طالب العلم أو صناعة طالب العلم هي حفظ القرآن والمتون منذ الصغر، أولاً: يبدأ من حفظ القرآن، وأنا بالواقع كنت من رواد تحفيظ القرآن، وهذا أتاح لنا تعلم تجويد القرآن عبر أساتذتنا، وحفظ القرآن الكريم هذه كانت تجربة جميلة جداً، كنا نحن في الإعدادي والثانوي بدأنا نحفظ القرآن الكريم، وفي الجامعة - كان حفظ القرآن أمراً اختيارياً قبل الجامعة - ألزمونا كل سنة جزئين، فأتممنا بأربع سنوات ثمانية أجزاء، ثم دراسات عليا، زادوا أربعة أجزاء، فحفظت أول اثني عشر جزءاً، وآخر ثلاثة أجزاء كنا نحفظها، ثم عندما أتيت إلى تركيا أتممت بقية حفظ القرآن، لكن حفظ القرآن لابد له من المذاكرة، وإلا يتفلت منك.

4 ـ حفظ القرآن الكريم:
أهم شيء في طالب العلم أن يبدأ بحفظ القرآن من الصغر، إن لم يتح له منذ الصغر في أي سن يجب عليه أن يحفظ القرآن، وإلا طالب العلم لا يحفظ القرآن، لا يستطيع، ولا يعطي محاضرات، ولا يكتب أبحاثاً، ليس كل شيء أنت تكتبه تجد العلماء حشدوا فيه كل الآيات، أنت ممكن وأنت تحفظ القرآن أن يفتح الله لك أن هذه الآية ممكن أن تستفيد بها في هذا الباب، وفي هذه المسألة، وهذا الكتاب الذي ذكرته لي مؤلف من ألفين وخمسمئة صفحة، أنا أثناء مراجعتي لكثير من الأدلة كانت تأتيني هذه الآية تصلح لهذه المسألة وهكذا.
بالإضافة إلى حفظ المتون هذا شيءٌ رئيسٌ في أصول الفقه، يبدأ بالورقات، ثم منهاج البيضاوي، ثم جمع الجوامع للإمام السبكي، ثم الشروح عليه، أيضاً أنا لي مشروع حول تسجيل ونشر المتون على مستويات ثلاث، هذا جمع الجوامع، أنا اقترحت أن هذا يبدأ بشرح المحلي له، هذا مستوى أول وهو صعب، والثاني شرح ولي العراقي، والثالث الحواشي عليه، حاشية الشربيني وابن قاسم وغيرهم، وهكذا في النحو ألفية ابن مالك في التصريف متن البناء، يوجد كتب أخرى، وشروح الشافعي، وشروح اللغة، العقيدة، الفقه مختصر أبي شجاع ونظمه، شروح منهاج الطالبين للنووي، وشروحه عند الشافعية، وعند المالكية مختصر سيدي الخليل، وأيضاً شروح كثيرة، وعند الحنفية كنز الدقائق وشروحه، عند الحنابلة زاد المستقنع للحجاوي وشرحه، وهكذا متن السلم، وأيضاً يبتدئ بحفظ متن السلم ثم لاحقاً يعرج على شروحه، ثم إذا تحسن ينتقل إلى الشمسية وشروحها، وفي مصطلح الحديث يبدأ في البيقونية، ثم نخبة الفكر، ثم الألفية، وشروحها، أيضاً في الشعر يبدأ بديوان الحماسة، ثم شروح ديوان الحماسة لأبي تمام، وشروحها في المرزوقي ثم ينتقل إلى المعلقات السبعة أو العشرة وشروحها أيضاً التبريزي، ويوجد لها شروح كثيرة للعلماء، أيضاً في البلاغة..

د. رحابي محمد:
دكتور وليد دعنا نذهب باقي معنا خمس دقائق نريد أن نسرد بشكل وجيز صفات ومواصفات طالب العلم المنهجية والأكاديمية بشكل يستطيع من يستمع إلينا أن يأخذ الفائدة، ثم يعمل على ذلك، ذكرنا أولاً: علو الهمة، ذكرنا حفظ القرآن الكريم، حتى يستحضر طالب العلم الشواهد من القرآن الكريم، والتنظيم لوقته بشكل جيد، لو ذهبنا إلى النقطة الخامسة المنهجية الأكاديمية لطالب العلم، أهمية إتقانه لعلوم الآلة، لعلوم البلاغة والنحو والصرف، أهمية إتقانه لأصول الفقه، وتخريج الحديث، ودراسة الأسانيد، أهمية معرفته بأصول التفسير، حتى لو كانت مفاتيح بسيطة، ومعلومات بسيطة من كل علم، من كل آلة، من كل أداة، إذا كان معه أداة ولو بسيطة من هذه العلوم يستطيع أن يرقى المنبر ويتحدث بطريقة فيها موثوقية، فيها منهجية، يستطيع أن يمسك القلم ويكتب بحثاً فيه منهجية، لو تحدثنا أو تضيف أهمية إتقان الآلة لطالب العلم.

