تكوين المعلم القرآني المتميز مع الدكتور محمد فؤاد عبد المجيد

  • 2020-10-24
  • أمريكا

تكوين المعلم القرآني المتميز مع الدكتور محمد فؤاد عبد المجيد


مقدمة :
د. رحابي محمد:
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته، أهلاً وسهلاً ومرحباً بكم في برنامج أهل العلم والقرآن ولقاءٌ جديدٌ بعنوان: تكوين المعلم القرآني المتميز وإنشاء المراكز القرآنية المتميزة، مراكز المعصراوي وأكاديمية القرآن العالمية نموذجاً.
هل حقاً يمكن تكوين معلم قرآني متميز وكيف ذلك؟ كيف يمكن إنشاء مراكز قرآنية متميزة؟
كيف نجحت مراكز قرآنية بتخريج متقنين للأداء القرآني ولم تنجح مراكز أخرى؟
ما الذي جعل مراكز المعصراوي نموذجية بتعليم القرآن الكريم حفظاً وأداءً؟
تساؤلاتٌ كثيرةٌ هي محاور لقائنا اليوم مع مدير عام جمعية الدراسات القرآنية بمصر، ومدير مراكز المعصراوي للدراسات القرآنية والأكاديمية العالمية للقرآن الكريم أون لاين، فضيلة الدكتور: محمد فؤاد عبده عبد المجيد، تحياتي لكم فضيلة الدكتور محمد فؤاد.

الدكتور محمد فؤاد:
أهلاً بكم ومرحباً فضيلة الدكتور رحابي، جزاكم الله خيراً على هذه المقدمة، ونشرُف بلقائنا بفضيلتكم مع المشاهدين طبعاً فجزاكم الله عنا خير الجزاء، أهلاً ومرحباً بكم، حياكم الله.

د. رحابي محمد:
أهلاً وسهلاً بكم، فضيلة الدكتور محمد فؤاد حاصل على شهادة دكتوراه في تعليم التجويد والقراءات بتقدير مرتبة الشرف الأولى من جامعة المدينة العالمية، أيضاً حاصل على شهادة معهد معلمي القرآن الكريم من الأزهر الشريف بتقدير امتياز، وشهادة التجويد معهد القراءات من الأزهر الشريف أيضاً، فضيلة الدكتور محمد فؤاد مُقرئ القراءات العشر الصغرى والكبرى، وهو أيضاً كما ذكرنا عضو هيئة التدريس في جامعة المدينة العالمية بقسم القراءات، دعنا نبدأ مباشرةً فضيلة الدكتور محمد؛ هل بالفعل يمكن تكوين معلم قرآني متميز؟ وما هو السبيل إلى تكوين هذا المعلم المتميز الذي يخرج نتائج وثمراتٍ طيبة من خلال طلابه وتلاميذه ويُعلمهم القرآن الكريم أداءً وإتقاناً في مخارج الحروف في تجويد الحروف ومعرفة الوقوف؟

الدكتور محمد فؤاد:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد النبي الأميّ الصادق الأمين، وعلى آله الطيبين الطاهرين وصحابته المكرمين والتابعين وأئمة القرآن الكريم ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وبعد؛ فأهلاً ومرحباً بكم في هذا اللقاء ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعله خالصاً لوجهه الكريم وأن ينفعنا بالقرآن العظيم ويرفعنا بالآيات والذكر الحكيم.

انتشار القرآن الكريم روايةً ودراية:
طبعاً في بادئ الأمر لا بد أن نبين أن القرآن الكريم الذي أنزل على الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم وانتشر في ربوع الأرض نُقل إلينا روايةً ودراية، فكان الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم في بادئ الأمر يتلقاه من سيدنا جبريل مشافهةً:

وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ (6)
(سورة النمل)

في الجلسة الأولى، أو في اللقاء الأول الذي كان بين الحبيب المصطفى عليه الصلاة والسلام وبين سيدنا جبريل أُنزل على الحبيب المصطفى عليه الصلاة والسلام خمسُ آياتٍ من سورة العلق:

اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (5)
(سورة العلق)

لو تأملنا في هذه الآيات نجد أن فيها ذكرٌ للتلقي والتلقي هنا مشافهةً (اقْرَأْ) فقرأ النبي بعد أن تلقى من سيدنا جبريل عليه السلام، وأيضاً (عَلَّمَ بِالْقَلَمِ) والقلم هنا يشير أيضاً إلى العلم والعلم يُنقل إلينا أيضاً درايةً، لذلك القرآن الذي تلقاه الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم قرأه على صحابته وانتشر روايةً ودراية.

كتابة القرآن الكريم:
فكيف ينتشر القرآن روايةً ودراية؟ في بادئ الأمر كان التعليم مشافهةً كما نعلم جميعاً لم يكن هناك ما يُسمى بالمصطلحات التجويدية، وكتب التجويد، حتى لفظ التجويد هذا لم يكن متعارفاً عليه في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن كان من المتعارف عليه في هذا العصر بعض ألفاظٍ أخرى وذُكر منها في القرآن الكريم مثل لفظ الترتيل، وورد أيضاً في كتب تراجم القراء وما إلى ذلك الألفاظ التي كانت تُتداول وهي مثل لفظ التحبير، والترتيل، والقراءة، وما إلى ذلك، والتلاوة، ومنها ذُكر في القرآن كما تعلم، ثم بعد ذلك.. طبعاً في عصر النبي عليه الصلاة والسلام كُتب القرآن، يعني كُتب القرآن وهنا طبعاً جمع القرآن يُقصد به نقل القرآن أو تلقي القرآن مشافهةً وكتابة القرآن الكريم فبدأت الكتابة من عهد النبي عليه الصلاة والسلام ولعل هذا يكون هو بداية الدراية، بداية الدراية في مسألة نقل القرآن هي كتابة القرآن في عهد النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم كما تلقاه من سيدنا جبريل، وبعد ذلك بدأ الصحابة رضوان الله عليهم بعد أن تلقوه من سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينشروه في ربوع الأرض، وينشروه بعد أن وضع سيدنا عثمان بن عفان لجنةً خاصةً كُتبت فيها المصاحف كما هو معلوم لدى الجميع وانتشرت هذه المصاحف في الأمصار، وأرسل مع كل مصحفٍ صحابياً لإقراء وتعليم الناس، فأصبح التعليم هنا من خلال المشافهة ومن خلال المصحف الذي كُتب في لجنة سيدنا عثمان بن عفان وأصبح مشافهةً ومن خلال المصحف، انتبه نحن نريد أن نصل مع المشاهدين الآن والمستمعين إلى كيفية نقل القرآن روايةً ودرايةً حتى يتم تكوين معلم القرآن الكريم.

كتابة الأحكام أو المنطوق القرآني:
طبعاً بعد ذلك وبانتشار اللحن في الكلام أو في اللغة العربية بشكلٍ عام، بدأت الأخطاء واللحون تنتشر في قراءة القرآن الكريم نظراً لاختلاط العجم بالعرب وما إلى ذلك، فبدأ بعض العلماء يدوِّنون هذه الأحكام العملية التي نُقلت من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم طبعاً بعد أن قرأوا القرآن على سيدنا الرسول عليه الصلاة والسلام، هذه الأحكام التي يقرؤون بها القرآن عملياً بدأ بعض العلماء في تدوين هذه الأحكام بالشكل النظري وهذه هي المرحلة الثانية في مسألة الدراية، فكانت المرحلة الأولى هي كتابة القرآن الكريم، ثم بعد ذلك كتابة الأحكام أو المنطوق القرآني الذي نقرأ به القرآن ولكن بشكلٍ نظري، فبدأ كثير من العلماء في تدوين هذه الأحكام فخرجت المصطلحات المتعارف عليها حالياً مثل كلمة التجويد وأيضاً تفسير المنطوق القرآني إلى مصطلحاتٍ علميةٍ مثل المدود ومنها المد المنفصل والمتصل واللازم وما إلى ذلك، فهنا بدأت مرحلة جديدة من الدراية، لماذا نفصل هذا الكلام؟ نفصل هذا الكلام لأننا نتحدث عن مُعلم القرآن، عندما نذكر مثلاً قصة سيدنا عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عندما التقى برجلٍ وسمع منه آيةً من القرآن الكريم وهو يقرأ:

إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ (60)
(سورة التوبة)

ماذا فعل سيدنا عبد الله بن مسعود؟ قال له: ما هكذا أَقْرَأَنِيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، انتبه إذاً هنا القراءة سنَّة متبعة كما سمعت من شيخي وكما نقلت من شيخي بسندٍ متصل إلى سيدنا الرسول صلى الله عليه وسلم لا بد إن أُعلم وأن أنقل القرآن، فقال له: ما هكذا أَقْرَأَنِيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال الرجل: كيف أقرأك رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: هكذا (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ) هنا ماذا فعل سيدنا عبد الله بن مسعود؟ نقل إليه أو صحح له الحكم في كلمة الفقراء بوجوب هذا المد الذي قرأه عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن بشكلٍ عمليٍّ فقط يعني لم يقل له: هذا المد متصل واجب حكمه مثلاً التوسط وما إلى ذلك، فهذه مرحلةٌ كانت في عهد الصحابة نقل القرآن بالشكل العملي الصحيح.

معلم القرآن يجب أن يجمع بين الرواية والدراية:
ثم كما ذكرنا منذ قليل بعد أن بدأ التدوين فالعلماء حولوا أو وضعوا في مؤلفاتهم هذا المنطوق القرآن بشكلٍ مفصل وهو علم الدراية كما نقول، فقالوا: إذا اجتمعت الهمزة مع المد في كلمةٍ واحدةٍ -جاءت الهمزة بعد المد في كلمةٍ واحدة- فهذا يسمى متصل، وجوب مدِّه عند كل القراء، هذا تفصيلٌ نظري، فلذلك نقول: أن معلم القرآن الكريم بعد أن وصلنا إلى هذه المراحل النقل مشافهةً مع كتابة القرآن، ثم بعد ذلك تدوين هذه الأحكام النظرية بشكلٍ علمي وهو الدراية، واسمح لي أن أقول هنا: عندنا مصطلحين الآن الرواية والدراية، فنقول: أن الرواية هي النقل العملي عن طريق المشافهة، والدراية: هي النقل العلمي أي تأصيل المنطوق القرآني، فوصلنا إلى أن هناك روايةً وهناك دراية، نقول: أن معلم القرآن الكريم، المعلم المكتمل الذي يقف على أرضٍ صلبةٍ في تعليم كتاب الله تعالى وكلام الله تعالى لا بد أن يجمع بين الرواية وبين الدراية، هل لو حدث كسور في أحد الشقين أو أحد العنصرين سيحصل قصورٌ عند المعلم؟ نعم يحدث قصورٌ عند المعلم ويحدث قصورٌ أو يحدث خللٌ في تلقي الطالب، وهناك أمثلةٌ شاهدناها كثيراً ونعاصرها في المراكز القرآنية وفي الحلقات القرآنية، أن معلم القرآن قد يكون لديه الرواية صحيحة بنسبة كبيرة وعنده خللٌ في الدراية، كيف يؤثر هذا على تلقِّي الطالب؟ أو العكس، يكون لديه الدراية بشكلٍ قويٍ والرواية بشكلٍ ضعيف، هل هذا يؤثر على الطالب؟ نعم يؤثر، يؤثر بشكلٍ كبير، فإذا لم ينقِل المنطوق القرآني بشكلٍ صحيحٍ سيكون لدى المتلقي أخطاءٌ كبيرةٌ في القرآن الكريم وهكذا ستنتقل هذه الأخطاء جيلاً بعد جيل، إذا لديه قصورٌ في الدراية إذاً ستصل المعلومة إلى الطالب بشكلٍ خطأ وبالتالي يبنى عليها القراءة ويبنى عليها أمورٌ كثيرة، سأعطيك مثالاً حتى ننتهي من هذه النقطة سريعاً، أحد الطلاب قابلني مرَّة وقال لي: أريد أن أُغير المعلم، قلت له: لماذا؟ انتبه من أجل أن تعرف مسألة الرواية والدراية، فقال لي: كنت اقرأ القرآن فبدأت في الآية في سورة يوسف، فقلت:

ارْجِعُوا إِلَىٰ أَبِيكُمْ (81)
(سورة يوسف)

يقول هذا الطال: قرأتها بتفخيم الراء، فقال المعلم له: لا، الراء هنا تُرقق لأن قبلها مكسور، طبعاً المعلم أخطأ والطالب على صواب، فالطالب يقول لي: أنا أعلم أن الراء لا بد أن تُفخم وفخمها، فقلت له: أنت على صواب، الطالب ماذا طلب مني؟ طلب مني أن يُغير المعلم أو أن يترك الفصل، لماذا؟ حدث لديه عدم ثقةٍ في مُعلمه نظراً لأن المعلم أعطاه معلومةً خاطئة، من الناحية النظرية خاطئةٌ طبعاً لأن المعلم ليس على دراية، لا يعلم أن هذا الراء تُفخم وجوباً لأن هذا الكسر كسرٌ عارضٌ وليس كسراً أصلياً، فماذا حدث عند الطالب؟ حدث عنده عدم ثقة، يريد أن يغير.
لذلك نقول من أجل أن نختم هذه النقطة: أن المعلم لا بد أن يكون على درجةٍ عاليةٍ في مسألة الرواية ومسألة الدراية، لذلك قالوا: إذا اجتمع للمُقرئ أو المعلم النقل مع الفطنة والدراية وجبت له الإمامة وصحَّت عليه القراءة، هذه مقولة في غاية الأهمية نكررها مرَّةً أخرى، إذا اجتمع للمقرئ أو المعلم النقل والفطنة والدراية وجبت له الإمامة وصحَّت عليه القراءة ، إذاً الجمع بين الرواية والدراية بالنسبة لمعلم القرآن أمر في غاية الأهمية، هذه نقطةٌ مهمةٌ جداً، ومن خلال الخبرة في المراكز القرآنية بعد الإحصائيات والاستبيانات وأيضاً من خلال الاحتكاكات مع المعلمين والمعلمات اكتشفنا أن الرجال بشكلٍ عام درجة الرواية لديهم أعلى من الدراية، قد تجد أن الطالب أو القارئ أو الرجل أو المعلم يقرأ القرآن بشكلٍ صحيحٍ ولكن عندما تسأله عن حكم هذه الكلمة، يعني مثلاً عندما يقول:

آلذَّكَرَيْنِ (143)
(سورة الأنعام)

يقرأها بشكلٍ صحيح، طيب ما نوع هذا المد؟ قد لا يعرف، أنا أتحدث بشكلٍ عامٍ عن صنف الرجال، نجد في النساء العكس طبعاً هذا لا يُعمم لكن أقول في الأغلب، تجد أن النساء لديهم الدراية بشكلٍ عام أعلى من الرواية.

د. رحابي محمد:
ما السبب في ذلك يا فضيلة الدكتور؟

اختلاف الرجال والنساء من حيث الرواية والدراية:
الدكتور محمد فؤاد:
السبب قد يكون تفرغ الأوقات بالنسبة للنساء أكثر من الرجال، الرجل يريد أن يقرأ ليس لديه وقت أن يجلس للتفصيل النظري وقراءة الكتب وحضور محاضرات التجويد وما إلى ذلك، لديه من الأعمال والانشغالات الكثير، فيريد فقط أن يتعلم النطق الصحيح ويقرأ، أما بالنسبة للنساء لديهم أوقاتٌ كثيرةٌ بخلاف طبيعة المرأة كما تعلم وكما يعلم الجميع المرأة تريد التفصيل في الأمور، وتستمتع بالكلام والتفصيل والبحث وما إلى ذلك، فقد يكون هذا هو التأثير، لو دخلت إلى أي مركزٍ قرآنيٍّ وعملت استبياناً بين الرجال والنساء، بين معلمين ومعلمات، بين الطلاب والطالبات، تجد أن ما أقوله هذا هو مُطبق على أرض الواقع، الرواية تعلو عند الرجال والدراية تعلو عند النساء، لذلك نقول دائماً في مراكز القرآن: نريد أن نطور من المعلمين والمعلمات لسدِّ هذا الخلل وهذا النقص.

