دروس من الإسراء والمعراج 1

  • 2021-03-05

دروس من الإسراء والمعراج 1


مقدمة:
بسم الله الرحمن الرحيم؛ السَّلام عليكم ورحمة الله، الحمدُ لله، وصلى الله وسلم على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، اللهم علّمنا ما يَنفعنا، وانفعنا بما علّمتنا، وزدنا علّماً وعملاً وإخلاصاً يا رب العالمين، اللّهم أرِنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه وحَبّبنا فيه، وأرِنا الباطل باطلاً وارزُقنا اجتنابه وكرّهنا فيه يا رب العالمين، اللهم إنّا نَسألُك حُبك، وحُبَّ من يُحبك، وحُب عَملٍ صالحٍ يُقرّبُنا إلى حُبك يا أكرم الأكرمين.
إخواننا الكرام هذا الشَّهر شهر رجب، ومن المُناسب جداً أن نتحدث في سلسلة رياض الصَّالحين، أن نتعلَّم كيف يرى الصَّالحون من عِباد الله قصة الإسراء والمعراج؟ ماذا يستفيد الصَّالحون والأبرار، والأتقياء، وأحباب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ماذا يستفيدون من قصة الإسراء والمعراج؟ لا شك أنَّ قصة الإسراء والمعراج لها دروسٌ وعِبرٌ وعِظاتٌ كثيرة، وهي درسٌ لكل مؤمنٍ ومؤمنةٍ إلى يوم القيامة، ودروس الإسراء والمعراج لا تنتهي، وإن شاء الله اليوم سوف نبدأ بهذه الدُّروس وهي من سلسلة رياض الصَّالحين، ولكن ننظُر إلى الإسراء والمعراج بطريقةٍ أُخرى لِنستلهِمَ منها الدُّروس والعِبر، نبدأ على بركة الله يا شيخ محمد، بسم الله، اقرأ لنا ما تيسر من سورة الإسراء.

سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (1) وَآتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ أَلَّا تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلًا (2) ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا (3) وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا (4) فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولًا (5) ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا (6) إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا (7)
[سورة الإسراء]

جَزَاكَ الله خيراً يا محمد، وأَحسن الله إليك، ونَفع الله بك، وجَعلنا الله وإياك من أهل العِلم والقرآن آمين يا رب العالمين.

الإسراء والمعراج في القرآن الكريم:
الحمدُ لله وصلى الله على حبيبنا محمد رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين، في البداية طبعاً الجميع يَسمع عن الإسراء والمعراج، والجميع كُل سنة يسمع بذلك، أو قَرأ أو يقرأ سورة الإسراء، وما هي السُّورة الثَّانية التي تتحدث عن الإسراء والمعراج أيها الإخوة والأخوات؟ أحد يقول لي ما هي السُّورة الأُخرى التي تتحدث عن مُعجزة الإسراء والمعراج؟

مداخلة:
سورة النَّجم يا شيخ؟

الدكتور رحابي:
أحسنت نعم سورة النَّجم.
والله عزَّ وجل أنزل سورةً كاملةً واسمُها سورة الإسراء للإشارة وللتنبيه على أهمية الإسراء والمعراج، وضرورة أن نَتعلَّم منهُ القصص الكثيرة.

الثبات على الحق من دروس الإسراء والمعراج:
في البداية سوف أتكلم عن قصةٍ واحدةٍ أو درسٍ واحدٍ وهو الثَّبات على الحق والتزام المبدأ، سنتكلم اليوم عن التزام المبدأ والثَّبات على الحق، وكيف نتعلّمهُ من الإسراء والمعراج؟ وكيف طبّقهُ رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ وكيف طبَّقهُ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ ونحن كمُسلمين مؤمنين، ونرجو الله أن يجعلنا من الصَّالحين، كيف يرى الصَّالحون هذا المبدأ ويلتزمون به؟
كما تعلمون قبل رحلة الإسراء والمعراج ما الذّي حصل للنبي عليه الصلاة والسلام؟ أين ذهب في رحلةٍ محليةٍ في مكة وفي ضواحي مكة بعد أن يَئِسَ من أهل مكة، وأراد أن يُبلِّغ رسالة الله، إلى أين ذهب؟ تعرفون؟