5 ـ أهمية إتقان الآلة لطالب العلم:
الدكتور وليد الزير:
علوم الآلة ذكرت هذا أيضاً في مشروعي الذي أرسلت لك به رابطاً، علوم الآلة بمثابة لا يستطيع الصانع أن يصنع من دون آلة، لا تستطيع أن تتحرك، أن تقرأ في هذه الكتب، كتب التراث، الشروح، الحواشي، التعليقات، التقريرات، إلا عن طريق هذه الآلة، نحن لماذا كنا نقف في السطر في الكلمة ندقق بها؟ لأن هذه الكلمة يمكن حسب أصول الفقه أن تحتمل الحقيقة وتحتمل المجاز، تحتمل هذا وتحتمل هذا، هناك الكثير من هذه الأمور التي ترجع إلى علم الوضع، علم المقولات، علم النحو، علم الصرف، لذلك العلماء أنا في رسالتي للدكتوراه عندما تكلمت عن شروط وضوابط الاجتهاد تناولت هذا الموضوع، وبينت أن العلماء عندما تكلموا عن ضوابط الاجتهاد قالوا: تحصيل علوم الآلة هذا شرطٌ من شروط المجتهد.
مثلاً قالوا: علم اللغة العربية يجب على المجتهد أن يكون عارفاً بلسان العرب، ووضوح خطابهم، لغة ونحواً وتصريفاً وغير ذلك من علوم العربية على نحو يستطيع به التمييز بين صريح الكلام وظاهره، ومجمله ومبينه، وعامه وخاصه، وحقيقته ومجازه، ومطلقه ومقيده، هذه الكلمة الواحدة يمكن أن تحتمل، هذه الحقيقة مجاز ظاهر، مجمل، مبين، عام، خاص، مطلق، عليه دليل، الخطاب وفحواه، إشارة النص، فحوى النص، وهكذا إلى غير ذلك من علوم اللغة العربية، وقالوا: هذا شرط لا خلاف فيه، لأن النصوص الشرعية إنما هي بلغة العرب، ولا يمكن التوصل إليه، ومعرفة أحكامه إلا بفهم كلام العرب، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، لكن علماء الأصول اختلفوا في القدر الذي يجب أن يعلمه المجتهد؛ الجمهور على أنه يجب أن يكون في الدرجة الوسطى من التمكن في اللغة العربية، وهي أن يعرف القدر الذي يفهم به خطاب العرب، لكن الشاطبي لا يجب على المجتهد أن يكون متبحراً في علوم اللغة العربية وعلومها كسيبويه والخليل، وهذا شرط صعب جداً، لكن دعني أجمل فقط بقية المحاور، وبقية الأمور التي ينبغي على طالب العلم أن يعرفها.

6 ـ قراءة الكتب على الشيوخ:
قلنا لعزة طالب العلم حفظ القرآن والمتون، قراءة الكتب على الشيوخ، والأخذ عن العلماء.

7 ـ المطالعة الحثيثة في الشروح والمطولات والحواشي:
عندنا محور آخر المطالعة الحثيثة في الشروح والمطولات والحواشي، هذه ممكن أن نخوض فيها.

8 ـ موسوعية طالب العلم:
عندنا أيضاً محور هام؛ موسوعية طالب العلم، أي عدم الاقتصار على تبحره في العلوم الشرعية، وإنما ينبغي أن يوسع أفقه فيعطي اهتمامه بالعلوم الأخرى، سواء الإنسانية كعلوم الاجتماع والاقتصاد والتاريخ والفلسفة، أو العلوم التجريبية كعلم الأحياء والطب والفيزياء والكيمياء والرياضيات والفلك، يطلع على أهم النظريات فيها، لأن هذه النظريات إذا كانت نظريات إنسانية محضة لا علاقة لها بالعلم التجريبي، هذه تدخل في صلب اختصاصه، صلب ما ناقشه العلماء والفقهاء، لأن الدين كما تعلم شريعة، هذه الشريعة جاءت مستوعبة لكل هذه المجالات الإنسانية، والثقافية، وعلوم الاجتماع والاقتصاد، وعلم النفس وما إلى ذلك.