د. رحابي محمد:
بارك الله فيكم ما شاء الله يا دكتور فؤاد أسأل الله تعالى أن يبارك فيك وفي علمك ما شاء الله، أعطيتنا فكرةً طيبةً وواسعةً عن تكوين المعلم القرآني المتميز بكلمتين اثنتين؛ يتقن الرواية ويتقن الدراية فيصبح متميزاً، وهذه هي السنَّة النبوية التي تلقاها النبي صلى الله عليه وسلم عن حضرة سيدنا جبريل عليه السلام، ثم لقَّنها لأصحابه فكان يُعلِّم الصحابة رضي الله عنهم ويُصحِّح لهم ويُصوب، والصحابة يُصوبون لبعضهم وهكذا جيلاً بعد جيل.

شروط القراءة الصحيحة :
الدكتور محمد فؤاد:
أريد أن أقول لفضيلتكم شيئاً: عندما ذكر العلماء لنا شروط القراءة الصحيحة وكما أوردها الإمام ابن الجزري رحمه الله تعالى في منظومته الطيبة فقال:
فَكُـــلُّ مَا وَافَــقَ وَجْــهَ نَحْوِ وَكَانَ لِلرَّسْمِ احْتِمَالاً يَحْوِي وَصَـــــحَّ إسْنادًا هُوَ الْقُرآنُ فَهَـــذِهِ الثَّلاثَـــــةُ الأَرْكَــــــــانُ
{ ابن الجزري }
إذاً أي قراءةٍ أو أي روايةٍ نقرأ بها القرآن قراءةً صحيحةً لا بد أن يجتمع فيها هذه الأركان أو الشروط الثلاثة، انتبهوا إلى هذه الشروط؛ صحة السند التي ذكرها ابن الجزري هي ثبوت الرواية، موافقة الرسم واللغة العربية هي إقرار الدراية، إذاً الرواية والدراية وصلت إلينا هكذا، لا بد أن يعلم الجميع أن القرآن نُقل إلينا روايةً ودراية، روايةً: بالسند المتصل إلى الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، درايةً - وهنا أتحدث من خلال شروط القراءة الصحيحة- الدراية: من خلال موافقة اللغة والرسم العثماني ولو احتمالاً.

د. رحابي محمد:
نعم، نعم، جميل، الله يفتح عليك، إذاً نلخص هذه النقطة وهذا المحور المهم وقد جعلناه أول سؤالٍ في لقائنا المبارك مع فضيلة الدكتور محمد فؤاد، أن يكون روايةً ودرايةً يتحقق في معلم القرآن ومعلمة القرآن الكريم، وأيضاً نرجو من الإخوة والمعلمين والمعلمات جميعاً أن يكون لهم هذان الجناحان؛ جناح الرواية والدراية بالإتقان وبالسند المتصل، وبالدراية المتقنة وبفهم مصطلحات علم التجويد وعلم التلاوة بشكلٍ جيد، إذاً إذا أردنا أن ننشئ مركزاً قرآنياً متميزاً لا بد بالبداية أن ننشئ معلمين قرآن متميزين روايةً ودراية.
وهذا أيضاً ربما يقودنا إلى السؤال التالي لفضيلة الدكتور محمد فؤاد وهو مدير مراكز المعصراوي للدرسات القرآنية والأكاديمية العالمية للقرآن الكريم أون لاين، إذاً الآن من خلال ما تفضلت به حضرتك نجحت مراكزٌ قرآنيةٌ كثيرةٌ بتخريج متقنين للأداء القرآني، وهذا هو السر وراء ذلك عندهم معلمون معلمات متقنون روايةً ودرايةً، والسبب في ربما عدم نجاح بعض المراكز الأخرى أنهم يفتقدون لأحد هذين الجناحين أو لكليهما، الآن فضيلة الدكتور محمد فؤاد كمدير لمراكز المعصراوي للدرسات القرآنية وكذلك الأكاديمية العالمية للقرآن الكريم هلّا أخبرتنا عن هذا المشروع العظيم، هلّا أخبرتنا عن هذه المؤسسة العريقة متى أُسست؟ ثم ما هي الأسباب التي كانت وراء تأسيس هذه المراكز؛ مراكز المعصراوي وكذلك أكاديمية القرآن الكريم؟

لمحة عن مراكز المعصراوي للدرسات القرآنية:
الدكتور محمد فؤاد:
أولاً: متى أسست هذه المراكز؟ انطلقت هذه المراكز في عام 2006 ميلادية، أول مركزين أقيما سوياً من هذه المراكز كان في القاهرة في عام 2006، مركزٌ في منطقة مدينة نصر بالقاهرة، ومركزٌ في منطقة السيدة زينب طبعاً من الأحياء الشعبية المعروفة في مصر، فمركزٌ في مدينة نصر ومركزٌ في القاهرة، طبعاً لا شك أن الجميع يعلم أن شيخنا فضيلة الدكتور أحمد عيسى المعصراوي هو شيخ المقارئ المصرية ورئيس لجنة المصحف سابقاً، جعله الله سبباً في إنشاء هذه المراكز وإقامة هذه المراكز ونشر القرآن والقراءات من خلال هذه الفكرة، لأن من المعلوم أن القرآن ومنذ سنواتٍ عديدةٍ يُقرأ في المساجد من خلال ما يُسمى بالكُتاب والكتاتيب والحلقات القرآنية، وطبعاً هذا الأمر منتشرٌ ومعروفٌ في مصر، طبعاً مسألة قراءة وإقراء القرآن وتخريج الحفظة المتقنين والقراء المعروفين الذين انتشروا في ربوع الأرض، وبفضل الله تعالى تسجيلاتهم وكل ما قرأوه منتشرٌ في كل البلاد.
لماذا أُنشأت هذه المراكز؟ طبعاً مسألة إقراء القرآن من خلال القراءات ومن خلال الروايات يحتاج إلى ضوابطٍ وتنظيمٍ واختيارٍ للقراء وللمعلمين بشكلٍ دقيقٍ، ويحتاج إلى تخطيطٍ جيدٍ خاصةً أنك تريد أن تنشر هذه الروايات وهذه القراءات بشكلٍ صحيح، خاصةً أن كثيراً من الحلقات القرآنية أو الكتاتيب أو المقارئ لا تهتم كثيراً بنشر القراءات وبنشر الروايات، معظم اهتمام المَقارئ أو معظم اهتمام المراكز القرآنية بتعليم رواية البلد، ومن المعلوم أن رواية حفص عن الإمام عاصم هي الرواية الأشهر المنتشرة في معظم البلاد الإسلامية، طبعاً بعض البلاد الأخرى مثل المغرب والجزائر يقرؤون برواية وَرش عن الإمام نافع، مثلاً تونس وليبيا يقرؤون برواية قالون عن الإمام نافع، بعض البلاد وخاصةً في أفريقيا يقرؤون برواية الدوري عن الإمام أبي عمرو البصري، طبعاً ما وصل إلينا من القراءات أو الروايات عشرون روايةً صحيحةً يُقرأ بهم القرآن، غالبية المسلمين أو نستطيع أن نقول 99% من المسلمين على كوكب الأرض لا يعلمون إلا الرواية التي يسمعونها أو يقرؤونها فقط، لا يعلمون مسألة الروايات والقراءات وما إلى ذلك، فهذا يحتاج إلى جهدٍ جبارٍ وإلى مؤسسةٍ قويةٍ تُعيد إحياء الروايات والقراءات، لأن الله سبحانه وتعالى أنزل هذه الأحرف على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم للتيسير على الأمة في قراءة القرآن الكريم، ومن المعلوم أيضاً أن ألسنة الناس مختلفة، فلذلك تيسيراً على الأمة تعددت الأحرف وقُرأت هذه القراءات فكان الهدف هو إقراء القرآن وإقراء القراءات بالشكل الصحيح، ونشر هذه القراءات في ربوع الأرض خاصةً أن المراكز والحلقات والكتاتيب معظمها يهتم فقط برواية البلد، هذا طبعاً أمر في غاية الأهمية.
فبدأت المراكز في عام 2006 بفضل الله تعالى، وأستاذنا الدكتور أحمد المعصراوي حفظه الله تعالى كان سبباً في إقامة وإنشاء هذه المراكز، فبدأت مراكز المعصراوي في عام 2006، وهنا لا أتحدث فقط عن مركز الدكتور المعصراوي ولكن أي مركزٍ حتى يُقام ويستمر بشكلٍ صحيحٍ هناك ضوابط لا بد أن تُقام عليها هذه المراكز، سوف نتحدث عنها بعد قليل إن شاء الله.

