كيف نتعامل مع القرآن الكريم؟ مع الشيخ الحسين محمود الراعي
- 2020-11-23
- أمريكا
كيف نتعامل مع القرآن الكريم؟ مع الشيخ الحسين محمود الراعي
مقدمة :
بسم الله والحمد الله وصلى اللهم أعزائي المشهدين والمتابعين سلامٌ من الله عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته، وأهلاً ومرحباً بكم في حلقة جديدة من برنامج أهل العلم والقرآن، موضوع حلقتنا لهذا اليوم كيف نتعامل مع القرآن الكريم؟ كيف تعامل الصحابة الكرام مع آيات الله تعالى في كتاب الله العزيز؟ ما هو دورنا في التعامل مع القرآن الكريم ؟ |
وأسئلةٌ أخرى نطرحها اليوم ونتحاور بها مع فضيلة الشيخ الحسين محمود الراعي مُدرس ورئيس قسم القرآن في معهد القرآن الكريم في ديترويت ميتشيغن في أمريكا، وهو إمام المركز الإسلامي في ديترويت؛ الشيخ الحسين حافظٌ ومجازٌ بأربع روايات، حفص، وشُعبة، وقالون، وورش، له خبرةٌ واسعة في تدريس القرآن الكريم، وفي الإمامة، والخطابة، والدعوة إلى الله تعالى في أمريكا . |
أهلاً وسهلاً بك فضيلة الشيخ الحسين. |
الشيخ الحسين :
حياكم الله دكتور رحابي، ونسأل الله أن يتقبل منك هذا الجهد, وأن يجعله في ميزان حسناتك بإذن الله, وأن يجعلنا عند حسن الظن بإذن الله رب العالمين . |
د. رحابي محمد:
الله يبارك فيكم؛ وشكراً لقبول الاستضافة، وأهلاً وسهلاً بك، دعنا نبدأ فضيلة الشيخ الحسين، كيف نتعامل مع القرآن الكريم ؟ |
كما نعلم أن القرآن الكريم فيه تلاوة، فيه حفظ، فيه فهم، فيه عمل، فيه أسسٌ كثيرة، فيه درجات، فيه مراحلٌ من التعامل، بدءاً من تعلم حروفه وتهجئتها، وتلاوتها، وتعلم أحكام التلاوة ، وإتقان أداء القرآن الكريم تجويداً، وكما تلقيناه عن شيوخنا، عن النبي صلى الله عليه وسلم ثم الفهم والحفظ، ثم العمل، دعنا نبدأ بهذا السؤال، كيف نتعامل مع القرآن الكريم؟ |
الشيخ الحسين :
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله سبحانك ربنا لا علم لنا إلا ما علمتنا انك أنت العليم الحكيم، أولاً جزى الله خيراً مرة ثانية الدكتور الرحابي على هذا اللقاء، أسأل الله تعالى أن يجعله في ميزان حسناته، وأن يتقبل منا سعينا أجمعين، وأن يجعلنا وإياكم من أهل القرآن الذين هم أهل الله وخاصته. |
تعامل الصحابة مع القرآن الكريم
نزل القرآن الكريم يا أخوة على الناس ليكون هادياً لهم، وليكون منهاجاً لهم في حياتهم، والذي ينظر إلى الفارق ما بيننا وبين الصحابة النبي صلى الله عليه وسلم وكيف تعاملوا مع القرآن الكريم، نجد أن الفراق شاسعٌ، هم كانوا يتعاملون مع القرآن وكانوا يرفعون شعاراً اسمه: |
سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ[سورة البقرة :285]
إذا نزلت آية على واحدٍ منهم، كان الواحدُ منهم يقرأ هذه الآية، ثم يحاول أن ينظر حاله معها وأن يرى حال أهل بيته مع هذه الآية، ويرفع هذا الشعار(سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ) ، كذلك شعارهم : |
وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا[سورة الأحزاب :36]
![]() |