9 ـ الإحاطة بأهم قواعد العلوم:
ينبغي على طالب العلم أن يحيط بأهم قواعد هذه العلوم، وأنا في الواقع أتابع يومياً فقط محاضرات في هذه العلوم ليست من المشايخ، إما في فروع علوم الاقتصاد الوضعي، علم النفس الوضعي، ليس له علاقة بالناس التي تعطيه بالشريعة، ممكن أن يكونوا لكن فقط الاطلاع على هذه النظريات، ومقاييسها، ومقارنتها بما عندنا من الشريعة حتى نعرف بالنتيجة هذه النظريات تدرس في جامعاتنا لأبنائنا في كليات العلوم الإنسانية سواء علم الاقتصاد، أو الفلسفة، أو علم الاجتماع، فهذه يجب أن نكون على دراية بها، حتى إذا سئلنا عنها ما هو موقف الشريعة منها؟ أين تتقاطع الشريعة مع هذه النظريات وأين لا تتقاطع؟ وأين تتوافق وأين لا تتوافق؟ أيضاً العلوم التجريبية، علم الأحياء، الطب، الفيزياء، الكيمياء، هذه كلها، إذا كنت تريد آتيك بمثال واحد فقط عن أحد العلماء وردت ترجمته في طبقات الشافعية، لا أعرف إذا الوقت يسمح لنا.

د. رحابي محمد:
نحن إن شاء الله سيكون لنا بإذن الله لقاءات أخرى للمتابعة في بناء شخصية طالب العلم الأكاديمية والمنهجية.

مثال عن أحد العلماء الذي وردت ترجمته في طبقات الشافعية
الدكتور وليد الزير:
أرجو أن ترجعوا إلى ترجمته أبو الفتح الموصلي كمال الدين بن يونس أبو الفتح الموصلي 8/378 من طبقات الشافعية، هذا الإمام يقول عنه السبكي: كان رجلاً متبحراً كثيراً من فنون العلم، وصف بالذكاء، إليه مرجع أهل الموصل في الفتاوى، قال: لما اشتهر فضله انسال عليه الفقهاء، وتبحر في جميع فنون العلم، وجمع من العلوم ما لا يجمعه أحد، ليس فقط بالشريعة وتفرد بعلوم الرياضة، ويذكر هنا وكان الفقهاء يقولون إنه يدري أربعة وعشرين فناً دراية متقنة فمن ذلك المذهب المذهب الفقهي الذي هو فيه، المذهب الشافعي، ليس هنا محل الشاهد قال: كان جماعة من الطائفة الحنفية يشتغلون عليه في مذهبه مع أنه شافعي، وكان يتقن فن الخلاف، وأصول الفقه، وأصول الدين، ولما وصلت كتب فخر الدين الرازي للموصل لم يفهم أحد منهم اصطلاحه فيها سواه، وكذلك الإرشاد إلى أن يقول العجب العجاب، كان يدري فن الحكمة، والمنطق، والطبيعي، والإلهي، ويعرف فنون الرياضة من إقليدس، والمتوسطات، وأنواع الحساب المفتوح، والجبر، والموسيقا، والمساحة، وقال الشاعر فيه:
وكان من العلوم بحيث يقضى له في كل علم بالجميع
{ }
واستخرج في علم الآفاق والجغرافيا طرقاً لم يهتد إليها أحد، وكان يبحث في علوم العربية والتصريف بحثاً مستوفى، أنت تريد طالب العلم النموذجي، هذا طالب العلم النموذجي، حتى إنه كان يُقرئ كتاب سيبويه والإيضاح والتكملة لأبي علي الفارسي، والمفصل للزمخشري، ليس هنا محل الشاهد، وكان يحفظ من التواريخ وأيام العرب والأشعار شيئاً كثيراً، وكان أهل الذمة يقرؤون عليه التوراة والإنجيل، ويشرح لهم هذين الكتابين، وقد جاء الشيخ أثير الدين صاحب التعليقة في الخلاف والزيج، الذي هو مقياس لمعرفة التصانيف، قال: فيما أنا عنده إذ دخل عليه فقال له أثير لما حج ودخل بغداء قال: كيف هو؟ قال: والله ما دخل بغداد مثل الشيخ فاستعظمت منه هذا الكلام..