رحلة النبي الكريم إلى الطائف:
نعم إلى الطَّائف، النَّبي صلى الله عليه وسلم ذهب إلى الطَّائف ليدعوا أهل الطَّائف إلى الإسلام وإلى هديِ النَّبي صلى الله عليه وسلم، الطَّائف بلدةٌ مُرتفعة، بلدةٌ عالية، أنا ذهبت إلى الطَّائف بلدة بالفعل مرتفعةٌ وعاليةٌ عن مكَّة المُكرّمة، من كان معهُ في تلك الرِّحلة إلى الطَّائف؟ كان معهُ زيد بن حارثة، الآن حصلت الإسراء والمعراج بعد الطَّائف وبعد أن قدّم له أهل الطَّائف نَموذجاً سلبياً في التّعامُل مع النّور النَّبوي والإلهي، وبعد أن لقيَ ما لقيَ من أهل مكة، فالطائف بلدةٌ مُرتفعةٌ وذهب معهُ زيد ابن حارثة، الآن ننظر إلى رحلة الإسراء والمعراج فهي مُرتفعةٌ حيث عُرِجَ بالنبي صلى الله عليه وسلم للسماوات السَّبعْ حتى يُعوِّضهُ عن بلدة الطَّائف العالية المُرتفعة، فالله عز وجل عوّضه خيراً من بلدة الطَّائف، يعني هذه إشاراتٌ لطيفةٌ مُمكن أن نستلهمها الآن بشكلٍ سريعٍ قبل أن ندخُل إلى موضوعنا وهو التزام المبدأ والثَّبات على الحق.
الأمر الثاني سيدنا زيد ابن حارثة كان معهُ كصديقٍ في هذه الرِّحلة، رحلة الطَّائف، كان رفيقهُ في هذه الرِّحلة، لكن في رحلة الإسراء والمعراج من كان مُرافق النَّبي صلى الله عليه وسلم؟ كما تعلمون سيدنا جبريل عليه السَّلام كان هو مرافق للنبي عليه الصَّلاة والسَّلام.
أهل الطَّائف أغلقوا أبوابهُم دون رسول الله صلى الله عليه وسلم، أهل الطَّائف طردوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، أما السَّموات السَّبع فقد فتّحَت أبوابها لاستقبال النَّبي صلى الله عليه وسلم ورحّبت به الملائكة، ورحّبَ به أنبياء الله سُبحانه وتعالى ورسُله أليس كذلك؟ إذاً هذه ثلاث إشاراتٍ سريعةٍ قبل أن نلِج إلى قضية الثَّبات على الحق والتزام المبدأ.

قصة ماشطة ابنة فرعون:
دعونا الآن أيها الإخوة الكرام والأخوات ندّخل إلى الحديث الذي يرويه النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه سعيد ابن الجُبير:

{ عَنِ ‏‏ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما ‏‏قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ‏‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (‏ ‏لَمَّا كَانَتْ اللَّيْلَةُ الَّتِي ‏‏أُسْرِيَ ‏‏بِي فِيهَا، أَتَتْ عَلَيَّ رَائِحَةٌ طَيِّبَةٌ، فَقُلْتُ: يَا ‏جِبْرِيلُ،‏ مَا هَذِهِ الرَّائِحَةُ الطَّيِّبَةُ؟ فَقَالَ: هَذِهِ رَائِحَةُ ‏‏مَاشِطَةِ ابْنَةِ فِرْعَوْنَ ‏‏وَأَوْلادِهَا، قَالَ: قُلْتُ: وَمَا شَأْنُهَا؟ قَالَ: بَيْنَا هِيَ تُمَشِّطُ ابْنَةَ ‏‏فِرْعَوْنَ ‏‏ذَاتَ يَوْمٍ، إِذْ سَقَطَتْ ‏‏الْمِدْرَى ‏‏مِنْ يَدَيْهَا، فَقَالَتْ: بِسْمِ اللَّهِ، فَقَالَتْ لَهَا ابْنَةُ ‏ ‏فِرْعَوْنَ:‏ ‏أَبِي؟ قَالَتْ: لا، وَلَكِنْ رَبِّي وَرَبُّ أَبِيكِ اللَّهُ، قَالَتْ: أُخْبِرُهُ ‏‏بِذَلِكَ! قَالَتْ: نَعَمْ، فَأَخْبَرَتْهُ، فَدَعَاهَا فَقَالَ: يَا فُلانَةُ؛ وَإِنَّ لَكِ رَبًّا غَيْرِي؟ قَالَتْ: نَعَمْ؛ رَبِّي وَرَبُّكَ اللَّهُ، فَأَمَرَ بِبَقَرَةٍ مِنْ نُحَاسٍ فَأُحْمِيَتْ، ثُمَّ أَمَرَ بِهَا أَنْ‏ ‏تُلْقَى هِيَ وَأَوْلادُهَا فِيهَا، قَالَتْ لَهُ: إِنَّ لِي إِلَيْكَ حَاجَةً، قَالَ: وَمَا حَاجَتُكِ؟ قَالَتْ: أُحِبُّ أَنْ تَجْمَعَ عِظَامِي وَعِظَامَ وَلَدِي فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ وَتَدْفِنَنَا، قَالَ: ذَلِكَ لَكِ عَلَيْنَا مِنْ الْحَقِّ، قَالَ: فَأَمَرَ بِأَوْلادِهَا فَأُلْقُوا بَيْنَ يَدَيْهَا وَاحِدًا وَاحِدًا إِلَى أَنْ انْتَهَى ذَلِكَ إِلَى صَبِيٍّ لَهَا مُرْضَعٍ، وَكَأَنَّهَا تَقَاعَسَتْ مِنْ أَجْلِهِ، قَالَ: يَا ‏‏أُمَّهْ؛‏ ‏اقْتَحِمِي فَإِنَّ عَذَابَ الدُّنْيَا أَهْوَنُ مِنْ عَذَابِ الْآخِرَةِ، فَاقْتَحَمَتْ )قَالَ ‏‏ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: ‏تَكَلَّمَ أَرْبَعَةُ صِغَارٍ: ‏‏عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ ‏‏عَلَيْهِ السَّلام،‏ ‏وَصَاحِبُ ‏جُرَيْجٍ،‏ ‏وَشَاهِدُ ‏‏يُوسُفَ ‏، ‏وَابْنُ ‏مَاشِطَةِ ابْنَةِ فِرْعَوْنَ }

[ رواه أحمد، والطبراني، وابن حبان، والحاكم]

طيب ماذا نتعلّم من هذه القصة التي رُويت لرسول الله صلى الله عليه وسلّم في ليلة الإسراء والمعراج؟ لمّا هبَّت عليه نَسمةٌ ورائحةٌ طيبةٌ سأل عنها ما هذه الرَّائحة؟ قالوا هذه رائحة ماشطة ابنة فرعون، وقصَّ عليه سيدنا جبريل قصة ماشطة ابنة فرعون، النَّبي صلى الله عليه وسلم ما كان يعلم هذه القصص الغيبية، هذه القصة التي رُويت للنبي صلى الله عليه وسلم وأُوريها ولمَسَ وشمَّ رائحة هذه الطَّيب ليتعلّم مبدأ الثَّبات على الحق والتزام المبدأ، وعدم التَّنازُل عن الإيمان مهما كانت المُغريات.
كيف طبّق النَّبي صلى الله عليه وسلم هذا الحديث؟ طبّقُه قبل الإسراء والمعراج وطبّقُه بعد الإسراء والمعراج أكثر وأكثر في حياته صلى الله عليه وسلم، والأمثلة على ذلك كثيرةٌ جداً، يعني لو أردنا الآن نسألكُم واحداً واحداً أعطونا أمثلةً عن الثَّبات على الحق عند النَّبي عليه الصّلاة والسَّلام، ستروون أحاديث كثيرةً صحيح؟

الطلب الذي قدمه أبو طالب للنبي صلَّى الله عليه وسلَّم:
لكن مُمكن نروي الآن حديث واحد يرويه ابن اسحق يقول: حدَّثني يعقوب ابن عُقبة ابن المُغيرة ابن الأخنس يقول: يُحدّثه أنّ قُريشاً حين قالوا لأبي طالب، المقالة التي بعثوها لرسول الله عليه الصَّلاة والسَّلام، وطَلبوا منهُ أن يترُك هذا الأمر -الرسالة والدَّعوى- فقالوا لأبي طالب المقالة وبعَثَ إلى رسول الله عليه الصَّلاة والسَّلام وقال له: يا ابن أخي أبو طالب يُنادي ابن أخيه النَّبي صلى الله عليه وسلم إن قومك قد جاءوني فقالوا لي كذا وكذا، طبعاً ماذا قالوا عنه؟ قالوا إنَّ ابنك يُسفّه آلهتنا، ابنك يفعل، ابنك جاء بدينٍ جديد، ابنك.. اِنْهَ ابنك، اِحمِ ابنك وإلا سوف يُؤذى، فأبو طالبٍ يقول لسيدنا النَّبي صلى الله عليه وسلم فأبقِ عليَّ وعلى نفسك، يعني ارحمني وارحم نفسك، خفف عني لا تُحرجني، يكفي إحراجاً وإزعاجاً لأهل مكة، يكفي كذا. فأبقِ عليَّ وعلى نفسك، ولا تُحملّني من الأمر ما لا أُطيق، أنا بصراحةٍ لم أعُد أحتمل، كُل يومٍ يوجد شكوى، وفدٌ من أهل مكة ومن صناديد كُفار مكة، يَطلبون مني أن أوقفك وأن أتكلم معك، قال: فظنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قد بدا لعمه فيه بدا، و أنه خاذِلُه وأنه مُسلمه وأنه قد ضَعُفَ عن نصرته والقيام معه، النَّبي صلى الله عليه وسلم جاءه هذا الظَّن أنّ الآن عمه أبو طالب سوف يتخلَّى عنه كما تخلى عنه أبو لهب، وكما تخلَّى عنه أبو جهل، وكما تخلَّى عنه صناديد أهل مكة، فأيضاً أبو طالب أصابته العدوى منهُم وسوف يترُكني ويلحق بركبهُم، فقال النَّبي صلى الله عليه وسلم، أتعرفون ماذا قال النَّبي صلى الله عليه وسلم؟ من يُذكّرني ماذا قال النبي صلى الله عليه وسلم؟ ماذا قال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي طالب في تِلك اللحظة؟

مداخلة:
والله لو وضعوا الشَّمس في يميني والقمر في شمالي؟

الدكتور رحابي:
أحسنت نعم صحيح، قال: والله يا عمَّاه لو وضعوا الشَّمس في يميني، والقمر في يساري على أن أترُك هذا الأمر حتى يُظهرهُ الله أو أهلِكَ فيه ما تركتُه، ما أترُك هذا الأمر لو وضعوا الشَّمس في يميني والقمر في يساري.
ما معنى الشَّمس في يميني والقمر في يساري؟ يعني لو ملّكوني الدُّنيا وما فيها، ولو ملّكوني السَّموات والنُّجوم، يعني كما يُقال اطلب كلَّ شيءٍ إلا نجمةً في السَّماء لا أستطيع أن أُعطيك إياها.
النَّبي صلى الله عليه وسلم قال: لو أنَّهم أعطوني وملّكوني الشَّمس، وملّكوني القمر، وكان عندهم القُدرة على ذلك والقُدرة على أن يُعطوني أموال الدُّنيا وما فيها لن أترُك ذلك، طبعاً النَّبي صلى الله عليه وسلم عندما قال هذه الكلمة جاءتهُ العبرة ودَمِع، بكى بُكاء الحُب لله والخَشية على هؤلاء النَّاس، بكى بُكاء العاطفة، الحنان، بُكاء الرَّحمة لهؤلاء النَّاس، كان طريق النّبي صلى الله عليه وسلم في دِلالة الخلق على الله وتعريفهم بالله سبحانه وتعالى وتَنوير طريقهم ودربهم ليرَوا أمامهُم وليروا الخير والشَّر فيختاروا الخير، كيف أنهُم اختاروا الطريق الأسوأ والطّريق الذي يُورِدُهم المهالك، بكى النَّبي عليه الصَّلاة والسَّلام يعني كيف أنا أمضي وكيف هؤلاء يمضون! هذه أول قصة.
فهل النبي صلى الله عليه وسلم استفاد من مبدأ الثَّبات على الحق والتزام المبدأ؟ وهل تعلّم ذلك الدَّرس؟ وهل استمر وثبت على ذلك الدَّرس الذي تقوَّت به عزيمته في ليلة الإسراء والمعراج، من قصة ماشطة ابنة فرعون؟ نعم إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم في كُل خطوةٍ خطاها، وفي كل كلمةٍ قالها صلى الله عليه وسلم في مكَّة المُكرّمة مع أهل مكَّة، مع كُفّار مكَّة، مع مُشركي مكَّة كانت تعكِس وتُظهر هذه القيمة وهذا المبدأ الثَّبات على الحق عند النَّبي صلى الله عليه وسلم.

عرض الوليد بن المغيرة للنبي صلَّى الله عليه وسلَّم:
تعالوا نسمع قصةً ثانيةً في الثَّبات على الحق عند النَّبي صلى الله عليه وسلم وهي قصةٌ رُبما تعرفونها، ولكن دعونا نربِط الأحداث ببعضها، هذا حديثٌ واحد، عندنا أحاديث كثيرةٌ في الإسراء والمعراج، ودروسٌ كثيرة، هذا حديثٌ واحدٌ نأخذ منهُ كيف النَّبي صلى الله عليه وسلم طبّقُه في حياته؟
قصة الوليد ابن المُغيرة لمّا جاء إلى النَّبي صلى الله عليه وسلم يقول ابن إسحاق: حدّثني ابن زياد، ومحمد بن كعب القُرظي قال: حُدِّثتُ أنّ عُتبة ابن ربيعة وكان سيداً -عتبة ابن ربيعة كان سيداً من سادات مكة- قال يوماً وهو جالسٌ في نادي قريش، جالساً مع جماعة قريش عند الكعبة المُشرّفة، وكانوا يجلسون حول الكعبة أو في زاويةٍ من زوايا المسجد الحرام، ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالسٌ في المسجد وحدهُ، قال عُتبة ابن ربيعة: يا معشر قُريش ألا أقوم إلى محمدٍ فأكلّمُه وأعرض عليه أموراً لعلّه يقبل بعضها فنُعطيه أيها شاء ويَكُفّ عنّا، دعونا نذهب ونعرض عليه ونتفاوض معه، والتَّفاوض عادةً يكون بتقديم أشياءٍ والتَّنازُل عن أشياء، دعونا نُقدّم له الكثير، نُعطيه أيُها شاء ويَكُفّ عنّا، دعوه يَكُفّ عنّا ويترك عنا هذه الدَّعوة وهذا الأمر الذي جاء به من عند الله سبحانه وتعالى، طبعاً لماذا قالوا ذلك؟ بعد أن رأوا سيدنا حمزة بن عبد المُطلب أسلم، وبعد أن رأوا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يزيدون ويكثرون، فقالوا: بلى يا أبا الوليد -عُتبة ابن ربيعة- قُم إليه فكلّمهُ، فوضناك ووكلناك، قُم وكلّمهُ بما تشاء واعرض عليه ما تشاء من الأمور بحيث أنه يتنازل عن هذا الأمر ويَكُفّ عن دعوته ولا يزداد عدد المُسلمين وعدد النَّاس المُتبّعين له صلى الله عليه وسلم.
قام عُتبة حتى جلس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: يا ابن أخي إنك مِنّا حيثُ عَلِمتَ من السَّطوة في العشيرة والمكان في النَّسب، وإنك قد أتيت قومك بأمرٍ عظيم فَرّقت به جماعتهُم وسَفَّهت به أحلامهُم وعِبتَ به آلهتهُم ودينهم وكفرّت به من مضى من آبائِهم، أتيت بأربع أمور، سَفَّهت أحلامهُم، فَرَّقت جماعتهُم، وعِبّت على الآلهة التي يعبدوها، وقلت أنَّ ما مضى من الآباء الذّين يعبدون الأصّنام والأوثان هؤلاء لا يعقِلون ولا يَهتدون سبيلاً، فاسمَع مني يا مُحمد أعرض إليك أُموراً تَنظر فيها لعلّك تقبل منها بعضها.

تعامل النبي صلَّى الله عليه وسلَّم مع من يُخالفه:
قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قُل يا أبا الوليد أسمَع، انظروا إلى الأدب النَّبوي، انظروا إلى أدب رسول الله وأخلاق رسول الله مع المُخالف، مع الأعداء، مع من يُخالفه في الرَّأي، قال له: هو اسمه عُتبة ابن الربيعة، ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم ناداه بكُنيته يا أبا الوليد تكريماً لأنه هو أسنُّ منه صلى الله عليه وسلم، هو أبو الوليد أكبر من النَّبي عليه الصَّلاة والسَّلام وهو زعيمٌ في قومه، والنَّبي عليه الصَّلاة والسَّلام أرادَ أن يُظهر احترامهُ لهذا الرَّجُل ولمكانتهِ، وقد جاءهُ يتحدَّث معه بأدبٍ قال له: جِئتُ إليك أعرضُ عليك أموراً فانظُر فيها، قال له: قل يا أبا الوليد أسمَع، فماذا قال أبو الوليد؟ قال: يا ابن أخي، أيضاً كلمةٌ فيها لُطفٌ من أبو الوليد واحترامٌ وأدبٌ بعد أن سَمِع من النَّبي صلى الله عليه وسلم كلمة أدبٍ وخيرٍ لمَّا قال له يا أبا الوليد قل أسمع، أنا أسمعُك تفضّل، قال: يا ابن أخي إن كُنت إنما تُريدُ بما جِئت به من هذا الأمر مالاً! جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالاً، تُريد مالاً سَنُعطيك أموال أهل مكّة كلها وتكون أكثرنا ثراءً، وتكون أكبر مليونيرٍ في مكَّة، لا يوجد أحد أثرى وأغنى منك بالنِّسبة للمال، وإن كنت تُريد به شَرفاً سوّدناك علينا حتى لا نقطع أمراً دونك، وإذا كنت تُريد أن تُصبح زعيماً وقائداً ورئيساً وأميراً في مكَّة، مَلكاً في مكَّة، نُسوّدك علينا، نجعلك سيداً، نُعطيك المنصب والمُسمّى الذّي تُريده بحيث لا نَقطع أمراً دونك، كُل أَوامر الحَرب، والسلم، والعَطاء، والاأخذ، والبِناء، والصِلة، والقَطع كُله يكون من وراء أمرك ومَشورتك، هذا الأمر الثاني، وإن كنت تُريد به مُلكاً ملّكناك علينا أيضاً نفس الأمر، إذا كُنت تريد سيادةً أو مُلكاً بمعنى واحدٍ ولكن شيءٌ أعمُّ من شيء، السِّيادة رُبما سيد في قومه أما الملِك يعني يملك مكَّة وأهلها، وإن كنت تُريد مُلكاً مَلّكناك علينا، أكثر من ذلك؟ وإن كان هذا الذّي يأتيك رِئياً تَراه لا تستطيع ردّهُ عن نفسك طلبنا لك الطِّب وبذلنا فيه، يعني نُحضر لك إذا كان لديك مرضٌ أو مَسٌّ من الجِن نطلب لك الطّب ونعالجك ولا نَدَّعُ سوء يُصيبك، لا نَدع الشيطان يُصيبك، أو لا نَدع الجن، أو لا نَدع شيئاً مما نستطيع ردّهُ ومما نستطيع علاجه إلا وقدَّمناه، ونُحضر لك الطّب من كلِّ مكانٍ حتى يُداوى منه.

استماع النبي الكريم لعروض الوليد بن المغيرة:
إذاً قدَّم له هذه العروض، وهذه الإغراءات، وهذه الأموال، وهذه المَناصب، وحتى العِلاج، وحتى الأدوية إذا كان بالفعل مُحتاجاً إلى دواء، حتى إذا فرَغَ عُتبة ورسول الله صلى الله عليه وسلم يستمع إليه، لمّا انتهى من كلامه ومن عُروضه ومن هذه الإغراءات ومن هذه الأشياء التي يُقدمُها، ويظن هؤلاء النَّاس أنَّ النَّبي عليه الصَّلاة والسَّلام إنما جاء يَطلب دُنيا ولا يعلمون أنه جاء يُخلّصهُم من أوحال الدُّنيا وشَهوات الدُّنيا، إلى مراقي ومدارج السَّماوات وإلى مدارج العُلا يرتقون بها في جنات الفِردوس.
قال أفرغتَ يا أبا الوليد، لما رأى عتبة انتهى من الكلام وسكت، قال له: أفرغت يا أبا الوليد؟ هل انتهيت هل يوجد شيءٌ آخر، أتريد أن تضيف شيئاً؟ قال: نعم انتهيت، انظر الأدب النَّبوي، النّبي صلى الله عليه وسلم ليس من أول كلمةٍ رأى منه هذا العرض التّافه قاطعه، لا النَّبي لم يُقاطعه، مع أن أبو الوليد قدَّم له أشياءً وعروضاً كثيرة، ولكن هذه العُروض في نظر النَّبي وفي نظر النُّبوة وفي نظر السَّماء هذه عروضٌ دنيويةٌ تافهةٌ لا تستحق، لكن النَّبي مع ذلك عليه الصَّلاة والسَّلام استمع له حتى انتهى من كُل هذه العُروض، رُبما كان لو عنده عشر عروضٍ أُخرى كان النَّبي سيستمع، عنده الصَّبر وهذه المهارة يجب أن نستمعها.
والله تستغرب أحياناً من بعض الإخوة لا يوجد عندهم صبر يتحمل يسمع جُملتين فقط أو جُملةً واحدة، تبدأ بالحديث وقبل أن تنتهي يُقاطعك، طيب أنا لم أقف وما زلت أتكلم، وإذا وقفت لآخذ نفساً، وليست هذه فرصةٌ لك لتقاطعني وتأخذ الحديث، هذه بمجالسنا يجب أن نتعلّم، وأن نستفيد من أدب النُّبوة أدب المُجالسة وأدب الحديث، تجد الآخر يقول له اصبر عليَّ لم أُكمل، كم نسمعُها في مجالسنا! دَعني أُكمل لم أُكمل، هذه الكَلمة كم نسمعها؟ النّبي صلى الله عليه وسلم ما كان يُحوج مُحدّثهُ ليقول له انتظر واسمعني وانتظرني أكثر من ذلك، لم أُكمل، لو سمحت لي وأعطيتني فُرصةً لشرحت لك ولكن أنت استعجلت.

جواب الرسول صلى الله عليه وسلم على عرض الوليد بن المغيرة:
فالنبي صلى الله عليه وسلم قال أفرغت يا أبا الوليد؟ قال: نعم، قال فاسمع مني، هل تسمع لي: قال نعم، أفعل، فالنبي صلى الله عليه وسلم ما تكلّم بشيءٍ من كلام البشر، إنّما قرأ عليه أوائل سورة فُصّلت:

حم (1) تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (2) كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (3) بَشِيرًا وَنَذِيرًا فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ (4) وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ (5)
[سورة فصلت]

النَّبي عليه الصَّلاة والسَّلام قرأ صَدر سورة فُصّلت، ومضى رسول الله عليه الصّلاة والسَّلام يقرأُها، فلّما سمِعَها منه عُتبة أنصت إليها وألقى يديه خلف ظهره معتمداً عليهما يسمع منه، يعني استمتع بالقراءة وجلس وأعطى أُذنه وسمعهُ وانتباههُ لِما يَقرأه صلى الله عليه وسلم، فلّما انتهى عليه الصَّلاة والسَّلام إلى السَّجدة- فيها سجدة- سجد النَّبي صلى الله عليه وسلم، ثم قال: قد سمعت يا أبا الوليد ما سمعت فأنت وذاك، كما أنت سمعتني وأعطيتني كلامك، هذا كلامي وهذا كلام الله عز وجل فقرأتهُ عليك فأنت وذاك، فقام عُتبة إلى أصحابه فقال بعضهُم لمّا رأوا عُتبة قادماً إليهم قال بعضهُم لبعضٍ نحلفُ بالله لقد جاءكُم أبو الوليد بغير الوجه الذّي ذهب به، لقد عاد بوجهٍ آخر غير الوجه الذّي ذهب به، لمّا جلس إليهم قالوا له: أخبرنا يا أبا الوليد ماذا حدث معك؟ ما وراءك يا أبا الوليد؟ قال ورائي أني قد سمِعتُ قولاً والله ما سمِعتُ مثلهُ قط، والله ما هو بالشِّعر، ولا بالسحر، ولا بالكِهانة، يا معشر قُريش أطيعوني واجعلوها بي، يا قوم خلّوا بين هذا الرَّجُل وبين ما هو فيه فاعتزِلوه، اتركوه والأمر الذي جاء به ولا شأن لكُم، والله ليكوننَ لقولهِ الذّي سمِعتهُ منه نباٌ عظيم، يعني الكلام الذي يَتكلمهُ والقراءة التي قرأها ليس من البشر، وكلامه ليس من كلام الإنسان، ولا من الشُّعراء، ولا من الكَهَنَة، ولا ..
فإن تُصبهُ العرب إذا آذاه أحدٌ من العرب من القبائل حول مكَّة تكونوا أنتُم كُفيتُم أمره بغيركُم، يعني أنتُم لا لست بحاجة للدخول في مُشكلةٍ مع قبيلته ومع أهله، أهل بيته، ومع بني هاشم، وإن يظهر على العرب فمُلكه مُلككُم، وعزهُ عزكُم وكُنتم أسعد النَّاس به، والله هذه الكلمة قالها بحق، فملكُه مُلككُم وعزهُ عزكُم وكُنتم أسعد النَّاس به، لكن الشَّقي من حرمهُ الله، يقولوا المنحوس منحوس ولو وضعوا فوق رأسه مئة فانوس، أعمى البصيرة، نسأل الله أن لا يُعمي بصائرنا:

أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَٰكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ (46)
[سورة الحج]

فمُلكُه مُلككُم، وعزه عزكُم وكُنتم أسعد النَّاس به، اسمعوا مني هذه كلمة حقٍّ من إنسانٍ حكيمٍ، من إنسانٍ عاقلٍ في تلك اللَّحظة، أنطقهُ الله عز وجل ورأى الخير عند رسول الله عليه الصَّلاة والسَّلام، قالوا له: سحرَك والله يا أبا الوليد بلسانه، سحَرك والله، هذا سحر، قال: هذا رأيي فاصنعوا ما بدا لكُم، هذا عبارةٌ عن رأيٍ لا أقول لكُم شيء آخر، إذا كان عندكُم رأيٌ آخر فافعلوا لكن هذا رأيي.
أنا لا أريد أن أُطيل عليكم أيُها الإخوة، مضى أربعون دقيقةً الآن على اللّقاء ولكن هذه قصةٌ ثانيةٌ عن النَّبي صلى الله عليه وسلم في ثباته على الحق، تتخيلون لو أن إنساناً آخر مهما كان في الدُّنيا هذه تأتيه هذه العروض الأربعة يُملّك، ويُؤتى من المال ما شاء، ويُسوّد على النَّاس وعلى قبيلته، أو إذا كان يحتاج إلى طبٍ وعلاجٍ وبدون تأمينٍ صحي وإنما يُكلّف القبيلة والمدينة تدفع له ثمن العلاج إذا كان يحتاج إلى علاج، ما رفَّ له جفن وما اهتزّت له شعرةٌ حُباً ورغبةً في هذه الدُّنيا التي قدّموها له.
ألا يدعونا ذلك أن نكون ثابتين على الحق أمام هذه الدُّنيا وما فيها، أمام الحرام، نحن كمُسلمين أمام الشَّهوات، أمام الأشياء التي تأتينا، أمام الحرام عن اليمين وعن الشّمال، من الأمام ومن الخلف، دائماً يُحاط المُسلم بفِتنٍ كثيرة، أين هذا الثَّبات الذّي نتعلّمهُ من النَّبي صلى الله عليه وسلم، أين النَّاس الذّين يبحثون عن فتاوى لتُبيح لهُم فعل الحرام، عن فتاوى تُبيح لهُم أكل الحرام، أناسٌ يبحثون عن فتاوى تُبيح لهُم الظُّلم، تُبيح لهُم مُعاملاتٍ ما أنزل الله بها من سُلطان ولا تجوز، ولا يحقُّ لمُسلمٍ أن يَمضي بها أو يوقّع عليها، كيف لهؤلاء؟ ألا يحق لنا أن نقتضي بهذا النَّبي صلى الله عليه وسلم الذّي هو رحمة الله للعالمين، الذّي هو رحمةٌ لنا، هو الذّي يُساعدنا ويُنير لنا طريقنا، ويُنَّور لنا دربنا حتى نسعد به في الدُّنيا ونسعَد به في الآخرة.

تعلُّم الصحابة لمبدأ الثبات:
لعلّي أذكر لكم القصة الأخيرة في هذا المقام عن خباب بن الأرت حتى نرى فقط كيف أن الصَّحابة أيضاً تعلّموا مبدأ الثَّبات، والنَّبي صلى الله عليه وسلم كان موضوع الثَّبات على الحق، والثَّبات على الدِّين، والثَّبات على محبة الله، والثَّبات على سُنّة رسول الله عليه الصَّلاة والسَّلام، الثَّبات على الخير مُتأصلاً فيهم وسارياً في دمائهم وعروقهم.
خباب بن الأرت رضي الله عنه، جاء إلى النَّبي صلى الله عليه وسلم يشكو ظُلم قريش:

{ عنْ أبي عبدِ اللَّهِ خَبَّابِ بْن الأَرتِّ قَالَ: شَكَوْنَا إِلَى رسولِ اللَّهِ ﷺ وَهُو مُتَوسِّدٌ بُردةً لَهُ في ظلِّ الْكَعْبةِ، فَقُلْنَا: أَلا تَسْتَنْصرُ لَنَا أَلا تَدْعُو لَنَا؟ فَقَالَ: قَد كَانَ مَنْ قَبْلكُمْ يؤْخَذُ الرَّجُلُ فيُحْفَرُ لَهُ في الأَرْضِ فيجْعلُ فِيهَا، ثمَّ يُؤْتِى بالْمِنْشارِ فَيُوضَعُ علَى رَأْسِهِ فيُجعلُ نصْفَيْن، ويُمْشطُ بِأَمْشاطِ الْحديدِ مَا دُونَ لَحْمِهِ وَعظْمِهِ، مَا يَصُدُّهُ ذلكَ عَنْ دِينِهِ، واللَّه ليتِمنَّ اللَّهُ هَذا الأَمْر حتَّى يسِير الرَّاكِبُ مِنْ صنْعاءَ إِلَى حَضْرمْوتَ لاَ يخافُ إِلاَّ اللهَ والذِّئْبَ عَلَى غنَمِهِ، ولكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ }

[رواه البخاري]

هذا الحديث عند الإمام البُخاري وأبو داوود والنَّسائي وأحمد رضي الله عنهم أجمعين، يروون هذا الحديث لنتعلّم منه الثَّبات على الحق، وكيف أن الصَّحابة رضي الله عنهم سمعوا من الرسول عليه الصَّلاة والسَّلام ويقول لهم لكنكم تستعجلون، الاستعجال في الدُّنيا، الدُّنيا كم سنعيش فيها؟ مئة سنة، مئتي سنة، خمسمئة سنة، ألف سنة! وبعد ذلك، هل يوجد أحد عمّر أكثر من مئة وخمسين سنة؟ يعني الآن في الأخبار يقولون أن فُلانةً عاشت مئةً وتسع سنوات, فُلانٌ مئةً وسبع سنوات! يعني أكثر من مئة سنة، مئةً وعشرين سنة، مئةً وثلاثين سنة، من سيعيش منا هذا العُمر؟ ولكنكم تستعجلون، هذا الاستعجال على شيءٍ فانٍ على شيءٍ يمضي سريعاً وليس بعد حين بعيد، الدُّنيا فانية، والآخرة قادمةٌ وآتيةٌ لا مَحالة وبشكلٍ سريع، فلذلك لا نَستعجل الفاني، ونُفضّل الفاني على الباقي، فما عند الله خيرٌ وأبقى:

وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ ۖ وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (32)
[سورة الأنعام]

نسأل الله تعالى أن يجعلنا وإياكُم ممن يستمعون القول فيتّبعون أحسنه وأن يجعل القرآن العظيم، وآيات سورة الإسراء نوراً لنا في ديننا ودُنيانا، نوراً لنا في حياتنا، نوراً لنا في معاشنا، نوراً لنا في أعمالنا، في وظائفنا حتى نعيش هذا النُّور نور الإسراء والمعراج الذّي سيكون لنا، النَّبي عليه الصَّلاة والسَّلام بعد رحلة الإسراء والمعراج كثيرٌ من الأمور كانت تمُتُّ بِصلةٍ إلى الإسراء والمعراج وإلى ما عايشه رسول الله، وإلى ما رآه في هذه الرِّحلة المُباركة، فاستفاد منها الصَّحابة الكرام استفادةً عظيمة، جديرٌ بنا أن نقرأ الإسراء والمعراج لنستلهِم منها الدُّروس والعِبر والمواعِظ وأن نقرأ ونسمع أكثر وأكثر، وأن نَعزم النّية على إتباع النَّبي عليه الصَّلاة والسَّلام.

الدعاء والخاتمة:
اللهم ثبتنا بقولك الثابت في الحياة الدُّنيا وفي الآخرة، اللهم ثبتنا بقولك الثَّابت في الحياة الدُّنيا وفي الآخرة يا رب العالمين، اللَّهم أعِنا على ذكرك وشُكرك وحُسن عبادتك ولا تجعلنا من الغافلين، اللهم يا رب ثبّتنا بقولك الثَّابت في الحياة الدُّنيا وفي الآخرة، واختِم لنا بالحُسنى، اللهم ارزقنا حُسن الخاتمة، واحفظنا يا إلَهَنَا من سوء الخاتمة، وصلى الله وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه والحمد لله رب العالمين وجزاكم الله خيراً .
شاركوا هذه المعلومات مع أهلكُم فرُبَّ مُبلّغٍ أوعى من سامع،
نَضَّرَ اللَّهُ امْرَأً سَمِعَ مِنَّا شَيْئًا فَبَلَّغَهُ كَمَا سَمِعَ، فَرُبَّ مُبَلِّغٍ أَوْعَى مِنْ سَامِعٍ
نضَّر الله امرءً سمع منا مقالةً فبلّغها فرُبَّ مبُلّغٍ أوعى من سامع، فلذلك بلّغوا ما تسمعوه من خيرٍ لأهلكُم لإخوانكم، وشاركوا هذا الخير لعلَّ الله تعالى يجعل لنا ولكم فيه نصيباً كبيراً بإذن الله تعالى، حياكُم الله جميعاً.