وكان الصحابة يتعاملون مع القرآن كتعامل الجندي في المعركة مع القائد، فالجندي في المعركة مع القائد عينه على قائده، وهو يعرف أن القائد إذا أمره أن يتحرك يمنةً أو يسرةً - يميناً أو يساراً - فهو يعرف أن القائد لن يُضحي به، وأن القائد يحاول جاهداً أن يُنجيه من المعركة. |
المريض الذي كان يتعامل مع الطبيب، كان يعرف كذلك أن هذا الطبيب سيحاول أن يأخذ بيده إلى العلاج وإلى حيث شفائه، والجندي الذي يتعامل مع القائد كذلك يعرف أن القائد إنما همُّه أن يُنجيه من المعركة، وكذا الصحابة رضوان الله عليهم مع القرآن، كان الواحد منهم ينظر إلى الآية يعرف أن الله عز وجل أنه أحلَّ الأمر لعلةٍ يعلمها هو، وإنما حرم أمر لعلةٍ يعلمها هو، وأنا ما عليّ إلا أن أقول: (سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ). |
هذا هو الفارق بيننا وبينهم، الفارق أننا نسمع آيات كثيرة جداً من كتاب الله عز وجل، تُتلى فقط على الأذن ولكن دون أن يحاول الإنسان أن يتدبر معناها وأن يقف عند أوامرها وحدودها، والمشكلة أن ربنا سبحانه وتعالى لما عاب على أهل الكتاب فقال: |
لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ[سورة المائدة :78]
الله سبحانه وتعالى اختارهم وجعلهم شعبَ الله المختار وآتاهم، وأعطاهم، لكنهم ما الذي حدث؟ غيروا وبدلوا، ما الذي حدث؟ كانوا يعلمون أنه الحق، ومع ذلك يحاولوا أن لا يتبعوا هذا الحق. |
يقول لهم موسى عليه السلام مثلاً اذبحوا بقرةً وهم يعرفون، وما عليهم أن يُجادلوا ويُحاوروا موسى عليه السلام لكنهم يقولون: |
قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا هِيَ[سورة البقرة :68]
قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا لَوْنُهَا[سورة البقرة :69]
فهم يجادلون رغم أنهم يعرفون الحق ولا يريدون أن يتبعوه، قال الله عز وجل لهم قولوا حطةً فيدخلون ويقولون قولوا حنطة، الشاهد أن بني إسرائيل لما أعطاهم الله عز وجل هذا الكتاب وهو التوراة، ولم يعملوا بما فيها وصفهم الله عز وجل وصفاً شنيعاً في سورة الجمعة، عندما قال بسم الله الرحمن الرحيم : |
مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا[سورة الجمعة :5]
فالذي أوتيَ كتاباً ولم يحاول أن يطبق هذا الكتاب في حياته ويتخذه منهج عملٍ في حياته ربما انطبقت عليه هذه الآية. |
كيف تؤثر آيات القرآن الكريم بنا؟
د. رحابي محمد :
نعم بارك الله بك يا شيخ الحسين؛ ما شاء الله ، كما نفهم الآن أن القرآن الكريم نزل على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وتلقوه كما يتلقى المريض الدواء الشافي الناجع المفيد، تعاملوا معه كما ذكر الله عز وجل : |
وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ[سورة الإسراء :82]
شفاءٌ لأمراض القلوب، لأمراض العقول، لأمراض النفوس، لأمراض مراض الأخلاق، لأمراض المجتمع. |
نعم القرآن الكريم خاتمة الكتب السماوية مطبوعٌ بطابع الكمال والتمام، ومتوجٌ بتاج النور الذي لا يُرام: |
كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ[سورة هود :1]
ثم بمثل هذا الاختيار، ثم اختيار الأصحاب والأنصار الذين أحسنوا التعامل معه كما تفضلت فضيلة الشيخ الحسين، أحسنوا التعامل مع القرآن الكريم فارتقوا في سلم المجد والخلود، ونذكر أسماؤهم في سجلات النور والتاريخ. |