د. رحابي محمد:
بارك الله فيكم ونسأل الله تعالى أن يبارك في حياة فضيلة شيخنا الدكتور أحمد المعصراوي وأن يبارك في علمه وعمله وعمره يارب العالمين، ويبارك في صحتكم وعافيتكم فضيلة الدكتور محمد فؤاد.

الدكتور محمد فؤاد:
بفضل الله كنت من أول المعلمين الذين كانوا بصحبة فضيلة الدكتور المعصراوي في إنشاء هذه المراكز واستلمت المهمة من بدايتها بفضل الله تعالى.

د. رحابي محمد:
وأنت أهلٌ لهذه المكرمة ولهذا الخير نسأل الله تعالى أن يبارك فيك، بدأت في 2006 مراكز المعصراوي في مدينة القاهرة مدينة نصر، ثم في منطقة السيدة زينب، بمركزٍ أو مركزين، الآن كم عدد مراكز المعصراوي؟

الدكتور محمد فؤاد:
ما بين مصر وخارج مصر قد تتخطى الثمانين أو التسعين ليست عندي الإحصائية الآن، لكن ما شاء الله الآن في مصر بفضل الله في كل المحافظات فروعٌ كثيرةٌ جداً، وبفضل الله لدينا فروعٌ أخرى خارج مصر وما بين مركز المعصراوي أو مركزٌ تشرف عليه إدارة مراكز المعصراوي، فعندنا في إنكلترا وعندنا في جنوب أفريقيا وفي إيطاليا، بفضل الله في بلادٍ كثيرةٍ بفضل الله تعالى.

د. رحابي محمد:
ويكون لكم في أمريكا بإذن الله، إن شاء الله تعالى، طيب سيدي إذاً كانت البدايات من أجل إحياء قضية الروايات القرآنية، ومن أجل إحياء القراءات القرآنية، وتزويد المجتمع والناس بقُراء في مختلف القراءات وإحياء هذه القراءات الصحيحة والروايات الثابتة.

الدكتور محمد فؤاد:
وإقراء القرآن بالشكل الصحيح الذي يعتمد على أسس علمية، جمعاً بين الرواية وبين الدراية كما تحدثنا، لأنه كان هناك خللٌ كبيرٌ في إقراء القرآن، بدأ يحدث في الساحة عدم انضباطٍ في تعليم القرآن الكريم.

د. رحابي محمد:
في قضية الرواية والدراية التي تحدثنا عنها.

الدكتور محمد فؤاد:
قضية الرواية وتخريج قراءٍ بشكلٍ صحيح.

د. رحابي محمد:
نعم، نعم، الآن دعنا ندخل إلى قضيةٍ إداريةٍ بحتة، الدكتور محمد فؤاد مدير مراكز المعصراوي كيف يرى في تجربته الناجحة الجيدة ونسأل الله تعالى لكم المزيد من النجاح والتوفيق والسداد، ما هي تجربة الدكتور محمد فؤاد في إدارة هذه المراكز إدارياً وتقنياً؟ كيف تدير هذه المراكز؟ كيف تشرف عليها وتساعد على نموها وتطورها وتساعد الإداريين فيها على الإشراف الجيد على الكادر التدريسي للمعلمين والمعلمات؟

ثلاثة عناصرٍ هامةٌ لإنجاح المركز القرآني:
الدكتور محمد فؤاد:
طيب دعنا نتفق على شيءٍ في غاية الأهمية أن أي عملٍ قرآنيٍّ في بدايته لا بد أن يحدث فيه أخطاءٌ أو سلبيات، والإدارة الناجحة هي التي تتعلم من أخطائها وتعالج هذه الأخطاء والسلبيات، هذه الإدارة الناجحة، فما سنتحدث فيه الآن هي خلاصة تجربةٍ ونستطيع أن نقول أو أن نعمم هذه الخلاصة لتكون مقياساً أو ضابطاً لأي مركزٍ قرآنيٍّ يريد أن يُقام على أسسٍ صحيحة، هناك ثلاثة عناصرٍ هامةٌ جداً لإنجاح المركز القرآني أو الحلقة القرآنية، ثلاثة عناصرٍ لا بد أن تُوضع في الاعتبار.

1- التخطيط والتحضير لهذا العمل القرآني:
العنصر الأول: هو عنصر التخطيط والتحضير لهذا العمل القرآني، الذي من خلاله نضع فيه الأهداف، ما هو هدف هذا المركز؟ والأهداف تُقسَّم إلى أهدافٍ سنويةٍ أو شهرية، كل مرحلةٍ يُوضع لها هدف، هذه المرحلة في غاية الأهمية، أنا كمدير أو صاحب مركز ماذا أريد من هذا المركز؟ هل أريد أن أخرِّج طلاباً حفظةً للقرآن الكريم برواية حفصٍ فقط؟ هل أريد أن أخرِّج طلبةً يحفظون القرآن بجميع الروايات؟ هل أريد أن أخرِّج طلبةً يحفظون القرآن والقراءات، ولديهم درايةٌ بالعلوم الأخرى المتعلقة بالقرآن الكريم والقراءات مثل علم عد الآيات، مثل علم الرسم، مثل علم الضبط، اللغة أو النحو والصرف، هل سأُدرّس مثل هذه العلوم حتى أخرِّج طالباً متكاملاً في هذه العلوم؟ هل سأضيف في هذا المركز علوماً شرعيةً أخرى تساعد في فهم القرآن وفي استحضار الآيات مثل التفسير وما إلى ذلك وأسباب النزول؟ كل هذه مرحلةٌ توضع في بادئ الأمر تسمى التخطيط والتحضير، ويُبنى عليها أمور كثيرة، يُبنى عليها اختيار المكان، عدد الفصول التي ستقام في المكان، عدد المعلمين والمعلمات، ما هي الشروط التي سوف توضع للمعلمين والمعلمات لهذا العمل؟ كيف اختار المعلمين والمعلمات؟ هذا بناءً على تحديد أهداف المركز، هذه مرحلة في غاية الأهمية.

