مَن هم المرحومون؟
- 2021-01-15
مَن هم المرحومون؟
مقدمة:
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته. |
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. |
أهلاً وسهلاً بكم أخواني وأخواتي في هذا اللقاء المتجدد في رياض الصالحين وعنوان اللقاء اليوم : "مَن هُم المرحومون؟" مَن هم الذين يرحمهم الله سبحانه وتعالى؟ والله عز وجل يقول: |
وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآَخِرَةِ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآَيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ (156)[ سورة الأعراف ]
أسأل الله تعالى أن يرحمنا وإياكم برحمته التي وسعت كل شيء. |
هناك أحاديث نبوية شريفة ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم يذكر فيها رحمة الله عز وجل التي تنزل على بعض عباده بسبب أعمال خيرية، وبسبب صفات طيبة يتصفون بها، نحن اليوم عندما نذكر حديثاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك يعني أنه ليس لنا خيار إلا أن نأخذ به، وأن نمتثله، ونتخلق به حتى ننال تلك الرحمة التي يذكرها رسول الله صلى الله عليه وسلم، والتي بسبب هذه الصفة، أو بسبب هذا الخلق، وبسبب هذا العمل الصالح تتنزل الرحمة على هذا العبد، فنسأل الله تعالى أن يكرمنا وإياكم بامتثال أمر النبي صلى الله عليه وسلم، وبالتحقق بهذه الأحاديث الكريمة الشريفة. |
القرآن الكريم طافح بذكر الرحمة والرحمن والرحيم:
لو نذكر أول شيء، قبل أن نذكر هذه الأحاديث كم مرة ذكر الله عز وجل الرحمة في القرآن الكريم، كم مرة ذكر اسم الرحمن في القرآن الكريم؟ |
![]() |
يقول النبي عليه الصلاة والسلام أول حديث سنذكره، سأذكر لكم تقريباً تسعة أو عشرة أحاديث فيها ذكر من يرحمهم الله سبحانه وتعالى، وهذا الحديث الذي سوف أقوله لكم يكون مسؤولية عظيمة على عاتق كل واحد منا، وكل من يستمع، وكل من يقرأ، عليه أن يمتثل هذا الحديث حتى ينال تلك الرحمة، ونحن في الحقيقة نبحث عن هذه الرحمة، أي ما هي حياتنا؟ وما هو جهدنا؟ وما هي أعمالنا التي نسعى إليها صباحاً مساء حتى نرضي الله سبحانه وتعالى وننال رحمته العظيمة؟ |
فلذلك هذه الأحاديث كما يقال: نصائح يسيرة وسهلة من رسول الله صلى الله عليه وسلم الحبيب، المصطفى الذي أرسله الله رحمة للعالمين، فهو يرشدنا ويخبرنا كيف ننال رحمة الله سبحانه وتعالى. |
أحاديث تبين لنا كيف ننال رحمة الله عز وجل:
1- السماحة في البيع والشراء:
تعالوا نرى الحديث الأول، يقول النبي عليه الصلاة والسلام، فيما يروي الإمام فيما يروي الصحابي الكريم جابر بن عبد الله رضي الله عنه، قال: قال عليه الصلاة والسلام: |
{ رَحِمَ اللهُ رجلاً سَمْحاً إذا باع، وإذا اشترى، وإذا اقْتَضَى }
[أخرجه البخاري والترمذي عن جابر بن عبد الله]
![]() |
إذاً نحن في بيعنا، في شرائنا، في معاملاتنا المالية، في معاملاتنا مع بعضنا البعض اليومية نتذكر هذا الحديث: (رَحِمَ اللهُ رجلاً سَمْحاً إذا باع، وإذا اشترى، وإذا اقْتَضَى) هذا أول حديث. |
2- حفظ اللسان:
تعالوا نذهب إلى الحديث الثاني، طبعاً مع كل حديث أيها الأخوة سجلوه عندكم، خذوا ملاحظة، حتى يكون برنامج عمل تقومون به بشكل يومي في أعمالكم، في حياتكم الخاصة والعامة، وحياتكم الوظيفية، وحياتكم المهنية، حتى تتنزل هذه الرحمات عليكم وأنتم في العمل، وأنتم في الوظيفة، وأنتم في السيارة، وأنتم في البيت، وأنتم في المسجد، وأنتم في كل مكان عندما تتحدثون، سنرى الآن كيف ينال العبد الرحمات الإلهية بطرق كثيرة شتى، بطرق مختلفة وسهلة، لكن ينبغي أن نستحضر النية، ونستجمع قلوبنا مع هذه الأحاديث الشريفة. |