لذلك فالصحابة رضي الله عنهم تعاملوا مع القرآن الكريم تعامل المريض مع الطبيب، تلقوه من الله كرسالة لهم لإنقاذهم من الضلال إلى الهدى، من الظلمات إلى النور، من الفرقة إلى الوحدة، من الجهل إلى العلم. |
طيب؛ هل هناك نماذج يمكن أن نذكرها الآن في عجالة؟ كيف كان ينظر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ نحن نعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا قرأ القرآن يقرأه بطريقةٍ خاشعة بتفكر، حتى كان أحياناً لا يستطيع أن يمتلك دموعه من خشية الله تعالى، من تأثره بالقرآن الكريم، ماذا عن الصحابة رضي الله عنهم فضيلة الشيخ الحسين؟ |
الشيخ الحسين:
![]() |
لِّلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِن تُبْدُوا مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ اللَّهُ[سورة البقرة :284]
لما نزلت هذه الآية الصحابة رضوان الله عليهم شق ذلك عليهم، قالوا يا رسول الله كُلفنا من العمل ما لا نُطيق، يا رسول الله كُلفنا بالصلاة، وبالصيام، وبالصدقة، والحج، ويؤاخذنا الله عز وجل بما نتحدث به في صدورنا! فسبحان الله؛ فهموا هذا الفهم وأرادوا أن يُخلصوا أعمالهم لله عز وجل وأن لا يُقابلوا الله عز وجل وعليهم ذنوبٌ ومعاصي، فما كان من النبي صلى الله عليه وسلم إلا أن قال لهم أتريدون أن تكونوا كما فعل أهل الكتاب عندما قالوا: |
قَالُوا سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا[سورة البقرة :93]
بل قولوا: |
سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا[سورة البقرة :285]
فلما علم الله عز وجل صدق نية هؤلاء وحرصهم على أن تُتقبل أعمالهم وأن يكون فهمهم للآية فهماً صحيحاً نزل قوله تعالى: |
لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ[سورة البقرة :285]
نموذج لتأثر الصحابة بآيات القرآن الكريم:
سأضرب نموذجاً واحداً من هذه النماذج التي تعاملت مع القرآن تعاملاً عجيباً ألا وهو سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه. |
![]() |
وَلَا يَأْتَلِ أُوْلُوا الْفَضْلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ[ سورة النور :22]
انظر، سمى الله عز وجل بالقرآن ووصف سيدنا أبو بكر أنه أهل الفضل، وأولوا الفضل: |
وَلَا يَأْتَلِ أُوْلُوا الْفَضْلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ أَن يُؤْتُوا أُوْلِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ[ سورة النور :22]
لا يُقسم أحدٌ أن لا ينفق على هؤلاء، ثم خاطبه القرآن برفقٍ وقال له : |
وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ[ سورة النور :22]
يا أبا بكرٍ ألا تحب أن يغفر الله عز وجل لك؟ إن غفرت لمسطح ابن أثاثة، فتخيل أبو بكر ما فكر لحظةً، أو ما راجع نفسه، إنما قال بلى يا ربي، بل أحب أن يغفر الله عز وجل لي، ثم أقسم أن لا يُوقف النفقة على مسطح مرةً ثانية، فكم من الناس يتعرض لآيات كثيرةٍ جداً تمرُّ على مسامعه ولا يُحاول أن يقف منها هذه الوقفة التي وقفها أبو بكرٍ رضي الله عنه؟ |