2- مرحلة التنفيذ الصحيح:
ننتقل بعد ذلك إلى مرحلةٍ أخرى وهي مرحلة التنفيذ الصحيح، وهنا انتبه إلى هذه العبارة التنفيذ ومقترنٌ به كلمة الصحيح، ليس كل ما يُنفذ سيكون صحيحاً، التنفيذ والمقترن بماذا؟ بالصحة، كيف أنفذ هذا المشروع تنفيذاً صحيحاً بناءً على الأهداف التي وضعتها لهذا العمل القرآني؟ ولكي أنفذ هذا الأمر تنفيذاً صحيحاً لا بد أن يتوفر لدي: المعلم، وهذا المعلم له مقوماتٌ وهذا المقومات وضعها وتحدث فيها العلماء، المعلم القرآني لا بد أن تكون لديه صفات؛ حدٌ أدنى في الصفات العلمية، حدٌ أدنى في الصفات الشرعية، حدٌ أدنى في الصفات المظهرية، حدٌ أدنى في الصفات المكتسبة، هذه أربعةُ أمورٌ مهمةٌ جداً، طبعاً الكلام الذي نقوله في هذا اللقاء المبارك نشرحه في دوراتٍ كبيرةٍ في مسألة إعداد معلم القرآن الكريم، وبفضل الله أعطينا دوراتٍ كثيرة.

أربع صفاتٍ لاختيار المعلم:
فنقول: أن هذا المعلم الذي سوف يكون عنصراً هاماً في تنفيذ العمل القرآني لا بد أن تتوفر فيه أربع صفاتٍ أو مقوماتٍ والحد الأدنى من هذه المقومات؛ الصفات العلمية ويقصد بالصفات العلمية كما كنا نتحدث فيه سابقاً أن المعلم في المادة الخاصة به يكون مكتملاً روايةً ودراية، وهذا يعتمد على مدير المركز أو المسؤول الذي عُين لاختيار المعلمين والمعلمات، كيف تتم المقابلة؟ كيف يتم اختبار المعلم روايةً ودرايةً حتى أقول هذا يصلُح وهذا لا يصلُح؟ ليس كل من تقدم للعمل القرآني يصلح، فهنا وظيفة الإدارة أو المسؤول أو المشرف للمركز بشكلٍ عام لاختيار المعلمين والمعلمات، فهذه الصفات العلمية، الصفات المظهرية؛ أمرٌ في غاية الأهمية واقتداءً برسولنا صلى الله عليه وسلم كيف كان يخرج على صحابته في أفضل ثيابٍ معطراً، أمورٌ مظهرية كالبشاشة والابتسامة في مقابلة الناس وفي التعامل مع الناس، الصفات الشرعية؛ الصفات الخلقية الدينية التي يتحلى بها معلم القرآن اقتداءً بسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الصبر والحلم والرحمة، وهذه الأمور في غاية الأهمية، طيب الصفات المكتسبة؛ ما المقصود بالصفات المكتسبة؟ هذا المعلم لا بد أن يكون لديه حدٌ الأدنى من الصفات المكتسبة مثل التعامل مع الطلاب بالوسائل الحديثة في التعليم، هناك طبعاً تطورٌ سريع في مسألة وسائل التعليم لا بد أن يكون له درايةٌ بهذا الأمر، كيف يستخدم الكمبيوتر؟ كيف يُطور نفسه في مسألة تعلُّم كلماتٍ بسيطةٍ في لغاتٍ مساعدة؟ عندما يأتينا مثلاً طالبٌ من انجلترا أو من أمريكا لا يتحدث إلا اللغة الانجليزية وأتى إليك في مصر خصيصاً لكي يتعلم القرآن، هل لديك حدٌ أدنى من بعض الكلمات التي قد تستخدمها في الحلقة حتى يتيسر لك التعامل مع الطالب؟ هذا أمرٌ مهمٌ جداً، طيب هل لنا اقتداءٌ بسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الأمر؟ نعم انظر إلى الحديث الذي ذكره سيدنا زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ

{ قَالَ: أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ أَتَعَلَّمَ السُّرْيَانِيَّةَ }

(رواه الترمذي)

لغة، أمره سيدنا رسول الله أن يتعلم السريانية، لماذا؟ حتى يسهُل عليه بعض الأمور في الدعوة، في فهم الخطابات أو في الإرسال أو في التعامل، وما إلى ذلك.. هذه من الصفات المكتسبة؛ التعامل مع الكمبيوتر التعامل مع الإنترنت، يعني لا نقول أن يكون المعلم بدرجةٍ عاليةٍ جداً في هذه الأمور، ولكن إلى الحد أدنى من هذه الأمور، هذا هو معلم القرآن، إذاً في التنفيذ والصحيح، التنفيذ الصحيح اختيار المعلم بالحد الأدنى من هذه المقومات وهذه الصفات أمرٌ في غاية الأهمية.
اختيار المكان المناسب وتجهيز الفصول الدراسية بالشكل الصحيح الذي يناسب جلوس الطلبة في المكان والذي لا يُنفِّرُ الطالب ويجعله لا يريد الاستمرار بالحلقة نظراً لضيق المكان، نظراً للروائح الكريهة، إذاً تجهيز الفصل تجهيز المبنى الدراسي بالشكل اللائق، الذي يليق أولاً مع كتاب الله تعالى وتدريس كتاب الله تعالى، ثانياً يُحبب الطالب للحضور وللجلوس.

د. رحابي محمد:
نحن الآن عندنا الرقم ثلاثة إذا أتينا عليها ولا ليس بعد؟ عناصر نجاح الحلقة: التخطيط والتحضير ثم مرحلة التنفيذ الصحيح.

الدكتور محمد فؤاد:
التنفيذ الصحيح منها اختيار المعلم، منها تجهيز المكان الدراسي بشكلٍ صحيح، ومنها تجهيز المادة العلمية المناسبة التي سوف تُستخدم للطلاب طبقاً للأهداف التي وضعت لهذا المركز، بمعنى لو وضعتُ هدفاً للمركز القرآني أن يُعلِّم رواية حفص إذاً لا بد من تجهيز المادة العلمية المناسبة التي سوف تُدرّس في هذا المركز، وأتحدث عن المادة العلمية هنا بمعنى مثلاً كتاب التجويد أو المتون التي سوف تُستخدم وتُجهَّز بالشكل المناسب لاستيعاب الطلاب المبتدئين، لا آتي لهم مثلاً بكتابٍ من كتب الأولين الذي فيه مصطلحاتٌ عميقةٌ وصعبة، وقد تُنفِّرُ الطالب أو تجعله يتفلَّت من الحلقة القرآنية، ولكن كيف نُبسط المادة العلمية وكيف نضع هذه المادة بشكلٍ صحيح، فنقول: حتى في المصطلحات العامة التي تقال: حقيبة الدورة، حقيبة الفصل، هذه نقطةٌ مهمةٌ جداً.

د. رحابي محمد:
ما شاء الله، الله يبارك فيك، كلامٌ جميل، وهذه في الحقيقة أسسٌ وقواعدٌ لبناء مركزٍ قرآنيٍّ متميز، ومعلم قرآني متميز، الدكتور محمد فؤاد دعني ألخص هذه الدرر التي ذكرتها من أجل أن يأخذها الإخوة المشاهدين المتابعين ويعملون عليها إن شاء الله تعالى لتكون مراكزهم متميزة، أولاً: التخطيط والتحضير ووضع الأهداف السنوية والشهرية، اختيار المكان وعدد الفصول وعدد المعلمين وشروط المعلمين والمعلمات هذا من التخطيط والتحضير، العنصر الثاني لنجاح المركز القرآني المتميز كما ذكر فضيلة الدكتور محمد فؤاد: مرحلة التنفيذ الصحيح، ويجب أن يتوفر في المعلم عندما ننفذ قبول هؤلاء المعلمين ونستقبلهم أن تكون عندهم المقومات الأربعة: صفاتٌ علمية، صفاتٌ شخصية، صفاتٌ أخلاقية أيضاً من حلم وصبر، أيضاً صفاتٌ مكتسبة وهي مهارات التدريس، مهارات التعامل مع الطلاب في الحلقة داخل الصف، التعامل مع التكنولوجيا وخصوصاً الآن نحن كل شيءٍ أون لاين يا فضيلة الشيخ.