د. رحابي محمد:
جزاك الله خيراً، الحديث يطول عن الذين هم نماذج في طلب العلم، والذين هم في علوم الهمة، أنا في نهاية المطاف ممكن ألخص للأخوة المستمعين هذا الحوار وهذه الندوة.

الدكتور وليد الزير:
هذه الترجمة أنا ذكرتها لأحد الأطباء عندما كنت في مصر قلت له: اسمع ماذا قال السبكي، قال: كأنه ظن القارئ أنه يستعظم هذا، فقال: إنه يعرف الحسا، ثم كتب في آخر الجواب: فليهمد العذر في التقصير فإن الفطنة خامدة.
جاء رجل فاضل في علوم الرياضة أشكلت عليه بعض المسائل في المساحة فكتب وسيرها إلى الموصل، ثم عاد إليه الجواب فقال له: اعذرني عندي تقصير، لكنه أجاب جواباً مستفيضاً، ثم قال له: اعذرني أنا مقصر، فإن القريحة جامدة والفطنة خامدة...

د. رحابي محمد:
بارك الله بك يا شيخ وليد لعله يكون هناك لقاء نتابع ونكمل الحديث عن هؤلاء الأعلام النماذج في طلب العلم.
في نهاية هذا المطاف ممكن أن لخص للأخوة عن طالب العلم...

تلخيص لما سبق
الدكتور وليد الزير:
جملة واحدة قال: ومن يقف على هذه الترجمة فلا ينسبني إلا المغالاة في حق الشيخ، ومن كان من أهل تلك البلاد، وعرف ما كان عليه الشيخ عرف أني ما أعرته وصفاً، ونعوذ بالله من الغلو والتساهل بالنقل، أنا وكل هذا الوصف مقصرٌ في حقه، نحن لماذا نستكثر؟ لأننا ما عهدنا هكذا، نحن نعرف فقط الشيخ إمام جامع، غاية ما هنالك أن يعطي محاضرةً في الشريعة، ويشارك في مؤتمر، لكن يشارك في كل هذه العلوم، هذه إن قلتها للناس يقولون: هذا غير معقول، هذا كذب، أنا عندي نماذج إلى الصباح أسردها لك من العلماء، وكثيراً ما قرأت في طبقات الشافعية وأعلام النبلاء لكن الوقت لا يساعدني.

د. رحابي محمد:
جزاك الله خيراً، وشكراً جزيلاً لهذه المعلومات الثرية لطلاب العلم، دعوني ألخص لكم:
1ـ علو الهمة.
2ـ الحفاظ على الوقت وإدارة الوقت بشكل حكيم.
3ـ عزة طالب العلم وغناه بما شرفه الله تعالى، وأن يعلم ما أكرمه الله به شيء عظيم ونفيس.
4ـ من المهارات والأدوات التي يجب أن يحملها طالب العلم حفظ القرآن الكريم والحديث الشريف والمتون.
5ـ من المهارات التي يجب أن يكون متقناً لها إتقانه لعلوم الآلة مثل أصول الفقه والحديث والتفسير النحو والصرف.
6ـ قراءة الكتب على الشيوخ ولا يكتفي بالاستماع يجب أن يكون له شيخ ومعلم.

الدكتور وليد الزير:
لكن هذا المحور لم نعطه حقه.

د. رحابي محمد:
7ـ المطالعة الحثيثة في الشروح والمطولات.
8ـ التخصص الأكاديمي في العلوم الشرعية، ثم القضايا المعاصرة التي تهم المسلمين سواء كانت فكرية أو فقهية.
9ـ يطلع على ما وصلت إليه المجامع الفقهية.
10ـ الإلمام بالقضايا التي تهم الإنسانية بشكل عام.
11ـ وهو ما ذكره الدكتور وليد موسوعية طالب العلم، وذكر عنه مثال ذلك العالم الموصلي، ولا يقتصر أن يتبحر في علم واحد، أن يكون على موسوعية، وعلى اطلاع كافة العلوم بحسب ما تسمح له أوقاته.

خاتمة وتوديع
في ختام هذا اللقاء لا يسعنا إلا أن نشكرك دكتور وليد جزيل الشكر على هذه النقاط المهمة لكل طالب العلم، صناعة طالب العلم الواعد منهجياً وأكاديمياً، شكراً لك دكتور وليد الزير الأستاذ المحاضر في كلية الإلهيات جامعة القوقاز التركية، وفي الجامعة الأمريكية للعلوم الإنسانية، بارك الله بك، ونفع بك، والشكر لكل من استمع وتابع معنا، وإلى لقاء آخر قريب والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.