د. رحابي محمد :
رضي الله عنه ؛ أحسنت؛ بارك الله بك فضيلة الشيخ الحسين، بصراحة قراءة سيرة الصحابة رضي الله عنهم وتأثرهم بالقرآن الكريم، وكيف كانوا وقّافين عند حدود الله، وقّافين عند آيات الله سبحانه وتعالى، هذه ربما تشحذ هممنا، بأن نقتدي بهم، أن نتعلم منهم، أن نستذكر كيف كانوا يقفون عند حدود الله، يأتمرون بأمر الله، يتجنبون ما نهاهم عنه امتثالاً لأمر الله تعالى، لأن هذا القرآن هو كتاب الله عز وجل فيه شفاء, فيه رحمة، فيه سلام، فيه خير، فيه بركة، فيه نجاح، فيه توفيق، لذلك سبحان الله قراءة القرآن الكريم تحتاج ربما إلى بعض النصائح، لأننا نقرأ فضيلة الشيخ الحسين، يعني أنت قارئ، أو مقرئ، ومعلمٌ للقرآن الكريم، ومعاهد القرآن الكريم كثيرةٌ في أمريكا، الحمد لله في أرجاء الأرض، وحفاظ القرآن كثر، وربما من تخرج نتيجته الأول على مستوى العالم في مسابقات دولية كثر من خريجين معاهد القرآن الكريم، ولكن السؤال الذي يلقي بنفسه أمام المفكرين وأمام الناس بشكلٍ عام، أين تأثير القرآن الكريم في حياة الناس ؟ يعني هذا الكم الهائل من حفاظ القرآن، من القراء، من المقرئين، ثم هل هناك نتائج لقراءتهم وتلاوتهم أم أن هناك اختصار الجهد الآن يبذل فقط على إتقان التلاوة ثم نكتفي بهذا القدر ولا نرتقي إلى مستوى الفهم مثلاً، ثم مستوى العمل، ثم مستوى الدعوة إلى الله عز وجل التي ذكر الله تعالى به: |
وَجَاهِدْهُم بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا[ سورة الفرقان :52]
يعني في القرآن الكريم دعوةً، علماً، تعليماً، السؤال الآن دورنا كيف نتعامل مع القرآن الكريم؟ كيف نرتقي إلى مستوى الصحابة والتابعين رضي الله عنهم في تعاملهم مع القرآن الكريم؟ كيف نجعل آيات الله مؤثرةً بنا؟ |
كيف نجعل آيات الله مؤثرةً بنا؟
الشيخ الحسين:
![]() |
أنا سأذكر مقولةً لسيدنا عبد الله ابن عمر رضي الله عنه في ما رواه البيهقي قال: لقد عشنا برهةً من دهرنا وأحدنا يؤتى الإيمان قبل القرآن، هم آمنوا بالنبي صلى الله عليه وسلم ولم يكن القرآن كله كاملاً يعني قد نزل بعد، فيقول فتنزل السورة على رسول الله صلى الله عليه وسلم فننظر أو نتعلم حلالها، وحرامها، وآمرها، وزاجرها، وما ينبغي الوقوف عنده، ثم هذه الكلمة لقد رأيت اليوم رجالاً يُؤتى أحدهم القرآن قبل الإيمان، همه أن يختم القرآن من الفاتحة إلى نهايته يعني أن يختم ما بين دفتي المصحف، وكما يقولون ينثره نثر البقر، يعني هو همه أن يختم القرآن دون أن يتدبر ما في داخله. |
يقول الطبراني: عجبت لمن يقرأ القرآن ويتلذذ به ولا يفهم معانيه، رجلٌ يحفظ القرآن بكامله وهو لا يُحسن مثلا ًأن يفعل شيئاً أمر القرآن به، أو ينتهي عن شيءٍ نهى القرآن عنه, إذا أردنا أن نحسن التعامل مع القرآن، ابن القيم يقول: إذا أردت أن تنتفع بالقرآن فاجمع قلبك عند تلاوته وسماعه، وألقِ سمعك، عندما يقول الله سبحانه وتعالى يا أيها الذين آمنوا استرق السمع فهو يتحدث معك ويخاطبك أنت، واحضر حضور من يخاطبه ربه، الله عز وجل يكلمك أنت، ثانياً انتبه أنه كلام الله عز وجل وليس كتاباً عادياً، فأنت لست تقرأ في قصةٍ أو في كتابٍ لمؤلفٍ ما، لكنك تقرأ كتاب الله عز وجل. |