الدكتور محمد فؤاد:
نعم، سأقول لك شيئاً بخصوص هذا الأمر: بفضل الله كنا من أوائل الناس الذين استخدموا التكنولوجيا في مسألة إقراء القرآن الكريم، وجاءنا الكثير من الاعتراضات هذا الكلام منذ عدة سنوات، يعني إلحاقاً بمسألة مراكز الدكتور المعصراوي الأكاديمية العالمية للقرآن أون لاين، فكُنا من أوائل الناس الذين بدأوا في مسألة إقراء القرآن الكريم أون لاين وتعليم القرآن الكريم والروايات والإقراء بالإجازات أون لاين، فواجهنا عاصفةً كبيرةً من الاعتراضات في هذا الأمر، وسبحان الله عندما أتت هذه المرحلة وهي مسألة هذا الفيروس نسأل الله سبحانه وتعالى أن يكشف هذه الغمة عن الأمة وعن العالم جميعاً، الكل الآن اتجه إلى هذا الأمر، الذين كانوا يعترضون في بادئ الأمر أصبحت تأتينا تساؤلاتٌ كيف نستخدم هذا؟ كيف نُطبق هذا؟ فهذا طبعاً من الوسائل الحديثة التي تُستخدم في التعليم، لا أقول في تعليم القرآن فقط ولكن التعليم بشكلٍ عام، فلا بد أن نُسخرها لتعليم القرآن الكريم لمثل هذه الأمور.

د. رحابي محمد:
نعم يا سيدي، بارك الله فيكم، صحيح، والآن العالم كله متجه تقريباً إلى التعليم عن بُعد أون لاين، الآن في الحقيقة كلنا ذلك الرجل الذي يُعلم عن بُعد شأنا أو أبينا وخاصةً الجامعات، جامعتنا الأمريكية للعلوم الإنسانية أيضاً تدرّس هذه العلوم وحتى القرآن الكريم وأصول الأداء القرآني عن بُعد، الآن دكتور محمد فؤاد أنت مُحكِّم محلي ودولي في لجان مسابقاتٍ قرآنيةٍ محليةٍ وعالمية.

3- المتابعة والتقييم، ثم التقويم:
الدكتور محمد فؤاد:
أريد أن أتحدث عن نقطة قبل أن ندخل في الموضوع الآخر عذراً للاعتراض، هناك عنصرٌ ثالثٌ لم نذكره نحن ذكرنا التخطيط وذكرنا التنفيذ الصحيح، تبقى من عناصر النجاح للعمل القرآني بشكلٍ خاصٍ عنصرٌ في غاية الأهمية وهذا العنصر فيه ثلاثة أركان: المتابعة، والتقييم، ثم التقويم، انتبه المتابعة ثم التقييم ثم التقويم، هذه الأركان الثلاثة كلها تندرج تحت العنصر الثالث، لأننا بفضل الله تعالى خططنا جيداً وبدأنا في التنفيذ الصحيح واختيار المعلم وتجهيز المكان والفصول وما إلى ذلك، ثم تركنا الأمر، إذاً ينتهي الأمر سريعاً، إذاً لا بد لإدارة المكان أو المراكز القرآنية ولا بد أيضاً للمعلم في حلقته أن ينفذ هذا العنصر وهو المتابعة، والمتابعة هنا يقصد بها العملية التي من خلالها يتم معرفة مدى التحصيل والتقدم في الأهداف الموضوعة ثم التقييم، التقييم الذي فيه رصدُ النتائج، ثم التقويم والتقويم هذا هي العملية التي تتضمن اتخاذ القرارات المناسبة من أجل التصويب والتصحيح، انتبه سأختم هذا الأمر بآيةٍ قرآنيةٍ بفضل الله تعالى وقد وضعتها في رسالتي في رسالة الدكتوراه، آيةٌ عجيبةٌ قد لا ينتبه لها البعض، الله سبحانه وتعالى وضع في هذه الآية العناصر الثلاثة التي قلتها لك الآن، وهي دور القائد، قائد المنظومة أو دور الإدارة الخاصة بهذه المنظومة، يقول المولى سبحانه وتعالى في سورة النمل:

وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ (20) لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ (21)
(سورة النمل)

(وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ) من الذي تفقَّد؟ سيدنا سليمان القائد العام لهذه المنظومة، إذاً هذا التفقُّد ماذا يعني بالنسبة لك؟ يعني المتابعة، متابعة سير العمل، طيب هذه المتابعة ينتُج من خلالها نتائج.

(فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ)
إذاً لأنه تفقَّد سير العمل خرج بنتيجةٍ أنه لم يجد الهدهد- الطير- طيب ماذا فعل بعد أن رصَد النتيجة؟ قال:
(لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ)
هذا هو التقويم، إذاً هذا هو دور القائد، دور الإدارة، حتى يسير العمل طبقاً للخطة الموضوعة.

د. رحابي محمد:
الله يفتح عليك ما شاء الله، هذه تكفينا اليوم يا دكتور محمد فؤاد المتابعة، التقييم، التقويم (وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ)، الله يفتح عليك، طيب يا سيدي الحبيب إذاً ممكن أن نذهب إلى عنوانٍ آخر، ما شاء الله بَحْرٌ زاخِرٌ الدكتور محمد فؤاد وقامةٌ طيبةٌ كبيرة، خدمةٌ كريمةٌ في إدراة المراكز، مراكز المعصراوي وفي خدمة القرآن الكريم وأهل القرآن، الآن لو ذهبنا كنظرةٍ أخرى إلى خدمة القرآن من خلال المسابقات القرآنية، والدكتور محمد فؤاد له باعٌ كبيرٌ في التحكيم في لجان المسابقات القرآنية المحلية والدولية، وما شاء الله أنت عضو لجنة تحكيمٍ في مسابقاتٍ كثيرة، ورئيس لجنة تحكيمٍ أيضاً في مسابقاتٍ عديدة، الآن ما هي أهمية المسابقات القرآنية في تحفيظ الطلاب القرآن الكريم؟ ثم نصيحةٌ نوجهها من فضيلتك إلى المشاركين في مسابقات القرآن الكريم.

أهمية المسابقات القرآنية :
الدكتور محمد فؤاد:
طبعاً مسألة المسابقات القرآنية لها أهميةٌ كبيرةٌ جداً في تعليم القرآن الكريم، طبعاً لا شك أن المولى سبحانه وتعالى ذكر لنا مسألة التنافس في القرآن الكريم، فقال في كتابه الكريم:

وَفِي ذَٰلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ (26)
(سورة المطففين)

فالتنافس على مثل هذه الأمور هي من الأشياء المُقدَّمة لنا كأمة، أن نتنافس على كل ما يرضي المولى سبحانه وتعالى، وخير التنافس أن يكون التنافس في كتاب الله تعالى، لذلك نقول أن المسابقات القرآنية هي طبعاً فيها تشجيعٌ للشباب والناشئة من البنين والبنات على العناية بكتاب الله تعالى وعلى حفظ كتاب الله تعالى وعلى إجادة تلاوته ومعرفة معانيه.
وأيضاً من فوائد هذه المسابقات أنها تحثُّ أفراد المجتمع باختلاف أعمارهم على الإقبال على كتاب الله تعالى، هذه المسابقات تحث أولياء الأمور وتحث جميع أفراد المجتمع أن يتجهوا إلى كتاب الله تعالى، وإيجاد جوٍّ تنافسيٍّ مشجعٍ على حفظ كتاب الله تعالى، وأيضاً تُخرِّجُ أجيالاً جديدةً من أصحاب الأصوات المتميزة، طبعاً من المعلوم أن صاحب الصوت المتميز يعني يجعله المولى سبحانه وتعالى سبباً لكثير من الناس في حب القرآن وفي تعلم القرآن، أيضاً ربط الأجيال المسلمة بكتاب الله تعالى وربط الشعوب ببعضها، عندما تذهب إلى مسابقةٍ قرآنيةٍ تتعامل مع جميع الجنسيات ويحدث التقارب وتآلف القلوب، فطبعاً فيها فوائدٌ كبيرةٌ جداً، بخلاف طبعاً إكرام الماهرين من أهل القرآن، والإقتداء بالسلف الصالح في مسألة إكرام المهرة من القرآن الكريم، فهذه طبعاً تعتبر من فوائد المسابقات القرآنية.

د. رحابي محمد:
نصيحة من الدكتور محمد فؤاد لمن يشارك في المسابقات القرآنية.

الدكتور محمد فؤاد:
طبعاً أنت تتحدث بالنسبة للمتسابق أو بالنسبة للمُحكِّم؟ بالنسبة للمتسابق لا بد أن يصل إلى درجةٍ عاليةٍ من الحفظ والإتقان، ليس الحفظ فقط لأن كثير من الناس حافظين لكتاب الله تعالى، ولكن القليل هو المتقن، فلا بد أن أصل إلى درجةٍ من الحفظ مع الإتقان، ما هو الإتقان؟ ماذا أقصد بالإتقان؟ أقصد بالإتقان هو إتقان أحكام التلاوة، ضبط الأداء القرآني، إتقان الوقف والابتداء، لأنه من المعلوم أن هناك عنصرين أساسيين في مسألة قراءة وإقراء القرآن الكريم: هو ضبط التجويد، وضبط الوقف والابتداء، لذلك قالوا كما ورد في الأثر:

{ عن سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: الترتيل هو: تَجْوِيْدُ الحُرُوْفِ وَمَعْرِفَةُ الوُقُوْفِ }

(ورد في الأثر)

إذاً المتسابق الذي سيذهب إلى المسابقة القرآنية لو كان عنده خللٌ في عنصرٍ من العنصرين لن يكون في المستوى المتميز، (تَجْوِيْدُ الحُرُوْفِ وَمَعْرِفَةُ الوُقُوْفِ) يجب أن أصل إلى هذه الدرجة حتى أكون مرشحاً لدولةٍ ما أو لجمعيةٍ ما في مسابقةٍ قرآنية، وهنا دور المعلم أو دور الجهة التي تُرشح هذا المتسابق تهتم جيداً مع الحفظ إلى درجة الإتقان في التجويد وفي الوقف والابتداء، هذا بالنسبة للمتسابق.

د. رحابي محمد:
بارك الله بكم، ممكن كلمة للمحكِّمين الذين يُحكِّمون في مسابقات القرآن الكريم، سواءً كانت محليةً أو دولية، ماذا على المُحكِّم أن يُراعي؟ وأنت مدربٌ وكنت أيضاً حاصلاً على شهادات التحكيم الدولية في مسابقات القرآن الكريم.

كلمة للمحكِّمين في مسابقات القرآن الكريم:
الدكتور محمد فؤاد:
من فضل الله تعالى، طبعاً هناك نقطة ونحن نقولها دائماً في الدورات المتعلقة في التحكيم وما إلى ذلك، سأقول لك جملةً أو عبارةً مهمةٌ جداً لعل المستمعين والمشاهدين يعرفونها: ليس كل مُعلم مُحكِّم ولكن كل مُحكِّم مُعلم، يعني نستطيع أن نقول: كل مُحكِّم مُعلم وليس كل مُعلم مُحكِّم، ما معنى هذا الكلام؟ لدينا عشرة معلمين في القرآن الكريم يصلُح منهم فقط ثلاثة لكي يكونوا من المحكمين، طيب هل هناك ضوابط في هذا الأمر؟ نعم هناك ضوابط، إذاً المعلم حتى يرتقي بدرجته لكي يصل إلى محكم.
كيف هذا المعلم يصل إلى هذه الدرجة؟ أن يكون محكماً في القرآن الكريم، هذه تحتاج إلى خبرةٍ في التعليم، وهذه الخبرة تعني أن هذا المعلم استمرَّ لسنواتٍ في مسألة إقراء القرآن الكريم مشافهةً، لأن هذا الإقراء يرفع بدرجة المعلم في مسألةٍ مهمةٍ جداً تفيده في التحكيم هي كيفية رصد الخطأ الدقيق، رصد هذا الخطأ الدقيق يحتاج إلى دقةٍ عاليةٍ من المعلم أو المُحكِّم، وهذا لن يتأتى إلا من خلال خبرةٍ طويلةٍ واستمرارٍ في إقراء القرآن الكريم.
في بعض الأحيان في المسابقات وخاصةً في المسابقات الدولية الكبرى الطلاب يتنافسون ونصل إلى درجة أن هناك طالبين، اثنان من المتسابقين على درجة متساوية من الحفظ، حفظ متقن، والفرق بين الأول والثاني في الجوائز قد يصل إلى مئة أو مئتي ألف، فأصبح هذا المُحكِّم على درجة قاضي، هذا الحُكم الذي سوف يضعه سوف يُبنى عليه ناحيةٌ اجتماعيةٌ للمتسابق، متسابقٌ سوف يحصل على مليون جنيه والآخر سوف يحصل على خمسمئة ألف، أصبحت أنت كمُحكِّم قاضياً هل ستظلم أو ستعدل؟ كيف تظلم؟ تظلم إذا تعمدت الظلم أو إذا كان لديك نقصٌ في علم أو خبرة الإقراء والتحكيم وما إلى ذلك سوف تظلم، وهذا الظلم سوف يُبنى عليه في مسابقاتٍ كبرى نواحٍ اجتماعية كثيرة بالنسبة للمتسابقين، لأن غالبية المتسابقين الذين يذهبون إلى المسابقات يكونون من مجتمعاتٍ فقيرة، نحن نشاهد هذا الأمر في بلادنا، يكون في مجتمعاتٍ فقيرة وولي الأمر يجلس لسنواتٍ ويُعلِّم ابنه مثلاً القرآن ويستمر ويريد أن يذهب به إلى مسابقةٍ، لعل مبلغ هذه المسابقة يعينه مستقبلاً على استحضار منزلٍ وحياةٍ طيبةٍ كريمة، أصبح المُحكِّم هنا كالقاضي في هذا الأمر، وهذه من خطورة هذا الأمر، لذلك المُحكِّم لا يصل إلى درجة مُحكِّم إلا بعد خبرةٍ طويلة من الإقراء وإتقان التجويد وكيفية رصد الأخطاء واللحون الدقيقة، مثل تكرار الراء، مثل زيادة أو نقص في غنة، أمورٌ دقيقةٌ جداً مثل زيادة أو نقص في مدٍّ معين، زيادة حمس، قلقلة ليست منضبطة، كل هذا يسجل في استمارة التحكيم.
الأمر الآخر: مسألة الوقف والابتداء، المُحكِّم لا بد أن يكون على درايةٍ عاليةٍ من الوقف والابتداء باختلاف مدارسه، انتبه، هناك مدرسة الوقف والابتداء في أهل المغرب على الوقف الهِبطي، وهناك مدرسة الوقف والابتداء على أهل المشرق، فأنت كمُحكِّم تجلس على منصة التحكيم وآتاك طالب من المغرب، ويقرأ القرآن برواية ورش فلا بد أن تكون على درايةٍ بالروايات والقراءات لأن هذه رواية بلده، وسوف يستخدم منهج الوقف مثلاً الهٍبطي الذي تعلم به في بلاده لا بد أن تكون على دراية، لأنك لو وضعت خطأً فأنت تظلم هذا الطالب أو هذا المتسابق، فإذاً لا بد لك أيها المحكم أن تكون على درايةٍ بالروايات وبالقراءات وبمدارس الوقف والابتداء، وهذا بخلاف خبرة الإقراء والاستماع وعلم التجويد وما إلى ذلك، أن يتمتع بأذنٍ حساسةٍ وهذه لن تتأتى إلا مع كثرة الاستماع من الطلبة في الحلقات القرآنية، معايير كثيرةٌ ومهمةٌ جداً بالنسبة للمُحكِّم، مهمةٌ جداً بالنسبة لإدارة المسابقة القرآنية، ليس كل واحد يستطيع أن يُحكِّم.

د. رحابي محمد:
إذاً كل مُحكِّم مُعلم ولكن ليس كل مُعلم مُحكِّم، كلمة جميلة، ذكرتني يوم أكرمني الله تعالى أن مثلت بلدي سوريا في جمهورية مصر العربية في مسابقة القرآن الكريم عام 2000، والآن وأنت تذكر قضية التحكيم والدقة وأن المُحكِّم يأخذ دور القاضي لأنه بعد ذلك ستكون النتائج والعطاء والإكرام، فكانت النتيجة الحمد لله أن اللجنة -لا أذكر أسماءهم- لجنةٌ طيبةٌ كريمة، وكان معهم شيخ قراء الشام الشيخ محمد كريم سعيد راجح حفظه الله فكان هو في اللجنة أيضاً، فسألوني من شيخك؟ قلت لهم: الشيخ محمد سكر فقالوا: سلِّم عليه، أعجبوا بالتلاوة وبمخارج الحروف، فأُكرمت وقتها في التكريم بأربعين ألف جنيه أو خمسين ألف جنيه وقتها، فلما رجعت إلى بلدي حاملاً هذه الهدية الكبيرة بالفعل أكرمت أهلي وإخواني وأخواتي والعائلة كلها أُكرمت بفضل الله تعالى وبفضل القرآن الكريم، بقرار اللجنة بقرار المُحكِّم، سبحان الله.

الدكتور محمد فؤاد:
هذا الأمر أمرٌ طويلٌ ويُشرح فيه أمورٌ كثيرة، ومنها آداب التحكيم وأمورٌ كثيرة جداً لأن المُحكِّم كما قلت أصبح كالقاضي، ضوابط التحكيم وضوابط المسابقات القرآنية وكيف يتعامل المحكم مع الطالب نفسياً وفي الحديث وما إلى ذلك، هذه كلها طبعاً تُعطى بالتفصيل.

د. رحابي محمد:
سيكون لنا لقاءٌ آخر خصوصاً عن التحكيم وضوابطه وآدابه إن شاء الله تعالى لننهل من هذا النبع الصافي النبع الطيب الشيخ الدكتور محمد فؤاد، نصيحةٌ في دقيقة يا دكتور محمد فؤاد لأهل القرآن المعلمين المعلمات.

نصيحةٌ لأهل القرآن المعلمين المعلمات:
الدكتور محمد فؤاد:
الإخلاص، الإخلاص، الإخلاص، أسأل الله سبحانه وتعالى أن يرزقنا جميعاً الإخلاص في تعلُّم وفي تعليم القرآن الكريم، لأن للأسف الشديد ما نشاهده في الساحة القرآنية الآن أمرٌ أعتقد والله أعلم لا يُرضي المولى سبحانه وتعالى، لا أقول على الجميع ولكن الغالبية التي أصبحت تستخدم القرآن وقراءة القرآن من باب إعجاب وإغراب السامعين والتنافس على الدنيا وما إلى ذلك، ولنعلم جميعاً وأقول هذا الكلام للذين يقرؤون في المحافل والحفلات القرآنية أن الروايات التي أنزلت والتي نزلت والتي وصلت إلينا لم تستخدم للاستعراض ولا تستخدم للتباهي بهذا العلم، أنزلها المولى سبحانه وتعالى للتيسير على الأمة في قراءة القرآن الكريم، القرآن يُقرأ لأنه كلام المولى سبحانه وتعالى، لأنه المنهج الرباني الذي أنزله ليكون دستوراً لهذه الأمة، المعجزة الخالدة الباقية إلى يوم الدين، فيه تصحيح المسار، فيه الهداية إلى الصراط المستقيم، فيه النجاة من الفتن، فيه كل ما هو متعلقٌ بأمور الدنيا والآخرة، فلا بد أن ننظر إلى القرآن بهذه الكيفية، معلم القرآن يجب أن يعلم أن الساعة أو الدقيقة التي يقضيها في تعليم القرآن الكريم هي أفضل ما يمرُّ به في حياته، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

{ خَيْرُكُمْ مَن تَعَلَّمَ القُرْآنَ وعَلَّمَهُ }

(صحيح البخاري)

فلا بد أن ينظر إلى القرآن بهذه الكيفية، وهذا ما أردت أن أقوله ونسأل الله سبحانه وتعالى أن تكون هذه النصيحة أولاً لنفسي إن شاء الله ثم لمن يستمع إليها، ونسأل الله الإخلاص والقبول يارب العالمين.

د. رحابي محمد:
نصيحة ذهبية، نصيحة طيبة، من مخلص من قلبٍ مخلصٍ، من القلب إلى القلب إن شاء الله، من قلبك إلى قلب محبيك وقلب من يستمع إليك إن شاء الله يا دكتور محمد فؤاد:

{ (أَهْلُ الْقُرْآنِ، أَهْلُ اللَّهِ وَخَاصَّتُهُ) }

(صحيح ابن ماجه)


الخاتمة :
ونسأل الله تعالى أن يجعلنا وإياكم من أهل الله، وأن يُكرمنا بأن يجعل القرآن العظيم حجةً لنا لا حجةً علينا وأن يجعله شفيعاً لنا يوم القيامة، ونوراً لنا في الدنيا وفي الآخرة، في نهاية هذا المطاف في نهاية هذا اللقاء المبارك لا يسعني إلا أن أتوجه بالشكر الجزيل باسمي وباسم فريق العمل في كلية الدراسات الإسلامية، وقسم الأداء القرآني في الجامعة الأمريكية للعلوم الإنسانية، أتوجه بالشكر الجزيل لفضيلة الدكتور محمد فؤاد عبده عبد المجيد مدير مراكز المعصراوي للدرسات القرآنية والأكاديمية العالمية للقرآن الكريم أون لاين، المُقرئ في القراءات العشر الصغرى والكبرى وعضو هيئة التدريس في جامعة المدينة العالمية قسم القراءات، جزاك الله خيراً لوقتكم المبارك الثمين، وأحسَنَ الله إليكم نشكركم جزيل الشكر على هذا اللقاء وهذه الفوائد وهذه الخبرة الطيبة التي شاركتنا بها، ونسأل الله تعالى لكم التوفيق والسداد والنجاح وتحياتنا لكم والله يبارك فيكم جميعاً.

الدكتور محمد فؤاد:
ربنا يحفظ ويبارك فيك وأنا تشرفت بهذا اللقاء، وأختم بأن أقول: جزى الله عنا سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ما هو أهله، جزى الله عنا والدينا وأشياخنا وأصحاب الفضل والحقوق علينا خير الجزاء، جزاكم الله خيراً.

الدكتور محمد فؤاد:
ندعو أيضاً لفضيلة شيخنا وأستاذنا الدكتور أحمد عيسى المعصراوي وأن يبارك الله في جهده.

الدكتور محمد فؤاد:
شيخنا وأستاذنا الدكتور أحمد عيسى المعصراوي جعله الله سبباً في هذا الخير الكبير، وفي نشر القرآن والقراءات والمراكز القرآنية، وجميع مشايخنا، وشيخنا الشيخ عبد الحكيم عبد اللطيف رحمه الله تعالى، وكل مشايخنا وكل من علَّمنا وتعلمنا منه ولو حرفاً من القرآن، ونسأل الله سبحانه وتعالى أن نسير على هذا الدرب إن شاء الله.

الدكتور محمد فؤاد:
وأنت منهم إن شاء الله، نرجو الله تعالى أن يجعلنا وإياكم منهم إن شاء الله، شكراً فضيلة الدكتور محمد فؤاد، متابعينا الكرام مشاهدينا أصدقاءنا جزاكم الله خيراً لحسن المتابعة والمشاركة، نسأل الله تعالى أن يجعلنا وإياكم من أهل الله ومن أهل القرآن وخاصته.
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.