الحديث الثاني، قال عليه الصلاة والسلام: |
{ رَحِمَ اللهُ عبدًا قال خيرًا فَغَنِمَ، أو سَكَتَ عن سُوءٍ فسَلِمَ }
[ رواه ابن المبارك في الزهد]
![]() |
لذلك موضوع اللسان، وموضوع حفظ اللسان قضية كبيرة جداً، نحن نكتفي بهذا الحديث: (رَحِمَ اللهُ عبدًا قال خيرًا فَغَنِمَ، أو سَكَتَ عن سُوءٍ فسَلِمَ). |
3- صلاة أربع ركعات قبل العصر:
الحديث الثالث، يقول النبي عليه الصلاة والسلام، فيما يرويه الإمام الترمذي، وأبو داود، وابن حبان: |
{ رحمَ اللهُ امْرَأ صَلَّى قبلَ العَصْرِ أَربَعا }
[أخرجه أبو داود والترمذي عن عبد الله بن عمر]
صلاة السنة، سنة العصر القبلية أربع ركعات، هذه تستوجب فيها دعوة النبي صلى الله عليه وسلم بالرحمة الإلهية، والذي يصلي السنن هذا حريص على يتقرب إلى الله عز وجل أكثر وأكثر. |
{ ولا يزال عبدي يتقرَّب إليَّ بالنوافل حتى أُحِبَّهُ، فإذا أحببتُهُ كُنتُ سمعَه الذي يسمع به، وبصرَه الذي يبصر به }
[أخرجه البخاري عن أبي هريرة]
هذه الرحمة التي ينالها العبد تغير حاله، تغير حياته، تغير منطقه، تغير نظره، تغير معاملته، يتكلم برحمة الله، وبنور الله، يتكلم وينطق بإذن من الله سبحانه وتعالى، بنور من الله، وعلى نور من الله، هذا الحديث الثالث. |
4- إصلاح النفس:
تعالوا بنا إلى الحديث الرابع، يقول النبي عليه الصلاة والسلام: |
{ رَحِمَ اللهُ امْرَأً أَصْلَحَ لسانَه }
[رواه الديلمي عن عمر]
هذا يعود بنا إلى الحديث الثاني، الذي ذكرناه قبل قليل: (رَحِمَ اللهُ عبدًا قال خيرًا فَغَنِمَ، أو سَكَتَ عن سُوءٍ فسَلِمَ). |
![]() |
وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ (53)[سورة يوسف]
وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8) قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا (10)[ سورة الشمس]
هذه النفس البشرية تحتاج إلى إصلاح، أعضاء الجسد تحتاج إلى إصلاح، العين تحتاج إلى إصلاح وتدريب، اللسان يحتاج إلى إصلاح وإلى تدريب على الخير، وهكذا كل أعضاء الجسم (رَحِمَ اللهُ امْرَأً أَصْلَحَ لسانَه). |
كَم في المَقابِرِ مِن قَتيلِ لِسانِهِ كانَت تَهابُ لِقاءَهُ الأَقـــــرانُ{ الإمام الشافعي }
الحديث عن إصلاح النفس، وعن إصلاح اللسان تحديداً له شأن كبير في القرآن الكريم، النبي صلى الله عليه وسلم ذكر أحاديث كثيرة عن قضية اللسان، كما أنه لا يخفى عليكم ما جاء في سورة ق: |
وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ (16) إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ (17) مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ (18)[ سورة ق]
إذاً القضية قضية ليست سهلة، قضية الإنسان، وكلامه، ومزحه، وجده، وما يكتب، وما ينشر، وما يتكلم، وما يتصل، وما يهاتف به الناس، وما يتواصل به مع الناس من كلمات تخرج من تحت قلمه، أو من تحت لسانه هذه كلها: (مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) كما ذكر الله سبحانه وتعالى محاسب عليها العبد، بعض الناس يثيرون عداوات، ومعارك، وشحناء، وبغضاء بكلمات يتفوهون بها ولا يلقون لها بالاً، كثير من الأزواج، كثير من الزوجات خُربت بيوتهم، وأسرهم بسبب كلمة قيلت من زوج أو من زوجة، كثير من الأسر تهدمت بسبب كلمة ألقيت من غير أن يلقي لها هذا الإنسان القائل من زوج أو زوجة كلمة، كثير من الناس وعدد كبير يوقعون أزواجهم أو زوجاتهم في حيرة، أو في خجل، في موقف محرج بسبب كلمات تقال أمام عوائلهم، أمام أهلهم، أمام أولادهم، فالكلمة جداً مهمة، والإنسان ينال رحمة الله عندما يقاوم لسانه، يعمل تحكماً بلسانه، هذه قضية تحتاج إلى جهد، وإلى بذل الكثير من العمل على هذا الأمر. |
كيفية ضبط اللسان :
كيف نستطيع ضبط اللسان؟ بتذكر الثواب والعقاب، ثواب من يضبط لسانه ابتغاء وجه الله، ثواب من يقول الخير، ثواب الكلمة الطيبة، ثم نتذكر عقاب وعقوبة من يتكلم بالكلام الغير منطقي، الغير صحيح، الذي لا يطابق الحقيقة، التي فيه غيبة، الذي فيه نميمة، الذي فيه إثارة لعداوة، أو إثارة لفتنة، عندما نتذكر النتائج نستطيع أن نتحكم باللسان بإذن الله تعالى. |
5- العناية بالنظافة:
الحديث الخامس أيها الأخوة والأخوات؛ قال عليه الصلاة والسلام: |
{ رَحِمَ اللهُ المُتَخَلِّلِينَ من أُمَّتِي في الوضوءِ والطعامِ }
[أخرجه الطبراني والإمام أحمد عن أبي أيوب]
المتخللون من أمتي في الوضوء والطعام الذين يعتنون بنظافة ما بين أسنانهم من الطعام، وتنظيف ما بين أصابعهم أيضاً من الأوساخ عند الوضوء، تنظيف الأصابع بإدخال الماء أثناء الوضوء، وتنظيف الفم والأسنان بالسواك، وبفرشاة الأسنان مدعاة إلى حصول رحمة الله سبحانه وتعالى. |
![]() |
6- أن يرحم بعضنا بعضاً:
الحديث السادس، قال عليه الصلاة والسلام: |
{ رَحِمَ اللهُ امْرَأً اكتسب طَيِّبًا، وأَنْفَق قَصْدًا، وقَدَّمَ فَضْلًا ليومِ فقرِه وحاجتِه }
[ عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها، نقله الألباني ]
(رَحِمَ اللهُ امْرَأً اكتسب طَيِّبًا) أي اكتسب حلالاً، (وأَنْفَق قَصْدًا) أي أنفق باعتدال بدون ترف، وبدون إسراف، (وقَدَّمَ فَضْلًا ليومِ فقرِه وحاجتِه) أي يتصدق بالزائد ليوم فقره، وحاجته عنده فضل أي زيادة، فيتصدق، ويعين الآخرين، (ليومِ فقرِه وحاجتِه) يوم القيامة، أو في الدنيا، أي من يساعد، من يقضي حاجة أخيه في الدنيا يقضي الله حاجته في الدنيا وفي الآخرة، من يقف مع أخيه يقف الله عز وجل معه ويعينه، ويؤيده في الدنيا، وفي الآخرة، ونحن محتاجون وفقراء إلى الله تعالى في الدنيا وفي الآخرة. |
فلذلك نسأل الله تعالى أن يعيننا على أن يرحم بعضنا بعضاً حتى ننال رحمة الله سبحانه وتعالى، وأول الرحمة هذه باكتساب الطيب، باكتساب الدخل الطيب، الحلال الطيب، هذا الحديث السادس. |
7- مساعدة أولادنا على البر:
ننتقل إلى الحديث السابع، يقول عليه الصلاة والسلام: |
{ رحمَ اللَّهُ والدًا أعانَ ولدَهُ على برِّهِ }
[ كشف الخفاء رواه أبو الشيخ في الثواب عن علي وابن عمر مرفوعاً]
أنتَ أبٌ، وأنتِ أمٌّ تنالون رحمة الله سبحانه وتعالى عندما تعين ولدك على برك، تعين ولدك على أن يكون مطيعاً، تعين ولدك على أن يكون ولداً صالحاً. |
![]() |
لذلك النبي عليه الصلاة والسلام يوجهنا إلى أن نساعد أولادنا على البر، نساعد أولادنا على الطاعة بأن نكون رحماء: |
{ رحمَ اللَّهُ والدًا أعانَ ولدَهُ على برِّهِ }
[ كشف الخفاء رواه أبو الشيخ في الثواب عن علي وابن عمر مرفوعاً]
بتوجيهه، بنصيحته، بضبطه للسانه، بضبطه لتصرفاته، أن يكون قدوة حسنة في البيت، يصلي أمام الأولاد، يقرأ القرآن أمام الأولاد، يعين أمهم أمام الأولاد، يساعد في البيت أمام الأولاد، فيكون قدوة ونموذجاً قبل أن يأمر، وقبل أن ينهى، يساعد أولاده على القدوة بالتطبيق وبالعمل، ثم بعد ذلك ستأتي النتائج طيبة، ويكون الأولاد بعد ذلك بإذن الله صالحين، ومصلحين. |
8- تبليغ أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم
الحديث الثامن حديث جميل جداً، وأعتقد كل واحد منا محتاج أن ينفذه، وأن يطبقه في حياته، بل هو مسؤولية كبيرة على كل مسلم ومسلمة، يقول عليه الصلاة والسلام: |
{ رَحِمَ اللهُ امرأً سمعَ منَّا حديثًا فوعاهُ ثمَّ بلغَهُ منْ هوَ أوعَى منهُ }
[رواه ابن عساكر عن زيد بن خالد الجهني]
في روايةٍ أخرى: |
{ نضَّرَ اللَّهُ امرأً سَمعَ منَّا حَديثًا فبلَّغَهُ، فرُبَّ مُبلَّغٍ أَحفَظُ مِن سامِعٍ }
[ أخرجه الترمذي عن عبد الله بن مسعود]
![]() |
نحن في مجتمع يتعلم بعضنا من بعض، نحن في مجتمع نسمع من بعضنا البعض، فإذا سمعت حديثاً، ونقلته إلى زوجتك، وسمعت حديثاً أيتها الأخت ونقلته إلى زوجك، إلى أولادك، إلى صديقتك، إلى جارتك، فإن ذلك الخير سينتقل، وكذلك الإسلام انتقل، وكذلك قيم الإسلام الرائعة، الراقية، الحضارية، النبوية، انتشرت في الأرض نوراً، وسلاماً، ورحمة بسبب ما كانت تجد في قلوب الناس من قبول، وبسبب ما كان الناس يحملونه من خير فيَسعدون به ويُسعدون به غيرهم، ينقلون هذا الخير إلى غيرهم، كما هو سعد به، كما هو ذاق فيه حلاوة ونور النبوة ينقل هذه الأنوار إلى غيره، لذلك: (رَحِمَ اللهُ امرأً سمعَ منَّا حديثًا فوعاهُ ثمَّ بلغَهُ منْ هوَ أوعَى منهُ). |
9- البكاء من خشية الله والسهر في سبيل الله:
الحديث التاسع؛ وهذا الحديث هو الحديث قبل الأخير، نحن عندنا عشرة أحاديث اليوم إن شاء الله كلها تتحدث عن رحمة الله سبحانه وتعالى، كيف ننال هذه الرحمة، كيف نحصل هذه الرحمة بصفات، بأعمال يسيرة، بعادات تعملها بشكل يومي تنال بها رحمة الله سبحانه وتعالى يقول النبي عليه الصلاة والسلام: |
{ رَحِمَ اللهُ عينًا بَكَت من خشيةِ اللهِ ، ورَحِمَ اللهُ عينًا سَهِرَت في سبيلِ اللهِ }
[أبو نعيم في الحلية عن أبي هريرة]
![]() |
(عيناً بكت من خشية الله) عين لا تمسها النار: (رحم الله عيناً بكت من خشية الله) عين لا تلقى شراً في الدنيا، بل الخير موصول بها، ورحمة الله تتنزل على هذا الإنسان الذي يبكي من خشية الله ، بل إن الإنسان الذي يبكي من خشية الله إنما هو: |
{ إمامٌ عادلٌ وشابٌّ نشَأ في عبادةِ اللهِ ورجُلٌ قلبُه مُعلَّقٌ بالمسجِدِ إذا خرَج منه حتَّى يعودَ إليه ورجُلانِ تحابَّا في اللهِ اجتمَعا على ذلكَ وتفرَّقا ورجُلٌ ذكَر اللهَ خاليًا ففاضَتْ عيناه ورجُلٌ دعَتْه امرأةٌ ذاتُ حسَبٍ وجمالٍ فقال : إنِّي أخافُ اللهَ ورجُلٌ تصدَّق بصدقةٍ فأخفاها حتَّى لا تعلَمَ شِمالُه ما تُنفِقُ يمينُه }
[أخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي ومالك عن أبي هريرة ]
كما في الحديث الشريف هذا الإنسان يستظل بظل عرش الرحمن، بظل الله يوم لا ظل إلا ظله، ولا باقي إلا وجهه. |
(رحم الله عيناً بكت من خشية الله) ليكن لنا جلسة مع الله سبحانه وتعالى دقائق قبل النوم، جلسة مع الله تعالى بعد الفجر، جلسة مع الله تعالى خلال النهار، دقائق تغمض بها عينك، وتقول: الله، الله، الله، تذكر الله، تذكر الله، تذكر الله، تذكر الله حتى تنزل هذه الدمعة، تنزل من خشية الله، ومن محبة الله ندماً على ما اقترفنا من ذنوب، ندماً على ما اقترفنا من خطايا، شوقاً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نلتقي به في الجنة، أن يلقانا عند الحوض، وأن ينادينا، وأن نكون من أمته، وممن ننال شفاعته، هذه العين التي نبغي أن تعمل على ترقيق القلب حتى تدمع من خشية الله سبحانه وتعالى. |
10- الاعتذار عند الإساءة للآخرين:
الحديث العاشر والأخير، يقول عليه الصلاة والسلام: |
{ (( رحِم اللهُ عبدًا كانَتْ لأخيه عندَه مظلمةٌ في نفسٍ أو مالٍ فأتاه فاستحلَّه قبلَ يومِ القيامةِ فإنَّه ليس ثَمَّ دينارٌ ولا درهمٌ إنَّما هي الحسناتُ قيل يا رسولَ اللهِ فإن لم يكُنْ له حسناتٌ قال أخَذ من سيِّئاتِه فطرَح على سيِّئاتِه }
[أخرجه الطبراني عن أنس بن مالك]
![]() |
فلذلك من الضروري أن يعتذر الإنسان، الاعتذار أيها الأخوة من شيم الكرام، الإنسان كريم النفس، والذي لا يريد أن يعيد هذه الإساءة، هذا عنده شجاعة على الاعتذار، الذي لا يعتذر وهو مخطئ فاعلم أنه سيكرر الإساءة ثمَّ مرة، أما الذي يعتذر فقد ألزم نفسه سبيل الاستقامة بإذن الله تعالى بعد أن اعتذر من هذا الإنسان الذي أساء بحقه خشية القصاص يوم القيامة. |
الله عز وجل يرحمنا ويحبنا جميعاً:
نسأل الله تعالى أن يكرمنا وإياكم بالرحمة فيما بيننا، ونتذكر دائماً حديث النبي عليه الصلاة والسلام: |
{ الرَّاحمونَ يرحَمُهمُ الرَّحمنُ ارحَموا من في الأرضِ يرحَمْكم من في السَّماءِ }
[أخرجه أبو داود والترمذي عن عبد الله بن عمرو بن العاص]
ويقول عليه الصلاة والسلام أيضاً في حديث آخر: |
{ مَن لا يَرْحَمْ لا يُرْحَمْ }
[أخرجه زيادات رزين عن جابر بن عبد الله]
وفي حديث ورواية أخرى: |
{ لا يَرْحَمُ اللهُ من لا يرحمِ الناسَ }
[أخرجه البخاري ومسلم والترمذي عن جرير بن عبد الله البجلي]
أي الله عز وجل يرحمنا ويحبنا جميعاً، ولكن الإنسان الذي لا يرحم الآخرين هذا كأنه يقول: يا الله أنا مستغنٍ عن رحمتك، فلا أريد رحمتك، ولا يعطي هذا الإنسان رحمة للآخرين فكيف يعيش في هذه الحياة؟ يعيش صانع مشاكل، يعيش صانع فتن، يعيش صانع شحناء. |
فلذلك أيها الأخوة؛ (الرَّاحِمُونَ يرحمهم الرحمن، ارحَمُوا مَن في الأرض يرحمْكم من في السماءِ). |
نسأل الله تعالى أن يجعلنا وإياكم ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، نسأل الله تعالى أن يكرمنا وإياكم بالتوفيق، والنجاح، والسداد، والهداية، والرحمة، وأن نمتثل هذه الأحاديث النبوية الشريفة الكريمة في الحصول على الرحمة المضمونة من الله سبحانه وتعالى بتطبيقنا لهذه الأحاديث العشر التي ذكرناها. |
اللهم اجعلنا هداةً مهديين، ولا تجعلنا ضالين، ولا مضلين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه . |
خاتمة وتوديع:
جزاكم الله خيراً، وشكراً لمن يستمع، وشكراً لمن يشارك هذه الأحاديث النبوية مع أصحابه على صفحته حتى يعم الخير إن شاء الله تعالى. |
ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ ۖ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (125)[ سورة النحل]
{ فرُبَّ مُبلَّغٍ أَحفَظُ مِن سامِعٍ }
[ أخرجه أبو داود وصححه الترمذي وابن حبان ولفظه رحم الله امرأً عن ابن مسعود]
{ نضر الله امرأ سمع منا مقالة، أو سمع منا حديثاً فادعاه، أو بلغه كما سمعه فربّ مبلغ أوعى من سامع }
[عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه]
وصلَّى الله على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه. |