فكرة تدبر آيةٍ كل يوم
![]() |
أنا أعرف من الناس من يأتي مثلاً كنت أحدث الناس لما يفتخر بعضهم، ويقول لقد ختمت ختمة، وختمتين وثلاثة فقلت له: ألك ختمة تدبر؟ فقال يا شيخ: لا، أنا أقرأ القرآن يا شيخ حسين أنت لا تريد أن أقرأ القرآن! فقلت له: لا أقرأ يا أخي ولكن دع لك آيةً واحدة فقط، لأن ربنا سبحانه وتعالى أبداً ما أنزل القرآن ليُتلى فقط، الدليل أننا نحن مسلمين وعرب إلا أن هناك من غير المسلمين ومن غير العرب من رزقه الله عز وجل فصاحةً يقرؤون القرآن وهم لا يفهمون معناه، فإذا كنا نحن العرب الذين أوتينا القرآن لا نفهم معناه! فما الفرق بيننا وبين غير العرب؟ فحريٌ بنا ونحن أهل القرآن وأهل اللغة العربية كلما قرأنا آيةً أن نقف عندها، حتى ولو آيةً واحدةً يومياً، يعني ارفع شعاراً اسمه: تدبر آية، آيةً واحدة فقط، وسترى إن شاء الله أنه ستغير حالنا كثيراً وما نحن فيه. |
د. رحابي محمد :
نعم ما شاء الله؛ لو خرجنا من هذا اللقاء بهذه الفكرة وبهذا البرنامج، برنامج تدبر آيةً كل يوم، يعني مع ستة آلاف آيةٍ في القرآن الكريم أو أكثر، أو نصف صفحة، أو سطرين أو ثلاثة تدبرهم ، أحياناً الآيات كلها تكون في محورٍ أو موضوع ٍواحد، تدبر. |
![]() |
{ خَيْرُكُمْ مَن تَعَلَّمَ القُرْآنَ وعَلَّمَهُ }
[ رواه البخاري وأبو داود والترمذي]
فجعلنا قسماً خاصاً لمنحهم شهادات أكاديمية، جامعية، دراسات عليا، لإتقانهم للقرآن الكريم، تلاوةً، وتجويداً، روايةً، ودرايةً، لكن نحن الآن في هذه الحلقة نركز على التعامل مع القرآن الكريم، يعني الدرجة الثانية بعد الدراية والرواية، كيف آخذ هذه الآيات وأطبقها على نفسي، كما فعل الصحابي لما جاء إلى النبي عليه الصلاة والسلام، قال: أوصني يا رسول الله ، فالنبي صلى الله عليه وسلم قرأ عليه سورة الزلزلة فلما بلغ: |
فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه[ سورة الزلزلة :8:7]
فقال: كفتني يا رسول الله، كفتني؛ كفتني؛ وخرج الرجل، ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: أفلح الإعرابي إن صدق، فنحن نريد أن نصّدق ولو مع آيةٍ واحدة. |
بين تدبر وحفظ القرآن الكريم:
الشيخ الحسين:
![]() |
د. رحابي محمد:
نعم؛ للقراء العاملين، نسأل الله تعالى أن يجعلنا من القراء العاملين، المخلصين، الصادقين، الطامعين في رحمة الله وكرمه وعطفه وإحسانه، إذاً تعامل الصحابة رضي الله عنهم في خلاصةٍ سريعة، تعامل الصحابة مع القرآن الكريم، سمعنا وأطعنا، تعامل الصحابة مع القرآن الكريم كأنه دواءٌ وشفاءٌ لما يحتاجونه في حياتهم الخاصة، وحياتهم العامة، في أسواقهم, وفي بيوتهم، مع الناس، مع الله سبحانه وتعالى، وهكذا، وقصصٌ كثيرة وذكرت مثال عن سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه، ألا تحبون؟ هذه الكلمة التي وقعت في قلب أبو بكر رضي الله عنه، فقال : بلى؛ نُحب يا رب، أن يعفو الله عنا، فغيّر من قراره الذي اتخذه، كثيرٌ من الناس سبحان الله شيخ حسين، يقرر، وأنا قررت، وأنا اتخذت قراراً، وأنا قلت كذا، وأنا أفعل، يا أخي هناك رأي: |
وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ[ سورة الأحزاب :36]
أين حظوظ النفس أمام القرآن؟ أين أهواء النفس التي ينبغي أن نتجنبها مقارنةً مع القرآن الكريم، أَجعلُ القرآن الكريم رسالة الله الخاصة لي، وبعد كل نداءٍ أين أنا، أعرض نفسي، ذكرت حضرتك ما قاله ابن القيم: أن يستجمع الإنسان قلبه وفكره ويستشعر أنه كلام الله سبحانه وتعالى، ويعرض نفسه على ما يقرأ، بعد يا أَيُّهَا الذين آمنوا، أين أنا من هذه؟ يا أَيُّهَا الناس أين أنا من هذه؟ يا بني آدم أين أنا من هذه؟ ثم النصيحة التي قدمتها لنا اليوم، أن نتدبر ولو آيةً كل يوم، وعلماء النفس يقولون، يعني دراسات علمية أن الإنسان لو بذل كل يومٍ واحداً بالمائة على جهدٍ معينٍ بعد فترةٍ قليلة سيرتقي إلى مستوى عالي جداً من الإبداع والإنجاز في هذا الميدان أو هذا الجانب الذي يُركز عليه، فكيف لو ركزنا على القرآن الكريم. |
كيف أَجعل القرآن رسالة الله الخاصة لي ؟
الشيخ الحسين:
![]() |
وإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا[ سورة البقرة :170]
فمثلاً إذا جاءك أحدهم وهو صاحب خلقٍ ودينٍ ولا تزوجه لابنتك مثلاً فأنت تقرأ القرآن كثيراً وتعرف أنك يجب أن تأخذ صاحب الخلق والدين، ثم لا تزوجه ابنتك، أنت عندك سوء فهمٍ مع القرآن، أو الذي مثلاً لا يُقيم الليل وهو يسمع مثلاً: |
يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ[ سورة المزمل :2:1]
أو الذي يقطع رحمه وهو يسمع: |
فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ[ سورة محمد :22]
أو الذي يأكل من مال غيره والله عز وجل يقول: |
لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ[ سورة النساء :29]
وكثيرٌ كثيرٌ من الآيات والأوامر من الله التي يسمعها الإنسان سبحان الله ليلاً ونهاراً ومع ذلك لا يتأثر بها ولا يحاول أن يعرضها على نفسه. |
د. رحابي محمد :
نسأل الله أن يبارك فيك يا شيخ الحسين, دعنا ننتقل إلى سؤالٍ نختم ربما به لقاءنا الطيب على مائدة القرآن الكريم، كيف نتعامل مع القرآن الكريم، لو يُحدثنا الشيخ حسين عن آيةٍ أو آياتٍ تؤثر فيه كثيراً، عن شيءٍ حصل معه تجاه القرآن الكريم حتى يكون لنا أيضاً ربما نموذجاً معاصراً إن شاء الله، الصحابة تعاملوا مع القرآن الكريم، ونرى أيضاً كثيراً من إخواننا، من أحبابنا حتى من أناسٍ يُصلون خلفك في المسجد فإذا تلوت أحياناً آياتٍ من القرآن الكريم في صلاتك، في التراويح، أو في العشاء، في الفجر، ترى البعض يتأثر لا يستطيع أن يتملك دموعه، عواطفه تجاه آياتٍ معينةٍ من القرآن، هذه الآيات تُباشر قلبه، تُباشر روحه، لو تحّدثنا بشيءٍ ولو قليل عن هذا الموضوع ثم نختم إن شاء الله. |
الشيخ الحسين:
سبحان الله دائماً الآية التي تقف معي، أو أرى فضل الله سبحانه فيها بسم الله الرحمن الرحيم |
قُلْ بِفَضْلِ ٱللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِۦ فَبِذَٰلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ[ سورة يونس :58
وكذلك قوله تعالى: |
ذَٰلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ[ سورة الجمعة :4]
ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء سبحان الله الأسبوع المنصرم هذا، والأسبوع الماضي ومع البلبة وأحداث كورونا، فوجئت بشابٍ نيجيريٍ كان يقرأ معي، ختم تقريباً معي حوالي ثلث القرآن فقط، ففوجئت به يتصل بي ويقول لي: يا شيخ حسين عندي خبرٌ سار، أريد أن أقابلك، فعلاً قابلته في المعهد، وإذا به يقول: يا شيخ الحمد لله لقد ختمت القرآن خلال شهرين فتذكرت الآية: |
ذَٰلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ[ سورة الجمعة :4]
فما الذي حدث؟ هو صلى في المسجد يحفظ كل يومٍ أربع أو خمس صفحاتٍ حتى انتهى من القرآن كاملاً، والله بعدها بيومٍ مباشرةً كذلك، وإذا بأختٍ من الباكستان تتصل بي وتقول لي يا شيخ حسين أبشر؛ بفضل الله عز وجل لقد انتهيت من القرآن، وأظنها قد حفظت أكثر من نصف القرآن خلال فترة كورونا في بيتها، وتذكرت قوله تعالى: |
ذَٰلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ[ سورة الجمعة :4]
![]() |
ذَٰلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ[ سورة الجمعة :4]
الخاتمة :
د. رحابي محمد :
نسأل الله تعالى أن يُكرمنا وإياكم بفضل الله الكبير العظيم الجليل، وإحسانه الذي لا ينقطع، وأن يديم علينا نعمه الظاهرة والباطنة، وأن يزيدنا منها، اللهم عرفنا نعمك بدوامها ولا تُعرفنا نعمك بزوالها، وكان فضل الله عليك كبيراً، نسأل الله تعالى أن يُكرمنا من فضله وكرمه وعطائه. |
فضيلة الشيخ حسين؛ لا يسعني في نهاية هذا المطاف، في هذه الدقائق المعدودات على مائدة القرآن الكريم، كيف نتعامل مع القرآن الكريم، بنصائح ما شاء الله ذهبية، نتعامل مع القرآن الكريم نتدبر آية، ولو في كل يومٍ، نعرض أنفسنا على الآيات التي نقرأها، جزاك الله خيراً فضيلة الشيخ حسين الراعي، المُدرس ورئيس قسم القرآن الكريم بمعهد القرآن الكريم بديترويت ميتشيغن في أمريكا، وإمام المركز الإسلامي في ديترويت، الحافظ والمجاز في رواياتٍ عديدةٍ في القرآن الكريم، نسأل الله تعالى أن يبارك لك وأن يزيد فضله عليك وأن ينفع بك وأن يُكرمك ويُكرم أهلك. |
الشيخ الحسين:
جزاك الله خيراً دكتور رحابي، سبحان الله؛ وليكن هذا البرنامج كبداية خيرٍ ينهل الناس منه إن شاء الله، ما بين من إن شاء الله يُخطط لأن يحفظ، ومابين من يُخطط أن يفتح القرآن ويقرأ قراءةً بطريقة مختلفة، البرنامج هذا حجةٌ على كل من يسمعه، فليس المقصد أن نتحدث مع أهل القرآن إلا لنأخذ منهم هذه الآيات والدروس، أظن إن شاء الله في كل لقاء من هذه اللقاءات كل واحدٍ منهم يخرج بدرسٍ سبحان الله؛ ليصبح حجةً على من يسمعه فأنا أركز ثانية: درسنا اليوم تدبر ولو آيةً كل يوم من كتاب الله، جزاكم الله خيراً مرة ثانية . |
د. رحابي محمد :
بارك الله فيكم؛ شكراً لكم إخواننا الكرام والمتابعين المشاهدين لهذه المشاركة والمتابعة، أسأل الله تعالى أن يجعل القرآن الكريم لنا جميعاً نوراً وهدايةً، وأن يكون حجةً لنا ونوراً في الدنيا وفي الآخرة، وأن يُكرمنا بحسن الانتفاع به، وحسن العمل به، وحسن الدعوة إليه، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته . |